عاشق سوري بامتياز

[المحامي نادر الخليل]

عندما يتحدث نزار قباني عن دمشق, من السهل جدا ان تتخيل كيف يمكن لمدينة بالكامل ان تستحم بالياسمين ,
وكيف يمكن لرجل ان يسكن في قارورة من العطر ,
نعم فقط اذا سمعت نزار يتحدث عن دمشق ,
يمكنك ات تتخيل عجائزها تحيك بالصنارة اثوابا من الصوف وهن جالسات في فسحة الدار ,
وقطط تموء حول بحرة البيت الدمشقي القديم , متثائبة متطاولة ,كيف يمكن ان تتحول عريشة العنب وشجرة النارنج الى الى توأم بالميلاد ,
اذا نعلم ان نزار عاشق لدمشق حتى الثماله , لكنه بالتأكيد ليس العاشق الوحيد , عشقي لبلدي ومدينتي عشق ازلي , حمص مدينة وادعة ,
لا يمكن لشاعر الا ان يظن ان حجارتها السوداء معمدة بالطيبه , وان شوارعها الانيقه تحكي حكايا اهلها الطيبين , حمص مدينة يسكنها الايمان ,
في نفوس اهلها في طيبة اخلاق اهلها,
في بساطتهم , يمكنك ان تتخيل حمص كأغنية فيروز الصباحيه ,
ناعمة ساحرة كالحلم , قضيت في شوارعها ايام وسنوات ,
اذكر احدى الحوادث وكنت يومها طالب في الثانويه ,
استأجرت غرفة في احدى ضواحيها اظنها المهاجرين ,
واذكر باص البلديه الطويل الابيض , ويومها كان الجو ماطرا باردا خيرا ,
وكنت جالسا في الباص فصعدت فتاة ووقفت بجانبي والباص ممتلئ عن اخرة وقوفا وقعودا,
فتحركت في داخلي تربية الريف البسيطه وتذكرت كلمات ابي ووصاياه لي تلك التي تقول: يجب ان تساعد الجميع طالما انت قادر ,
يجب ان تحترم الصغير قبل الكبير ,
وفعلا قلت لها تفضلي اجلسي مكاني , كل شي كنت اتوقعه الا ان اهان منها : فاجابت انت انسان وقح و... و... و... الى اخره من الكلام ,
واني اريد ان اجلسها بجانب صديقي ,
في البدايه لم اعرف ما اجيبها لكني في النهايه قلت يا انسه والله اني لا اعرف هذا الشخص ,
احسست بجبل الاهانة يطبق على صدري حتى اني فكرت بالنزول من الباص ,
وفجأة وجدت رجلا طاعنا في السن يتقدم من امام الناس الواقفين صارخا: اوقف الباص اوقف الباص افتح ورا افتح ورا وفعلا وصل الينا ,
فقاللها: انت فتاة قليلة تربيه وبدأ يقتص منها رويدا رويدا حتى انهى كلامه انزلي من الباص ,
انزلي والا سأجرك من شعرك , فعلا لملمت حاجيتها ونزلت ,
التفت الي الرجل وقال : اجلس عم اجلس مكانك , زماننا سيئ فطول بالك, قلت يا عم انت اثبت ان زماننا ممتاز بوجود امثالك ,
وهنا احسست ان نار الاهانه قد ذهبت واحسست ان الحق اعيد الى نصابه ,
هذا هو شعب حمص وناسها واهلها بالتأكيد الفتاة ليست هي المثال بل هذا الرجل المسن الذي لم يقبل ان يكافأ عمل الخير بالاهانه ,
فوقف في وجهه, هذه عينة من شعب حمص وشعبنا بشكل عام ,هذا الشعب الذي جبل على الخير ,
لذلك اقول : عاشت دمشق في ضمير نزار ونحن تعيش في
ضمائرنا دمشق وحمص وحلب وكل بلدة في سوريا , لان سوريا بمجملها تستعمر فكرنا وعقلنا ومخيلتنا.
حما الله هذه الارض , وهذا الشعب لانه والله لا يستحق الا الخير.