بعد الاطلاع علىالأوراق ، والمداولة .
حيث إن الوقائع على ما يتبين من حكم الإحالة وسائر الأوراقتتحصل فى أن المدعى كان قد أقام أمام محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدعوى رقم 2104 لسنة 55 قضائية ، طالباً الحكم بوقف تنفيذ وإلغاء القرار الصادر بالموافقة علىنقل الصيدلية الخاصة بورثة المرحوم الصيدلى إبراهيم إبراهيم فياض إلى العقار الكائنبدائرة قسم العامرية ، والذى يقع على مسافة أقل من مائة متر من صيدلية المدعى ،بالمخالفة لحكم المادة (30) من قانون تنظيم مهنة الصيدلة . وقد تدخل فى تلك الدعوىكل من عبد الرحمن إبراهيم إبراهيم أبو حادى ، وعرفة على أحمد على منضمين إلى جهةالإدارة ، بعد أن تنازل لهما ورثة المرحوم إبراهيم فياض عن الصيدلية موضوع الدعوى ،وإذ تراءى لمحكمة الموضوع أن قيد المسافة الوارد بالمادة (30) من القانون رقم 127لسنة 1955 غير مبرر وتثور بشأنه شبهة عدم الدستورية ، فقد أحالت الدعوى إلى هذهالمحكمة للفصل فى دستوريته .
وحيث إن ما دفعت به هيئة قضاياالدولة من عدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة بقالة أن حكم الإحالة قد أضر بمركزالمدعى فى دعواه الموضوعية ، ولن يحقق له فائدة عملية من الدعوى الدستورية ، إذ لايعود الإخلال بالحقوق التى يدعيها إلى النص المطعون عليه ، مردود بما استقر عليهقضاء هذه المحكمة من أنه يكفى لتوافر شرط المصلحة فى الدعوى الدستورية أن يكونالحكم فيها مؤثراً فى مسألة كلية أو فرعية تدور حولها الخصومة فى الدعوى الموضوعيةدون أن يمتد ذلك لبحث شروط قبول تلك الدعوى ، أو مدى أحقية المدعى فى الدعوىالدستورية فى طلباته أمام محكمة الموضوع والتى تختص هذه الأخيرة وحدها بالفصل فيها . وإذ كان الفصل فى دستورية النص المطعون فيه يشكل مسألة أولية مطروحة على محكمةالموضوع يتوقف عليها الفصل فى الدعوى الموضوعية ، فإن شرط المصلحة يعد متوافراً فىهذه الدعوى .
وحيث إنه بالنسبة لطلب نقيب الصيادلة التدخل انضمامياً إلىالمدعى فى الدعوى الدستورية ، فإن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أنه لا يقبلتدخل من لم يكن خصماً فى الدعوى الموضوعية ، وإذ لم يتدخل نقيب الصيادلة أمام محكمةالقضاء الإدارى ، فإن القضاء بعدم قبول تدخله فى هذه الدعوى يكون لازماً . ولا ينالمن ذلك قبول تدخله أمام المحكمة الإدارية العليا فى الطعنين رقمى 7542 ، 8393 لسنة 48 ق " عليا " المقامين طعناً على حكم الإحالة ، ما دام أن هذا الأمر قد تم بعد أندخلت الدعوى فى حوزة المحكمة الدستورية العليا واتصلت بها اتصالاً صحيحاً مطابقاًللقانون .
وحيث إن النص فى المادة (30) المطعون عليها على أنه " لا يمنح الترخيص بإنشاءصيدلية إلا لصيدلى مرخص له فى مزاولة مهنته يكون مضى على تخرجه سنة على الأقل قضاهافى مزاولة المهنة فى مؤسسة حكومية أو أهلية ، ويعفى من شرط قضاء هذه المدة الصيدلىالذى تؤول إليه الملكية بطريق الميراث أو الوصية ، ولا يجوز للصيدلى أن يكون مالكاًأو شريكاً فى أكثر من صيدليتين أو موظفاً حكومياً .
ويراعى ألا تقل المسافة بينالصيدلية المطلوب الترخيص بها وأقرب صيدلية مرخص لها على مائة متر " .
وحيثإن حكم الإحالة ينعى على قيد المسافة المحدد بالنص المطعون عليه أنه لم يحقق الغايةالتى هدف إليها المشرع من إصدار قانون مزاولة مهنة الصيدلة بالتوفيق بين الاعتبارينالإنسانى والتجارى ، فضلاً عن إخلاله بمبدأ تكافؤ الفرص ، وبالحق فى العمل ،وبالحماية المقررة للملكية الخاصة ، وحرية التعاقد ، ومبدأ المساواة بالمخالفةلنصوص المواد 8 و13 و32 و34 و40 من الدستور .
وحيث إن النعى فى وجهه الأولمردود ، ذلك أن المشرع قد راعى بقيد المسافة طبيعة عمل الصيدليات وكونها مراكزللخدمة العامة تؤدى خدمات متنوعة فى إسعاف المرضى وتوفير الدواء اللازم لهم فعملعلى انتشارها انتشاراً يتناسب وتوزيع الكثافة ، السكانية ، على تقدير أن انتشارهافى أماكن متقاربة ، على النحو الذى أوجبه يكفل تأدية هذه الخدمات الضرورية ويقربهامن طالبيها دون عنت أو إرهاق ، ويحول دون تجمعها كلها أو بعضها فى مكان واحد فيمالو لم يشترط هذا القيد مما يؤدى إلى خلو بعض الأماكن من وجود صيدلية توفر مثل هذهالخدمات الضرورية ، ويكبد المواطنين مشاق الانتقال إلى مسافات قد تطول لأكثر منمائة متر . وقد كشفت المذكرة الإيضاحية للقانون 127 لسنة 1955 عن هدف المشرع منتنظيم مهنة الصيدلة بوصفها مهنة وليست تجارة تستهدف المضاربة والسعى للحصول علىالربح ، كما نظر إلى الصيدليات بوصفها مراكز للخدمة العامة ، فأفسح مجال إنشائهاوزيادة عددها ، بعد أن كان القانون السابق يخصص لكل إثنى عشر ألفاً من السكانصيدلية واحدة ، فجعل حق فتح الصيدليات مباحاً مع مراعاة ألا تقل المسافة بين كلصيدلية وأخرى عن مائة متر لضمان انتشارها وتوزيعها توزيعاً مناسباً لأداء الخدماتالتى تقوم بها فى توفير الأدوية وإجراء الإسعافات الأولية للمرضى . إذ كان ذلك ،وكان الأصل فى سلطة المشرع فى موضوع تنظيم الحقوق أنها سلطة تقديرية ما لم يقيدهاالدستور بضوابط معينة ، وكان جوهر السلطة التقديرية يتمثل فى المفاضلة التى يجريهاالمشرع بين البدائل المختلفة لاختيار ما يقدر أنه أنسبها لمصلحة الجماعة وأكثرهاملاءمة للوفاء بمتطلباتها فى خصوص الموضوع الذى يتناوله بالتنظيم ، وكان النصالمطعون فيه قد رجح المصلحة التى وجدها المشرع أولى بالرعاية وأجدر بالحماية ، وهىمصلحة جمهور المرضى المحتاجين للدواء بتقريب الصيدليات العامة إليهم عن طريق قيدالمسافة ، وبما يبعد المزاولين لمهنة الصيدلة عن المنافسة غير المشروعة حفاظاً علىالطابع الإنسانى لهذه المهنة التى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بصحة وحياة المرضى ، ومنثم فإن قالة مخالفة النص التشريعى المطعون فيه للدستور من هذه الناحية يكون فى غيرمحله .
وحيث إن مبدأ تكافؤ الفرص ، يتصل بالفرص التى تتعهد الدولة بتقديمها ،وإعماله يقع عند التزاحم عليها ، وأن الحماية الدستورية لتلك الفرص غايتها تقريرأولوية فى مجال الانتفاع بها لبعض المتزاحمين على بعض وفقاً لأسس موضوعية يقتضيهاالصالح العام ، وإذ كان النص المطعون عليه لا شأن له بفرص يجرى التزاحم عليها ، فإنقالة مخالفته لنص المادة الثامنة من الدستور لا يقوم على أساس سليم .
وحيثإن النعى على النص المطعون عليه إخلاله بحق العمل بتقييد حرية المواطنين فى مباشرةنشاطهم المشروع ، مردود بأن المشرع يهدف بقيد المسافة إلى إفساح المجال لإنشاءالصيدليات العامة وتقريبها من المواطنين بدلاً من تقييد إنشائها بخدمة عدد معينمنهم ، ومن ثم فإن النص المطعون فيه لا ينطوى على مصادرة للحق فى العمل وإنما يعدتنظيماً له وهو أمر يملكه المشرع بمقتضى سلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام .
وحيثإن النعى بأن النص المطعون عليه يخل بالحماية المقررة لحق الملكية وحرية التعاقد ،مردود بما يجرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن الملكية فى إطار النظم الوضعية التىتزاوج بين الفردية وتدخل الدولة لم تعد حقاً مطلقاً ، ولا هى عصية على التنظيمالتشريعى ، وإنما يجوز تحميلها بالقيود التى تقتضيها وظيفتها الاجتماعية ، وهىوظيفة يتحدد نطاقها ومرماها على ضوء طبيعة الأموال محل الملكية والأغراض التى ينبغىتوجيهها إليها ، وبمراعاة الموازنة التى يجريها المشرع ويرجح من خلالها ما يراه منالمصالح أولى بالرعاية وأجدر بالحماية ، وأن ذلك يدخل فى إطار السلطة التقديريةالتى يملكها المشرع فى مجال تنظيم الحقوق . كما أن حرية التعاقد أياً كان الأصلالذى تتفرع عنه أو ترد إليه لا تعنى على الإطلاق أن يكون لسلطان الإرادة دور كاملونهائى … بما مؤداه أن للمشرع أن يرسم للإرادة حدوداً لا يجوز أن يتخطاها سلطانها ،ليظل دورها واقعاً فى دائرة منطقية ، تتوازن الإرادة فى نطاقها بدواعى العدل وتحقيقالصالح العام . وهو ما هدف المشرع إلى تحقيقه بالنص المطعون عليه .
وحيثإن ما نعاه حكم الإحالة على النص المطعون فيه من مخالفته لمبدأ المساواة المنصوصعليه فى المادة (40) من الدستور ، إذ قصر قيد المسافة على مهنة الصيدلة وحدها دونسائر المهن ، مردود بأن تنظيم المشرع لأوضاع مهنة الصيدلة ، أمر يختلف عن تنظيمالمهن الأخرى الطبية منها وغير الطبية ، وأن طبيعة مهنة الصيدلة وما تتطلبه منتوزيع الصيدليات على نحو يقربها من طالبى خدماتها ولا يؤدى إلى تجمعها كلها أوبعضها فى مكان واحد ، هى التى دعت إلى هذا القيد ، وهو أمر يملكه المشرع بمقتضىسلطته التقديرية ولمقتضيات الصالح العام ، إذ له أن يضع شروطاً موضوعية تتحدد بهاالمراكز القانونية التى يتساوى بها الأفراد أمام القانون من أبناء المهنة الواحدة . إذ كان ذلك ، وكان مبدأ المساواة أمام القانون وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمةلا يعنى أن تعامل فئاتهم على تباين مراكزهم القانونية معاملة قانونية متكافئة ، ولامعارضة صور التمييز على اختلافها ، ذلك أن من بينها ما يستند إلى علاقة منطقية بينالنصوص القانونية التى تبناها المشرع لتنظيم موضوع معين ، والنتائج التى رتبهاعليها ليكون التمييز بالتالى موافقاً لأحكام الدستور . وإذ جاء النص المطعون فيهبصورة عامة مجردة تسرى على جميع الصيدليات العامة دون تمييز بينها ، فإن قالةمخالفته لنص المادة (40) من الدستور ، يكون غير صحيح .
وحيث إن النص المطعون عليه لايخالف حكماً آخر فى الدستور فإنه يتعين الحكم برفض الدعوى .