[align=center]وجهة نظر القانون الدولي في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول
( العلاقات السورية اللبنانية ) [/align]
[align=left]بحث للدكتور أحمد عبد العزيز : رئيس قسم القانـون الدولي - كليـة الحقـوق - جامعة دمشق [/align]
[align=justify]بعد القرار السوري الحكيم والشجاع بالانسحاب من لبنان وإتمامه بتاريخ 26/4/2005 واقع جديد فرض نفسه ، البعض لا يرى سوى النصف الفارغ من الكأس وينظر إلى الانسحاب بأنه أثر على الموقف السوري سلباً وأن الوجود السوري في لبنان اعتراه الكثير من العثرات والسلبيات والأخطاء وفي هذا القول جزء من الحقيقة ، والبعض الآخر ينظر إلى النصف الآخر من الكأس ويرى فيه الكثير من الايجابيات التي تفوق السلبيات بكثير وأولها اتفاق الطائف الذي كان ثمرة جهود مضنية بين جميع الفرقاء أخرجت لبنان من دائرة العنف والحرب الأهلية والتقسيم وأصبح دستوراً للبنان ، ولا أحد يستطيع أن ينكر بأن لسورية أياد بيضاء في رعاية ذلك الاتفاق وإخراجه ومروراً بمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين البلدين وإقامة المجلس الأعلى السوري اللبناني وإبرام الكثير من الاتفاقيات على مختلف الأصعدة وانتهاءً بما توصل إليه البلدان من تقدم في مسيرة التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بين البلدين ومن هنا تبرز الحاجة الماسة إلى متابعة دراسة وترشيد ومتابعة تنفيذ تلك الاتفاقيات وربما مراجعة بعضها بهدف التكامل الفعلي والحقيقي بين البلدين في جميع المجالات ، ومن هنا أيضاً تتحمل النخبة المثقفة الواعية في كلا البلدين مسؤولية كبيرة في هذا الاتجاه لأن فيه خير البلدين على وجه التأكيد وخاصة في عالم تسوده التكتلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية فما أحوج بعضنا إلى بعض فسورية ولبنان يشكل كل منهما رئة للآخر ومجالاً حيوياً له ، وعلى تلك النخبة الواعية إقناع الذين ينظرون فقط إلى النصف الفارغ من الكأس بوجهة النظر هذه بالدليل والحجة ومناقشة جميع المسائل المطروحة بكل شفافية وجرأة وواقعية .
فقد تتالت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين سوريا ولبنان فمنذ أن دعا "سولانا" إلى إقامة علاقات بين الدولتين " تماماً كما هو الحال بين سورية والأردن " على حد قوله ، جاءت دعوة السيد كوفي أنان مؤخراً إلى وجوب إقامة علاقات دبلوماسية بين سورية ولبنان وهذا ما استند إليه غبطة البطريرك صفير بقوله : إن الأمم المتحدة توجب إقامة علاقات دبلوماسية بين سورية ولبنان ، وأخيراً لا آخراً ما صرح به العماد ميشيل عون لدى عودتـه مـن فرنسا إلى لبنان بأن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين هو الدليل على "اعترافهم بلبنان" .
في الواقع إن هذا الخلط في مفاهيم العلاقات الدولية وازدياد التدخل الخارجي لإلزام الدول على إقامة علاقات دبلوماسية فيما بينها يخالف صراحة اتفاقية فيينا لعام 1961 المتعلقة بإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول ، وربط مسألة الاعتراف بالدول فيما بينها بمسألة إقامة العلاقات الدبلوماسية هو ما دعانا إلى كتابة هذه المقالة لإيضاح النقاط الآتية :
1- مفهوم العلاقات الدولية وآلية تنظيم العلاقات السورية اللبنانية .
2- أن مسألة الاعتراف بالدول فيما بينها أمر مستقل عن مسألة التبادل الدبلوماسي .
3- ليس هناك إجبار في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول فالمادة الثانية من اتفاقية فيينا لعام 1961 تنص صراحة على أن هذه العلاقات تقوم على مبدأ الرضا بين الدول وليس الإلزام أو الوجوب .
4- أهـم الأحكـام القانـونية الـدولية النـاظمـة للعـلاقات الدبلوماسية وفقاً لاتفاقية فيينا 1961 .
5- كيفية إنشاء العلاقات الدبلوماسية وإنهائها والأجهزة التي تتم تلك العلاقات على يدها وما هو مركزها القانوني .
في الواقع إن العلاقات الدولية ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها لأنها تعبر في الميدان الأول عن حاجة التواصل التي تطرحها الطبيعة الإنسانية على الأفراد أنفسهم ، كما تفرضها على الجماعات البشرية ، ويدل التطور التاريخي أن هذه العلاقات لم تكن في بداية عهدها إلا في صغائر الأمور ولكن تطور الاتصالات والمواصلات خاصة أثرت عليها ووسعتها .
هذا وقد كانت السمة المميزة للعلاقات الدولية في الفترة السابقة على ميلاد التنظيم الدولي هي سمة الانطواء والعزلة حيث كانت كل إمبراطورية تتوجس خيفة من غيرها من الإمبراطوريات الأخرى بل وتتربص بها الدمار حتى إذا ما سنحت لها الفرصة التهمتها قبل أن تقع هي نفسها فريسة لغيرها .
وهكذا لم يكن غريباً أن منطق القوة هو الذي يحكم العلاقات الدولية في فترة ما قبل التنظيم الدولي ولم تكن الدول آنذاك تدخل مع غيرها في علاقات إلا في أضيق الحدود .
ثم جاءت الثورة الصناعية لتبشر بميلاد عهد جديد في تاريخ العلاقات الدولية حيث تزايد الإنتاج بشكل فاق حاجة الأسواق المحلية مما أدى إلى ضرورة البحث عن أسواق خارجية لتصريف تلك المنتجات كما أن تلك الثورة ولدت نتائج حديثة وسريعة للاتصالات مما ضيق المسافات بين الدول وأصبح من السهل الاتصال بالدول الأخرى .
ومن جهة أخرى فإن الحروب التي نشبت بين الإمبراطوريات الاستعمارية لتقاسم مناطق النفوذ في العالم أدت إلى ضرورة البحث عن أسلحة أشد فتكاً وتدميراً بالعدو فظهرت الأسلحة ذات القوة التدميرية الهائلة فكانت أحد العوامل التي غيرت من مجريات العلاقات الدولية وأظهرت حاجة ملحة لإيجاد بديل عن منطق القوة قبل أن تلتهم نيرانها القوي والضعيف في آن واحد ، ومن هنا ظهرت فكرة الصالح المشترك للدول التي أدت بدورها إلى التعاون فيما بينها ، وهذا التعاون يتخذ أشكالاً مختلفة فقد يكون تعاوناً دولياً وليد ظروف عابرة ولا يتأسس بالتالي على اتفاق مسبق بين الدول القائمة به ولم يتبع بشأنه إجراءات قانونية تهدف إلى تنسيق نشاطات هذه الدول لتحقيق ذلك التعاون وهذا ما يطلق عليه "التعاون الواقعي" كقيام عدة دول تقع على نهر دولي معين بعملية تنظيفه وإعداده للملاحة كل في نطاق إقليمها دون وجود اتفاق سابق .
وقد يكون التعاون مستقراً وثابتاً وبالتالي تكون وسائله ذات طبيعة مستقرة وثابتة ومثاله عقد المؤتمرات الدولية التي يتفق على انعقادها بصفة دورية بهدف بحث موضوعات تتعلق بالمصالح المشتركة بين الدول .
وبما أن العلاقات الدولية ليست في الأصل إلا علاقات حقوقية فإنها تخضع لأحكام دولية تنظيمية عامة مقررة من حيث الشكل والأساس بحيث أن الشكل موحد كما أن الأساس يضمن الحاجات الاجتماعية المتكونة في المجتمع الدولي وتلك الأحكام الحقوقية منها ما هو مقرر بطريقة عرفية ومنها ما يتبع الطريقة المقننة ، ولقد كانت معاهدة فيينا لعام 1961 ثمرة الاهتمام الدولي بتطوير القواعد الخاصة بالتمثيل الدبلوماسي وبتقنين ما هو مستقر بالفعل من قواعد عرفية منظمة لهذه العلاقات . وقد انضمت الجمهورية العربية السورية لتلك الاتفاقية عام 1977 .
- الآلية الحالية لتنظيم العلاقات السورية - اللبنانية :
إن الآلية القانونية التي تنظم العلاقات السورية اللبنانية متوفرة حالياً عبر معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق وما أنشأته من أجهزة مشتركة كإطار حاضن لحوار موضوعي يأخذ العبر مما مضى ويرسم ملامح المستقبل وقد جاءت هذه المعاهدة لتجسد عملياً ما نص عليه اتفاق الطائف بشكل صريح والذي جاء فيه : "تقوم بين سورية ولبنان علاقات مميزة تستمد قوتها من جذور القربى والتاريخ والمصالح الأخوية المشتركة وهو مفهوم يرتكز على التنسيق والتعاون بين البلدين وسوف تجسد اتفاقيات بينهما في شتى المجالات " ، وهذا يؤكد حقيقة مفادها أن موضوع العلاقات المميزة بين البلدين هو ثابت وفاقي أساسي من الثوابت التي نص عليها الطائف .
وانطلاقاً من هذه الرؤية لطبيعة العلاقات المميزة جاءت المعاهدة لتشكل قفزة نوعية في مسيرة العلاقات بين البلدين خلال المرحلة التاريخية الحديثة وذلك لعدة أسباب تتمثل في : إرساء قواعد التعاون والتنسيق على الروابط الأخوية المميزة التي تستمد قوتها من جذور الانتماء والمصير الواحد ومن التاريخ المشترك والمصالح المشتركة والإيمان الراسخ بأن تحقيق أوسع مجالات التعاون والتنسيق إنما يخدم المصلحة العليا المشتركة للبلدين ويوفر السبل لضمان تطورهما وتقدمهما وحماية امنهما إضافة إلى شمولها جميع أوجه التعاون السياسي والأمني والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي مما يساعد على فتح قنوات التفاعل بين البلدين وعلى إعادة الدورة الحياتية الواحدة إلى حالتها الطبيعية كما تتمثل في تأكيد صريح وواضح لا لبس فيه على أن يتم كل ذلك في إطار سيادة واستقلال كل من البلدين وفي إطار القواعد الدستورية والأنظمة والقوانين المعمول بها في البلدين .
ومـن أجـل تحقيـق هذه الأهداف كما يقول الأمين العام للمجلس الأعلى السوري اللبناني فقد نصت المعاهدة فـي مـادتهـا السادسـة على إنشاء أجهزة مشتركة : المجلس الأعلى - هيئـة المتابعة والتنسيق - اللجان الوزاريـة المتخصصة - الأمانة العامة للمجلس ، وحددت صلاحياتها والمهام الملقاة على عاتقها ، بالإضافـة إلى اللجان الوزارية المشتركة التي تشكل إطاراً كافياً لمعالجة كل ما قد يعتـري العلاقات مـن صعوبات وعراقيل ولرسم الآفاق المستقبليـة للعلاقـات فيما لـو مارست دورها بالشكل المطلـوب والمتفـق عليه ، وفي إطار تلك المعاهدة وفي إطـار الأجهزة واللجان المشتركة تـم التوصل إلى تحقيـق الكثير من الخطوات التي تجسدت بمجموعة مـن الاتفاقيات : ذات الطابع السياسي والدفاعي والاقتصادي والاجتماعي ( اتفاق التعاون الاقتصادي والاجتماعي الذي وقع في أيلول 1993 وما نشأ عنه ) والخدماتي والثقافي والتربوي والإعلامي والقضائي ، إضافة إلى اتفاقات بين تجمعات رجال الأعمال والمنظمات الشعبية .
- القوة القانونية للمعاهدات :
المعاهدة السورية اللبنانية هي ميثاق دولي موقع بين الدولتين ومصدّقة قانونياً ودستورياً من قبل مجلس الشعب في سورية ومجلس النواب في لبنان ومودعة لدى الأمم المتحدة أصولاً وللمعاهدات قوة قانونية أقوى من القوانين الداخلية فالمعاهدة عندما توقع من قبل السلطة التنفيذية مع دولة أخرى لا تصبح سارية المفعول إلا بعد تصديقها من قبل السلطة التشريعية لكل دولة وبعد المصادقة عليها تصبح بمثابة القانون الداخلي للدولة وتتمتع حينها بقوة مزدوجة : قوة المعاهدة الدولية الناشئة عن إرادة دولتين وقوة القانون الداخلي للدولة الذي يجب أن يكون متوافقاً مع دستور تلك الدولة ، أضف إلى ذلك أنه لا يجوز للدول أن تسن تشريعات داخلية تتعارض مع أحكام المعاهدة التي التزمت بها وفي حال حصول ذلك أي حصول تعارض بين المعاهدة والقانون الداخلي فأحكام المعاهدة هي التي تسمو وتطبق سواءً أكانت المعاهدة سابقة أم لاحقة للتشريع الداخلي ، كما أن التحلل من أحكام تلك المعاهدة يحتاج إلى نفس إجراءات الإبرام والتصديق ، أما إذا ألغت إحدى الدول المعاهدة من جانب واحد فإنها تعرّض نفسها للمساءلة الدولية .
ومن الناحية العملية الواقعية فاتفاق الطائف يعد وثيقة الوفاق الوطني في لبنان وقد نص في ثلاث فقرات منه على موضوع العلاقة بين سورية ولبنان وإن أي محاولة في المستقبل لضرب العلاقات المميزة بين لبنان وسورية عبر الانقضاض على المعاهدة أو الانقضاض على اتفاق الطائف هي مخالفة للقانون الدولي ويعرض الطرف المخلّ بالاتفاقات الدولية للمساءلة الدولية كما أنه يعتبر ضرباً لمقومات الوحدة الوطنية في لبنان ولمقومات الميثاق الوطني ، ومن يقدم على مثل هذه الخطوة أو يطالب بها فمعنى ذلك أنه يقدم على خلخلة أسس التفاهم الوطني والميثاق الوطني في لبنان ، والعلاقات السورية اللبنانية هي ثابت من ثوابت الوفاق الوطني اللبناني والشعب اللبناني معظمه لا يوافق على أي مس بهذا الثابت ولم نسمع أحداً إلا ما ندر يقول أنه يريد ضرب العلاقات السورية اللبنانية ، كل الأصوات في لبنان حتى المعارضة التي تقسـو في بعض الأحيان على العلاقات تطالب بتفعيلها وتصحيح الأداء ، وبتعميقها ، وكل الاتفاقيات خاضعة للمناقشة بين البلدين في إطار المؤسسات المشتركة التي أنشأتها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق وكل الأمور قابلة للحوار وقابلة لإيجاد حلول لها على ضوء المصلحة المشتركة للبلدين وفي إطار الحوار بين الدولتين في سورية ولبنان .
من هذا المنطلق فالعلاقات المستقبلية يجب أن تتم في إطار المعاهدة وفي إطار المؤسسات المنصوص عليها في المعاهدة وهي بحاجة إلى وقفة تأمل ومراجعة وتقييم للمراحل السابقة من أجل الاستفادة من جميع الأخطاء والعثرات والثغرات التي اعترت عملية تطبيق الاتفاقيات وعمل الأجهزة المشتركة السورية اللبنانية المنصوص عليها في المعاهدة .
كما يتوجب الإسراع بوضع رؤية جديدة وتصور مستقبلي للعلاقات السورية اللبنانية في مختلف المجالات وبشكل خاص في مجال العلاقات السياسية والدفاعية والاقتصادية والاجتماعية ، والمباشرة الفورية بتنفيذ ما يتم الاتفاق بشأنه خاصة لجهة تحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي والوصول إلى السوق المشتركة إضافة إلى متابعة تنفيذ المشاريع المشتركة المقررة وبأقصى سرعة ممكنة والانكباب على تنفيذ قرارات المجلس الأعلى الأخيرة ولاسيما تلك المتعلقة بإقامة جدار جمركي موحد وتنظيم موضوع العمالة وسائر القرارات الأخرى ، وفتح قنوات التفاعل الشبابي والطلابي والشعبي على مصراعيها وتشجيع الحوار ما بين مختلف الشرائح السياسية والاجتماعية والثقافية في البلدين من أجل التوصل إلى فهم مشترك للتحديات والصعوبات والمصلحة المتبادلة في مواجهتها بشكل مشترك .
إن الذين يعتبرون أن جميع الاتفاقيات التي عقدت بين سورية ولبنان خلال الفترة الماضية لاغية لأن لبنان لم يكن يتمتع "بالأهلية القانونية" على حد قولهم وكان ضحية غبن وقع عليه "لهم في ضلال مبين" ويتجاهلون قصداً الآثار القانونية والاجتماعية والسياسية التي تنجم عن ذلك ويعودون بالعلاقة بين البلدين إلى نقطة الصفر .
كما أن الاعتراف بدولة أخرى لا يعني إقامة علاقات دبلوماسية مباشرة معها وعدم إقامة العلاقات الدبلوماسية لا يعني الانتقاص من ذلك الاعتراف ، لكن الظروف والمصالح المشتركة هي التي تفرض ذلك نتيجة مباحثات ومفاوضات وبرضا الطرفين وعادة ما تكون إقامة العلاقات الدبلوماسية تلبية لحاجات ملحة بين دولتين وتشكل نقطة البداية في إنشاء وتنمية وتشجيع العلاقات على مختلف الأصعدة .
أما فيما يتعلق بسورية ولبنان فمن ناحية هناك اعتراف رسمي لا لبس فيه ولا غموض بسيادة واستقلال لبنان من قبل أعلى سلطة في سورية ، وهناك معاهدات تنظم العلاقات بين البلدين في جميع المجالات وهذا لا يعني بأي حال أنه لا حاجة لإقامة العلاقات الدبلوماسية وإنما المسألة قابلة للدرس في الوقت المناسب لكن لا إلزام في إقامة العلاقات الدبلوماسية ولا أحد يحق له أن يتدخل في هذا الموضوع سوى السلطات المختصة في كل من البلدين لا بل أن البعض يرى بأن السيد الأمين العام للمجلس السوري اللبناني الأعلى هو بمثابة "سفير مشترك" إن جاز التعبير لكل من سورية ولبنان نظراً للدور الهام الذي يقوم به على صعيد التنسيق والمتابعة بين البلدين !!
وفـي حـال رفـض هـذه التسمية أو الفكرة وإن كنـا لا نستطيـع أن ننكـر مضمونها لأنه فعلاً يقـوم بهـذا الدور ، فيمكن أن يكون له نائبين الأول سوري ويسمى بالسفير أو الأمين المساعد السوري ومقره بيروت والثاني لبناني ويسمى بالسفير أو الأمين المساعد اللبناني ومقره دمشق ، ويمكن لهذا الحل أن يُرضي الأطراف الذين ينادون بتبادل التمثيل الدبلوماسي وبنفس الوقت نحافظ على الآلية القانونية الحالية ( المجلس الأعلى السوري اللبناني ) والاتفاقيات التي تنظم هذه العلاقة ، ويمكن أن نرضي بهذه الصيغة الأطراف الذين يقولون بأن العلاقات السورية اللبنانية تتجاوز بكثير مجرد تبادل العلاقات الدبلوماسية لخصوصية هذه العلاقة وتميزها .
إن فتح سفارات بالمعنى الرسمي بين البلدين قد يعني تعقيداً للأمور وخاصة تعقيداً لحرية انتقال الأفراد والبضائع ، لنتصور مثلاً أننا بحاجة إلى مقر سفارة في بيروت مع عدد كبير من الموظفين وقنصليات في المدن الرئيسية مع عدد آخر من الموظفين ، وماذا لو ترسّمت العلاقات أكثر وأصبحت زيارة أحد البلدين تحتاج إلى تأشيرة دخول ، سيما وأنه في أيام العطلة الأسبوعية قد نجد ما يزيد عن /100/ ألف لبناني في سورية للتسوق وربما عدد مماثل سوري في لبنان فلنتصور كم هو عدد الموظفين الذين نحتاجهم لتلبية طلبات المواطنين من كلا الطرفين .
إننا نـرى في البيان المشترك الذي صدر إثر زيارة دولة رئيس مجلس الوزراء اللبناني محمد نجيب ميقـاتي إلى دمشق يـوم الأربعاء 4/5/2005 الذي تضمن تشكيل لجـان لتفعيل الاتفاقيات المعقودة ومراجعتها لبيان فيما إذا كان قد لحق غبناً بأحـد الطرفين وهنـا أنا على يقين بأن لبنان لم يلحق به أي نوع من أنواع الغبن لا بل أن جميع الاتفاقيات كانت تصب في مصلحة لبنان ( ماء وكهرباء وغاز وغيرها ) وهذا لا يعني أنني أقول العكس أي أن غبناً ما قد لحـق بالجانب السوري لأن العلاقة بين الأشقاء تكون دوماً لصالح الطرفين الشقيقين معاً ولمصلحة الشعبيـن في كلا البلدين ونحن بأمس الحاجة لتطور هذه العلاقات لدرجة التكامل التام ، ولتطبيق نمـوذج الاتحاد الأوروبي بين البلدين وإنشاء الجدار الجمركي الموحد الذي نادى به كميل شمعون منذ الخمسينيات ، وحرية تنقل الأشخاص والبضائع ،
والأشهـر القليلة القادمـة كفيلـة بتسوية بعض الأمور بين البلدين ومصلحة البلدين هي واحدة في ذلك .
- الأحكام القانونية الدولية الناظمة للعلاقات الدبلوماسية وفقاً لاتفاقية فيينا 1961 :
يرجع تاريخ البعثات الدبلوماسية إلى قرون ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام فلقد عرفتها كل من مصر الفرعونية وممالك آسيا كالهند القديمة والصين القديمة وكذلك عرفتها ومارستها إمبراطوريات الإغريق والرومان حيث كانت الدبلوماسية والعلاقات الدولية آنذاك تعبيراً عن السياسة الخارجية التي يرتضيها ويحدد الغرض منها الملوك والأباطرة .
ففي مصر الفرعونية مثلاً نجد عند الإطلاع على تاريخ الحقبة التاريخية أن الإمبراطوريات التي قامت فيها قد مارست نشاطاً دبلوماسياً كبيراً ، ويشهد على ذلك الوثائق الدبلوماسية التي تدل على قيام علاقات متنوعة بين الممالك القديمة ، تلك الوثائق التي كتبت باللغة البابلية ولعل خير مثال على ذلك المعاهدة التي أبرمت عام 1278 قبل الميلاد بين فرعون مصر وملك الحثيين التي نصت على مبدأ السلام الدائم والتحالف الدفاعي ضد أي عدوان خارجي أو ثورة داخلية ومبدأ فض الخلافات عن طريق التحكيم ... إلخ .
أما في المدن الإغريقية فقد كانت العلاقات تقر بينها في وقت السلم على التعاهد وتبادل البعثات الدبلوماسية .
وبعد ظهور الإسلام وانتشاره عرفت الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول (ص) نظام البعثات الدبلوماسية حيث اعتمدت أول الأمر وسيلة لنشر الدعوة الإسلامية فقد أرسل النبي (ص) الرسل داعياً الملوك والأمراء للإسلام وقد سار على نهجه خلفاؤه الذين استخدموا الرسل لنشر الدعوة الإسلامية قبل بدء الجهاد أو لتبادل الأسرى وإنهاء القتال بعد اندلاع الحرب .
إلا أن أهم ما كان يميز الدبلوماسية في تلك العصور أنها كانت دبلوماسية مؤقتة بمعنى أنه كان يتم إرسال بعثات لأداء غرض معين ولفترة محدودة يعود بعدها المبعوثون إلى حيث جاؤوا .
ولكن بحلول القرن الخامس عشر بدأ نظام البعثات الدبلوماسية بالتطور وذلك عندما تشابكت المصالح السياسية والاقتصادية والتجارية وتفجرت الثورة الصناعية وزادت الهجرات بين مختلف بلدان العالم مما أدى إلى تعدد الاتصالات الدبلوماسية ثم ديمومتها لرعاية تلك المصالح وحمايتها وبالتالي انتشر نظام السفارات الدائمة الذي انتقل من إيطاليا إلى غيرها من الدول الأوروبية ومع ذلك فإن استقرار نظام السفارات الدائمة لم يتم إلا بموجب معاهدة وستفاليا 1648 التي أنهت الحروب الأوروبية وأرست مبدأ توازن القوى في علاقات الدول الأوروبية حيث كان الهدف منها هو موافاة دولها بكل ما تحتاجه من معلومات عن الدول المنافسة ، وبعد انحسار الشك الذي كان يحيط بالبعثات الدبلوماسية ، حيث ازدادت حالات تدخل الدبلوماسيين في الشؤون الداخلية للدول المضيفة وكثرت حالات التجسس والاشتراك في مؤامرات قلب نظام الحكم ، أخذت الدول تقضي على العزلة في علاقاتها المتبادلة فأصبح تبادل التمثيل الدبلوماسي الدائم حقاً مقرراً لكل دولة مستقلة ذات سيادة ومبدأ ثابت من مبادئ القانون الدولي وبقيت القواعد القانونية الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية عرفية حتى عام 1815 حيث أصبح من دواعي الاستقرار في العلاقات الدبلوماسية الدولية أن يتفق حول تقنين المبادئ والقواعد التي تقرر حقوق وواجبات الممثلين وإنهاء ما ثار في العمل من خلافات ومنازعات بهذا الصدد .
وفي ذلك العام صدر عن مؤتمر فيينا 1815 اتفاقية تتناول مهام الدبلوماسيين وحصاناتهم وامتيازاتهم .
وفي عام 1818 انعقد مؤتمر أكس لاشابيل فعدل في ترتيب درجات الدبلوماسيين ومنذ ذلك الحين تتواصل الجهود وتبذل للوصول إلى تقنين دولي للدبلوماسية ، ولكن أهم تطور طرأ على أسلوب الدبلوماسية الذي كان سائداً في القرون ما بين السادس عشر إلى الثامن عشر هو انتقال الدبلوماسية من مرحلة السرية إلى مرحلة العلنية فحتى نهاية الحرب العالمية الأولى بقيت الدبلوماسية سرية إلى أن طالب الرئيس الأمريكي آنذاك في برنامجه للسلام الدولي الدائم بالأخذ بالدبلوماسية العلنية وكان من نتيجة ذلك أن ألزم ميثاق العصبة في المادة /18/ ثم ميثاق الأمم المتحدة في المادة /102/ الدول الأعضاء تسجيل معاهداتهم في الأمانة العامة بغية إعلانها وإطلاع الرأي العام العالمي على مضمونها .
كما أنه وبعد انتشار الأفكار الديمقراطية مع ما يفرضه ذلك من ضرورة رقابة الرأي العام على السياسة الخارجية أصبح بإمكان الفرد أن يعبر عن آرائه ومحاسبة حكامه ، وانعكس الأمر على البعثات الدبلوماسية فأصبحت علنية وأخذت تهتم بالرأي العام الخارجي وتتصل بالصحافة وتضم مستشارين إعلاميين .
كذلك تغير الأساس الذي يبني عليه الفقه فكرة التمثيل الدبلوماسي من اعتبار الممثل الدبلوماسي ممثلاً لشخصية الحاكم وارتباط العمل الدبلوماسي مع رغبات الأخير فأصبح الممثل الدبلوماسي ممثلاً لسيادة الدولة ومعبراً عن رغباتها في المحيط الخارجي .
على أن تطور العلاقات الدولية وظهور اهتمامات وميادين جديدة في هذا الصدد خاصة بعد الحربين العالميتين أدى بالضرورة إلى تطور الفن الدبلوماسي ، أدى إلى تفضيل الدبلوماسية الجماعية أي دبلوماسية المؤتمرات الدولية على طرق الدبلوماسية الثنائية التقليدية ، وإزاء ذلك التطور ظهرت الحاجة إلى إعادة النظر في بعض القواعد المنظمة للعلاقات الدبلوماسية والقائمين على أمرها .
وقد أثمر الاهتمام الدولي بتطوير القواعد الخاصة بالتمثيل الدبلوماسي باتفاقية فيينا لعام 1961 التي قننت ما هو مستقر بالفعل من قواعد عرفية منظمة للعلاقات الدبلوماسية وبالتالي أصبحت تلك الاتفاقية المصدر الأول والأساسي للقانون الدبلوماسي مع بقاء العرف الدولي في هذا المجال مجرد مصدر احتياطي يمكن اللجوء إليه في حال سكوت الاتفاقية .
وسنتناول فيما يلي أحكام القانون الدولي ( اتفاقية فيينا 1961 ) المتعلقة بكيفية إقامة العلاقات الدبلوماسية وإنهاؤها وبأنواع البعثات الدبلوماسية ومن هم أعضاء السلك الدبلوماسي وما هي مراتبهم وما هي واجباتهم ومهامهم وحدودها ؟ .
أولاً- إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول وإنهاؤها :
تبدأ المهمة الدبلوماسية عندما يباشر المبعوث الدبلوماسي عمله وتنتهي تلك المهمة في حالات محددة وبطرق معينة وسنتناول ذلك في الفقرتين التاليتين :
1- ابتداء المهمة الدبلوماسية :
نصت المادة /2/ من اتفاقية فيينا لعام 1961 على أن (( إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول وإيفاد بعثات دبلوماسية دائمة يتم بتراضي الطرفين )) .
يتضح من هذا النص أن إنشاء البعثات الدبلوماسية يتم بالرضا المتبادل بين الطرفين وبالتالي حق إقامة العلاقات الدبلوماسية وقطعها حق مطلق للدول ينطلق من مبدأ السيادة فكـل دولة مستقلة لهـا حـق إيفاد المعتمديـن الدبلوماسيين ( الجانب الإيجابي للدبلوماسية ) واستقبالهـم ( الجانب السلبي ) ولكن لا يمكنها إرغام دولة مستقلة ثانية على قبول معتمديها كما أنها لا ترغم هي على قبول معتمدي تلك الدولة ، كما أن تحديد مستوى هذه العلاقات أو نوعها يتم بإرادة الدول الحرة .
والتمثيل الدبلوماسي يتجسد في البعثات الدبلوماسية المتبادلة ، والقائمين بالمهام الدبلوماسية هم أشخاص يطلق عليهم بالممثلين أو المبعوثين الدبلوماسيين .
ونظراً للصفة التمثيلية التي يتصف بها المبعوث الدبلوماسي فإن مسألة المراسم ذات أهمية كبيرة في مجال القواعد المنظمة لهذه العلاقات لتعلق هذا بسيادة الدولة وما ينجم عن ذلك مـن ضـرورة مـراعاة واجب الاحتـرام لممثليها ولـذا فـإن المتبع بهـذا الشأن هو ترتيب الصدارة الخاص بالمبعوثين الدبلوماسيين بحسب درجاتهـم ( سفراء - فوزراء مفوضين - فقائمين بأعمال البعثة الدبلوماسية ) فإن تساووا جاء ترتيبهم بحسب أقدمية تقديم أوراق اعتمادهم .
وتبدأ عملية تعيين المبعوث الدبلوماسي بإخطار دولة الاستقبال باسمه مقدماً لأن من يقوم بهذه المهمة يراعى فيه الاعتبار الشخصي بمعنى أنه ينبغي أن يحوز مقدماً على رضا دولة الاستقبال وهذا ما يسمى بعملية الاستمزاج أي أن تعرض الدولة الموفدة اسم مرشحها لشغل منصب معين في البعثة لتبدي الدولة المستقبلة رأيها فيه سلباً أو إيجاباً ، فإن حاز المرشح على رضاها يكون شخصاً مرغوباً فيه persona grata وفي حال رفضها للترشيح يعني أن الشخص غير مرغوب فيه persona non grata وهنا لا تلتزم الدولة المضيفة أو المستقبلة ببيان أسباب الرفض ، وفي هذه الحالة إذا كانت الدولة حريصة على تحسين وتمتين علاقاتها بالدولة المستقبلة عليها تقديم مرشح جديد يحظى بموافقة الدولة المضيفة وهذا ما يجري عادة .
وبعـد أن تتـم هـذه المـرحلة وهـي مـرحلة غيـر رسمية عـادة يزود المبعوث الدبلوماسي ببعض الوثائق الرسمية تسمى أوراق الاعتماد لتقديمها إلى الجهات المعنية في دولة الاستقبال .
وكتاب الاعتماد هو كتاب موجه من رئيس دولة الإرسال إلى رئيس الدولة المعتمد لديها إلا إذا كان المبعوث من رتبة قائم بالأعمال فكتاب الاعتماد يكون من وزير خارجيته إلى وزير خارجية الدولة المعتمد لديها ، وكتاب الاعتماد هو وثيقة التفويض التي تخول صاحبها حق ممارسة وظيفة الدبلوماسية وحق التمتع بالمزايا والحصانات الدبلوماسية وباعتبار كتاب الاعتماد هو وثيقة شخصية تصدر من رئيس دولة إلى رئيس دولة أخرى فإنه قد يحتاج إلى تجديد في بعض الحالات وخاصة إن تغير الرئيس في إحدى الدولتين .
ولقد جرت العادة على أن يكون المبعوث الدبلوماسي من جنسية دولة الإرسال على أن هذا لا يمنع أن يكون متمتعاً بجنسية دولة ثالثة غير دولتي الإرسال والاستقبال ، بل قد يكون المبعوث الدبلوماسي حاملاً لجنسية الاستقبال ذاتها ولكن هذا المبعوث يتمتع بمركز خاص من حيث مدى الحصانات والامتيازات التي يتمتع بها وتبين ذلك المادة /38/ من اتفاقية فيينا لعام 1961 حيث قررت : ( أن الممثل الدبلوماسي الذي يكون من جنسية الدولة المعتمد لديها أو يكون محل إقامته الدائم بها لا يستفيد من الإعفاء القضائي أو من الحصانة الشخصية إلا بالنسبة للأعمال الرسمية التي يقوم بها خلال مباشرة مهامه ، ما لم تمنحه هذه الدولة مزايا وحصانات إضافية ) .
2- انتهاء العلاقات الدبلوماسية :
تنتهي العلاقات الدبلوماسية بقطعها وذلك في أعقاب توتر العلاقات بين دولتي الإرسال والاستقبال وبعد فشل محاولات التهدئة ويتم ذلك بالإعلان الصريح على قطع هذه العلاقات من جانب إحدى الدولتين أو مـن كليهما ، وقطع العلاقات هـو عمل استنسابي تلجأ إليه الدولة عندما تقـرر بإرادتهـا المنفـردة إغـلاق بعثتهـا الدبـلوماسية فارضة على الدولة الأخرى اتخاذ قرار مماثل عمـلاً بمبـدأ المعاملة بالمثـل وقطـع العـلاقـات الدبلوماسية هو عمل على جانب كبير من الخطورة .
كذلك يتم عند إعلان الحرب بين كلا الدولتين قطـع العلاقـات الدبلـوماسية بصورة آلية ، ويمكن أن يكون القطع جماعياً عندما يتضمن إنزال عقوبة بدولة أخلت بالتزاماتها الدولية .
ويجب الإشارة إلى أنه هناك فرق بين قطع العلاقات الدبلوماسية وبين إنهاء مهمة رئيس البعثة الدبلوماسية ، فهذا الإجراء الأخير قد يحدث دون أن يرتب عليه قطع العلاقات الدبلوماسية فإنهاء عمل المبعوث الدبلوماسي قد يتم من جانب دولة الإرسال باستدعاء الدبلوماسي أو نقله أو إحالته على التقاعد وكذلك قد يتم إنهاء مهمة الدبلوماسي من جانب دولة الاستقبال بطرده نظراً لقيامه بأمر خطير يسيء إلى الدولة المضيفة عندئذ تتخذ تلك الدولة قراراً بطرده واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه persona non grata .
أيضاً تنتهي مهمة المبعوث الدبلوماسي بموت رئيس دولة الاستقبال أو الإرسال متى كان رئيس الدولة ملكاً أما في الأنظمة الجمهورية وأيضاً في حالة تغيير الرئيس فإن مهمته لا تنتهي وإنما يتعين عليه تقديم أوراق اعتماد جديدة باسم الرئيس الجديد .
وأخيراً تنتهي العلاقات الدبلوماسية باندماج دولتي الإرسال والاستقبال كل منها بالأخرى أو باندماج أي منهما بدولة ثالثة لأن الاندماج يترتب عليه زوال الشخصية الدولية للدولة المعنية .
ثانياً- تكوين البعثة الدبلوماسية وأعضاؤها :
إن القانون الداخلي لكل دولة هو الذي يحدد عدد البعثات وحجمها ودرجات أعضائها وكيفية تعيينهم وترقيتهم ونقلهم ولكن يلاحظ أن المادة /11/ من اتفاقية فيينا لعام 1961 قد أجازت للدولة المضيفة عند عدم وجود اتفاق صريح بشأن عدد أفراد البعثة أن تطلب بقاء هذا العدد في الحدود المعقولة والمعتادة وفقاً لما تقدره الظروف والأحوال السائدة في هذه الدولة وحاجات البعثة ويتبين أن هذا النص قد حد من حرية الدولة المعتمدة ( المرسلة ) في اختيار عدد أعضاء البعثة ومنحت بالمقابل الدولة المستقبلة حق التدخل والاعتراض فيما يتعلق بحجم البعثة ورفض قبول بعض أعضائها .
ويتكون طاقم البعثة الدبلوماسية عادة من :
رئيس البعثة : وهو الشخص الذي تعتمده دولة لرئاسة بعثتها الدبلوماسية الدائمة لدى دولة واحدة أو أكثر أو لدى المنظمات الدولية ، هذا ويصنف رؤساء البعثات الدبلوماسية وفقاً للمادة /14/ من اتفاقية فيينا في فئات ثلاث .
- السفراء ومندوبي البابا من درجة قاصد رسولي المعتمدين لدى رؤساء الدول وكذلك رؤساء البعثات الآخرين الذين لهم درجة مساوية لهؤلاء .
- المبعوثين والوزراء ومندوبي البابا من درجة نائب قاصد رسولي المعتمدين لدى رؤساء الدول .
- القائمين بالأعمال المعتمدين لدى وزارة الخارجية .
ولا يجوز في عدا ما يتصل بشؤون الصدارة والمراسم التمييز إطلاقاً بين رؤساء البعثات بسبب مـرتبتهم ، وكـذلك تتفـق الـدول التـي تتبادل التمثيل الدبلوماسي على مرتبة رؤساء بعثاتها ( المادة /15/ ) .
ويتولى رئيس البعثة وفقاً للمادة /13/ من الاتفاقية مهام منصبه في الدولة المعتمد لديهـا منـذ تقديـم أوراق اعتماده أو منذ إعلانه عن وصوله وتقديم صورة طبق الأصل عن أوراق اعتماده إلى وزارة الخارجية في الـدولة المعتمـد لديهـا أو أيـة وزارة أخرى قد يتفق عليها . ويحدد ترتيب تقديم أوراق الاعتماد أو صورة طبق الأصل عنها حسب تاريخ وساعة وصول رئيس البعثة .
أنواع البعثات الدبلوماسية الدائمة :
يوجد نوعين من البعثات الدبلوماسية الدائمة :
1- السفارة وهي البعثة ذات المرتبة الأولى وتكون برئاسة سفير .
2- المفوضية وهي من المرتبة الثانية ويرأسها وزير مفوض .
ويشرف على هذين النوعين من البعثات في حالة سحب السفراء أو استدعائهم مبعوث دبلوماسي برتبة قائم بالأعمال سواء أكان أصيلا أم بالنيابة وفي حال عدم وجود أي من أعضاء البعثة الدبلوماسيين في الدولة المعتمد لديها يمكن للدولة المعتمدة بموافقة الدولة المعتمد لديها أن تعين احد أعضاء البعثة الإداريين أو الفنيين ليتولى تصريف الشؤون الإدارية العادية للبعثة وإلى جانب هذين النوعين من البعثات ( السفارة والمفوضية ) يوجد أنواع أخرى من البعثات الدائمة مثل :
1- البعثات الدبلوماسية لدى المنظمات الدولية العالمية كالأمم المتحدة أو القارية كمنظمة الدول الأمريكية أو الإقليمية كجامعة الدول العربية .
2- المفوضيات السامية : وهـي بعثات ظهرت بعد انحسار الاستعمار وبقاء الدولة الجديدة مرتبطة بعلاقات خاصـة بمستعمريهـا السابقيـن ( دول الكومنولث والدول الفرانكفونية ) .
3- البعثات الدبلوماسية لحركات التحرير الوطني فهذه الحركات تمثل أحياناً لدى الدول والمنظمات الدولية بعضوية كاملة أو بصفة مراقب وبعثاتها قد تشكل سفارات تتمتع بكامل الحقوق والواجبات ويسمى رئيسها سفيراً وقد يطلق على البعثة اسم ممثلية وقد يكتفى بافتتاح مكتب إعلام وارتباط بها .
ثالثا- مهام الممثلين الدبلوماسيين وواجباتهم :
حددت المادة /3/ من اتفاقية فيينا لعام 1961 مهام البعثة الدبلوماسية كما يلي :
1- تمثيل الدولة المعتمدة قبل الدولة المعتمد لديها فهو الممثل الرسمي لدولته وصلة الوصل بين الدولتين ومرجعه في ذلك هو وزير الخارجية في جميع أعمال وظيفته ودائرة اختصاصه هي أرض الدولة المعتمد لديها وجميع الأراضي التابعة لها .
2- حماية المصالح الخاصة بالدولة المعتمدة وبرعاياها في الدولة المعتمد لديها وذلك في الحدود المقبولة في القانون الدولي حيث يقوم الممثل الدبلوماسي في الدفاع عن مصالح بلاده في الدولة المعتمد لديها وفي حال تعرض تلك المصالح لأي خطر يجب عليه مراجعة وزارة الخارجية في تلك الدولة وقد يعمد إلى إرسال مذكرات رسمية يشرح فيها مطالب دولته أو مواقفها ، ومن مهامه أيضاً حماية مصالح مواطني دولته والدفاع عن حقوقهم وتقديم المساعدات والتسهيلات فيمنحهم الجوازات والتأشيرات ويصدق الشهادات والوثائق التي ينظمونها وممارسة وظيفة الكاتب بالعدل وضابطة الأحوال المدنية وذلك في حال عدم وجود قنصل لدولته في الدولة المضيفة .
3- التفاوض مع حكومة الدولة المعتمد لديها وذلك بالاشتراك مع مندوبي تلك الدولة بالدخول في مفاوضات بقصد التوصل إلى اتفاقيات دولية ولا يحتاج لكتاب تفويض خاص من أجل ذلك إلا إذا خول الممثل حق التوقيع على المعاهدة باسم الدولة وعليه أن يطلع حكومته خلال المفاوضات على كل ما يجري لكي يتلقى منها التعليمات والتوجيهات اللازمة .
4- الإحاطة بكل الوسائل المشروعة بأحوال الدولة المعتمد لديها وبتطور الأحداث فيها وموافاة حكومة الدولة المعتمدة بتقرير عنها .
5- توطيد العلاقات الودية وتدعيم الصلات الاقتصادية والثقافية والعلمية بين الدولة المعتمد لديها والدولة المعتمدة .
واجبات الممثلين الدبلوماسيين :
حددت المادتان /41/ و /42/ من اتفاقية فيينا 1961 أهم هذه الواجبات :
1- احترام قوانين ولوائح الدولة المعتمد لديها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية لا بصورة مباشرة ولا بصورة غير مباشرة فلا يجوز له اتخاذ أي إجراء تكون غايته تبديل السياسة التي تنتهجها داخلياً أو خارجياً في مواضيع معينة .
2- يجب أن تكون معالجة كافة المسائل الرسمية التي تكلف بها البعثة من قبل حكومة الدولة المعتمدة مع وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها أو عن طريقها أو مع أية وزارة أخرى متفق عليها والاتصال بوزارة الخارجية يتم عادة بشكل شفوي أو خطي عن طريق المذكرات والرسائل المعروفة في المراسم الدبلوماسية .
3- عدم استخدام دار البعثة بطريقة تتنافى ووظائف البعثة كما بينتها نصوص اتفاقية فيينا لعام 1961 أو غيرها من القواعد العامة للقانون الدولي أو الاتفاقات الخاصة المعمول بها بين الدولة المعتمدة والدولة المعتمد لديها .
4- عدم ممارسة أي نشاط مهني أو تجاري لمصلحته الشخصية في الدولة المعتمد لديها .
نخلص إلى القول بأن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول هو من صميم سيادتها ويقوم على التراضي بينها تبعاً لمصالحها المتبادلة وظروف كل منها ولا يحق لأي كان التدخل في شؤون تمس سيادة الدول على أي مستوى كان . [/align]