المسؤولية المدنية للمحكمين – قرار جديد لمحكمة النقض الفرنسية:
هل تتحمل هيئة التحكيم المسؤولية القانونية في حال عدم إصدار حكمها خلال الفترة الزمنية المحددة من قبل الأطراف؟ عرض الموضوع على القضاء الفرنسي، ونظراً لأهميته لا بد لي من تلخيص القضية وما قررته محاكم البداية والاستئناف والنقض في فرنسا.
ينص قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي بشأن التحكيم الداخلي بأنه إذا انتهت المهلة الزمنية المحددة للمحكمين لإصدار حكمهم، فإن الأطراف يستطيعون الاتفاق على تمديد المهلة، كما وتستطيع المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع إعطاء القرار بتمديد المهلة بناءً على طرف أحد الأطراف أو طلب الهيئة التحكيمية.
وفي هذه القضية، أصدر المحكمون حكمهم في القضية بعد انقضاء مدة 22 يوم على مدة التحكيم المحددة من قبل الأطراف في اتفاق التحكيم وهي أربعة أشهر. وبعد سبعة سنوات من إصدار الحكم، وبالتحديد في عام 1997، قررت محكمة الاستئناف الفرنسية في مدينة (Rennes) بإبطال حكم المحكمين نظراً لعدم صدوره ضمن المدة القانونية.
بعد انقضاء سنتين، تقدم الطرف الذي ربح القضية التحكيمية، بعد أن لم يستطع تنفيذ حكم التحكيم، بدعوى ضد المحكمين الذين كانت تتكون منهم هيئة التحكيم، طالباً إلزامهم بالتعويض نظراً للضرر الذي أصابه نتيجة إلغاء الحكم. استجابت محكمة البداية لطلبه، وقضت بإلزام المحكمين بأن يدفعوا له مبلغ مائة وثلاثين ألف فرنك فرنسي.
استأنف المحكمون، فقضت محكمة استئناف مدينة (Angers) بتعديل الحكم، وعدم مسؤولية المحكمين، نظراً لأن أطراف التحكيم أنفسهم كانوا أيضاً مسؤولين عن انقضاء فترة التحكيم.
طعن مقدم الدعوى بحكم محكمة الاستئناف أمام محكمة النقض الفرنسية، والتي نقضت الحكم، وأعادت الدعوى إلى غرفة أخرى من غرف محكمة الاستئناف. رأت محكمة النقض الفرنسية في حكمها الذي أصدرته في السادس من كانون الأول من العام الماضي 2005، بأن التزام المحكمين هو التزام بغاية، إذ أنه التزامٌ مطلق بالوصول إلى نتيجة، والنتيجة في هذه القضية هي إصدار الحكم ضمن المدة الزمنية المحددة في اتفاق التحكيم، وقد فشلوا في تحقيق هذه الغاية وفي الوفاء بالتزامهم، ولا بد بالتالي من اعتبارهم مسؤولين بتعويض الطرف المتضرر.
ينص قانون أصول المحاكمات السوري على إلزام المحكمين بإصدار حكمهم خلال ثلاثة أشهر، أما مشروع قانون التحكيم السوري الجديد فينص على التزامهم بإصدار الحكم خلال ستة أشهر، ما لم يتفق الأطراف على مدد أخرى. فهل يمكننا اعتبار المحكمين في سوريا مسؤولين في حال انقضاء المدة دون إصدار الحكم؟
أحببت أن أطرح هذا التساؤل للنقاش في ضوء حكم محكمة النقض الفرنسية الذي تطرقت إليه أعلاه.