متعةُ الحزنِ أشهى من متعةِ الفرح ... عمرٌ من الحزنِ يمضي محمّلاً بدموعٍ وتنهّداتٍ وأوجاعٍ .. هل بقي في العيونِ بعضاً من دمعاتٍ نسكبها على آلامٍ قادمة .. هل من تنهّداتٍ أخرى تكفي هذا العمقَ من البكاء ، هل لفائضِ الأوجاعِ هذا من يحملهُ نيابةً عن عمري الميّت ... حزني أسطورةٌ سوداءُ قابعةٌ في بحار نفسي المتلاطمة ، يمتدُّ من أقصاي إلى أقصاي ومن غربتي إلى غربتي .. من تمرُّدي إلى صمتي ، أرويه بدمي كي ينبت وجعاً إثر وجع . وأبقى باحثاً عن فسحةٍ من حزن ، ألملم فيها بعضي وشتاتي .. باحثاً عنّي فيَّ عسى أجدُني ولكن هيهات .. هيهات .
من ألمِ الفوضى يولدُ حزني وينمو ويكبر ، ليته يشيخ ويندرس . آهٍ منك حزني ! خُلِقْتَ فتيّاً قويّاً شابّاً، وما زلتَ تصرُّ على ملاحقتي والالتحامِ بي .. فرِحا مستمتعاً بعذاباتي وآهاتي .
لم َكل ُّهذا البعد .. لمَ كلُّ هذا القرب .. بعدٌ عن الفرح .. قرب ٌمن التَّرح ، هل تخِذَتْ السَّعادةُ منّي عدوّاً فآثرت ْهجري وتركتني أتجرّعُ مرارةَ رحيلها ، وكم فقدُها غالٍ ، كحبيبةٍ غادرتْكَ فأصبحتَ بقايا ، كلّما تذكّرت شذى ذكراها ازددت ألماً ومَحْلاً .
ما هذا التصحُّر الَّذي يجتاحني ، فيمحق ما تبقى من خضرتي ونمائي ، تاركاً خلفهُ سنيناً من الجدب اللامتناهي .. زارعاً بذورَ الحزن ِفي أرضي ، لتثمرَ وجعاً آخر .. موتاً آخر .. ضياعاً آخر .. أجنيها فهي غلَّتي اليوميَّة .. أخزّنها في قلبي ، فليس من يشتري تلك البضاعة .