الأحد 2006-11-19
"خذها على لساني هذه مافيا.. كل مكاتب استقدام "الخادمات" التي تعمل بالقطر هي شبكة يديرها شخص واحد من عائلة( كذا )،هذا ما قاله عضو اتحاد نقابات العمال السيد محمد خالد المرعي حين كنا نسأله عن تفاقم الظاهرة وانتشار المكاتب دون أي غطاء قانوني، وبلا تراخيص..!؟
(كفالة حقيقية ثلاث سنوات اغتنم الفرصة بمناسبة شهر رمضان استلم خادمتك الفلبينية المسلمة فورا..!!) هذا نموذج لواحد من عشرات الإعلانات بالجرائد الاعلانية، بتلك اللغة التي تحيلنا إلى زمن النخاسة، ثم تجد من يقول عملهم غير شرعي، نحن لا نتعامل معهم؟
لعبة الشرعية وعدم الشرعية
بالاتصال مع عدة مكتب تبين ان عناوينهم حقيقية، على الهاتف قالوا أنهم مستعدون لتلبية طلبي دون الحاجة للذهاب إليهم، لكن تحت الإلحاح أخذت العنوان وذهبت، لم يسمع احد بمكتبهم، لكن سمان الحارة أشار إلى منزل قريب على انه المكتب المقصود، رأيت عدد من الفتيات فيما يشبه غرفة صغيرة ملحقة بالمنزل، وفي صالون كبير جلست مع السيدة التي عرفت لاحقا أنها زوجة صاحب المكتب، وبعد ان اطمأنت اليّ، أحضرت عدد من "CV" /تحوي معلومات مفصلة الطول والوزن والعمر والتعليم.. مع صورة طولية/ قالت: " اختار الفتاة التي تناسب طلبك، المسيحية شهريتها 150 دولار والمسلمة 125 وإذا كانت غير متعلمة 100 دولار، والمكتب يأخذ ثلاثة اشهر من اجرة الفتاة ...! وتستطيع تبديل الفتاة مرة ومرتين وثلاث".
اما التكلفة الكلية تتراوح 1500 و2700 دولار، تختلف بين فتاة جاهزة وفتاة يحتاج احضارها لبضعة ايام، وأيضا حسب جنسية الفتاة وتعليمها، بعض المكاتب ليس لديها صلة وصل مع الخارج لذلك يشترون "CV" من مكاتب أخرى.
يقول السيد "أديب" الذي عمل بمكتب لمدة السنة: "حين يضطر صاحب المكتب على بنت "يشتريها" من مكتب اخر..!؟" وبحساب بسيط وجدنا ان المكتب يجني كحد أدنى 500 دولار من كل فتاة، واذا استقدم عشرين فتاة بالشهر فقط فانه سيحقق دخل قدرة 10000 دولار أي نصف مليون ل.س، يعادل ما تجنية الفتاة الواحدة طيلة عملها لمدة تقارب عشر سنوات..!؟
دخلت سيدة واستقبلها صاحب المكتب وزوجته بحفاوة ثم احضروا لها فتاة سمراء من الداخل، لا يبدو انها تجاوزت الـ18 عاما، وما ان تكلمت معها السيدة /والفتاة الأخرى تترجم/ حتى أخذت تبكي، وحين سألت السيدة عن السبب، لم تجيب، فقالت الفتاة المترجمة، أنها أول مرة ..ولها أسبوع ولم تتمكن من الاتصال مع عائلتها..!؟ قالت السيدة انها أحبت الفتاة وستأخذها، وشجعها صاحب المكتب قائلا ان الإثيوبيات ليس لديهم سفارة ليهربن إليها وهن ارخص ..!
يعملن بصمت بلا أي حماية
هناك حالات كثيرة تعمل لدى اسر محترمة وتلقى كل الاحترام والتقدير، لكن هذا متروك للصدفة والحظ، جواز سفرهم وأوراقهن الثبوتية تسحب منهم، وكون معظمهن لا يعرفن لغة أخرى غير لغتهن، مما يسهل استغلالهن، ويعقد من شروط عملهن.
في حديقة عامة بدمشق يجتمعن يوم الأحد بعد الذهاب إلى الكنيسة، قابلنا مجوعة فتيات إثيوبيات، أعمارهن بين 20 و30 سنة، لقد كن خائفات من مستخدميهم ومن المكاتب، وبتشجيع منا ذكرت إحداهن انها تلقى معاملة سيئة جداً لكنها رفضت ذكر طبيعة تلك المعاملة وقالت أخرى إنها تبدأ العمل الساعة السابعة صباحا ولا تنتهي إلا آخر الليل، فالطلبات والأعمال لا تنتهي، دون لاستراحة او ساعات عمل محددة ولا اي نوع من الخصوصية، يوقظونها في أي وقت ويجبرونها على القيام بكل الأعمال..!
تحدثن عن زميلة لهن تعمل منذ خمسة اشهر، ولم تعطها العائلة التي تعمل عندها أي مقابل..! قالت إحداهن أنها شاهدت عملية ضرب تعرضت لها زميلة لها بالمكتب، وتذكرت قصة فتاة تدعى"إنكا ويك" اعتدى عليها صاحب المكتب واجبرها على ممارسة الجنس معه، ثم "باعها" إلى مكتب آخر وقام بدوره بالاعتداء عليها ومعاملتها بشكل سيء ثم أرسلها لتعمل مع امرأة..!
تتابع الفتاة: لقد أتينا لنعمل كمربيات وقالوا أنهم سيعطوننا 150 دولار لكننا لم نحصل إلا على 100 دولار بالشهر، اثناء حديثنا كن يسألن عن الوقت خائفات ان يتأخرن على بيوت مخدوميهم، حين أخرجت الكاميرا غطين وجوههن وفررن مسرعات ثم اختفين بين الأحياء المجاورة..
"عرفه عباس" خريجة كلية الشريعة والقانون من السودان، قبلت ان اصورها وحدثتني عن استغلال المكتب لها فقد عملت في تعزيل وتنظيف الشقق لكنها لم تحصل سوى على اجر زهيد بينما كان صاحب المكتب يستحوذ على حصة الأسد، وهي تعمل الآن بشكل مستقل.
يشترين حريتهن بالمال..!
يقول "أديب" ان الفتيات خلال إقامتهن في بيت صاحب المكتب يتعرضن لمعاملة مهينة، بغرفة صغيرة لا يتجاوز مساحتها 3 أمتار بعرض مترين قد يصل العدد إلى 15 فتاة، ويقدمون لهن طعام سيء تحت حجة انه لا يجب ان يعودهن على الدلال.
ولا يسمح لهن بالمغادرة او الاتصال بأي شخص، ونفى "أديب" أن يكون المكتب الذي عمل به يشغل البنات بالدعارة، لكنه شاهد عمليات الضرب، والسبب أن الفتاة تذهب إلى الزبون فيعيدها طالبا استبدالها، وقد يتهمها بالسرقة او الكسل ..الخ، فيقوم صاحب المكتب بضرب الفتاة حتى لا تكرر الخطأ مع آخر.
وبالمقابل اذا كانت الفتاة جميلة يتفق معها صاحب المكتب على افتعال مشكلة مع الزبون كي يعيدوها إليه فيقوم بإرسالها إلى بيت آخر وهكذا يستخدمها لاصطياد نوعية محددة من الزبائن..!
يضيف "أديب"ان بعض الفتيات يجمعن المال ثم يشترين حريتهن من صاحب المكتب، واخبرنا عن فتاة تدعى( ماريا سيسيليا) دفعت لصاحب المكتب 2000 دولار مقابل السماح لها بالعمل بشكل حر، وزودنا برقم هاتفها الخليوي، اتصلت بها قالت فأخبرتني انها وتعمل بفندق، وحين سألتها عن عملها، سألت ان كان يجب عليها ان تقول الحقيقة..! ثم اخبرتني انها تعمل بالدعارة..! وانه لا يسمح لها بمغادرة الفندق الذي تعمل به، وكانت خائفة ان يكون المكتب الذي كانت تعمل لديه على علم باتصالي بها..!.
كما علمنا عن فتاة اخرى تدعى " لوليت" ذهبت لتعمل بشكل مستقل عن المكتب، وحاول صاحب المكتب استرجاعها بشتى الطرق، لكنها كانت التقطت له صور على الموبايل وهو يضرب احداهن، وهددته بالصور في حال استمر بملاحقتها..! يقول "أديب" ان الفتاة قد تقدم على ذلك بعد ان تتعلم العربية، وتلقى معاملة سيئة، وتدرك مقدار الاستغلال الذي تتعرض له.
مصدر في وزارة الصحة حدثنا عن عملية انتحار اقدمت عليها خادمة، فقد رمت إحداهن نفسها من الشرفة ورفض المصدر إعطاء تفصيلات.
إلا أن مدير الهجرة والجوازات العميد مظهر احمد أكد حصول عمليات انتحار لكنه وصفها بأنها حالات فردية وقليلة..!وأضاف: هناك حالات هروب وغالبا يكون السبب المعاملة السيئة او التحرش الجنسي، والبعض يلجأ لنا ويكون مستخدمها قد طردها او أنها هربت لسبب ما، نتصل عادة نتدخل لحل الامر بين المستخدم والفتاة ومندوب من سفارتها، وفي حال ارتكاب الفتاة لجرم تحال إلى القضاء..
يضيف مدير الهجرة: انه لا يوجد إحصاءات دقيقة بسبب الاقامات غير الشرعية، فقد تدخل فتاة على اسم شخص ما لكنه لا يحصل لها على إقامة خلال المهلة المحددة /شهر/ وذلك تهربا من دفع ال1000 دولار التي تأخذها المالية كضريبة، لكن مهما طال الزمن سيدفع المبلغ حين يأتي ليجري معاملة تسفيرها..!
تهريب "خادمات" من الدول المجاورة
حول كيفية استقدام "الخادمات" اخبرنا "أديب" انهم يتعاملون مع مكاتب في اندونيسيا او إثيوبيا او الفلبين ترسل لهم "CV" لبنات، وحين يأتي الزبون إلى المكتب ويختار فتاة ، يأخذون صورة عن جواز سفرها ويستخرجون لها تأشيرة دخول على اسمه، ثم يرسلها المكتب هناك إلى سوريا، ويستلمها شخص من المكتب في المطار.
وبما ان القوانين تمنع ان يستلم الفتاة غير الشخص القادمة على اسمه، يقول "أديب" ان المكاتب تضطر لرشوة شرطة الهجرة والجوازات /2000 ل.س على الفتاة / وحيت تتشدد الهجرة والجوازات يقوم المكتب باستقدام بنات على أسماء زبائن وهميين، يتعاملون مع أشخاص يقدمون طلبات لاستقدام "خادمات" على أسمائهم مقابل /1000 ل.س/ وحين تأتي الفتاة إلى المطار يذهب ذلك الشخص ويستلمها ويسلمها للمكتب، وتقيم الفتيات في منزل صاحب المكتب لحين، فهناك زبائن تريد فتاة بشكل فوري، والفتاة القادمة لا تعرف اللغة وبالتالي لا تعرف طبيعة الاتفاق بين صاحب المكتب والزبون وهذا يسهل استغلالها، وقد يشغلهن صاحب المكتب بشكل يومي او أسبوعي في تعزيل وتنظيف الشقق، إلى ان تأتي الصفقة المناسبة.
يتابع "أديب" ان كل من الفلبين واندونيسيا تتشددان في السماح لمواطنيهم بالسفر إلى سوريا ودول الخليج عموما، بسبب الهروب المتكرر للبنات والمشاكل التي تنشأ، لذلك يتم استقدام البنات إلى دولة مجاورة ومن هناك يجري نقلهم إلى سوريا..! وقد يدخلن بطرق غير مشروعة، ويعملن دون أي شكل من أشكال الرقابة او الحماية.
يقول مدير الهجرة والجوازات العميد مظهر احمد : "إننا نصادف هكذا حالات فهناك عدد من "الخادمات" تقمن بطرق غير شرعية يجري تهريبهن من لبنان..!؟ وفي حال توقيف اي شخص تجاوز الحدود بطرق غير نظامية يحال إلى القضاء ويمنع من الدخول إلى سوريا مرة ثانية".
مخاطر صحية
أمام مركز تشخيص الأمراض المعدية، فتيات من جنسيات مختلفة، كل مجموعة معها شاب من المكتب الذي يتبع له، بعضهن تبدو ملامح الطفولة عليهن ، بصعوبة استطعنا التقاط بعض الصور، حاولنا التكلم معهن لكن الشباب المرافقين كانوا لنا بالمرصاد، أوقفوا سيارتين أجرة، حشروهن بالمقاعد الخلفية وانطلقوا بهن إلى جهة مجهولة من المدينة.
بين الفينة والأخرى يظهر موظف المركز وبيده نتائج الاختبارات، يقرأ الأسماء ويسلمها لأصحابها.
دخلنا وقابلنا مدير المركز د. مصطفى تركماني أكدا ان "الخادمات" ليسوا من الفئات عالية الخطورة ولا يشكلن خطر بالنسبة للإيدز، وقال ان الفئات الأخطر هن فتيات النوادي الليلية، وأضاف د.تركماني ان كل "خادمة" تخضع لفحص في مخبرنا، لا يمكنها الحصول على الإقامة الا بعد اجراء اختبار في مركزنا يثبت عدم إصابتها بالإيدز، ومصابة يجرى لها فحص ثاني وثالث في المخبر المرجعي بوزارة الصحة، واذا تأكدت الإصابة نتصل مع المكتب او الشخص التي هي على اسمه، ويتولى مركز الهجرة تسفير إلى بلدها.
يضيف د.تركماني:" نسبة المصابات بحدود 2%، ويستقبل المركز بدمشق فقط بين 700 و800 خادمة بالشهر..!"
وقدرنا العدد الداخل للقطر بحوالي 2000 خادمة بالشهر، وبالتالي لدينا حوالي 20 حالة شهريا مصابة يجري اعادتها إلى بلدها..! لكن ماذا عن الفتيات اللواتي يدخلن بطرق غير مشروعة او اللواتي يدخلن ولا يجرين الاختبار، هل هناك جهة محددة تتابع شؤونهن..؟
يقول د.هيثم سويدان مدير برنامج مكافحة الايدز، نحتار مع أي جهة سنتعامل لتكون صلة وصل بين الوزارة والمكاتب، فمثلا وجهنا كتاب لوزارة الشؤون الاجتماعية لنمنع الخادمات من مباشرة العمل بالبيوت قبل الحصول على نتيجة الاختبار، فتبين انه ليس هناك جهة محددة ترتبط بها المكاتب، يتابع د. سويدان نحن لسنا مراقبين فإذا هربت فتاة وعملت بالدعارة، فمن يتابع الأمر..! أصحاب المكاتب يستغلون الفتيات لأنه لا يوجد جهة تتابع أمورهن!؟
وعن مرحلة الصمت المخبري الذي يمر به مريض الإيدز ولا يظهر بالتحاليل، يقول د.سويدان:الفترة تقلصت مع تطور البحوث، لقد كانت ستة اشهر وأصبحت ثلاثة والآن أسبوعين ولتجنب احتمال ان تكون الفتاة مصابة بالإيدز وهي بمرحلة الصمت المخبري، هناك اقتراح يجري تداولة كي يعاد الاختبار مرة ثانية بعد فترة معينة، وأيضا هناك اقتراح كي تجرى جميع الاختبارات الأخرى المطلوبة بالمركز حرصا على سلامة الجميع
مخاطر اقتصادية وثقافية
السيد محمد خالد المرعي عضو اتحاد نقابات العمال تحدث عن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية قائلا:" لقد اجتمعنا مع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ومدير الهجرة والجوازات ووزارة الخارجية وكنا ضد دخول أي خادمة إلى سوريا، لكن عدم تجاوب وزارة الشؤون الاجتماعية وتساهل بعض الجهات أوصلنا إلى هنا، لقد قدرنا النزف بالقطع الأجنبي بين 100 إلى 150 مليون دولار سنويا، وأخر إحصائية تشير إلى وجود 120 ألف خادمة، وهن يشكلن بديلا ومنافسا للعمالة السورية، وبعضهن يعملن في قطاع السياحة والخدمات، هذا ناهيك عن التأثير الثقافي والروحي والسلوكي على تربية الأطفال فنحن مجتمع شرقي لنا عاداتنا وخصوصيتنا، وحتى للأمر مخاطر وطنية..!!";
وعن الحل يقول المرعي : لقد أرسلنا مذكرة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية واقترحنا أن يصار إلى وضع خطة لتأهيل العاملات السوريات للدخول إلى هذا المضمار وذلك بتعاون كل الجهات المعنية للتعريف بهذه الأعمال، وإقامة دورات للتأهيل والتعريف بهذه المهنة عن طريق مكاتب التشغيل بالمحافظات وبالتعاون مع الاتحاد النسائي وغيرها من المنظمات والجمعيات، واستصدار قرار من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لتشميل هذه المهنة إلى جدول المهن ووضع ضوابط تبين الحقوق والواجبات، ومن ثم التوقف عن منح موافقات لاستقدام مربيات أجنبيات.
سيريا نيوز