يمكن القول إن الرواتب والأجور التي يتقاضاها العاملون مقابل العمل الذي يشغلونه، وحدودها، تعكس حالتين. وضع الاقتصاد الذي ارتبطت به هذه الأجور والقدرة الشرائية لأصحابها، ودورهم في النشاط الاقتصادي. وتعتبر الأجور وما يضاف إليها من تعويضات ومزايا مادية، الحلقة الأقوى لدى العاملين في القطاع العام الذين يخضعون لقانون العاملين الموحد الصادر بالقانون رقم 50 لعام 2004 والجاري تطبيقه بدءا من أول عام 2005 ( لنا وقفة مع مواد هذا القانون لاحقا ). هؤلاء العاملون البالغ عددهم نحو 1.2 مليون عامل تقريبا يشكلون ربع قوة العمل في سورية البالغة حوالي 5 ملايين عامل وفق أحدث الإحصائيات. أما بقية مواد القانون رغم أهميتها تصبح الحلقة الأضعف بالنسبة للعامل العادي بعد أن يتسلم عمله ويبدأ ببمارسته. وليس هذا وحسب بل أن مستوى الرواتب والأجور للعاملين في الدولة هي التي تحدد مستوى الأجور في القطاع الخاص حيث يتقاضى أغلبهم أجورا ممائلة إن لم تكن أقل، باستثناء بعض الكوادر الفنية والاختصاصات العلمية ذات الكفاءة العالية. التي تتقاضى أجورا أعلى. رغم أن القسم الكبير من عمال هذا القطاع لا يخضعون لقوانين التأمينات بسبب تهرب أصحابه منها. وهكذا فإن القسم الكبير من قوة العمل في سورية تصبح مشمولة بشكل عام بهذا المستوى من الأجور. التي وردت في الجدول الملحق بالقانون المذكور. ولكن تحليل هذا المستوى ومقارنتها بمستوى أسعار السلع والحاجات الرئيسية التي تدخل في صلب الحالة المعيشية الراهنة للسكان تبين أن هذه الأجور لم تراعي الاحتياجات الأساسية للأسرة السورية وتطور هذه الحالة في حدها الأدنى لأنه بالأساس لا وجود لهذه الدراسة التي يسعى المكتب المركزي للإحصاء لتوفيرها حاليا. وأكثر ما نخشاه هو أن تكون هذه الأجور قد وضعت على أساس القناعة لدى بعض المسؤولين بأن العاملين في الدولة عبارة عن جيش من العاطلين ن وأن هذه الأجور هي تعويض بطالة وليست مقابل العمل والإنتاج الذي يؤدونه، أو التقدير بأن الدعم الذي تقدمه الدولة لبعض السلع يغطي بعض هذه الاحتياجات. ما هو التحليل العلمي لهذه الأجور وما هي النتائج المترتبة عليها بعد أن أقرت وصدرت ؟ . قسم القانون فئات العاملين وفق اختصاصهم وكفاءتهم على خمسة فئات عدا فئة الفنانين. ووفق الدراسات الحديثة في حساب وسطي الأجور، فإن وسطي الفئتين، الأولى البالغ الحد الأدنى لأجورها 6585 ليرة سورية شهريا، الخامسة البالغ الحد الأدنى لجورها 3810 يساوي 5198 ليرة سورية، وهو حاصل جمع الحد الأدنى لأجور الفئتين مقسوما على ( 2 ) أما إذا أخذنا وفق نفس المبدأ الحد الأدنى لأجور الفئات الخمسة وفق تسلسلها في الجدول وهي، 6585 + 5140 + 4390 + 3960 + 3810 / 5 يكون الوسطي 4777 ليرة سورية. ولدراسة أكثر إنصافا سنأخذ بالحساب الوسطي الأول مفترضين أن الأسرة السورية البالغ وسطي تعدادها ستة أفراد وفق التعداد الأخير للسكان، وأن اثنين في كل أسرة يعملون ويتقاضون هذا الوسطي. شهريا أي 5198 * 2 = 10396 ليرة سورية فتكون حصة الفرد من الأسرة في اليوم 58 ليرة سورية أي ما يعادل 1.1 دولار أمريكي على أساس حساب سعر الدولار 52 وفق إصدار المصرف التجاري السوري. وهذا يشمل وضع الأجور لجميع القطاعات تقريبا أو لقوة العمل السورية، وإذا فرضنا أن هذا المبلغ يدخل بكامله في حساب الدخل للأسرة دون حسميات حيث يمكن للتعويضات التي يتقاضاها ( بعض العاملين ) أن تغطي هذه الحسميات. وأن الأمم المتحدة حددت مستوى الفقر بالدخل اليومي للفرد الذي يقل عن 2 دولار أمريكي تصبح قوة العمل هذه تحت مستوى خط الفقر. لا شك أن كثير من المواطنين يعملون في نشاطات اقتصادية أخرى كالزراعة، والتجارة والخدمات، والمهن الحرة، إلا أن هذا المستوى من الأجور جعل ما كان يسمى بالفئات المتوسطة في أدنى درجات السلم الاقتصادي. وبمقارنة هذه الأجور مع جداول الأجور التي تضمنها قانون العاملين الصادر بالقانون رقم 1 لعام 1985 التي بلغت بالنسبة للفئة الأولى 735 ليرة سورية شهريا، وللفئة الخامسة 525 ليرة سورية. فإن وسطي الأجور للفئتين يساوي 630 ليرة سورية، وإذا استخدمنا المقياس السابق في حساب المستوى اليومي، تكون حصة الفرد من الأسرة 7 ليرة سورية، وهي تعادل 1.55 دولار أمريكي عندما كان سعره آنذاك يساوي حوالي 4.5 ليرة سورية . فضلا عن القوة الشرائية لهذا المبلغ . رغم أن تلك الفترة شهدت تراجعا في مستوى الاقتصاد قياسا بالفترة التي تلت الطفرة النفطية. على كل حال فإن ميزانية الدولة لعام 2005 والتي قدالفقر. 460 مليار ليرة سورية تؤكد هذا التحليل ولا تلغيه، فلو فرضنا أن عدد السكان في سورية وفق التعداد الأخير هو 18 مليون مواطن وبتقسيم الميزانية على عدد السكان وعدد أيام السنة، تكون حصة الفرد اليومية 70 ليرة سورية أي ما يعادل 1.34 دولار أمريكي وهو لا يقلل الفارق النظري عن خط الفقر . وفي النتيجة لو أجريت دراسات دقيقة وميدانية لمصروف الأسرة السورية مأخوذة بكل الاحتمالات كي تتجاوز خط الفقر الذي حددته الأمم المتحدة أو تقف عنده، دون أن تدخل النشاطات الاقتصادية في الحساب أو تحسب على أساس الناتج المحلي الإجمالي الذي يعكس المستوى النظري للمعيشة وليس المستوى الفعلي لتطلب ذلك مضاعفة الأجور على الأقل بحيث يصبح الحد الأدنى للفئة الأولى 13170 ليرة سورية شهريا، و7620 ليرة سورية للفئة الخامسة، وكذلك الفئات التي بينها، بحيث يصبح وسطي دخل الأسرة وفق الحساب السابق 10380 ليرة سورية، وإلزام القطاع الخاص بهذا المستوى. وهو ما نادى به عدد من خبراء الاقتصاد في سورية قبل إصدار القانون. عندها يمكن أن يتحقق الإنصاف ليس بالنسبة للعاملين في الدولة فحسب بل لكل قوة العمل في القطر، ولصالح الأسواق الاقتصادية التي تعتمد في حركتها بشكل عام على الدخل المادي لهؤلاء، وما ينفقونه فيها. عندها ستكون عملية الإصلاح الإداري والاقتصادي أسهل بكثير . =======
منير درويش –(كلنا شركاء )12 / 1/ 2005
نقله للمنتدى عمر الفاروق