عوداً على بدء
بالعودة لموضوع التكليف الضريبي والضرائب المتجدد دوماً والذي يزداد عبئه على المحامين وباقي فئات الشعب يوماً بعد يوم أبدأ كلامي بالقول أنه لمما يحز بالنفس أن نكون كمحامين عاجزين عن تحقيق العدالة الضريبية لأنفسنا فكيف نحققها لغيرنا أو كيف نحقق العدالة في أي مجال آخر!!!!!!!!!!
من المعلوم أن الضريبة التي تفرض على المحامين هي من نوع الضريبة على الدخل المقطوع وهي بطبيعتها هذه ضريبة تقديرية أي أنها تحدد بناء على تقدير اللجان الضريبية دونما اعتبار للواقع الحقيقي لدخل المحامي!!!!!؟؟؟
هذا التقدير في غالب الأحيان تقدير جزافي غير مستند لأسس واقعية أو مبررات قانونية.
كما نلاحظ من خلال الاستفتاء الموجود في هذا الموضوع أن 55.20 من المحامين يرون أن الضريبة عشوائية خاضعة لمزاجية ورأي موظفي المالية، و 43.46% يرونها جائرة ولا تتناسب البتة مع واقع المحاماة ودخل المحامين الحقيقي، في الوقت الذي لا يرى أنها عادلة أكثر من 0.34% من المحامين!!!
هذا الاستفتاء قد لا يكون علمياً مئة بالمئة وذلك بسبب قلة عدد المشاركين به حتى الآن مقارنة مع عدد المحامين المكلفين إلا أن له دلالاته التي يجب أخذها بعين الاعتبار.. وتعبر عن حجم الاستياء والامتعاض والظلم الذي يشعر به المحامين تجاه هذه المسألة بالذات.
1- يعتقد البعض أن المسؤولية الوحيدة في ارتفاع التكليف المالي يعود للموظف أو اللجان الضريبية ويصبون جام غضبهم على هذا الموظف أو هذه اللجنة... وهذا صحيح في جزء منه فقط... إلا أن الحقيقة الكاملة أن المسؤولية لا تقع على اللجنة فقط التي هي بالنهاية مجموعة من الموظفين تنفذ الأوامر والتعليمات والبلاغات والقرارات الموجهة إليها....... وإنما هناك عدة أسباب ومشاكل يجب حلها في هذا الموضوع.
2- فالمسؤولية الأولى الأساسية والرئيسة تتحملها السياسة المالية للدولة المرتبطة بميزانية الدولة. فعند تشكيل واعتماد الموازنة العامة للدولة تحدد في هذه الموازنة رقم ومبلغ معين يدخل في الموازنة على أنه ضريبة يجب أن تدخل في الإيرادات من القطاعات العامة المختلفة في الدولة ومنها المحاماة التي تتحمل نسبة كبيرة من هذا الرقم على افتراض أنها من المهن العالية التي تحقق دخلاً مرتفعاً (طبعاً هذا الكلام بات نظرياً جداً وجزءاً من التاريخ والأساطير القديمة التي تمجد وتقدس المحاماة ورسالتها وبعيد كل البعد عن الحقيقة والواقع).. وهذا الرقم منذ سنوات بات كبيراً ومرهقاً للمواطن على العموم والمحامي على الخصوص.. بمعنى أن اللجان الضريبية والدوائر المالية تحولت كلها إلى دوائر جباية مطلوب منها الوصول إلى وجباية رقم معين بغض النظر عن العدالة الضريبية والواقع الحقيقي لدخل المواطن. والمفروض ألا تكون الدوائر المالية كذلك وإنما يجب أن تكون دوائر متخصصة في تحديد المطرح الضريبي القانوني الصحيح بنفس القدر من التخصص والبراعة في تحصيل الضريبة؟؟!!!!!!!!!
3- جانب آخر من المسؤولية تتحمله الدوائر المالية التي تقصر في طرح ضريبة الدخل المقطوع بوقتها فتفرضها بوقت متأخر وبأثر رجعي على سنوات سابقة. وتقوم الدوائر المالية رغم تقصيرها بالمطالبة بفروقات السنوات السابقة بفرض غرامات وفوائد عليها بدون مؤيد أو مستند قانوني. وهذا أمر عجيب فرغم أن الطرف المقصر هو الدوائر المالية التي لم تطرح التكاليف بوقتها يتم تحميل المكلف خطأ الإدارة بهذه الغرامات والفوائد.
4- عدم جدوى أي اعتراض على التكليف أمام اللجان الاستئنافية التي هي (الخصم والحكم) وملتزمة كلجان التكليف بالوصول للرقم المطلوب منها في الموازنة. ويتم تهديد المحامي بأنه إذا ما اعترض على التكليف فستعترض الدوائر المالية أيضاً وستتم زيادة التكليف بدل إنقاصه. وسابقاً كان هناك طريقة للاعتراض على الضريبة في القانون 85 لعام 1949 وهي الطعن أمام لجنة إعادة النظر، إلا أن هذه الطريقة ألغيت للأسف.
5- يلاحظ أيضاً وجود فروقات واسعة وغير منطقية في تكاليف الزملاء المحامين بين فرع وأخر، إذ لوحظ وجود تكاليف باهظة فرضت على عدد من الزملاء محامي فرع دمشق تزيد بعدة أضعاف على الضرائب المفروضة على الزملاء المحامين في باقي فروع النقابة في القطر وكذلك الحال بالنسبة للتفاوت الكبير في الحد الأدنى المفروض في فرع دمشق عن باقي الفروع علماً أنه في العدالة الضريبية لا يجوز أن يكون هناك حد أدنى أو أعلى وإنما تقدير موضوعي وفق أسس معينة يراعي الدخل الواقعي للمحامي!!!
6- في السنوات الأخيرة وفي تكليف عام 2007 تحديداً لوحظ زيادة وقفزة غريبة ومفاجئة في حجم التكليف الضريبي فمثلاً محامي كان تكليفه الضريبي على مدى عشر سنوات 2000 ليرة سورية فجأة وخلال سنة واحدة قفز ليصبح 24000 أو 50000 أو أكثر بدون معيار أو سبب واضح. فهل زاد دخل المحامي بهذه المضاعفة أم قل؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!! إننا ومن خلال مشاهداتنا وملاحظاتنا نعلم عين اليقين وعلم اليقين وحق اليقين أن المحاماة تعاني وتأن من انخفاض الدخل وليس زيادته.
7- أخيراً يضاف إلى كل ما سبق التعديلات القانونية الأخيرة التي لم تعد تراعي ظروف المواطن أو مصلحته وإنما كل همها ملأ خزينة الدولة بأي شكل ودونما اعتبار لأي أمر آخر ودون عدالة أو شفافية. فالقانون الذي فرض إعادة التكليف الضريبي كل ثلاث سنوات يفرض بالتالي حكماً وآلياً زيادة الضريبة جبراً على الموظف والمكلف مع العلم أن الواقع يقول أن هذه المدة ليست بالضرورة كافية أو لازمة لزيادة دخل المحامي، علماً أننا وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة نعاني من انخفاض الدخل وليس زيادته وهذا يستتبع تخفيض الضريبة لا زيادتها
لذلك ومن منطلق ضرورة إيجاد وعرض الحلول وعدم الاكتفاء بطرح المشاكل والمظلمات فأنا أرى:
أولاً- تطوير النص التشريعي تطويراً حقيقياً منطقياً وعادلاً يراعي حقوق المواطن ومصلحته ويكون واضح وعادل وشفاف وملائم .. يعتمد على ضوابط موضوعية وواقعية في تحديد المطرح الضريبي ويبتعد عن التقدير الجزافي. لا يعتمد رقماً أو حداً أدنى ويراعي العدالة في النسب الضريبية ويبتعد عن الزيادة الضريبية الدورية المفروضة التي لا تتناسب مع الواقع المتمثل بانخفاض الدخل لا زيادته
ثانياً- توحيد التعليمات والبلاغات ونشرها واعتمادها ليعرفها الجميع ويعلم الجميع ما لهم وما عليهم بدل التخبط في التفسيرات وما لا يحصى من البلاغات والتعميمات والقرارات بعضها يوافق القانون وبعضها يخالفه.
ثالثاً- خلق وإيجاد كادر مثقف وواع ومؤهل يقوم بعملية التكليف الضريبي والتواصل مع المكلفين ومعرفة أحوالهم الطبيعية.
رابعاً- أسوة بكل الدول المتقدمة اعتماد التقدير المصرح به من المحامي كأساس للتقدير وذلك في ظل وجود ثقة وشفافية وتواصل بين الدوائر المالية والمحامين.. ومن ثم محاسبة من يبالغ في رفع أو تخفيض هذا التقدير من قبل المحامين أو الدوائر المالية.
خامساً- إيجاد ألية عادلة فعالة وسريعة للاعتراض على الضريبة لا يكون الخصم فيها هو الحكم.
سادساً- تفعيل دور النقابة والفرع في عملية التكليف الضريبي والاعتراض عليها. وإيجاد دور حقيقي للنقابة لا شكلي يتمثل بعضو باللجنة يقتصر دوره على التوقيع وكتابة عبارة مخالف!!!!!!!!
سابعاً- حل مشكلة التأخر بالتكليف وفي حال التأخر عدم تحميل المكلف لغرامات وفوائد عن أخطاء وتراكمات هو غير مسؤول عنها!!!
مع أمنياتي بأن يجد المحامون والمحاماة من ينصفهم ويدافع عنهم وعن حقوقهم وحرياتهم ومصالحهم وأن تعود المحاماة لتمارس دورها ورسالتها التي تعلمناها وسمعنا عنها على مقاعد الدراسة وفي نشرات الأخبار حول العالم
تقبلوا تحياتي