ستة عشر عاماً بانتظار شاهد الإثبات... إعدام مدني..
حوادث
الثلاثاء 28/11/2006
ملك خدام
شغلت قضية المتهم /سيف/ هيئة محكمة الجنايات ردحاً من الزمن, فهي تعتبر بحق من أغرب القضايا الجزائية التي حضرت بنفسي جانباً من جلساتها العلنية في الأسبوع الفائت..
حيث لمحت في قفص الاتهام, رجلاً نحيلاً غائر العينين قد شارف على الأربعين, وقد بدا لي زائغ النظرات مهدود الحيل لا حول له ولا قوة.
وقد فوجئت وأنا أسمع أنه ماثل أمام هيئة المحكمة في جرم (مشين) فهو متهم بالاعتداء على قاصر.. وبالعودة إلى وقائع هذه الدعوى, ذهلت وأنا أقرأ في تفاصيلها, مايشير إلى أن الحادثة المنعقدة لأجلها جلسة محاكمة اليوم, قد وقعت قبل ست عشرة سنة.. إذ كان سيف يقطن في حي شعبي, حيث الأبنية متلاصقة في أسطحتها, وقد كانت هوايته حينئذ (كش الحمام) وصادف أن اختلف مع أحد الجوار, الذي ادعى أنه اعتدى على ابنه المراهق على سطح البناء, وأثبت هذا الادعاء بتقرير طبي شرعي, ماجعل قاضي الإحالة يتهمه حينئذ بجرم الاعتداء على قاصر. الأمر الذي استدعى محاكمته طيلة هذه السنين..
غياب شاهد الاثبات
مستشار محكمة الجنايات أكد أن من أهم الأسباب التي عرقلت سير هذه الدعوى وأطالت أمد التقاضي فيها غياب (المعتدى عليه) كشاهد إثبات رئيسي, وحق عام لا يمكن تجاوز استجوابه والاستماع إليه بمواجهة المتهم من قبل هيئة المحكمة.. هذا الغياب, الذي لم نجد تبريراً له سوى خجل المعتدى عليه ربما من هذا الاستجواب في جلسة علنية أو ربما هو غاب إهمالاً وعدم اكتراث بعدما ضمن أن المتهم لا يزال موقوفاً على ذمة هذه الدعوى وهذا وارد..
ولكن.. سواء كان الأمر على هذا النحو أو ذاك, لايمكن إغفال أن هذا التغيب أو التغييب قصداً عرقل إجراءات البت في هذه الدعوى التي دورت من عام إلى عام حتى مضى على النظر فيها قرابة ستة عشر عاماً, ومثل هذه الدعوى العديد, فعندما أخفق أهل الوساطة في حض المعتدى عليه على الحضور من أجل استجوابه أمام هيئة المحكمة أو حتى إقناعه في إسقاط الحق بعد مرور كل هذه السنين, ظل سيف يراوح في زنزانته, فلا هو مدان ولا هو بريء.
وحسب ما يؤكد مستشار المحكمة إن هذا الغياب جعل المتهم في موقف قانوني صعب ولا يحسد عليه.. لأن هذا الغياب في النتيجة يثبت الجرم ويدين المتهم..
إعدام بلا إعدام
بعدما انتهت هذه الجلسة مثل سابقاتها, وعلقت إلى اخرى لعل شاهد الإثبات في هذه الدعوى يثيب إلى رشده ويحضر, عاد سيف كما أتى إلى زنزانته في سجن دمشق المركزي الموقوف فيه.. علماً بأن هذه الدعوى قاربت على السقوط بالتقادم بعد عامين.. وفي محاولة لالتماس عذر أو تبرير لتخلف شاهد الاثبات الرئيسي فيها عن الحضور يؤكد محامي الجهة المدعية أنه قد كبر وأصبح عنده أربعة أولاد, وهو يخجل من ذكر أو تذكر الحادثة بعد كل هذه الأعوام, أضف إلى ذلك أن المتهم نفسه قد كبر أولاده, وصاروا شباباً وإن محاكمته بهذا الجرم المشين في الدعوى القائمة لغاية الآن, تسبب له ولهم ( إحراجاً كبيراً).
حكم القانون..
لم تكن القضية التي عرضت لها هنا معضلة لا حل لها أمام سيادة القانون, فقد أخبرني محامي الدفاع أنه ربما تغير الأمر, وفصلت هذه الدعوى لصالح موكله, فقط لو توفر من يقنع المعتدى عليه بالحضور إلى هيئة المحكمة, من أجل استجوابه في (جلسة سرية) منعاً لأي إحراج وهكذا تنتهي القضية إما ببراءة أو إدانة..
والسؤال الذي بقي معي وأنا خارجة من باب القصر العدلي: وما الفرق?.. أليست البراءة أو الإدانة بالنسبة لهذا المتهم سيان ?!..
نقلها للمنتدى المحامي أحمد صالح الحسن