منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى الفقهي > أبحاث قانونية مختارة > أبحاث في القانون المقارن

أبحاث في القانون المقارن دراسات في القانون تستند إلى القوانين العربية والأجنبية غير السورية

إضافة رد
المشاهدات 15291 التعليقات 0
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-10-2010, 01:42 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
القاضي محمد عبد ناصر الساعدي
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي تأديب الزوجة الناشز شرعا وقانونا وقضاء

تأديب الزوجة الناشز
شرعا وقانونا وقضاء
دراسة نقدية ورؤى شرعية معاصرة
دراسة في الفقه المقارن
بقلم: القاضي محمد عبد ناصر الساعدي
يستند الحق في التأديب إلى مبدأ القوامية وهي نوع من السلطة الزوجية التي للزوج على زوجته بمقتضى عقد الزواج وإعمالا لقوله تعالى:
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ...... وَاللاّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)(1)
وقيم الأمر من يسوس أمرهم ويقومهم (2) والقيّم على الأمر متوليه كقيم الوقف وقيم المرأة زوجها (3).
ويقال هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويقوم بحفظها (4) والاستعمالات الأخرى لمادة قام به وقام عمله في القرآن الكريم واللغة والفقه على هذا النحو:
(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)(5)
والذي يبدو أنه ليس للقيم معنى اصطلاحي غير معناه اللغوي.
والقوامية هي درجة خاصة للزوج على زوجته ففيما ذكر أحد المفسرين أنها درجة الرئاسة التي يتصرف بها المراد منه بإرادته واختياره وليس معناه أن يكون المرؤوس مقهورا مسلوب الإرادة لا يعمل عملا إلا ما يوحيه إليه رئيسه(6).
والقوامية سلطنة وليست ولاية فهي كما يقول أحد الفقهاء سنخ ولاية خاصة عليها أي على المرأة لعدم جواز خروجها بدون إذن منه، وهي حكم شرعي غير قابل للمعاوضة، وإن التزام الزوج بالإنفاق عليها حكمة في هذه القوامية لا علة لها(7).
وهو يناقض فقهيا بعض من يرى أن القوامية مقابل الانفاق – كما يبدو ظاهر الآية (آية القوامية) وهي خاصة وبسلطة الزوج على زوجته وليست ولاية عامة للرجال على مطلق النساء – كما هو مشروح في مظان الكتب الفقهية عامة-.
يقول العلامة السيد حسين الحلي في تقريراته:
إن من الآثار المترتبة على تخلف الزوج في أدائه للحقوق الزوجية فسح المجال أمام الحاكم الشرعي –القاضي- لإجراء الطلاق (التفريق) جبراً على الزوج، وإذا لم ترغب الزوجة في طلب الطلاق (طلاق القاضي) فهل لها في الإخلال بحقوقه عليها مقابلة له بالمثل كالسفر بدون إذنه أو الخروج من داره دون رخصة منه أو غير ذلك.. وأجاب على ذلك بالإيجاب(8).
وقال الرازي في تفسيره (الرجال قوامون على النساء) أي مسلطون على أدبهن والأخذ على أدبهن فكأنه سبحانه جعله أميراً عليها ونافذ الحكم بحقها ويوضح عبارته صاحب مواهب الرحمن ليست قوامية سلطة وابتزاز وجبروت، بل هي قوامية حفظ وعناية ورعاية (9).
ولاستجلاء الفكر وكون القوامية ولاية هناك كثير من الأحكام المترتبة عنها:
1. مسائل الطلاق وكونها بيد من أخذ بالساق وتعليله بهذه القوامية.
2. مسائل الصلاة على الزوجة الميتة من قبل زوجها والإنفاق عليها وخروجها من منزله وإنفاقها من مال زوجها واشتراط كل ذلك بإذنه كلها متفرعة على هذه القوامية وكذلك التأديب فهذه أحكام شرعية مستندة إلى السلطة الزوجية وهي تختلف عن سائر السلطات كالسلطة الأبوية التي ترد في كتابات بعض الباحثين الشرعيين والاجتماعيين حيث خلطوا بينها أحياناً وبدون تفريق وترددت في بعض الأدبيات النسائية وإلا كيف نفهم إناطة أولوية الصلاة عليها بعد الممات..
وحق التأديب تردد في أكثر المصادر الفقهية بهذا الاسم فيما ذكر الكبيسي وصفاً إضافياً له (10) (التقويم) هو -أي حق التقويم- أنسب لفظ للتعبير عن حق الزوج هذا بدلالة المفهوم اللغوي (القوامية) ومنه حق التقويم أي تقويمها في صلاحها بحفظها والانفاق عليها ورعاية حقوقها وعدم البغي عليها (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) وتقويمها إذا مالت للنشوز وعصت وترفعت على الميثاق الزوجي وتمردت عليه لغرض علاجها وإعادة اندماجها كلياً بالحياة الزوجية لكن اصطلاح التأديب ساد كتب الفقه كما ساد هو الآخر لغة المفسرين مما أدى إلى الخلط بينه وبين تأديب الوالد لأولاده وزاد المشروع الوضعي في قانون العقوبات بأن ساواه – كواحد من أسباب الإباحة- بتأديب المعلم لتلميذه وغيره، وهو مصدر للخلط بينه وبين السلطة الأبوية ومما يلفت النظر أن التأديب لغة هو من بعض معاني التعزير وهي العقوبة غير المنصوص عليها شرعاً المناطة لتقدير القاضي وقناعته. فالتعزير – كما يقول الزلمي- لغة التأديب وشرعا عقوبة لم ينص عليها المشرع لأن النصوص القرآنية لم تأتِ بكافة الحقوق رعاية لتطور ظروف المجتمع واعتماداً على الوسائل الوقائية أكثر منها على الوسائل العلاجية من جهة أخرى (11).
أو كما يقول رئيس نيابة النقض في القاهرة: التعزيز عقوبة مفوضة إلى القاضي كما يقول الأحناف يختلف باختلاف الجريمة وأجاز الفقهاء التعزيز بالحبس ويجوز أن تكون العقوبة الوحيدة أو يضمن إليه عقوبة التعزيز وهو ما جاء به أبو يوسف وبعض الفقهاء الشافعية وأجيزت في مذهب الإمام أحمد وفقا للقاعدة أن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة(12).
ويقول الفقيه الجعفري اللبناني هاشم الحسني: وإن هناك أنواعاً من العقوبات والتأديب للعصاة فرضها القرآن قطعا لدابر الفساد(13)، فالتأديب نوع من التعزير بل إن التعزير يتضمن التأديب والنصرة، وهو يتضمن إسهاما من القاضي بالتربية والتغيير مما يلتقي مع النظرة الحديثة للعقاب، فالتعزير – كما في المختار- هو التوقير والتعظيم وهو أيضا التأديب، ومنه التعزير الذي هو الضرب دون الحد(14).
وهو عند الراغب الأصفهاني النصرة مع التعظيم. قال (وتعزره.. وعزرتموهم والتعزير ضرب دون الحد، إذ أن الحد يرجع إلى الأول، فإن ذلك تأديب والتأديب نصره الأول (وتعزره نصره بقمع ما يضره عنه والثاني نصره بقمعه عما يضره فمن منعه عما يضره فقد نصره)(15).

إذن فاستعارة التأديب هنا في وسائل ضبط الزوجية داخل الأسرة في مواجهة نشوز الزوجة وانضباطها داخل البيت من قبل الزوج استعارة لا تجيزها استعمالات اللغة واصطلاح الفقهاء.. لأن التأديب عندهم هو تأديب العاصي والمجرم فيما لا نص فيه شرعا (أي بمقتضى صلاحيته الجزائية) وهي تدور بين العقوبة البدنية والمادية كالضرب والحبس والتعزيز.. ولعلهم استعاروه هنا لما في الصلاحيات التي رسمتها آية القوامية والنشوز من الوعظ والهجر والضرب لما تشعر بعضها خصوصا الهجر والضرب من شائبة العقوبة رغم أنهم متفقون بالنسبة إلى الضرب تهوينه وتضعيفه بما يشعر انصرافه إلى الضرب غير المبرح الضرب بالسواك أو بالريشة كما تضافرت بعض الروايات على النهي عن الضرب كعلاج لنشوز الزوجة كقوله (ص):

(ولن يفعله خياركم)(16) و(أتضربها بالنهار وتجامعها في الليل)(17)

وقوله (ص): (المرأة ريحانة وليست قهرمانة)(18)

وقوله (ص): (ما قهر المرأة إلا لئيم)

ولا يناسب الضرب الرحيان بل يناسبه الشم والمداعبة. ويرى الفقهاء أنه إن جاز فيه وتعدى بأن يكسر عظما أو يلثم لحماً أو يلطم وجهاً عزره القاضي بضربه هو وبحبسه وفرض الطلاق الإجباري عليه المعبر عنه قانونا (بالتفريق للضرر) أو طلاق القاضي كما في بعض المصادر الفلقهية ويحاول بعض الفقهاء وتابعهم في ذلك بعض الكاتبين الخروج من هذا المأزق خصّ ولاية الرجل على زوجته (بالولاية التأديبية) دون الولاية المالية تمييزا للسلطة الزوجية عن السلطة الأبوية. يقول الأبياني في ذلك ولاية الزوج على زوجته تأديبية فلا ولاية له على أموالها الخاصة بل هي التي لها الولاية عليها.. ولا يجوز أصلا أن يضربها ضرباً فاحشاً ولو بحق ولو تعدى عليها زوجها حدود الضرب ورفعت أمرها للقاضي أي عاقبة بما يعلم أنه ينزجز به ارتكاب مثل ما فعل(19).

ويكاد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 أن يتفرد بين قوانين العقوبات العربية بالنص صراحة في الفقرة (1) من المادة (41) على حق الزوج في تأديب زوجته في حدود ما هو مقرر شرعاً أو قانوناً بوصفه صورة من صور استعمال الحق وهو المبدأ المقرر كسبب عام لأسباب الإباحة نص عليها في ديباجة المادة (41) المذكورة بقوله (لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون فتناول تأديب الزوجة من قبل الزوج وتأديب الأولاد القصّر من قبل آبائهم)(20).

وقد كانت هذه المساواة والتماثل بين حق تأديب الزوجة وحق تأديب الأولاد والتلاميذ محل نقد واعتراض الكثير من الكاتبين سواء في نطاق البحوث القانونية أو الاجتماعية.

لقد كان إيراد (حق التأديب) للزوجة في سياق احتوته الفقرة (1) من المادة (41) عقوبات –كما يقول الدكتور ضاري- من أمثلة أخرى لاستعمال الحق كتأديب الآباء والمعلمين والأولاد القصر من العيوب ما سهل النيل منها بالنقد الشديد بداعي أن المشرع قد ساوى بين الزوجة وبين الأولاد القصر، وهو غير صواب، لأنه لا يجوز المساواة بين غير متماثلين. فالزوجة غير الأولاد القصّر، فضلا عن مفهوم وشروط تأديب الزوجة غير مفهوم وشروط تأديب الأولاد القصّر. فتأديب الزوجة حق شخصي لا يحق لغير الزوج استعماله عكس الآباء والمعلمين لأنه ينصرف إلى من في حكمهم وفي غياب الأب أو سفره يكون في حكمه العم والخال وحتى الأخ الكبير القاصر. ويكون في حكم المعلم مثلا ومتولي تعليم القصّر من الحرفيين والصناعيين(21) وكل ذلك بسبب من الاصطلاح (التأديب) ذلك أن التأديب بالنسبة للزوجة لغة كما رأينا مدلول غير منضبط وهي صيغة جرت على السنة الفقهاء المسلمين (بالمواضعة) واختلطت بالمعنى العام التي يستوعب تأديب الصغار وغير ذلك كما جرت على السنة الكتاب الاداريين في فقه القانون الداري الحديث مرادفة لمعنى (الضبط) و(البوليس الإداري) كما أنها سرت إلى شرّاح قانون العقوبات في مساوقة تشريعية لمعاني التأديب الثلاثة وكأن التأديب نظرية عامة تنبسط على هذه المفردات رغم اختلاف مفرداتها وموضوعها وأسبابها وغايتها ودرجات العلائق القانونية أو اللائحية التي تنظمها، فالتأديب مضمون قانوني قد يأخذ في بعض مواطنه مضموناً أخلاقيا عاماً محدداً وقد يتحدد على المستوى التشريعي أحياناً فيما نجده يتخصص على المستوى الاداري أو اللائحي أو النقابي(22) بل نجده يغرق في ذاتيته وخصوصيته على مستوى التدابير الضبطية الفردية ولكي نعطي العلاقة التي ترسمها الآية لمعالجة النشوز مضمونها المحدد لا يجب بالضرورة الالتزام بما اصطلح عليه الفقهاء القدامى ومن جاراهم من الكتاب المعاصرين من مصطلحات –إذ لا مشاحة في الاصطلاح- ولأن الفقهاء إنما يستمدون الاصطلاح من مفاهيم اللغة والعرف واشتراطات زمانهم الفكرية والبيئية وأن لا تثريب علينا إن جاريناهم فيها ما لم تجب أصل الموضوع وتجانب غاية التشريع وتصادر السياسة الجنائية المعاصرة، فليس ثمة علاقة بين صور التأديب هذه لكون تأديب (الزوجة) هو لمصلحة المؤدب الذي هو الزوج بينما تأديب الأصناف الأخرى لمصلحة الصغير أو التلميذ أو الذي يجري التأديب في مصحلة المؤدب كما إنه في بعض الصور تضعف مصداقيته في التطبيق حيث يعتصم به بعض الرجال المتعسفين حيث يختلط الحق بالتأديب بالتعسف المنهي عنه شرعا لتحقيق غرض مبيت فيما يغلبه طابع الاستبهام لمعرفة ما إذا كان الزوج يمارس تأديباً أم يمارس ضرباً يقع تحت طائلة الضرب المبيح للتفريق ويدق الضابط أحياناً لمعرفة ما إذا كان الزوج يمارس تدبيراً ذا طابع وقائي (كالوعظ والهجر) في مرحلة (خوف النشوز) التي أشارت إليها الآية المعير عنها فقهيا (بحصول إمارات النشوز) وهي حالة تخضع للتقدير الشخصاني من قبل الزوج رغم ضوابط الفقه أو مرحلة النشوز الفعلي لأن الايات الكريمة الثلاثة التي أشارت إلى النشوز ذكرت (خوف النشوز)(23) كما أن الفقهاء باتفاق جرى على أن في هذه المرحلة لا تسقط نفقة الزوجة لأن (مرحلة النشوز الحقيقية أو الكاملة) غير متحققة وسقوط النفقة يرتبط بوقوع النشوز فعلا بعد أن ترفض المطاوعة وتصر على رفض المطاعة، بعد أن تنبه بالمطاوعة في البيت الشرعي المهيأ لها وترفض ذلك دون أن تدفع بأي ضرر في مواجهة المطاوعة من الدفوع القانونية أو الشرعية كالضرر أو التعسف أو عدم الانفاق أو عدم قبضها لمعجل صداقها أو صغر سنها أو مرضها ومرحلة خوف النشوز اي مرحلة ممارسة الزوج لحقه في التأديب(24) والتقويم أثناء الوعظ والهجر في المضجع يفترض فيها أن تكون في داره ووجودها في داره غير مسقط لنفقتها لتحقق الاحتباس الموجب للنفقة على حد تعبير الأحناف، وهي الحال الآن في التطبيق القضائي الذي يجعل من سكنى الزوجة في البيت الشرعي مبدأ للإنفاق كما أن الضرب في مثل هذه المرحلة (مرحلة خوف النشوز) لا يخضع لمعيار الإباحة لأن الضارب حيث يمارس الضرب لا يضبطه معيار مسبق، إنما يكون الضرب خفيفاً أو شديداً بما يكشف عن حال المصاب (المضروب) بالنتيجة؛ لذا يسأل جزائيا كما يسأل (تعزيرياً) في مفاهيم الفقه الإسلامي بأن يضرب هو في مقابل ذلك أو يحبس أو يغرم حسب تقدير القاضي كانت النتيجة تجاوزا لحقه في ذلك(25).

كما لا يجوز اعتماد الضرب شرعا إذا علم بأنه لا يحقق المقصود. ومن العلماء من صرح أنه إذا تحقق الزوج أو ظن عدم إفادة الضرب فليمتنع لأن الضرب وسيلة لإصلاح حالها والوسيلة لا تشرع عند عدم ترتب المقصود عليها(26)، ولاحظ الدكتور سعيد أمجد الزهاي أنه مع هذا الظن يكون الفاعل قاصدا أغراضاً مخالفة للغرض الذي قصده الشارع ومناقضا له(27)، وهو عين ما يقوله الحلي في شرائع الإسلام ويقتصر –اي الضرب- على ما يؤمل معه رجوعها(28).

وإذا كان تأديب الزوجة قد أنيط للزوج وتأديب الزوج قد أنيط للقاضي باعتبار أن حق الزوج من باب الولاية الخاصة وحق القاضي من باب الولاية العامة والولاية الخاصة اولى في الاعتبار في سلم القيم القانونية والاجتماعية لكنه في كلا الحالتين يخضع لرقابة القاضي عند التجاوز، وهو المعبر عنه فقهيا (بأن القاضي ولي الممتنع) وفي مقابلة بين تدابير التقويم هذا المعبر عنه بالتأديب (كالوعظ والهجر والضرب) يجري عند نشوز الزوج ذلك حيث أبيح للزوجة وعظه دون هجره أو ضربه فيما أبيح لها مراجعة القاضي وشكاته: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا)(29) عند تضررها من هجره للدار أي تجاوز هجر المضجع إذ الهجر كتدبير لا يكون إلا في المضجع كما ذكرت في بحوث سابقة فإذا هجر الدار أو ترك النفقة فللقاضي تعزيره ويكون ذلك بزجره ووعظه ثم حبسه ثم ضربه وهي مقابلة عادلة إذ القاضي ولي الممتنع وأمثلته كثيرة في مظان الكتب الفقهية إعمالا لقوله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).

فكما يقول صاحب الشرح الكبير: (لا يجوز هجرها بلا موجب شرعي وضربها وكذلك سبها وسب أبيها كما يفعل كثيرو من رعاع الناس)(30).

لأنه بهذا اتجه نحو التجاوز والعدوان والبغي (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) فيعتبر بذلك خروجا عن إطار حقه بما يستوجب مساءلته قانونا ويوجب بالتالي عقابه لأنه ابتعد عن الحق ومراميه إلى غاية مبيتة في نفسه وبهذا صرحت محكمة التمييز بقرارها أن السب والشتم والقذف ليست من الأمور التي تدخل بحدود حق التأديب للزوجة المشمولة بالمادة (41) ويعاقب الزوج عن ذلك بموجب المادة (413) عقوبات(31)، وهذا يلتقي مع ما قرره الفقهاء المسلمون بأن حق التأديب عند عصيان الزوجة في الأمور التي لا يطالها نص في المخالفات غير المنصوص عليها قانوناً، فلا يجوز أن يقال أن ذلك من باب إعطاء الزوج سلطة إيقاع العقوبة بدل القاضي، ذلك أن القضاي يطبق عليها ما لديه من النصوص التي يقع عصيانها تحت طائلتها كالاعتداء على الجيران أو أقاربه أو عليه أو سبه أو غصب أثاثه أو التعرض عليه في شرفه؛ وهذه خارجة عن حق التأديب وتخضع لمساءلة القاضي يستوي الأمر فيها إذا اقترفتها الزوجة أو الزوج. وإذن فحق التأديب مقصور على مخالفتها لحقه في الطاعة والاستمتاع ومقدماتها. وصرح كثير من المفسرين والفقهاء بوجوب الترتيب والموالاة في التأديب بدءا في الوعظ وإذا حصل إصرار على النشوز فبالهجر إذا كان العصيان قوياً فيلجأ إلى الضرب الخفيف غير المبرح(32).

كما لا يجوز أن يؤدي التأديب إلى التحقير وإذلال الزوجة، بل إن مقتضى السياق القضائي لمحكمة التمييز أن يكون مصحوباً بالعاطفة وأن يكون غايته إصلاح حال الزوجة وضمان عدم خروجها عليه فإذا استهدف من وراء الضرب الانتقام من الزوجة وليس إصلاح حالها فهو سيئ النية وتجب معاقبته(33).

ويقول الشيخ زين الدين بن نجيم في بحره الرائق في حالة هجران الزوجة للزوج وهي حالة نشوزه: لو قام عند إحداهنّ شهراً فخاصمته الأخرى بذلك قضي عليه إن يستعمل بينهما العدل في المبيت وما مضى هدر غير أنه آثم لأن القسمة تكون بعد الطلب (أي من تاريخ مراجعة القاضي) لو عاد بعد أن نهاه القاضي (أي وعظه) أوجعه عقوبة وأمره بالعدل لأنه أساء "الأدب" وارتكب الحرام وهو الجور فيعزره بذلك وحاصله أنه لا يعزر في المرة الأولى وإذا عزر فتعزيره بالضرب وفي والجهرة لا يعزره بالحبس لأنه لا يستدرك الحق فيه بالحبس لأنه يفوت بمضي الزمان(34). وذهب الجمهور لو اندفع النشوز بالوعظ (اي التوعية) فلا يجوز الهجر لأن الهجر رخصة جاءت على خلاف قواعد الشرع وللضرورة، ومن العدوان استعمالها ساعة السعة ووقت الاستغناء عنها. كما لا يجوز الضرب من باب أولى إن فاءت إلى الحق بالهجر بعد أن عرف أن الضرب لا يجدي نفعاً حرم ابتداءً وإن علم أن الضرب غير المشروع المبرح هو المجدي فهذا حرام أيضاً(35). وقيد الهجر كتدبير وقائي لمدة ثلاثة أيام كحد أدنى وأن لا يتجاوز الشهر كحد أعلى وقيد الضرب بقيدين:

القيد الأول: ظن الإفادة القيد الثاني: غير المبرح

فكما ذكر ابن العربي في أحكام القرآن أن لا يظهر أثر على البدن من جرح أو كسر(36)، ويكون بالمنديل والمسواك أو الريشة والغرض إشعار الزوجة بعدم الرضا بمعاملتها كما يقول الفخر الرازي في تفسيره الكبير(37) وشرط بعضهم بالضرب أن يكون دون الحد الأدنى (للإيلاء) فكما يفهم من عبارات ابن حزم إذا استمر الهجر أكثر من أربعة أشهر فهو إيلاء حيث لم يقتصر الإيلاء على الحلف على الوطئ بل الإساءة نوع من الإيلاء والفيئة حسن الصحبة(38). وفي قرار لها قالت محكمة التمييز إنه لا يجوز للزوج ضرب زوجته تأديبا لها على أن لا يكون الضرب مبرحا مؤلماً ولا يصار إلى الضرب التأديبي إلا بعد الوعظ واليأس من إصلاح الزوجة(39)، ولا يسأل الزوج عن ضرب زوجته ضرباً غير مبرح تأديبا لها عملا بالحقوق المقرر لها شرعا بقرار لمحكمة الاسكندرية الابتدائية بالقضية المرقمة 240 لسنة 1963 في 26/5/1964. يقول إذا كان من حق الزوج تأديب زوجته وضربها في سبيل إصلاح شأنها إلا أن المعول عليه من أقوال الفقهاء هو أن لا يكون الضرب مبرحا ولا شائناً فإن كان ذلك أذاء بالفعل مما يستحيل معه دوام العشرة فيطلقها القاضي طلقة بائنة إذا ثبت الضرر وعجز عن الاصلاح وإذا خالفت الزوجة زوجها فيما يجب عليه من الطاعة، فلزوجها أن يؤدبها بدءا بالموعظة الحسنة ثم بهجر المضجع أي لا يبيت معها في فراش واحد، ثم بالضرب غير المبرح، وليس له أن يعزرها ضرباً أليما مبرحاً لأي سبب، فإن فعل هو إضرار بها(40). ويشرح ذلك الاستاذ محمد عبده قائلا:

(إن الضرب يحتاج إليه في حالة فساد البيئة وغلبة الأخلاق الفاسدة وإنه يباح إذا رأى الرجل أن رجوع المرأة عن نشوزها يتوقف عليه وإذا صلحت البيئة وصار النساء يعملن بالنصحية ويستجبن الوعظ أو يزدجرن بالهجر فيجب بالاستغناء عن الضرب. ولكل حال حكم يناسبها في الشرع ونحن مأمورون على كل حال بالرفق بالنساء واجتناب ظلمهن وإسماكهن بمعروف أو تسريحهن بإحسان والأحاديث بالوصية بالنساء كثيرة جداً)(41).

وتردد بعض النصوص أن لها مقابل ذلك إذا تمرد الزوج واستعصى على المطاوعة ونشز بأن منع حقوقها الواجبة كترك الدار وهجران المضجع بدون تقصير منها أو نشوز والطلب منها أموراً مخالفة للأدب، فلها وعظه وشكاته إلى القاضي بعد المطالبة بها، فلو كان النشوز منه بمنع حقوقها الواجبة، فلها المطالبة بها ووعظه لا هجره وضربه فإن أصر على الامتناع رفعت أمرها للقاضي فيلزمه بها(42). ونقل الشيخ أبو زهرة عن المالكية حيث سمحوا للزوجة أن تهجر الزوج إذا نشز عن حقها كما جاز له أن يهجرها إذا نشزت هي عن حقه(43) في باب الفسخ للعيوب –في ما جاز الفسخ فيه- من بين ثنايا الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، كما في الوسائل هو عدم الاكتفاء بمنح صلاحية الفسخ للمرأة بل تذهب إلى أبعد من ذلك، فتتناول المضوع لمعالجته من الوجهة الاجتماعية فتأمر بتأديب الزوج في مثل هذه الحالات ليكون عبرة لغيره ممن تسوّل له نفسه الاقدام على هذا النوع من التدليس أو إغراء الزوجة. فقال يفرق بينهما ويوجع ظهره ويكون لها المهر بدخوله عليها(44). وإن كان النشوز من الرجل ولم تقدر المرأة على منعه ترفع أمرها إلى القاضي فيعزر، ويكون التعزير بحسب حال الزوج ومنزلته بالكلام الغليظ أو الضرب أو الحبس أو غيرها مما يراه القاضي رادعاً له(45). فالتأديب أو التقويم اللذان هما من معاني التعزير يردان على الزوجين معاً حفظاً لنظام الزواج وضبطاً لمسيرته، لذلك اقتضى تصحيح ما تصوره البعض من نظرة أحادية الجانب لحق التأديب هذا ووزن له بميزان آخر (...وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ..)(46).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


الهوامش:
.............................

(1) النساء: 34.

(2) كتاب المعين: ج5 ص232.

(3) المنجد: مادة (قوم).

(4) الامام فخر الدين الرازي –التفسير الكبير- ج3 ط1 ص131.

(5) الرعد: 33.

(6) الإمام رشيد رضا، تفسير المنار: ص69.

(7) الشيخ حسين الحلي، تقريرات دروس وبحوث فقهية: ط1 بغداد 1991 ص216.

(8) المصدر نفسه: ص215.

(9) السيد عبد الأعلى السبرزواري –مواهب الرحمن في تفسير القرآن: مطبعة الآداب، 1990، النجف، ص185.

(10) د. أحمد الكبيسي –فلسفة نظام الأسرة في الإسلام: ص128.

(11) د. مصطفى الزلمي –فلسفة الشريعة الإسلامية: دار السلام للطباعة/ بغداد، 1979، ص40.

(12) فتحي محمد قرة- الاحوال الشخصية للمسلمين وغير المسلمين، دار المطبوعات الخاصة، الاسكندرية، ص983.

(13) هاشم الحسني –تاريخ الفقه الجعفري، دار العرفان، بيروت 1976، ص90.

(14) الرازي –مختار الصحاح: ص429.

(15) الراغب الأصفهاني- المفردات: ص333.

(16) ذكر هذه الأحاديث كثير من المصادر منها: فلسفة نظام الأسرة في الإسلام للكبيسي: ص134.

(17) السيد رشيد رضا- تفسير المنار: ص75.

(18) المصدر السابق: ص75.

(19) محمد زيد الأبياني- شرح الأحوال الشخصية: ط1، ص279.

(20) د. ضاري خليل محمود- تفاوت الحماية الجنائية بين الرجل والمرأة في قانون العقوبات والشريعة الإسلامية: ص73.

(21) د. ضاري خليل محمود: المصدر السابق، ص73.

(22) تنظر المادة (110) من قانون نقابة المحامين، قرار رقم 173 لسنة 1965 (تأديب المحامي).

(23) آيات النشوز الثلاث ذكرت (خوف النشوز) وهي المرحلة التي تسبق تحقق النشوز والتي تكون مناسبة للإصلاح بالنسبة لنشوز الزوجة بطرق التأديب الثلاث من قبل الزوج وبالنسبة لنشوز الزوج وعظاً وهجراً وحبساً أو ضرباً من قبل القاضي وبالنسبة لنشوز الطرفين جعل الصلاحية للمجتمع (أهل الطرفين) والقاضي لغرض اصلاح أو التفريق بينهما مصالحة على المال، وهي: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ) و(وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) و(وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا) سورة النساء: الآيات (34، 28، 35).

(24) تنظر دراستنا المقدمة إلى مجلس العدل في 15/10/1992 (التعسف في استعمال حق المطاوعة).

(25) العلامة بن نجيم –شرح البحر الرائق، المطبعة الأميرية: ص237.

(26) ذكر ذلك أكثر المفسرين ومنهم بن كثير والزمخشري والآلوسي وسبل السلام ص165.

(27) د. سعيد أمجد الزهاوي –التعسف في استعمال حق الملكية في الشريعة والقانون، رسالة دكتوراه القانون.

(28) المحقق الحلي – شرائع الإسلام: المصدر السابق ص338.

(29) سورة المجادلة: 1.

(30) القطب أبو البركات- أحمد بن محمد بن أ؛مد- الشرح الكبير، القاهرة.

(31) النشرة القضائية- العدد الرابع، السنة الخامسة، رقم القرار 15 في 11/6/1974 ص408.

(32) كما ذكر السيد رشيد في تفسير المنار: المصدر السابق ص76 والسبرزواري في مواهب الرحمن ص185.

(33) مجموعة الأحكام العدلية، العدد الرابع، السنة السابعة، 1976 رقم القرار 126/ هيئة عامة- 976 ص326.

(34) ابن نجم، البحر الرائق: ص236.

(35) تفسير القرطبي: ط5 ص972، والتفسير الكبير- للفخر الرازي ط2 ص136.

(36) ابن العربي، أحكام القرآن ط1، ص240.

(37) الفخر الرازي- الفسير الكبير- المصدر السابق ط7، ص52.

(38) ابن حزم الحلبي –المصدر السابق، ط3 ص216.

(39) محمد أحمد العمر- التطبيقات الشرعية والصكوك، قرار رقم 329 في 30/12/1973، مطبعة بغداد.

(40) صالح الحنفي- المصدر السابق رقم القرار 307/74 في 3/11/1964.

(41) السيد رشيد رضا – تفسير المنار، ص75.

(42) الإمام أحمد الحسين كاشف الغطاء- المصدر السابق ص173.

(43) الشيخ أبو زهرة- الإسلام اليوم وغداً: مطبعة حلبي 1963 ص231.

(44) عز الدين بحر العلوم- الزواج في القرآن والسنة- المصدر السابق: ص259.

(45) السيد محمد الهاشمي- القضاء بين يديك: ص68.

(46) سورة البقرة: الآية 228.

نقلته للمنتدى البتول







آخر تعديل المحامي ناهل المصري يوم 03-10-2010 في 08:26 PM.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
اجتهادات هامة أحوال ردين حسن جنود أهم الاجتهادات القضائية السورية 3 12-11-2018 09:31 AM
قرار حقوق العائلة سنة 1333 مازن ابراهيم منتدى تاريخ القانون والمحاكمات التاريخية الشهيرة 0 08-12-2010 07:45 PM
قانون الأحوال الشخصية الأردني أحمد الزرابيلي قوانين المملكة الأردنية الهاشمية 0 17-11-2009 03:26 AM
فتاوى دار الإفتاء المصرية في الأحوال الشخصية المحامي محمد صخر بعث قوانين جمهورية مصر العربية 10 13-12-2006 02:55 PM
*************** زنا *************** المحامي حيدر سلامة أهم الاجتهادات القضائية السورية 0 30-11-2006 10:30 AM


الساعة الآن 07:15 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع