![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||||
|
![]()
الزنا بين أصل الحرية والقيد الرضائي عبدالله سليمان علي : (كلنا شركاء) 15/2/2010 [/frame][align=justify]يقوم التنظيم القانوني للنشاط الجنسي على أساس الحرية والإباحة إلا إذا تعارض هذا النشاط مع التزامات أخرى، حيث يتدخل القانون عند حصول التعارض ويضع قيوداً على ممارسة النشاط الجنسي. [/align][align=justify] فالقانون لا يعاقب على النشاط الجنسي الواقع بين ذكر وأنثى بالغين عازبين وبرضاهما لأن مثل هذا النشاط يعبر فقط عن حريتهما الأصلية في ممارسة ما يريدانه والقانون لا يعاقب على ما أباحه للأفراد من تصرفات وأفعال. لكن إذا أقدم شخص متزوج على ممارسة نشاط جنسي خارج دائرة الزواج فإن القانون يعتبره مرتكباً لفعل مخل بالالتزامات الزوجية وحقوق الأسرة، وبالتالي يخرج هذا الفعل من نطاق الحرية التي أتاحها القانون ويدخل ضمن نطاق الأفعال المجرمة والمعاقب عليها. وانطلاقاً من هذا الأساس نرى المشرع السوري في المادتين 473 -474 من قانون العقوبات يضع أحكاماً لمعاقبة جريمة الزنا المرتكبة من شخص متزوج. ومما له دلالته القاطعة أن المشرع السوري وضع أحكام الزنا في الباب السادس الوارد تحت عنوان "الجرائم التي تمس الأسرة" أي أن النشاط الجنسي المتمثل بالزنا لا يعتبر جريمة إلا إذا تضمن مساساً بالأسرة، فإذا لم يتضمن مثل هذا المساس فإنه يعود إلى أصل الحرية والإباحة. كيف يمس الزنا بالأسرة؟ كما هو معروف فإن عقد الزواج هو اتفاق بين ذكر وأنثى يقضي بإباحة العلاقة الجنسية بينهما وتأسيس حياة عائلية مشتركة. ونلاحظ أن هذا التعريف الذي أخذ به المشرع السوري في قانون الأحوال الشخصية يتناقض مع التنظيم القانوني للنشاط الجنسي الذي أخذ به قانون العقوبات ولا سيما في الشطر الأول من التعريف الذي يتحدث عن إباحة العلاقة الجنسية وحلية تمتع الطرفين ببعضهما البعض، إذ قلنا سابقاً أن قانون العقوبات يبيح العلاقة الجنسية بين الذكر والأنثى إذا كانا بالغين عازبين وتم الفعل برضاهما. وبعبارة أخرى فإن إباحة العلاقة الجنسية حسب قانون العقوبات ليست وقفاً على عقد الزواج كما جاء في قانون الأحوال الشخصية وبالتالي فإن المفهوم القانوني للزنا لا يشمل الفعل الذي يقع من طرفين غير متزوجين وهنا يختلف المفهوم القانوني للزنا مع مفهوم الفقه الإسلامي الذي يعتبر الزنا واقعاً سواء كان الطرفان أو أحدهما متزوجاً، لكن الفقه الإسلامي فرق في العقوبة بين زنا المتزوج وغير المتزوج فاكتفى بجلد الأول في حين قضى على الثاني بعقوبة الرجم. وهذا الخلاف بين القانون والفقه الإسلامي هام جداً في تحديد طبيعة جريمة الزنا من الناحية القانونية. فالقانون لا ينظر إلى الزنا من ناحية مساسه بالشرف والعرض بقدر ما ينظر إليه من ناحية انتهاكه لكيان الأسرة التي يعول عليها المشرع لبناء المجتمع. وكأن المشرع يقول بأنه بعد أن أباح حرية النشاط الجنسي للأفراد فقد ترك لهم أن يضعوا قيوداً رضائية على هذه الحرية كاتفاق طرفين ذكر وأنثى على ممارسة هذا النشاط ضمن دائرة الزواج، فانعقاد الزواج يعني أن الطرفين أصبحا ملتزمين بعدم ممارسة النشاط الجنسي مع غيرهما وأن يقتصر نشاطهما الجنسي على بعضهما البعض. فمن يقدم منهما على ممارسة النشاط الجنسي مع غير شريكه يعتبر مخلاً بهذا الاتفاق ومستحقاً لعقوبة الزنا. فالزواج في أحد جوانبه هو قيد على الحرية الجنسية التي أباحها القانون كأصل عام. والمهم فيما نقوله هنا هو أن الاتفاق الرضائي بين الذكر والأنثى هو الذي وضع القيود على الحرية الجنسية العامة التي أباحها القانون. فالحرية مصدرها القانون والقيد مصدره إرادة الأفراد. وطالما أن الأمر كذلك فالطبيعي أن يكون إخلال الذكر أو الأنثى بهذا القيد المفروض بموجب إرادتهما يحمل في طياته نفس دلالات الإساءة والانتهاك دون تمييز بين إخلال الذكر أو إخلال الأنثى، وهذا ما لم يلحظه قانون العقوبات إذ اعتبر إخلال الأنثى أفدح من إخلال الذكر حيث فرض عليها في حال ارتكابها الزنا عقوبة مضاعفة عن عقوبة الذكر "فالمرأة الزانية تعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين أما الزوج فيعاقب بالحبس من شهر إلى سنة" وهو ما يتنافي مع أصل المساواة الذي نص عليه الدستور السوري ويتناقض مع الطبيعة الرضائية للقيود المفروضة على الحرية الجنسية. وفي خرق آخر لهذه المساواة ولهذه الطبيعة الرضائية نرى قانون العقوبات يخص الذكر بحماية غير مبررة ويعطيه حصانة من عقوبة الزنا إلا إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي " يعاقب الزوج بالحبس من شهر إلى سنة إذا ارتكب الزنا في البيت الزوجي أو اتخذ له خليلة جهاراً في أي مكان كان" بينما تعاقب الزوجة على الزنا بغض النظر عن مكان ارتكابه. وقد كنا نقبل من المشرع مثل هذا التمييز لو أنه لاحظ جسامة الخيانة التي يرتكبها الزوج في حالة ارتكابه الزنا في بيته الزوجي وعاقبه بعقوبة مشددة تتناسب مع جسامة الفعل، أما أن تبقى عقوبة المرأة التي ترتكب الزنا خارج بيتها الزوجي اشد من عقوبة الرجل الذي ارتكب الزنا داخل هذا البيت فهو أمر غير مقبول ويتناقض مع طبيعة الأشياء وكان الأحرى بالمشرع أن يأخذه بعين الاعتبار. ولم يكتف المشرع بذلك بل إنه وفي خرق ثالث ميز بين الرجل والمرأة من حيث وسائل الإثبات ففي حين قبل إثبات الزنا على المرأة بجميع وسائل الإثبات ومنها الشهادة والقرائن نراه يحصر إمكانية إثبات الزنا على شريك المرأة بوسائل محددة وقد لا تتوافر عملياً وهي الإقرار القضائي أو الوثائق الخطية. وفي الواقع فإن هذه الخروق القانونية المتعددة لمبدأ رضائية القيود التي يفرضها الزواج على الحرية الجنسية، تتعدى أن تكون مجرد خروق وتكاد تذهب بالمبدأ من أساسه، وهنا مكمن الغاية التي نريد الوصول إليها. إذ وبالعودة إلى التحليل الذي قادنا إلى أن قانون العقوبات لا ينظر إلى جريمة الزنا من ناحية الشرف والعرض وإنما من ناحية مساسه بالأسرة ومقارنة هذا التحليل مع الخروقات السابقة، نرى أن قانون العقوبات قد وقع فيما حاول تفادي الوقوع به، فانتهى إلى اعتبار فعل المرأة أكثر مساساً بالشرف والعرض من فعل الرجل فعاقبها عقوبة مشددة. ولا يمكن القول أن المشرع قد انطلق في تمييزه هذا من اعتباره فعل المرأة يشكل خطورة أكبر على الأسرة وكيانها، إذ لو كان الأمر كذلك لكان عليه أن يعاقب شريك المرأة بنفس العقوبة المشددة التي فرضها على المرأة لأن اشتراكه في الفعل يمثل نفس الخطورة على الأسرة وكيانها ولاسيما أن قانون العقوبات قد ساوى في جميع الجرائم بين عقوبة الفاعل وعقوبة الشريك فلماذا التمييز بينهما في جريمة الزنا إلا إذا كانت اعتبارات معاقبة المرأة تختلف عن اعتبارات معاقبة الرجل؟ وفي تحليلنا فإن الاعتبارات الوحيدة الني نفهم على أساسها هذا التمييز هو أن القانون ينظر إلى زنا المرأة بشكل مخالف لنظرته إلى زنا الزوج وأنه يعتبر زنا الزوج هو المخل بالدرجة الأولى بالأسرة وكيانها أما زنا المرأة فإنه وقبل كل شيء يخل بمقتضيات الشرف والعرض. إن ما سبق من شأنه في رأينا أن يهدم كل الأساس المنطقي الذي قام عليه التنظيم القانوني لجريمة الزنا والذي ينطلق كما قلنا من أساس الحرية الجنسية وإخلاله بالقيود الرضائية المفروضة على هذه الحرية، ويجعل من الزنا فعلاً له مفهومين مختلفين "زنا الزوج" و"زنا الزوجة" وهذا كما قلنا يخالف مبدأ المساواة المفروض بموجب الدستور. [/align]
|
|||||
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
اجتهادات هامة أحوال | ردين حسن جنود | أهم الاجتهادات القضائية السورية | 3 | 12-11-2018 09:31 AM |
التحكيم في عقود B.0.T -Build-Operate-Transfer | سامر تركاوي | أبحاث في القانون الإداري | 1 | 12-04-2011 06:40 PM |
القيود الاحتياطية في السجل العقاري | المحامي نضال الفشتكي | رسائل المحامين المتمرنين | 1 | 05-10-2009 12:30 AM |
*************** زنا *************** | المحامي حيدر سلامة | أهم الاجتهادات القضائية السورية | 0 | 30-11-2006 10:30 AM |
وجهة القانون الدولي في إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدول | المحامي ناهل المصري | أبحاث في القانون الدولي | 0 | 21-05-2005 07:56 PM |
![]() |