حين ينظر القضاء في ملفات الفساد
إذا كان العدل أساس الملك, فالقضاء أساس لتقدم الأمم والشعوب ومقياس لرقيها وازدهارها, ولا جدال ولا خلاف أبداً في أن القضاء أحد أهم السلطات التي تؤسس لبناء مجتمع قوي ودولة عصرية تواكب وتتفاعل مع تطورات العصر ومتغيراته بما يحقق خدمة مواطنيها ومصالحهم,
ويعتبر ملف الإصلاح القضائي من أهم الملفات وأكثرها حساسية وخصوصية باعتباره أساساً في عملية إصلاح القطاعات الأخرى, والتي بصلاحها وتطورها تتكامل عناصر المعادلة الإصلاحية وتصبح النتائج أكثر نجاحاً وملامسة للواقع.
وفي ظل ما تشهده البلاد من تحديث وتطوير على كافة الصعد, ومن هذا المنظار يمكننا القول: إن ثمة نتائج طيبة, ووقائع مثمرة ودلالات ومعطيات مهمة جداً ننتظرها كحصيلة للجهود المبذولة في عملية الإصلاح الجارية على قدم وساق, ومما بدا واضحاً أن إصلاح المؤسسة القضائية قد انطلق بإلحاح وتصميم وعزيمة غير مسبوقة في تاريخ القضاء السوري وهذا ما يمكن تأكيده والتأكد منه من خلال ما تتناقله بين الحين والآخر وسائل الإعلام وأحاديث الشارع العام من معطيات ووقائع وأخبار تجاوزت المعلومة كحالة عامة إلى حد الإعلان عن إحالة قضاة إلى المحاكم المختصة في ضوء مخالفات وتجاوزات قاموا بها خلال ممارستهم العمل القضائي ما يعزز الدلائل التي تؤكد قاعدة أن لا أحد فوق القانون.
ويشهد القضاء السوري حركة نشطة لامست واقع المواطن وآلامه وآماله من جهة, وواقع العمل القضائي وآلياته وإجراءاته و...و...والمعوقات التي تعترض حسن سير عمله سواء في المؤسسات والدوائر ولدى كوادره وعناصره من جهة أخرى, والجولات الميدانية التي يقوم بها السيد وزير العدل إلى مختلف المحافظات كل ذلك مؤشر على أن نقلة نوعية مبشرة آتية تعكس مدى الجدية في التعاطي مع جوهر الإصلاح القضائي نحو سيادة القانون, وهذا ما لاقى تجاوباً وارتياحاً كبيرين في الشارع العام, وعكس حالة من التفاؤل وإعادة الثقة بين المواطن والقضاء, وأوجد حالة من الترقب والانتظار يتهيأ لها الجميع خاصة بعد مانشرت وسائل الإعلام منذ وقت قريب عن إحالة قاضيين للمحاكمة بعد أن أوقفا حكماً قطعياً بشأن قضية فساد تجلت في ارتكابات وتجاوزات واختلاسات لدى الشركة السورية لتخزين وتوزيع المحروقات (سادكوب) حيث تجاوزت قيمتها المليار و275 مليون ليرة سورية, وإضافة إلى ذلك وما علمناه من جديد عن صدور مراسيم تقضي بإحالة عدة قضاة إلى مجلس القضاء الأعلى لمحاكمتهم أصولاً نتيجة للأخطاء والتجاوزات القانونية الواردة في تقارير إدارة التفتيش القضائي, ومع معرفتنا المطلقة وإدراكنا وثقتنا بأن مثل هذه الحالات استثنائية ولا تمثل القضاء بمجمله وهي لا تخرج عن إطار الحالات الفردية (النشاز) فهي بكل تأكيد وموضوعية لا تقلل من كفاءة وخبرة القضاة لدينا ولا تمس نزاهة واستقلالية القضاء ولا تستطيع أن تخرق هيبته واحترامه وليس الإعلان عنها ونشرها إلا حالة صحية, وخطوة في اتجاه إطلاع الرأي العام عليها تأكيداً وترسيخاً لمفهوم الشفافية في كشف ملابسات أي قضية من القضايا التي تهم الشارع العام ويتوق لمعرفتها والوقوف على وجه الحقيقة فيها انطلاقاً من مبدأ المعالجة الصحيحة ومشاركة الرأي العام المحلي في معرفة ما يجري عمله في قنوات ومسالك ومحطات الإصلاح ووضعه في حيثيات الأمور وما يتعلق بها, وهذا ينطلق من قناعتنا بأن المواطن السوري يتابع ويدقق ويركز ويتحدث بأدق القضايا كبيرها وصغيرها, شاردها وواردها, ويسعى جاهداً لمعرفة الحقائق عن الأمور, خاصة ما يتعلق بملفات الإصلاح المتعددة ويطلب من الإعلام تحمل مسؤوليته نحوها ومتابعتها والكشف عن مضامينها, وهذا أضعف الإيمان في آلية عمل الإعلام المسؤول المباشر تجاه المواطن لتزويده بالمعلومات وتوضيح الصورة, من هنا علينا نحن العاملين في وسائل الإعلام نقل ما يصلنا من تساؤلات واستفسارات وإيضاحات وما إلى ذلك والآن أكثر من أي وقت مضى, حيث الأسئلة كثيرة عن مستجدات ما نشر عن إحالة قضاة للمحاكمة في قضية (سادكوب) وغيرها من القضايا الأخرى, إلى أين وصلت..? وما حقيقة الأمر حولها? وماذا بشأنها ومتابعتها والجديد عنها.. إلخ وهذا يعيدنا إلى نقطة الإنطلاق للحديث عن آليات الإصلاح القضائي كي نضع الرأي العام السوري في الصورة الحقيقية بما يتعلق بهذا الملف الكبير والمهم ذي الخصوصية والأكثر التحاماً وتشابكاً بمبادىء وقيم مجتمعنا, ويدخل في صلب حياة الناس وهمومهم وقضاياهم التي تكون فيها مفاهيم العدالة والإنصاف هي القاعدة والمحور.
والجدير ذكره أنه ومنذ حوالى الشهرين تم إحالة قاضيين متقاعدين للملاحقة القانونية بعد أن أبطلا حكماً حاز الدرجة القطعية من قبل محكمة النقض في قضية (سادكوب) التي أصبحت على لسان الجميع, حيث تبين أن الاختلاسات والمخالفات فيها والتي دامت لسنوات بمشاركة مجموعة أشخاص قد اكتشفت, وأحيل المتهمون بها للقضاء وحكم عليهم بأحكام مختلفة تتراوح بين العشر سنوات والمؤبد.. وصدقت محكمة النقض هذا الحكم واكتسب الدرجة القطعية (حكم مبرم) وصودرت أموال نقدية وعينية ومجوهرات وغيرها لإعادة بعض ما أختلس, وبعد ذلك أقام بعض المحكومين عدداً من دعاوى المخاصمة تم رفضها وردها جميعاً باستثناء دعويين حكمت الهيئة الحاكمة فيهما بإلغاء الحكم الصادر, وأخلت سبيل المتهمين في الدعويين...!! ولأن في ذلك خروجاً عن المألوف في سابقاتهما ما أثار تساؤلات عديدة وترك أكثر من إشارة استفهام خاصة بقاضيين كانا على رأس عملهما وقتها, أحدهما رئيس محكمة النقض والآخر نائب له وهذان أوقفا وأحيلا للقضاء, ومن العدالة ان يبت في مثل هذه القضايا والقضايا الماثلة بسرعة.
الثورة