![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||||
|
![]() بسم الله الرحمن الرحيم من قضاء المحكمة العليا الأمريكية في العام القضائي 2007/2008 إعداد وتعليق المستشار الدكتور /حسام فرحات أبويوسف عضو هيئة المفوضين المحكمة الدستورية العليا يمثل قضاء المحكمة العليا الأمريكية واحداً من أهم روافد متابعة الجديد والمتميز في العلم القانوني بشكل عام ، والقانون العام والدستوري منه بشكل خاص . والغاية من عرض هذا القضاء على المشرع والقاضي والمتخصص ، هي تيسير وإتاحة الفرصة وإثارة الاهتمام للاطلاع على بعض ملامح نظام قانوني آخر له أصوله وفنه القانوني والاستفادة منه كلما كان لذلك محل ، فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها . وليس هذا بمستغرب أو بجديد على من يشتغل بالقضاء عموماً والقضاء الدستوري على وجه الخصوص ، فما زال الإنسان يُعلم نفسه ويستزيد من العلم في كل مجال له صلة بالتخصص ، وذلك حتى تستمر عجلة الحياة ، ويستمر السعي نحو تطورها والأخذ بأسباب عمارتها ، وهذا من ناموسها الذي تتعطل بدونه . ونعرض فيما يلي لعشرة من الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا الأمريكية في عامها القضائي المنصرم 2007- 2008 ، وهى أحكام قدرنا أنها تعكس فهماً مشتركاً لبعض المسائل القانونية بين المدرسة القانونية اللاتينية وعائلة القانون العام أو المدرسة القانونية الأنجلوسكسونية. بالإضافة إلى أن البعض منها يلقى الضوء على أصول النظام القانوني الأمريكي . وقد يكون من المفيد في موضوع كهذا ، أن نبدأ بعرض مبسط لطبيعة المحكمة العليا الأمريكية ووظيفتها في النظام القانوني الأمريكي ، وكيفية الوصول بإحدى القضايا إليها كمحكمة نهاية المطاف في التنظيم القضائي . أولاً: طبيعة المحكمة العليا الأمريكية تعد المحكمة العليا الأمريكية The American Supreme Court الحكم الأخير الذي تعرض عليه القضايا والمسائل الخلافية في المجتمع الأمريكي ، والتي لم تصل إلي هذه المحكمة إلا لكونها – في الأغلب الأعم – من القضايا المهمة والمثيرة للجدل في المجتمع . فإذا ما حسمت قضية معينة أمام هذه المحكمة , فإن حكمها هذا يعد الكلمة الأخيرة في النزاع ، ولا مجال بعد ذلك لتغيير هذا الموقف القضائي إلا بتدخل السلطة التشريعية الفيدرالية - الكونجرس – في حدود ما له من صلاحيات دستورية ، أو أن تعدل المحكمة عن سابق قضائها سواء لتغير الظروف المحيطة بالموضوع أو لتغير في تشكيل المحكمة . وتتألف المحكمة العليا التي تستقر على قمة النظام القضائي في الولايات المتحدة من تسعة أعضاء ، هم : رئيس المحكمة المعروف برئيس القضاة Chief Justice , وثمانية قضاة آخرين يرشحون جميعاً من قبل الرئيس الأمريكي وبإقرار مجلس الشيوخ لهذا الترشيح ، وتكتنف عملية تعيينهم جميعاً الكثير من المنازعات السياسية والحزبية . وتعد هذه المحكمة الملاذ الأخير في مسائل القانون الفيدرالي , وذلك بمقتضى سلطتها في الرقابة القضائية التي أرستها بنفسها في سابقة ماربوري ضد ماديسون Marbury v. Madison سنة 1803 . وقد أهلت هذه المكانة الرفيعة المحكمة العليا - وباعتبارها أعلى محكمة في الفرع القضائي من الحكومة الفيدرالية - أن تتمتع بذلك القدر من الأهمية الذي يتمتع به الرئيس الأمريكي , الذي يقود الفرع التنفيذي من الحكومة ويقوم على إدارة الشؤون العامة , وكذلك الكونجرس الذي يأتي على قمة الفرع التشريعي للولايات الخمسين التي يتشكل من مجموعها الإتحاد . فإذا كان الكونجرس يسن التشريعات , ويقوم الرئيس على تنفيذها , فإن المحكمة العليا تراقب ذلك كله لتتأكد من أنها طبقت وفسرت بشكل يتفق مع أحكام الدستور. والمحكمة العليا الأمريكية ليست محكمة دستورية على النسق المعروف في النظام الدستوري المصري أو الدول التي تأخذ بنظام المحاكم الدستورية الخالصة , وإن كانت تباشر وظيفة مماثلة تختلف في فنياتها وآلياتها . كما أنها تعمل كمحكمة نقض تستوي على قمة الهرم القضائي في الولايات المتحدة ، لتراقب مدى التزام فروع الحكومة الفيدرالية الأمريكية جميعها ، سواءً القضائي أو التنفيذي أو التشريعي ، وكذلك حكومات الولايات بأحكام القانون الاتحادي وعلى قمتها وثيقة الدستور الأمريكي . ثانياً: اختصاصات المحكمة تضطلع المحكمة العليا الأمريكية بوظائف رئيسية ثلاث : الأولى :هي المحافظة على النظام الدستوري في الولايات المتحدة ، وتعد هذه الوظيفة الأكثر تعقيداً وإثارة للخلاف , فنظام الحكومة الأمريكية يقوم على وجود سلطات واختصاصات محجوزة للحكومة الفيدرالية وأخرى للولايات . وكانت هذه المشكلة وتحديد ما يعد اختصاصاً فيدرالياًَ وآخر محلياً من أكثر الموضوعات إثارة للخلاف، وكذلك حدود العلاقة بين المحكمة العليا من جهة ، وفرعي الحكومة الآخرين وهما : الكونجرس – الفرع التشريعي – والرئيس – الفرع التنفيذي - من جهة أخرى . الثانية:هي ضمان وحدة تطبيق القانون الاتحادي ، وقد اكتسبت هذه الوظيفة بعداً متزايد الأهمية مع اطراد الزيادة في تشريعات الكونجرس الاجتماعية والاقتصادية , فهذه القوانين تحتاج إلي تفسير موحد لا يختلف من منطقة لأخرى , خاصة إذا علمنا أنه يوجد في كل ولاية من الولايات الخمسين محكمة اتحادية واحدة على الأقل, وهناك إحدى عشرة محكمة اتحادية إقليمية للاستئنافات المرفوعة عن أحكام المحاكم الاتحادية, وتأتي المحكمة العليا لتكون الهيئة الاستئنافية العليا الأخيرة في الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف الاتحادية. الثالثة:هي حسم المنازعات بين الولايات الخمسين المشكلة للاتحاد ، وقد ثار عدد كبير منهما على الحدود ونسب تقسيم المياه بين الولايات. وتتخذ المحكمة عند تسوية هذه الخلافات شكل محكمة دولية إلي حد بعيد, إذ أنها تؤدي دورها كبديل للدبلوماسية والحرب . كما تختص المحكمة العليا اختصاصاً أصلياً بالقضايا التي تمس السفراء والوزراء والقضايا التي تكون إحدى الولايات طرفاً فيها وتباشر المحكمة الوظيفتين الأولى والثانية من خلال الاختصاص الاستئنافي والذي تنظر بمقتضاه المحكمة الطعون المرفوعة ضد الأحكام الصادرة من المحاكم الأدنى, ويعد هذا الاختصاص هو العام في وصول القضايا إلي المحكمة إذ يبلغ عدد القضايا التي ترفع في شكل طعون استئنافية الآلاف , إلا أن المحكمة لا تقبل منها في المتوسط سوى عدد قليل لا يجاوز بضع مئات . ثالثاًً: الوصول بإحدى القضايا إلي المحكمة العليا إن الوصول بإحدى القضايا إلي المحكمة العليا الأمريكية ليس بالأمر اليسير, فهذه المحكمة ذات المكانة الرفيعة , وقضاتها الذين يمثلون – في الأغلب الأعم – صفوه المجتمع الأمريكي ينبغي ألا يتاح الوصول إليها، إلا لتلك القضايا التي تكتنف مسائل علي درجة كبيرة من الأهمية ، سواء لانطوائها علي بعد فيدرالي يمس الاتحاد الأمريكي كله ، أو لصلتها الوثيقة بما يكفله الدستور الأمريكي من حقوق وحريات . ولذلك فإن التقاضي أمام المحكمة العليا الأمريكية يعتبر طريقاً شاقاً يحتاج إلي مهارات وإمكانيات لا تتوافر لدى الكثير من المحامين المحترفين, وفي معظم الأحوال يتوقف الأمر على قناعة المحكمة بأن القضية المثارة تستحق الوصول إلي أعلى محكمة في البلاد . وتتحدد طرق اتصال المحكمة العليا بالدعوى في واحدة من الطرق الآتية : الطريقة الأولى : الأمر بالإحالة Writ of Certiorari وهذه الطريقة هي الأكثر انتشاراً ، وتعد الرافد الأساسي لمباشرة المحكمة العليا لدورها في الرقابة القضائية , وبمقتضاها يتقدم الشخص صاحب المصلحة بالتماس للمحكمة العليا- وعادة ما يكون هو الشخص الذي خسر القضية أمام محكمة الاستئناف - ويسمى هذا الشخص بالملتمس أو المتظلم Petitioner , ويسمى الشخص أو الطرف الآخر المرفوعة عليه الدعوى بالمدعى عليه Respondent . وتمنح المحكمة العليا كل عام عدداً قليلاً من أوامر الإحالة , وعادة ما تحاول قبول القضايا التي تكتنف موضوعات قانونية هامة. وقد استقرت المحكمة على عدة معايير في تقريرها قبول قضية ما وسماعها والفصل فيها بمنح أمر الإحالة ، ومن ذلك: 1-أحوال التناقض بين الأحكام الصادرة عن محاكم الاستئناف الفيدرالية . 2-صدور أحكام من المحاكم الأدنى تتضمن التعرض لموضوعات دستورية فيدرالية جديدة ومتميزة . 3-صدور حكم من محاكم الولايات في إطار نظامها القضائي الداخلي بشكل يتعارض مع أحكام سابقة للمحكمة العليا . وتقرر المحكمة قبول أو عدم قبول أوامر الإحالة المرفوعة إليها طبقاً لقاعدة الأربعة (The Rule of Four ) ، بحيث إذا ما قرر أربعة من قضاة المحكمة التسع أن إحدى القضايا جديرة بتصدي المحكمة للفصل فيها , فإن المحكمة تنظرها , وهو نظام أشبه بدائرة فحص الطعون أو غرفة المشورة . ولا تعنى استجابة المحكمة لطلب الإحالة أنها سوف تتصدى حتماً لموضوع القضية ، ذلك أن الأغلبية (خمسة قضاة ) تملك فيما بعد التقرير بأن قرار الاستجابة لأمر الإحالة لم يكن موفقاً . ومن جهة أخرى فإن رفض المحكمة الاستجابة لطلب إصدار أمر الإحالة لا يعنى أن المحكمة تعرضت لموضوع القضية ، ولا أنها أيدت أو رفضت قضاء المحكمة الأدنى في الموضوع. الطريقة الثانية: نص القانون ذاته وهذه الطريقة تفترض أن الاستئناف الذي سيرفع إلى المحكمة , إنما ورد النص عليه في القانون الذي شكل محور النزاع , فالقانون ذاته هو مصدر الحق في الاستئناف إلي المحكمة العليا . الطريقة الثالثة : أوامر الإحضار Write of Habeas Corpus وهذه الكلمة "Habeas Corpus" ذات أصل لاتيني وتعنى "ها هو الجسد لديك" ، وهو أمر موجه من المحكمة العليا إلي أحد الأفراد أو موظفي الحكومة بإحضار جسم السجين في زمان ومكان محددين ، وذلك حتى تتمكن المحكمة من البت في مسألة قانونية احتجازه ، وما إذا كانت ستأمر بإطلاق سراحه , وينطبق هذا الأمر بشكل رئيسي على الأشخاص الذين تم حبسهم أو احتجازهم بالمخالفة لأحكام الدستور الأمريكي . هذا ، ويلاحظ على قضاء المحكمة العليا الأمريكية في عامها القضائي المنصرم 2007 – 2008 ، أن المحكمة خلفت ورائها رصيداً مهماً من القضايا بلغت فيه نسبة القضايا التي أصدرت فيها المحكمة أحكامها بخمسة أصوات مقابل أربعة 17% من قضاء المحكمة ، بينما بلغت نسبة الأحكام الصادرة عن المحكمة بهذا الطريق عام 2006- 2007، 30% من إجمالي قضاء المحكمة في ذلك العام ، وهي حال عادة ما تعبر عن الانقسام الحاد في الآراء بين قضاة المحكمة التسعة . وقد تراجعت نسبة الأحكام الصادرة بإجماع الآراء لتبلغ في هذا العام 18% بعد أن كانت 25% في العام القضائي 2006-2007. ونعرض فيما يلي للقضايا العشر التي تخيرناها من الأحكام الصادرة عن المحكمة العليا في العام القضائي 2007- 2008 ، وهى أحكام تتنوع في مجالات مختلفة ، وذلك على النحو الآتي : 1- قضية بازى ضد ريز وتحديد مفهوم العقوبة القاسية أو غير المألوفة في طريقة تنفيذ عقوبة الإعدام Method of Execution: تثير عقوبة الإعدام الكثير من الجدل على المستوى القانوني والإنساني في الولايات المتحدة وغيرها من دول العالم . ويحتدم الجدل بين المؤيدين والمعارضين لهذه العقوبة ولكل منهم أسانيده التي يدعم بها موقفة . وتختلف الولايات الخمسين المشكلة للاتحاد في موقفها من تطبيق عقوبة الإعدام ، فمنها من يأخذ بها ويطبقها عن جرائم محددة ، ومنها من يحظر اللجوء إليها أو الأخذ بها مطلقاً ، ومنها من يأخذ بها من الناحية القانونية ولا يطبقها من الناحية الفعلية . وقد تطور موقف المحكمة العليا من تطبيق عقوبة الإعدام التي لا يحظرها الدستور الاتحادي ، وإن كان يحظر العقوبة القاسية وغير المألوفة ، ومن ذلك موقف المحكمة من حظر إعدام المتخلفين عقلياً في عام 2002 ، وحظر إعدام الصغار أو القاصرين في عام 2005 . واستمراراً لهذا الجدل المحيط بعقوبة الإعدام وتطور الموقف القضائي من هذه العقوبة ، عرضت المحكمة العليا في عامها القضائي المنصرم لواحدة من أهم مراحل الجدل حول هذه العقوبة ، وهي المتعلقة بطريقة تنفيذ عقوبة الإعدام ذاتها ، إذ بدأت الولايات التي تأخذ بعقوبة الإعدام في تطبيق طريقة الحقن المميت (InjectionLethal) بديلاً عن الإعدام باستخدام الكرسي الكهربائي وذلك منذ العام 1978 . وقد شهد تنفيذ بعض حالات الإعدام بالحقن المميت في ولايتي فلوريدا وكاليفورنيا مشكلات فنية وإنسانية ، إذ أخذت بعض الحالات أكثر من نصف ساعة حتى تقع الوفاة . إلى أن أجريت دراسة في عام 2005 حول طريقة الحقن المميت أثارت جدلاً كبيراً فيما تناولته من أثر كمية المخدر المستعملة في هذه الطريقة ، إذ خلصت الدراسة إلى أن هذه الكمية ربما لا تكون كافية للحيلولة دون شعور المحكوم عليه أثناء تنفيذ الإعدام بالآلام الناجمة عن استعمال هذه الطريقة ، إذ قد تحول كمية المخدر دون صراخ المحكوم عليه . فما كان من المحكمة العليا إلا أن قررت وقف تنفيذ عقوبة الإعدام باستخدام الحقن المميت إلى أن تنجلي حقيقة ومشروعية أسلوب الحقن المميت ومدى اعتباره عقوبة قاسية وغير مألوفة يحظرها التعديل الثامن للدستور الأمريكي الذي ينص على أنه " لا يجوز طلب دفع كفالات ولا غرامات باهظة ولا إنزال عقوبات قاسية وغير مألوفة وفي قضية Baze v. Rees تناولت المحكمة مدى اعتبار طريقة الحقن المميت المعتمدة في ولاية كنتاكي في تنفيذ عقوبة الإعدام ، عقوبة قاسية وغير عادية . وتخلص وقائع هذه القضية في أن السيدين"رالف بازي" و"توماس بولنج" من المدرجين على قائمة الانتظار في تنفيذ عقوبة الإعدام بواسطة الحقن المميت في ولاية كنتاكي . وتتضمن الطريقة المعتمدة في هذه الولاية لتنفيذ الحقن المميت إعطاء المحكوم عليه عند التنفيذ جرعة من تركيبة ثلاثية من العناصر المخدرة التي تنتهي بالوفاة ، وتستخدم ذات الطريقة في (35) ولاية أخرى . وتبدأ هذه الطريقة بإعطاء المحكوم عليه ثلاث مواد كيماوية أولها مخدر ، والثاني يوقف عمل عضلات الجسم إلا القلب ، والثالث يوقف القلب فتحدث الوفاة . دفع المحكوم عليهما بأنه ينبغي على ولاية كنتاكي أن تستبدل التركيبة الثلاثية المستعملة حالياً في الحقن المميت ، والتي تحتوي على ثلاثة أنواع من العناصر المخدرة ، وأن يحل محلها تركيبة ذات عنصر واحد . وذلك على سند من أن طريقة الحقن المميت تنطوي على خطر التعرض لعقوبة قاسية وغير عادية ، وهو ما يعد انتهاكاً لحقوقهم الدستورية المضمونة بالتعديل الثامن للدستور الأمريكي ، وذلك استناداً على ما خلصت إليه الدراسة المشار إليها من أن المحكوم عليه قد يشعر بالألم الذي لا يطاق ، بيد أنه لا يستطيع الصراخ تحت وطأة التركيبة المستعملة . وقد انتهت المحكمة في هذه القضية إلى رفض الدعوى بأغلبية سبعة قضاة إلى اثنين ، وكتب رأي الأغلبية فيها عن المحكمة رئيس القضاة "روبرتس" ، حيث ذهب إلى أنه ولئن تسبب تنفيذ عقوبة الإعدام في الشعور بالألم ، إما بمحض الصدفة أو كنتيجة حتمية للموت ، إلا أن ذلك لا يشكل في حد ذاته خطر الإيذاء الذي لا يطاق ، والذي يبقى مجرد احتمال merely a possibility ، ومن ثم فإن الحقن المميت لا يفي ولا يرقى إلى مستوى العقوبة القاسية أو غير العادية المحظورة بموجب التعديل الثامن للدستور الأمريكي . وقد استأنفت الولايات في أعقاب صدور هذا الحكم تنفيذ عقوبة الإعدام في المحكوم عليهم المدرجين على قوائم الانتظار ، بعد أن أوقفتها المحكمة العليا إلى حين الفصل في هذه القضية . 2- قضية بجاى ضد الولايات المتحدة وضوابط التفسير في المجال الجنائي: تعرضت المحكمة في هذه القضية Begay v. United States لتفسير المقصود بعبارة (جريمة تتسم بالعنف ) ، Violent Felony"" الواردة في قانون الأعمال المسلحة Armed Career Criminal Act ، إذ يقرر هذا القانون عقوبة السجن لمدة (15) خمسة عشر عاما لمن يدان عن جريمة حيازة سلاح ناري بدون ترخيص ، وذلك إذا ثبت سبق ارتكاب المتهم ثلاثة أو أكثر من الجرائم المتسمة بالعنف Violent Felony . وقد عرفت نصوص هذا القانون الجريمة المتسمة بالعنف بأن أوردت بعض الأمثلة لها ، ومن ذلك جريمة السطو المسلح Burglary ، والحرق العمدى Arson ، والاغتصاب Extortion ، وتلك الجرائم التي تشتمل على استعمال متفجرات involving use of explosives ، وجميعها من الجرائم التي تتضمن سلوكاً إجرامياً يحمل قدراً كبيراً من الخطورة والعنف وتخلص وقائع هذه القضية في أن النيابة العامة قدمت السيد "لارى بجاى"Larry Begay للمحاكمة عن تهمة الحيازة غير المشروعة لسلاح ناري ، وقد أدانته المحكمة بالسجن بموجب القانون المشار إليه استناداً على سبق إدانته أكثر من ثلاث مرات عن جريمة القيادة أثناء السكرDriving While Intoxicated ، فاستأنف هذا الحكم على سند من عدم جواز اعتبار جريمة القيادة أثناء السكر جريمة تتسم بالعنف بموجب أحكام هذا القانون . وقد كتب رأي المحكمة عن الأغلبية في هذه القضية القاضي "براير" Breyer ، ذاهباً إلى أن العقوبة الوجوبية Mandatory Sentence التي نص عليها القانون لا تنطبق على الحالة المعروضة ، لأن جريمة القيادة أثناء السكر لا تشكل جريمة متسمة بالعنف . وقد اعتمد القاضي "براير" في تحليله بالأساس على النماذج أو الأمثلة التي عددها النص في مقام اعتبار جريمة ما متسمة بالعنف ، فذهب إلى أن جرائم السطو والحرق والاغتصاب وتلك التي تتضمن استعمال متفجرات ، تختلف اختلافاً كبيراً عن جريمة القيادة أثناء السكر ؛ لأن الأولى تحمل قدراً كبيراً من الدلالة على وجود نتيجة عنيفة وعدوانية مصحوبة بقصد خاص لا يتوافر في الآخرة . وتركز الخلاف بين الأغلبية والأقلية في هذه القضية حول مدرسة التفسير التي يعتمدها كل منهم ، فالأغلبية اعتمدت مدرسة الشرح على المتون أو مدرسة النص Textualism ولم تر في جريمة القيادة أثناء السكر جريمة متسمة بالعنف لأن نص التجريم لم يعددها ضمن النماذج التي أوردها لهذه الجريمة ولا شك في أن هذا التفسير الضيق هــو الأكثر اتفاقاً مــع طبيعة رقابة النصوص العقابية " إذ يتعين دوماً أن يكون تحديد النصوص العقابية للأفعال التي أدخلها المشرع في مجال التجريم ، جليا قاطعاً، بما مؤداه أن تعريفاً قانونياً بالجريمة محدداً لعناصرها، يكون لازماً، فلا يجوز القياس عليها لإلحاق غيرها بها ، باعتبار أن الشرعية الجنائية مناطها تلك الأفعال التي أثمها المشرع من منظور اجتماعي، فلا تمتد نواهيه لغيرها ، ولو كان إتيانها يثير اضطراباً عاما ً، أو كان مضمونها فجاً عابثاً · ومن ثم تكون هذه الشرعية - وبالنظر إلى القيود الخطيرة التي تفرضها النصوص العقابية على الحرية الشخصية - مقيدة لتفسير هذه النصوص، ومحددة كذلك مجال إعمالها بما لايلبسها بغيرها، وعلى تقدير أن النصوص العقابية لايجوز أن تكون شباكاً أو شراكاً يلقيها المشرع متصيداً باتساعها أو بخفائها من يقعون تحتها أو يخطئون مواقعها، ولأن العقوبة التي تقارن هذه النصوص، لاتعتبر نتيجة لازمة للجريمة التي تتصل بها، بل جزءاً منها يتكامل معها ويتممها " . ( الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 33 لسنة 16 قضائية "دستورية" بجلسة 6 فبراير سنة 1996). ومن المقرر كذلك أن "دستورية النصوص الجنائية تحكمها مقاييس صارمة تتعلق بها وحدها، ومعايير حادة تلتئم مع طبيعتها، ولا تزاحمها في تطبيقها ماســـواها من القواعد القانونية، ذلك أن هذه النصوص تتصل مباشرة بالحرية الشخصية التي أعلى الدستور قدرها، وألحقها دون غيرها بالحقوق الطبيعية باعتبارها من جنسها، ليكون صونها إعلاء لقدر النفس البشرية ، متصلا بأعماقها، ومنحها بذلك الرعاية الأولى والأشمل توكيداً لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، وبمراعاة أن القوانين الجنائية قد تفرض على هذه الحرية - بطريق مباشر أو غير مباشر- أخطر القيود وأبلغها أثراً، لتعطل ممارستها، أو ترهقها - دونما ضرورة - بما ينافيها".( الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في القضية رقم 2 لسنة 15 قضائية "دستورية" بجلسة 4 يناير 1997). 3- قضية بومدين ضد بوش وعدم دستورية حظر حصول معتقلي جوانتاناموا على أمر قضائي بإحضار جسد السجين Write of Habeas Corpus: أشرنا من قبل إلى أن أوامر الإحضار Write of Habeas Corpus تعنى "ها هو الجسد لديك" ، وهو أمر موجه من المحكمة إلي أحد الأفراد أو موظفي الحكومة بإحضار جسم السجين في زمان ومكان محددين، حتى تتمكن المحكمة من البت في مسألة قانونية احتجازه ، ومدى أحقيته في إطلاق سراحه . وفى قضية بومدين ضد بوش Boumediene v. Bush عرضت المحكمة لمدى شرعية احتجاز الأخضر بومدين ، وهو أحد المواطنين الجزائريين المعتقلين بمعتقل خليج جوانتاناموا. وكان بومدين قد أقام دعواه أمام محكمة أول درجة من أجل الحصول على أمر بالإحضار ، بعد أن اعتقلته الولايات المتحدة وصنفته على أنه "عدو مقاتل" Enemy Combatant فى اطار حربها على الارهاب. وقد رفضت هذه المحكمة دعواه على سند من أن الكونجرس أصدر قانون معاملة المعتقلين لسنة 2005 Detainee Treatment Act ، والذي يحظر على أي قاض أو محكمة النظر في دعوى أقيمت من أجل الحصول على أمر بالإحضار من قبل أحد الأجانب المعتقلين بمعتقل خليج جوانتاناموا بكوبا . وهو القانون الذي حجبت بموجبه المحاكم عن نظر دعوى الأمر بالإحضار ، ويتعين من ثم على كل محكمة يرفع إليها هذا الطلب أن تحكم بعدم الاختصاص بنظر الطلب. نقضت المحكمة العليا هذا الحكم بأغلبية خمسة أصوات لأربعة ، وكتب الرأي عن الأغلبية القاضي " كنيدى" ، حيث ذهب إلى أن حظر منح أوامر الإحضار مخالف للدستور فيما تضمنه من مصادرة اختصاص المحاكم الفيدرالية في منح هذه الأوامر. وأعطت الأغلبية أهمية كبيرة للضمانات الإجرائية غير المناسبة المتاحة للمعتقلين للطعن في قرارات اعتقالهم ، وذلك بالنظر إلى فقدانهم للوسائل المناسبة للحصول على الأدلة وتقديمها بما يساعدهم في إظهار براءتهم ، كما لم تتح لهم فرصة الحصول على محام يتولى الدفاع عنهم ويساعدهم في بيان حقيقة وطبيعة التهم الموجهة إليهم . وجدير بالذكر أن القاضي "سكاليا" وهو أحد المعارضين لهذا الحكم انتقد الأغلبية بشدة وحمل عليها ، بل وحذر بشدة من أن الأمة الأمريكية سوف تعيش إلى اليوم الذي تندم فيه على ما فعلته المحكمة اليوم ، The Nation will live to regret what the Court has done today وإذا كان من مجال للتعليق على هذا الحكم ، فهو مجرد الإشارة إلى أن النظامين القانوني والقضائي في الولايات المتحدة ما يزالان يعانيان من تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والتي أعقبها تراجع فادح في نظام الحقوق والحريات المدنية في الولايات المتحدة لصالح الهواجس والترتيبات الأمنية التي اتخذتها الإدارة الجمهورية الحالية . ويعد حجب المحاكم عن نظر طلبات أوامر الإحضار أحد مظاهر الاعتداء على هذه الحريات ، لاسيما وان الاعتداء يأتي هذه المرة على احد الحقوق الأساسية التي ينهار في غيابها كل الحقوق وهو حق التقاضي .
|
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||||
|
![]() 4- قضية كنيدي ضد لويزيانا وإسقاط عقوبة الإعدام عن جريمة اغتصاب الأطفالChild Rape :
|
|||||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
قانون الاجراءات الجزائية الفلسطيني رقم (3) لسنة 2001م | أحمد الزرابيلي | قوانين دولة فلسطين | 0 | 26-11-2009 12:32 AM |
قانون المحكمة الدستورية العليا المصري | أحمد الزرابيلي | قوانين جمهورية مصر العربية | 0 | 16-11-2009 01:49 AM |
قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبناني | أحمد الزرابيلي | قوانين الجمهورية اللبنانية | 0 | 08-11-2009 08:33 PM |
قانون الإجراءات المدنية السوداني لسنة 1983م | المحامي ناهل المصري | قوانين جمهورية السودان | 0 | 23-05-2006 02:05 PM |
![]() |