قالوا لنا سنحارب الفساد فصدقنا الرواية. انطلقت أحبارنا وأقلامنا تتسابق مع كل خبر صحفي مثير عن رشوة أو تلاعب إداري أو اختلاس من المال العام أو الأراضي العامة ثم نكتشف أن الأخبار الساخنة تدفن مع الأقلام الحارة على صفحات الصحف. تنتهي كل خيوط الرشوة والتلاعب والاختلاس والفساد بمجرد بسط الصحيفة طازجة على مائدة الغداء. يتلاشى "الملعوب" كاملاً بمجرد "بت السفرة". حتى القراء الكرام أصبحوا أكثر ذكاء من أن يصدقوا اللعبة الذكية بمحاربة الفساد: إنهم يشترون الصحف بديلاً "للبلاستيك" وتوفيراً لأغطية المائدة. صحيفة واحدة تكفي "سفرة" لأربعين وجبة دسمة. نفرشها، ربما، فوق أربعين خبراً بالفساد. الفساد أيها السادة حيوان من فصيلة الفقاريات: علم الأحياء يثبت أن له "ظهراً" والفساد أيها السادة حيوان "ثديي" يدر لبناً عذباً فراتاً يشرب منه كل من له ظهر. الضعفاء مثلنا يحاربونه على الصحف والحرب على الفساد لا تتعدى أخبار الصحف. مشكلة الفساد أنه حيوان بارع يملك دهاء الثعلب. يهرب من دائرة الحرب ليحولها إلى حرب على الصحف وحرب على كل من تسوّل له نفسه أن يكتب على الصحف. هذه آخر أخبار الحرب على الفساد: عفواً، ال حرب على الصحف. رشوة صيدلانية طبية بعشرة ملايين تهتز لها أعمدة الصحف. لكنها لم تهز أي "ظهر" ولم يجف لها "ثدي" حين جفت أخبار الصحف. لكن الأخبار تعود إلينا في دورة ثانية لتقول إن هذه الجريمة لن تثبت إلا باعتراف معلن من "الشركاء" بعلمهم بهذه الرشوة. أي مدع عام سيثبت هذا الضلوع وأي "شريك" سيأتي متطوعاً للاعتراف بشراكته في جريمة رشوة؟ في جريمة أخرى، تناقلت الأنباء ضلوع بعض الموظفين في التلاعب بتبديل جثث في ثلاجة للموتى ولتصحيح الجريمة نبشت الجثث من القبور رغم حرمة الميت: أتدرون ماذا كان العقاب؟ خصم خمسة أيام من المرتب. بعض العقوبات، وبعض إشهار العقوبة ليس إلا تشجيعاً على ارتكاب المخالفة الخطيرة طالما كان العائد أضعاف أضعاف الخصم والعقوبة. طبيب آخر يتورط في تزوير تقرير خطير لتسوية وضع لاعب للكرة وطالبو التزوير والمستفيدون منه يعلنون براءته الكاملة ويهددون بمقاضاة الصحف. لن أسترسل في النماذج لسببين: الأول، أنني لا أستطيع الغوص في الماء العميق لكشف آخر أخبار الحرب على الفساد عبر الصحف. الكتابة عن الفساد تحتاج إلى ظهر وأنا ثدي متواضع ترضع منه عائلة بسيطة لا ظهر لها إذا كسر الظهر. الثا ني، أنني لا أحتفظ بأرشيف بعيد للصحف فاكتفيت منها بما قرأته اليوم على الصحيفة حين كانت تحت المائدة. كنت أقرأ بعين، وأراقب العائلة بالعين الأخرى خوفاً أن يلتهم أحدهم لقمة من الصحيفة: أن يمضغ الفساد مثلما نمضغه يومياً على كل مائدة!!.
=================
منقول عن علي سعد الموسى الوطن السعودية 25/9/2004
نقله للمنتدى عمر الفاروق