أدبيات المحاماة
= المساهمة رقم /1/ =
{ التحية }
تحية الحق والعروبة .
أيها الزملاء الأعزاء . دعوة كنت قد أطلقتها عبر هذا الموقع ( منتدى المحامين ) , وكان الزميل الأستاذ ناهل المصري قد طرح الفكرة ابتداء , وابتدأ الزملاء مساهماتهم , وهذه مساهمتي الأولى في هذا الموضوع والتي سيتبعها أخريات تتسق وتتكامل مع مساهمات الزملاء لحين الوصول إلى قاسم مشترك أوقواسم مشتركة , ومن ثم توحيد الجهود في توصيات ومقترحات وتوصيات وحلول لينتهي الأمر لاتفاق أو ميثاق شرف وتعامل ملزم أدبيا في الحد الأدنى إن لم يكن قانونيا وتنظيميا . وليتحقق الحد الأدنى من النجاح لما نصبو إليه ونأمله فانه لابد من تنسيق وتنظيم النقاش والطرح والأفكار بموضوعية تنطلق من نبل الموضوع وأهدافه , وأيا من ذلك لن يتأتى إلا بالابتعاد عن الشخصنة والخصوصية والتصلب والانغلاق والجمود وليكن العمل بانفتاح وصراحة الطرح والانتقاد الذاتي والجرأة والشفافية .
بداية فانه لامانع من استعارة أ واقتباس أسلوب ونهج فكري ابتدعه روّاد فن المسرح وذلك منذ أيام الإغريق على يد أبو المسرح اليوناني آن ذاك ( سوفوكليس ) الذي كان أديبا ومؤلفا وممثلا ومخرجا وتولى أيضا أمور و مسائل المنصة والديكور والصوت والملابس وكل الأمور.. وهو الذي وضع الأسس والمبادىء التي سار عليها واتبعها من جاء بعده فطوروها ولكن لم يخرجوا عن الأمور الأساسية والأصيلة .. وكذلك فان كل أنواع الإبداع الأخرى قد أخذوا بها ومنها كليا أو جزئيا ( فكرا وأدبا وفنا ) حتى من اشتغل بالعلم استفاد منها . وأهم مانريده وماسنستعيره أو نتقلد مما تقدم هو أسلوب الطرح والتعامل مع أي موضوع ؟ والطريقة هي اعتبار الموضوع هفا كبيرا وأساسيا ومن ثم تقسيم هذا إلى وحدات أو أهداف صغيرة يتم التوصل إليها تباعا تحليلا وتركيبا وصولا للنتائج المرجوة .
وافتتاحا للموضوع والذي هو النسغ لمساهمتي الأولى هذه في أدبيات المحاماة .. فانني أستهل ذلك في موضوع (التحية) وهي الجملة أو العبارة التي صدرتها لهذه المساهمة بعد العنوان وهي { تحية الحق والعروبة } .
بكل الفخر والاعتزاز فاني أُكبر هذه التحية التي ابتدعها وأقرها روّاد المحاماة في الطر العربي السوري أي مؤسسي نقابة المحامين في دمشق الحق والعروبة عندما كانت نقابة لكل محامي سورية مركزا وفرعا .
هذا وإن صيغة التحية بمفرداتها الثلاث ( تحية – الحق – والعروبة ) تنفرد بها نقابة المحامين في القطر العربي السوري دون نقابات المحامين في باقي الأقطار العربية .
والآن ماذا تعني هذه التحية ؟ إنها كتحية هي عنوان أدبيات المحاماة وتتصدر هذه الأدبيات , هذا وإن لكل عبارة من مفرداتها الثلاث معناه وقيمته ضمن التحية ودونها , وسآتي على بيان كل منها تباعا وذلك بعد الخوض والغوص في أصل ومنشأ ابتداع البشرية للتحية والتحيات عموما .
المنطلق هو في الإجابة على سؤال هام هو عن كنه التحية والحكمة منها والسبب من ابتداعها ومنشأها ؟ والجواب أن البشرية وبعفوية إنسانية ووفق فطرة والسلام في النفس البشرية , حيث أن الناس توصلوا إلى أساليب حسية لحالات حياتية واجتماعية ترتبط بالمشاعر ويهمنا منها طرق وأساليب اللقاء والاستقبال ( التلاقي ) والحضور والمجالسة والموادعة والترك والافتراق ( الرحيل والوداع ) , وأيضا كيفية ابتداء وافتتاح الحديث والتحاور أوالتخاطب سواء فيما قبل الكلام والتكلم ونشوء اللغات وتنوعها وتنوع طرق أو أساليب التفاهم فكانت البداية بالإشارة والهمهمة بالأصوات والصياح والصفير وأحيانا تقليد بعض الحيوانات وخاصة في أصواتها . فكانت أولى صور وطرق التحية ووفقا لما كانت الأمور عليه ابتدأت بطريقة الإشارة حيث أن الإشارة ومنذ غابرا لأزمان اقترنت ومازلت إلى أيامنا هذه بالعديد من أنواع التحيات بين الناس . والأمثلة على ماسبق قوله عديدة منها وعلى سبيل المثال لاالحصر وخاصّة المشهور منها والمتعارف عليها بين العديد من الناس في العديد من المجتمعات والشعوب والدول منذ فجر التاريخ والكثير منها تطور وانتشر أو قل واضمحل أو اندثر واستبدل وتغير تبعا لتغير وتبدل وتطور الناس في مختلف نواحي الحياة وبعضه وفق الاحتياجات والمتغيرات والتحولات والتأثير والتأثر المتبادل بين الناس بالتنقل والسفر والترحال والحروب والفتوحات والغزوات والتقارب والتجمع والتوحد أو التفرق أو التباعد في طرق التواصل والمواصلات والاتصالات وفق التقدم العلمي وتعدد الاختراعات والمكتشفات .. ومن هذه التحيات أو أساليب وأنواع التحية : (تحريك كل الجسم انحناء وركوعا وحثوا أو حتى سجودا, أو تحريك بعضا من أجزاء الجسم كاليد والرأس والعيون .. رفعا لليد أو اليدين معا أو بالإسبال والإنزال , وكحني الرأس أو رفعه أو حتى الإيحاء والإيماء ببعض عناصر وأعضاء ألراس والوجه كالعيون بالغمز أو تحريك الحواجب وحتى الرموش , والجسم بكاملة يمكن تسخيره واستعماله لبعض أنواع التحية لظروف ما ولبعض الناس وفي أو لمناسبات معينة في عرض أو احتفال وحتى الموت والعزاء والفواجع والكوارث لها تحياتها الخاصة , وللكبار صور خاصة للتحية كما وتختلف تحية الرجل عن تحية المرأة , وكذلك لكلا من الزمان والمكان صوره في التحية وفيما مجتمع وآخر وحضارة وأخرى , ولظرف المكان خصوصية في التحية فهناك فوارق بين المكان المغلق والمكان المفتوح وكذلك لظرف الزمان خصوصيته أيضا فللصباح تحيته وللمساء كذلك وحتى الظهيرة وبعد الظهر والمساء والليل لكل طرق في التحية , ولبعض الأوضاع والحالات الخاصة أسلوبا في التحية فعيادة المريض لها خصوصيتها .. والزيارات العائلية تختلف تحيتها عن زيارات الصداقة .. وللمشاحنة والعداوة والبغضاء أساليب في التحية , وكذلك فان للرسميات والاجتماعات والدبلوماسية والبروتوكولات والإدارة ونوع العمل أوضاعها في التحيات .. وللمجاملات والمزاح والفكاهة والسخرية والهزل وحتى الاستهزاء والاستخفاف أو التعظيم والإعلاء والمفاخرة وتصغير الشأن وإكباره له تحيته .. وللساسة والعظماء والرؤساء والملوك والأمراء والشيوخ والعلماء والواعظين والدعاة والأحبار والنساك والرهبان والمشايخ وعموم رجال الدين كل له خصوصية في التحية .. وللعسكرية والجيش نصيب كبير من هذا الموضوع سلما أو حربا, ولا ننسى بعض الفئات والجمعيات والتجمعات والأحزاب والهيئات والنشاطات التي ابتدعت لنفسها تحيتها الخاصة ومثال ذلك التحية الكشفية وصور بعض أنواع التحية الخاصة ببعض الأحزاب.. حتى أن للأشرار والقساة أساليبهم في التحية .. والأجّل والأسمى في صور التحية بين الشخص وما يعبد أو وبمعنى آخر وأوضح بين الإنسان وربه خالقه (إيمانا أو كفرا) ويتجلى ذلك في روحانية التعبد والتأمل . . وبعد أليس للقلب حبا وعشقا وشغفا وشعورا ومشاعراووله وغرام , وغزلا وتخاطرا وخواطر وتعابير وتعبيرات وعبارات وعواطف , ورومانسية أساليبه الخاصّة في التحية فتقديم الأزهار والورود للحبيب ليس إلا نوعا من أنواع التحية وكذلك إرسال الباقات والأكاليل في المناسبات – حزنا وفرحا – هو من ور وأشكال التحية وكذلك إرسال بطاقات المعايدة تحية .. إلخ . !؟ .. بلى فهو الأصل والمعّول عليه في كل ماتقدم .. فمنه الشعر والغزل والشجن وقصص وقصائد الحب والغرام سواء في الحلال أو الحرام .
ولا تقتصر أدوات التحية على استعمال الأيدي والرأس وأدوات التعبير الأخرى كالكلام ولغة الإشارة وكذلك الكتابة والرسم !؟بل قد تقترن التحية وتكون هي الأساس أو تكملة واقترانا حيث قد تتم بالتلويح بالحراب والسيوف والرايات والبيارق والأعلام ومن ذلك تحية العلم رفعا أو خفضا ( إنزالا ) احتراما وتقديسا , احتفالا و حتى تنكيسا كما هو في الجيش وأشباهه وفي المدارس وفي الاستعراضات العسكرية والمهرجانات وحفلات التنصيب والتتويج ومنح النوط والأوسمة وفي الماضي أكاليل الغار تحية وتقديرا للنصر والمنتصر , و كم في الاستقبالات الرسمية والمناسبات الدبلوماسية و مراسم قبول أوراق اعتماد السفراء والبعثات والهيئات الدولية وافتتاح المؤتمرات والاحتفالات ووفاة العظماء وتأبين الشهداء .. وغير ذلك ومثيله مما قد لايتسع المجال لذكره .
هذا ولبعض الشعوب عاداتها في مسائل التحية مثل بعض الدول أو الشعوب الأنكلوسكسونية وخاصة في بريطانيا ودول الكومونويلث الذين يحيون برفع القبعة عن الرأس قليلا وإعادتها , وللشعوب الفرانكوفونية كالفرنسيين وأمثالهم فإن لهم عاداتهم في التحية كالتقدم والتأخر والوقوف والاستقبال والتوديع وعادة المصافحة باليد وأيضا التقبيل على الوجنات بين الرجال والأجمل تقبيل يد المرأة باللثم الهادئ وحتى الدعوة للرقص لها تحيتها . ولآداب الحفلات وبعض أنواع الأطعمة والأشربة مايخصها من التحية أو في أسلوب تناولها وتعاطيها تحية وأشهر الصور في ذلك عادة ضرب الكؤوس والأقداح يبعضها ممن اعتاد شرب الخمر حتى أن لذلك تعابير وكلمات ومفردات خاصة به مثل ( كاسك ) و ( تشيس ) .. وعند العرب من الطقوس والتحيات الخاصة بهم في شرب القهوة المرّة وكرم الضيافة والنحر ولإيثار هو من أنواع التحية واعتبار الضيف من الأهل ويسهل له كل شئ والعبارة المشهورة في هكذا مقام قولهم للضيف ( حللت أهلا ووطئت سهلا ) ومن الاحتضان وعدم الجلوس أو مباشر الشراب والطعام قبل الضيف . ومن صور التحية الغريبة لدى عرب الصحراء ملامسة الأنف بالأنف أوالكتف بالكتف وغير ذلك كثير ’ ولدى غير العرب توجد أيضا بعض العادات والصور الغريبة للتحية ففي أميركا الولايات المتحدة فان لشبان الشوارع والعصابات والمجتمع التحتي أنواع غريبة من التحية مثل ( ضرب قبضة يد شخص بقبضة يد شخص آخر , أو سبابة مقابل سبابة ومن ثم لف اليد على اليد المقابلة .. إلخ ) .
وللمناسبات والأعياد خصوصية في نوع التحية مثل ( كل عام وانتم بخير – عام سعيد – عيد مبارك – عيد ميلاد سعيد – وغير ذلك كثير مما لايعد ولا يحصى من المعايدات والتبريكات والتمنيات بالخير والسعادة .. وكلها من أنواع التحيات وبكل لغات البشر ) .
وإذا أردنا تعداد أنواع وصور التحيات فقد نحتاج لمجلدات لذلك نذكر بعضا وخاصة المشهور والطريف والغريب منها على سبيل المثال كما أسلفت عن بعضها ونشير إلى بعضها الآخر مثل أن المسلمين والعرب على وجه الخصوص ولمحبتهم الكبيرة لرسول الإسلام فإنهم يقرنون اسمه صلى الله عليه وسلم في التحية فيقولون ( صباحك عربي بالصلاة على النبي ) وكقول غير العرب من المسلمين ( صباح شريف ) نسبة للنبي محمد (ص) . ولفصحاء اللغة مفردات خاصة للتحية مثل القول : ( عمت صباحا أو مساء ) , وكقولهم : ( أسعدت صباحا أو مساء ) وفي النهار قولهم : ( نهارك سعيد ) , كما أن التمني بالنوم الهانئ والإفاقة الهانئة بالقول : ( تصبح على خير ) أو ما يشبه ذلك ويماثله كل ذلك تحية أو من أنواع التحية .
وكما للزمان والمنسبات مفردات ي التحية فإن للمكان ذلك أيضا فبقال : ( حللت أهلا ووطئت سهلا ) أو ( البيت بيتك ) أو بعد عبارة تفضل – أي أنت صاحب الفضل – ( على الرحب والسعة ) أو ( مرحبا ) أو ( أهلا ) أو ( هلا هلا ) أو ( لك الصدر ) أو (على ارأس والعين ) وغير ذلك ومثله الكثير الكثير .
وكذلك فإن الأناشيد والأهازيج الوطنية أو الاجتماعية وبعض أنواع الموسيقى والغناء هي بحد ذاتها تحية وكذلك بعض الهتافات والخطب والاستعراضات يمن أن تعتبر من انواع التحية , والسكوت أو الصمت في معرضه تحية وحتى الإشارة البسيطة المعبرة عن التحية كالإيماءة أو حركة حواجب العينين أوالرموش وحتى لوبرفع إصبعا واحدا .
واخيرا وليس آخرا وخير ختام لهذه المساهمة رقم/1/ في موضوع أدبيات المحاماة والتي خصصتها للتحية بالقول : إن أبلغ تحية وأفضلها هو ماتلفظ به اللسان أي النطق الصريح والمعبر للتحية وخاصة المتعارف عليها , أي بالكلمة و إن اقترن ذلك باستعمال حركة أو اسلوب أو صور وطرق وأنواع وإشكال أخرى مما تم عّده وعرضه فيما تقدم .. وخيرها ماكان معبّرا عن الخير والسلامة أي السلام وإفشاء السلام بين الناس أمر به الله , والسلام من أسماء الله الحسنى . وفي الشواهد على أن التحية والسلام أمر بها الله وفي مختلف الأديان السماوية نهجا لكل الناس ولم يفرق في ذلك بين الإسلام والمسيحية واليهودية . فمن شعب الإيمان في سلام أن يبادر الشخص بالسلام والتحية , وتحية الإسلام هي بالقول : ( السلام عليكم ) فيرد عليها ( وعليكم السلام ورحمة الله ) , وهي في كنهها وحكمتها ومفهومها الطلب من الله عز وجّل بأن يغمر من تلقى عليه التحية او يلقى عليه السلام بأن يعم عليه السلام والخير والنعمة و الأمان ومن المنطق والعدل واللباقة واللياقة أن يرد علىمن يلقي السلام والتحية لقول نبي الإسلام محمد (ص) في الحديث الشريف : (( إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهااوردوها )) وقوله ( التحية صدقة ) وقوله ( أفشوا السلام ) فهو أي إلقاء التحية والسلام زرع للطمأنينة والأمان والخير والحب بين الناس . وابلغ تحية وسلام هو نص الصلوات الإبراهيمية التي تعقب أوبالأحرى تقترن في ختام كل صلاة ونصها : ( التحيات لله الصلوات الطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين الله الصالحين ..أشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمدا رسول الله ) .. وكذلك تسليمة التشهد في ختام الصلاة التي تكون مقترنة بتحريك الرأس تارة أولى يمنة وأخرى يسرة فهو سلام وتحية للملكين الرقيبين على المصلي والحارسين له عن اليمين وعن الشمال . ومن واجب المسلم إذا دخل مقبرة أن يسلم على من في القبور والمأثور في ذلك القول : ( السلام عليكم سكان هذا الرحاب انتم السابقون ونحن اللاحقون على الإيمان إن شاء الله ) , كما ان الشخص إذا دخل مكانا ليس فيه أحد يجب يلقي التحية والسلام وذلك استعاذة من الشيطان , وايضاأن يسلم على أهل بيته وحتى على نفسه إذا ماحدّثها .
إلى اللقاء في المساهمة رقم /2/ والسلام .
المحامي بسّام محتسب بالله