إن نهوض الدولة بتلبية الحاجات العامة كالدفاع والصحة والتعليم والاسكان والمواصلات والري.. يستلزم تأمين الكثير من الأراضي وهذا /عموماً/ يحتاج الاستملاك، فهل يتم وفقاً للدستور أم أنه (سيف، سوط، تسونامي، هلاك) كما يوصف في كثير من الأحيان..
يلحق الاستملاك /عموماً/ بضحاياه أفدح الأضرار (الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والصحية).. فإذا لم تتبخر الملكية به وهذاما يحدث في معظم الحالات فإنه يجمدها لعقود تصل لنصف قرن، والطامة الكبرى /على الاطلاق/ ان كافة السلطات (السياسية والتشريعية والتنفيذية والإدارية).. تكتفي بالرد على ضحاياه بأنه القانون وكأن القانون وضعه قادمون من مجرة أخرى ورحلوا ليكابد الضحايا شعوراً مراً جارفاً، وللأسف الشديد إنهم أمام ما يشبه الاستيلاء تقريباً..
المعاناة تعلم بها جميع السلطات، فإلى متى!!؟
يراجع ضحايا الاستملاك السلطات كافة في معظم الأحيان (دون جدوى) وتنقل كل وسائل الاعلام السورية ( المقروءة والمسموعة والمرئية) بشك جاد وجريء الآلام والاستغاثات المدوية جداً لضحاياه أولئك الذين يندر ان يكونوا من ذوي السلطة أو النفوذ.. وكأن على الأضعف والأفقر ان يتحمل هذا العبء الكبير أيضاً!! حتى شاهدنا وسمعنا وقرأنا أمورا أغرب من الخيال:
ففي مجلس الشعب (مداخلات الأعضاء: الاستملاك ألحق أضرارا مادية ومعنوية بمئات آلاف المواطنين.. رئيس لجنة الاستملاك هناك استملاكات في دمشق عمرها 40 عاماً واهمال الحكومة في ايجاد حل مناسب لها لم يعد له مبرر)
تشرين 9456 تاريخ 8/1/2006 صفحة4
(14 ألفاً سعر الدونم على قوانينهم و250 ألفاً على أرض الواقع)
الثورة 13023 ص 2 تاريخ 30/5/2006
(الاستملاك للتجارة، والدولة استفادت المليارات وتتأخر بدفع بضعة ملايين/ قيمة المتر المربع البعل 79 قرشا والسقي 34 ليرة.. الحكومة استملكت لتبيع المتر بـ900 ليرة)
الثورة 12994 ص 13 تاريخ 26/4/2006
( نصف قرن على استملاك حي الحمراوي بانتظار انهياره على ساكينه)
الثورة 12941 ص 13 تاريخ 22/2/2006
(استملاكات الشريط الساحلي عشوائية منذ 1975 بعمق 2 كم ولم تقم منشأة سياحية)
البعث العدد 12902 ص7 تا 14/6/2006
(نبلغ أهالي منطقتي الصايد ـ البسة بأن المساحة المراد استملاكها لصالح سد الفرقلس تقع ضمن الربع المجاني ولا يترتب عليها دفع أية تعويضات مادية)!!..
صحيفة العروبة حمص العدد 12162 تاريخ 8/12/2005 ص3 اعلانات
شروط الاستملاك وفقاً للدستور :
الدستور هو القانون الأول ولا يجوز لأي قانون ان يخالفه وإلا على القاضي ان يمتنع عن تطبيق النص المخالف له واينما ورد (بعد ان يثير المتضرر ذلك)
وهكذا فإن الاستملاك في معظم الحالات قانوناً وواقعاً في واد والدستور والعدالة في واد آخر!! فالدستور واضح جداً في حماية الملكية الفردية المادة 15 فقرة 1:
(لا تنزع الملكية الفردية إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون)
مما يعني ان الاستملاك يشترط فيه ان يكون:
1 ـ للمنفعة العامة
2 ـ ان يكون التعويض عادلاً
وعلى القانون أن يتضمن ذلك وإلا كان مخالفاً للدستور
ومن استعراض حالات كثيرة جداً نجد ان الاستملاك ليس للمنفعة العامة بل تم بفهم خاطئ أو بإساءة استعمال السلطة ومشاريع كثيرة له لم تنفذ منذ نصف قرن أحياناً ما لايمكن لأي قانون أو دستور حمايته /مطلقاً/ بل يعاقب عليه، فأين أهمية تلك المشاريع، كما أن التعويض العادل يتخلف في معظم الحالات، فالعادل يجب ان يعادل قيمة المستملك الفعلية مع إتاحة البدل بالفعل بتاريخ الاستملاك وبالتالي فكل ما يخالف ذلك يكون مخالفاً للدستور ويفقد ضحايا الاستملاك كل ما يملكون وهو حصيلة العمر وأجيال متعاقبة أبا عن جد (في حالات كثيرة) وإذا أضفنا لكل ذلك مرارات من حيث زمن إيداع البدل وطريق قبضه خصوصاً مع حالات الشيوع والاستملاك الجزئي علمنا أننا أمام مرتون بحواجز من كل الأنواع وكأنها متاهة بلا مخرج أو حلقة مفرغة وعلى طريق رفع مظالم الاستملااك الهائلة لابد من:
1 ـ اعتماد املاك الدولة أولاً لتنفيذ المشاريع العامة قبل أي استملاك.
2 ـ ان يكون الاستملاك فقط للمنفعة العامة بالفعل بعيداً عن الغايات الشخصية أو الفهم الخاطئ وضرورة التحقيق في الحالات التي تم فيها الاستملاك كيديا ومحاسبة من قاموا بها بمنتهى الشدة والحزم
3 ـ التقيد القطعي بما تم الاستملاك لأجله دون تحوير أو تبديل للغاية قطعا للطريق على البعض هنا وهناك..
4 ـ ان يتم تحديد مدة زمنية معقولة لتنفيذ المشروع الذي تم الاستملاك لأجله على أرض الواقع مثلا خمس سنوات وإلا يلغى لعدم الجدية، ولا بد من حل عادل أو إلغاء حالات الاستملاك لمشاريع لم تر النور منذ عقود..
5 ـ أن يكون بدل الاستملاك عادلا بالفعل عينا أو نقدا وان يخير المالك بينهما إما أرضاً أو شقة مماثلة من حيث القيمة أو مبلغاً بالسعر الرائج الحقيقي يمكن من شراء بديل مماثل..
والتعويض العادل يوجب:
أ ـ عدم تحديد حد مالي أعلى لما يستملك فالتضخم وارتفاع أسعار العقارات الخيالي في المدد القريبة يجعل ذلك غير عادل بالتأكيد فكيف ونحن أمام سنوات تمر قبل قبض البدل.
ب ـ عدم اقتطاع أي جزء مجاني مهما كان لأن العادل ينفي استملاك اي جزء مهما صغربلا مقابل..
ج ـ التعويض عن العناصر المادية كافة (أرض، أبنية، منشآت، أشجار).. وضرورة التعويض عن العناصر المعنوية للمتجر أو المسكن..
د ـ ان يكون البدل سواء العيني أو النقدي متاحاً من لحظة الاستملاك ليتمكن صاحبه من التصرف به في الوقت المناسب..
هـ ـ عندما يكون الاستملاك للسكن الشعبي إعطاء أولوية لمالكي العقار بشقق فيه قبل غيرهم من باب أولى..
و ـ مراعاة التعويض لغرض الاستملاك، خدمي (مشفى، سد).. أو استثماري سياحي فالتي تدر ربحا لا يكفي ان يعادل التعويض القيمة، بل يجب ان ينال صاحب العقار نسبة من الربح..
6 ـ ضرورة معالجة المظالم التي وقعت سابقاً فأين العدالة في استملاك عقارات في قلب المدن قيمتها بالمليارات وتباع لغايات تجارية ولجهات خاصة بهذه المبالغ الفلكية بينما يتم التعويض على الأفراد بعشرات الآلاف.
7 ـ ضرورة إصدار سريع لقانون استملاك عادل وفقاً للدستور ويستفيد من القوانين التي أثبتت عدالتها /إقليميا ودوليا/..
8 ـ مراجعة المتضررين من حالات الاستملاك الظالمة للقضاء عبر الدعاوى المناسبة خصوصاً مع الحالات المخالفة للدستور.
ان ما تقوم به الدولة لمصلحة الشعب تتحمله المالية (العامة) لا الأفراد وفقاً لمبدأ العدالة وإلا نكون أمام أمر غير منطقي وغير موضوعي وغير عادل..
ما أقسى المعاناة من تنين الاستملاك وما أوضحها وما أعجب ان تستمر كل هذه العقود دون حل فعلي وحقيقي لها ولا شك ان الإدارة المسؤولة والجادة (لاسيما من السلطة التشريعية التي تتحمل معظم المسؤولية) ومن الجميع ممن يستطيعون المساهمة لرفع هذا الظلم الهائل ووضع حد له أمر لازم لزوم القيام برسالة الحق وتحقيق الصالح العام والخاص معا وتقتضيه واجباتهم في ادنى الدرجات ويكفي /لكي يتحركوا/ان يضعوا أنفسهم مكان ضحايا الاستملاك..
ومع ما يتردد عن قانون استملاك جديد يتلافى السلبيات دعونا نتفاءل الا يكون انتقالاً ( من تحت الدلف لتحت المزراب) كما في قانون الضرائب العقارية الأخير.
المحامي: محمد بدران