حرص المشرع على أن يجعل من القانون وسيلة لضمان الحقوق وحفظها من الضياع حيث أوجد نصوصاً خاصة للمحافظة على حقوق الأشخاص الذين تربطهم علاقات من نوع خاص وحاول أن يحترم هذه العلاقات القائمة بين الناس ويحميها فيما إذا اعترتها ظروف أجبرت أصحابها على عدم المطالبة بما يضمن حقوقهم مستقبلاً وخوفاً على ضياع هذه الحقوق ولاعتبارات شخصية وإنسانية أوجد ما يسمى بالمانع الأدبي.
وقد جاء في قانون البينات المادة – 57- منه على أنه:
"يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسمائة ليرة:
إذا وجد مانع أدبي أو مادي يحول دون الحصول على دليل كتابي.
ويعتبر مانعاً مادياً أن لا يوجد من يستطيع كتابة السند أو أن يكون طالب الإثبات شخصاً ثالثاً لم يكن طرفاً في العقد.
وتعتبر مانعاً أدبياً القرابة بين الزوجين أو ما بين الأصول والفروع أو ما بين الحواشي إلى الدرجة الثالثة أو ما بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر."
وتعليقاً على ذلك نجد أن المشرع قد ذكر العلاقات على سبيل الحصر لا المثال فيما يتعلق بالقرابة بين الزوجين والأصول والفروع وما إلى ذلك حتى الدرجة الثالثة.
بينما أوردها على سبيل المثال فيما يتعلق بتوافر المانع الأدبي فيما سواها.
ونجد أن هذه المادة لم تحدد المانع الأدبي بشكل واضح إذ إن نصها جاء مطلقاً وبالتالي فإنه يجب أن يبقى على إطلاقه وفق ما استقر عليه الاجتهاد إلا في الحالات التي يقوم فيها دليل يقيده نصاً أو دلالة كما هي القاعدة الأصولية العامة.
وقد ورد في المذكرة الإيضاحية من قانون البينات فئة أخرى من الموانع الأدبية على سبيل المثال: علاقة المريض بطبيبه وعلاقة الموكل بوكيله أو السيد بخادمه وعلى هذا الأساس فإن الفصل في أمر قيام هذا المانع الذي يتبع الظروف والأعراف هو مسألة موضوعية يعود تقديرها لقاضي الموضوع وينحصر المانع الأدبي فيها فيما يتعلق بهذه العلاقة فقط دون سواها.
ولا يحق للمحكمة من تلقاء نفسها أن تتصدى للمانع الأدبي وتطلب الإثبات بالبينة الشخصية وإنما لا بد من وجود إدعاء ممن له مصلحة في ذلك من ناحية، ووجود المانع الأدبي من ناحية ثانية.
مثال: علاقة المحامي بموكله تنحصر فقط بالقضية التي وكل بها وذلك وفق ما استقر عليه الاجتهاد القضائي: "إذا كان وكيلاً عن المذكور في دعوى فإن المانع الأدبي ينحصر في الحدود التي سارت بتلك الدعوى لا سواها".
وقد جاء في الأسباب الموجبة لقانون البينات أنه يمكن اعتبار الصداقة من الموانع الأدبية وجاء الاجتهاد مؤيداً لذلك ونظر إلى المانع الأدبي المتمثل بالصداقة الحميمة الذي يجيز الإثبات بالبينة الشخصية إلى طرفي العقد وليس إلى الغير بحسبان أن توطيد الصداقة الحميمة بين المتعاقدين لا تفيد قطعاً توطيدها بين أزواجهم فضلاً على اعتبار الصداقة مانعة أو غير مانعة من الحصول على دليل كتابي بين الصديقين مسألةً موضوعية يعود تقديرها إلى قاضي الموضوع.
مثال: الصداقة الحميمة بين منى ورنا لا تنصرف إلى زوجيهما ولا تمنع الواحدة من الحصول على دليل كتابي من زوج الأخرى في حال تم الاتفاق بينهما على أمر ما.
وتعتبر علاقة الخطوبة هي من الموانع الأدبية التي تحول دون طلب أحدهما من الأخر وثيقة خطية.
وفيما عدا ذلك قد تفوق الصداقة أحياناً موضوع القرابة فيما إذا انضمت الصداقة للقرابة فإنها ستخلق مانعاً أدبياً يفوق المانع الأدبي بين الأقرباء أنفسهم وهذا ما استقر عليه الاجتهاد.
ونذكر منها على سبيل المثال:
- ابن الزوج ليس كالولد وكذلك صلة العمومة وقرابة بنات الأخ كلها لا تشكل مانعاً أدبياً.
- العلاقة الصهرية يشملها المانع الأدبي فيما تقتصر على المعاملات بين أحد الزوجين وأبوي الزوج الآخر أي بين الصهر وحماه أو حماته وكذلك الأمر بالنسبة لزوجة الابن بينما لا يعتبر أنه هناك مانع أدبي بين أخت الزوجة وصهرها.
- مجرد قيام علاقة زراعية بين مزارع ورب عمل لا يفيد في حد ذاته قيام المانع الأدبي مادام قانون العلاقات الزراعية أوجب ربط عقود المزارعة بسند خطي.
- العلاقة القائمة بين العامل ورب العمل لا تُعتبر مانعاً أدبياً يحول دون حصول رب العمل من العامل على مستند خطي فيما يسدده عن ذمته من التزامات بل على العكس فإن قانون العمل في المادة "43" منه يوجب إثبات قيام عقد العمل بالكتابة فإذا لم يوجد عقد مكتوب جاز للعامل وحده إثبات حقوقه بكافة طرق الإثبات ما ينفي قيام المانع الأدبي بالنسبة لحقوق رب العمل قبل العامل.
وهذه من الحالات التي قيدها نص خاص كما ذكرنا سابقاً.
- العداوة بين الأقرباء لا تقيد هذا الإطلاق والقول إن العداوة تمنع الإثبات بالشهادة معناه إبطال حكم النص المسوغ لقبول الشهادة حين الاختصام.
وقد استقر الاجتهاد على أن كون المانع الأدبي جاء مطلقاً فلا يجوز تقييده إلا بنص ويترك لقاضي الموضوع أمر تقديره وذلك شريطة تعليل أحكامه.
- القرابة التي تشكل مانعاً أدبياً:
اتفق قانون البنيات في تحديد درجات القرابة في مجال تطبيق المانع الأدبي مع أحكام المادة "38" من القانون المدني إذ نصت على أن: "يراعى في حساب درجة القرابة المباشرة اعتبار كل فرع درجة عند الصعود للأصل بخروج هذا الأصل وعند حساب درجة الحواشي تعد الدرجات صعوداً من الفرع للأصل المشترك ثم نزولاً منه للفرع الآخر وكل فرع فيما عدا الأصل المشترك يعتبر درجة.
وقد ذكر المشرع القرابة وحصرها بالدرجة الثالثة بالنسبة للمانع الأدبي، فليس ل "ابن عم" الذي هو درجة أبعد(رابعة) أن يتمسك بهذا النص لاعتبار قرابته مانعاً أدبياً.
ولكن المشرع ترك للمحكمة أن لا تتقيد بدرجة القرابة ويمكن أن تحكم بوجود المانع الأدبي ولكن ليس لدرجة القرابة وإنما حسب ظروف الدعوى وذلك على اعتبار أن ثمة أمور جوازية يعود تقديرها للمحكمة باعتبارها محكمة موضوع.
إلا أن قانون البينات لم يتفق مع أحكام المادة "39" قانون مدني والتي تنص على أن:
"أقارب أحد الزوجين يعتبرون في نفس القرابة والدرجة بالنسبة للزوج الآخر".
وعلى هذا الأساس فإن القرابة بين الزوجة وشقيق زوجها لا يمكن اعتبارها مانعاً أدبياً.
وكذلك الحال في العلاقة ما بين الزوجة وابن زوجها لا يشملها المانع الأدبي ولا تندرج ضمن صلات القربى المعتبرة وفق أحكام المادة "57" بينات والناجمة عن الزواج.
إلا أن محكمة النقض جعلت هناك استثناء على هذه الحالة في قضية الإرث ونصت على أن الوارث يحل محل مورثه في طرق الإثبات لأنه خلف عام وعليه فالزوج يحل محل زوجته لإثبات الصورية بالبينة الشخصية تجاه شقيق زوجته لقيام المانع الأدبي.
وهذا ما استقر عليه حكم القانون واجتهادات قانون البينات المدنية والتجارية.
- الإثبات بالشهادة:
نلاحظ أن القانون قد أجاز في نص المادة "57" بينات المذكورة سابقاً أن وجود المانع الأدبي يجيز لأطراف العلاقة الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية حتى ولو كان المطلوب تزيد قيمته على خمسمائة ليرة سورية.
وجاء الاجتهاد موضحاً أنه:
- يجوز إثبات قيام الشركة بالبينة الشخصية وأجاز الإثبات بالشهادة بالنسبة لسائر الالتزامات التعاقدية إذا وجد مانع أدبي أو مادي يحول دون الحصول على دليل كتابي أو كانت الظروف التي تم فيها التعاقد أو الصلات التي كانت تربط المتعاقدين وقت التعاقد لا تسمح من الناحية الأدبية لأحد المتعاقدين باقتضاء كتابة من المتعاقد الآخر.
- أجاز المشرع الإثبات بالشهادة بين الأقرباء حين قيام الخصومة حتى ولو توافر بينهم عنصر العداوة وذلك لأنه اعتبر أن الخصومة هي عنصر من عناصر العداوة ولا تنفي المانع الأدبي.
- مثال: قيام مشاحنة وملاسنة بين الأخوة ليوم أو يومين تنتهي بالمصالحة لا تنمّ على وجود التباغض وبالتالي لا تهدر المانع الأدبي.
في حين نصت بعض الاجتهادات الأخرى على أن:
- في حال وجود خصام بين الأقارب فقد اعتبر المشرع أن الثقة في هذه الحالة تكون منعدمة وكذلك المانع الأدبي.
مثال: وجود الجفوة والتباعد بين الأب وابنته ووجود الخصام بينهما ينفي وجود الثقة وبالتالي لا يبقى مبرر لقيام المانع الأدبي بينهما الذي يحول دون الحصول على دليل كتابي.
وفي جميع الأحوال ترك المشرع أمر تقدير قيام المانع الأدبي من تعذر الحصول على دليل كتابي بالحق المتنازع فيه والقابل إثباته بالشهادة من المسائل الموضوعية التي يملك قاضي الموضوع حق تقديرها.
وقد نص الاجتهاد على أن "إذا لم يتمسك الطاعنون لدى محكمة الموضوع بوجود مانع أدبي يبرر عدم الإثبات بالكتابة فلا يجوز لهم أن يثيروا هذا الدفع الجديد لأول مرة أمام محكمة النقض ويجدر بنا الإشارة إلى أن الإثبات بالشهادة لا يلزم المحكمة الأخذ بها مطلقاً فلها الحرية بأن تأخذ جزءاً منها أو عدم الالتفات إليها أصلاً وذلك وفق ما نصت عليه المادة "62" بينات.
وبالتالي فإن المجادلة في صحة الشهادات أو عدم كفايتها تنصب على ناحية تقديرية تستقل بها محكمة الموضوع بصورة لا تخضع معها لرقابة محكمة النقض مادام منطوق الشهادة المستند إليها في الحكم منسجماً مع واقعة الدعوى ومادام الشهود من أجازت المحكمة استماعهم في حدود سلطتها التقديرية.
و يبقى لمحكمة الموضوع حق تقدير ما إذا كانت الوقائع التي يراد الاستجواب بشأنها منتجة أو غير منتجة في الدعوى وبالتالي لها الحق في رفض طلب الاستجواب.
- وجود دليل كتابي يهدر المانع الأدبي:
إن اعتياد الأقارب على التعامل بالكتابة وذلك بكتابة أكثر من سند بينهم يهدر المانع الأدبي، فإذا اختار الأقارب الدليل الخطي فإن ذلك يحول دون قبول البينة الشخصية ذات القوة الثبوتية المحدودة بالاستناد إلى موانع القرابة.
وقد نص الاجتهاد على أن تحرير السند بين الأقارب ينفي المانع الأدبي الذي يجيز الإثبات بالبينة الشخصية ضد السند.
وإن المانع الأدبي الذي أقره المشرع بين الأقارب يقوم في جوهره على الثقة المتبادلة التي تحول دون مطالبة أحدهم للآخر بتحرير سند كتابي فإذا لجأ الأقارب إلى الكتابة فإن ذلك يفيد بحد ذاته إلى زوال هذه الثقة وانتفاء المانع الأدبي في علاقاتهم المتبادلة ويجعلهم خاضعين لقواعد الإثبات العامة التي أقرها قانون البينات.
وقد نص الاجتهاد على أن كتابة سند واحد فيما بينهم ينظم شأناً من شؤونهم لا يكفي لهدر المانع الأدبي. ولا بد من ثبوت اعتيادهم على ربط معاملاتهم بالدليل الكتابي.
مثال: توقيع الزوج بوصفه وكيلاً متضامناً مع زوجته على عقد البيع الذي اشترت بموجبه العقار لا يفيد ربط معاملاته معها بدليل كتابي ولا يهدر المانع الأدبي ولا يمنعه من الإثبات بالبينة الشخصية أنه هو الذي اشترى العقار لنفسه وهو الذي دفع ثمنه وبان تنظيم العقد باسم زوجته صوريٌّ القصد منه تهريب العقار من وجه دائنيه.
وإذا انتفى المانع الأدبي بين الأقرباء لتوثيقهم بعض علاقاتهم بإسناد فإن أثر هذا الانتفاء لا ينحصر بالعلاقة الموثقة بل يتجاوزها إلى ما بعدها من العلاقات الأخرى.
وإن الحق الممنوح لقاضي الموضوع بتقدير قيام المانع الأدبي وانتفائه ينحصر في نطاق تقرير قيام المانع الأدبي بين أفراد لا تربطهم صلات القرابة فله أن يستخلص قيام هذا المانع من قيام الروابط الوثيقة بينهم على اعتبار أن قانون البينات لم يذكر الموانع الأدبية على سبيل الحصر.
أما إذا ثبت انتفاء المانع الأدبي لاعتياد الأقارب على ربط عقودهم بالدليل الكتابي فليس من حق القاضي أن يتجاهل هذا الدليل في استثناء المانع أو يتجاوزه بالاستناد إلى تقديره الشخصي لأن قضاءه في ذلك يكون غير سليم ومخالفاً قواعد الإثبات.
وأقر الاجتهاد أن: توثيق العقود العقارية في السجل العقاري والذي يقتضيه نقل الملكية لا يعني تعاملاً بالكتابة لأنه يتم بمقتضى قانوني ولا دخل لإرادة المتعاقدين به، وبالتالي فإنه لا يزيل المانع الأدبي.
وإن المانع الأدبي يسوغ إثبات الدعوى بالبينة الشخصية حتى ولو كان ذلك خلافاً لقيود التسجيل العقاري وإدعاء المدعي بما يؤول إليه شخصياً ولا يستلزم أن يكون إدعاؤه إضافة إلى المؤرث أو التركة.
مثال: إذا كان هناك شراكة بين أخوين على عقار أحدهما يملك نصف العقار بعقد صوري، فإذا توفي هذا الآخر وانتقلت حصته إلى ورثته في قيود السجل العقاري فليس هناك ما يمنع الأخ من إثبات دعواه بالبينة الشخصية حتى ولو كانت خلافاً للتسجيل العقاري وله الحق في استرجاع حصته من هذا العقار.
وبالتالي فإنه يمكن أثبات الصورية المبنية على الغش والتواطؤ بجميع طرق الإثبات.
- أن العبرة بتوفر المانع الأدبي هي لتاريخ نشوء الالتزام:
لقد نص الاجتهاد على أن المقصود بالتعامل بالكتابة التي تزيل المانع الأدبي في معرض الإثبات هي الكتابة التي تسبق التصرف القانوني المطلوب إثباته وليس تلك الكتابة التي تعاصره أو تأتي متأخرة عن تاريخ وقوعه وبالتالي فإن العبرة لوقوع المانع الأدبي أو عدمه هي لتاريخ نشوء الالتزام.
مثال: أن توثيق التزام بين شخصين بسند خطي في زمن سابق ليس من شأنه أن يمنع الاحتجاج بالمانع الأدبي لعلة الزوجية في التزام قام بين الطرفين أنفسهما إذا أصبحا زوجين في زمن لاحق.
وقد أيد ذلك قضاء محكمة النقض بقراره "لكي يكون الخصام بين الأقرباء منتجاً في دحض المانع الأدبي الذي يسوغ سماع البينة الشخصية لإثبات عقد مبرم بينهم لا بد من ثبوته قبل أو عند نشوء العقد المختلف عليه ولا يكون له أي أثر في حال قيامه في فترة لاحقة إذ لا يتمتع السبب الذي يزيل المانع الأدبي بأثر رجعي".
لا يجوز مخالفة دليل كتابي إلا بالكتابة:
أما بالنسبة لوجود دليل كتابي فإنه لا يجوز إثبات ما يخالفه إلا بالكتابة ولو توفر المانع الأدبي وذلك وفق المادة "55" قانون البينات فقرة – أ- .
وهذه نتيجة طبيعية لترجيح القانون للأدلة الكتابية على الشهادة من جهة ولإرادة الطرفين بالتعاقد بدليل خطي من جهة ثانية.
وهذا ما استقر عليه قضاء محكمة النقض حيث نص على أنه "لا يجوز إثبات ما يخالف الدليل الكتابي إلا بمثله ولو كان بين الطرفين مانع أدبي لأنهما رجحا توثيق الواقعة بالكتابة."
- "المانع الأدبي يحول دون سريان التقادم":
نصت المادة "379" قانون مدني فقرة "أ" على أن:
"أ- لا يسري التقادم كلما وجد مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً وكذلك لا يسري التقادم فيما بين الأصيل والنائب."
وقد قضت محكمة النقض في اجتهادها على أنه "يظل المانع الأدبي الناشئ عن القرابة مفترضاً حتى يقوم الدليل على زواله حيث أن المانع الأدبي يوقف سريان التقادم."
ويدخل في مفهوم المانع الأدبي الذي يوقف سريان التقادم القرابة مادامت علاقة وثيقة واقترنت بملابسات تؤكد معنى المنع وهذه المسألة مسألة واقع يعود أمر تقديرها لقضاة الموضوع.
وهذا يعني أنه لا يمكن أن يسري التقادم على الحقوق عند توافر المانع الأدبي بين أصحاب العلاقة والأصل أن تتوفر حالة المنع وعلى من يدعي خلاف ذلك إثباته.
مثال: إن بدل الإجازات السنوية وأجور الساعات الإضافية هي من الحقوق الدورية المتجددة التي تتقادم بخمس سنوات وفقاً لأحكام المادة "373" قانون مدني والتي نصت على أن "يتقادم بخمس سنوات كل حق دوري متجدد ولو أقر به المدين فأجرة المباني والأراضي الزراعية وبدل الحكر وكالفوائد والإيرادات المرتبة والرواتب والأجور والمعاشات" إلا أن المادة "379" ق.م نصت على أنه "لا يسري التقادم بوجود مانع يتعذر معه على الدائن أن يطالب بحقه ولو كان المانع أدبياً.
و يجب التفريق بين المانع الأدبي في قضايا التقادم وفي قضايا البينات وقد أكد الاجتهاد على أن المانع الأدبي يجب أن يكون بين المتعاقدين أنفسهم ونص على أن المانع الأدبي يتحقق عند وجود قرابة بين طرفي العقد تحول دون قيام أحدهما بمقاضاة الأخر بالحقوق على اعتبار أن إقامة هذه الدعوى تسيء إلى هذه القرابة مما حدا بالمشرع لاعتبار هذه القرابة سبباً لوقف التقادم.
وحيث أن المانع الأدبي منظوراً إليه من هذه الناحية يختلف عن المانع الأدبي المتعلق بالإثبات المنصوص عليه في المادة "57" بينات والذي يحول دون حصول القريب على سند ضد قريبه.
إذ قد لا يجد بعض الأقارب كالأزواج مثلاً حرجاً في تثبيت حقوقهم قبل بعضهم بسندات ولا يرون في ذلك ما يسيء إلى علاقة القرابة أو يهدد بفصم عراها.
وعلى العكس تماماً فقد جرت العادة على توثيق حقوق الأزواج بسندات في حين إن إقامة الدعوى بما تحمله من معنى المخاصمة والعداء من شأنه أن يسيء إلى هذه العلاقة إساءة بالغة بصورة تجد معها الزوجة حرجاً في سلوك هذا الطريق.
ولذا فإن مجرد التعامل بين الأقارب بالسندات وإن كان ينفي قيام المانع الأدبي بالنسبة للإثبات فإنه لا ينفي بحد ذاته وبصورة مطلقة قيام المانع الأدبي بالنسبة لوقف التقادم وهذا ما استقر عليه الاجتهاد.
مثال: علاقة الولد بوالدته والشقيق بشقيقاته الذين هم أطراف النزاع هي علاقة تنطوي على مانع أدبي.
فإذا حصل المدعي على سند يشعر ببيع الطاعنين، له حصصهم الإرثية، لا يعدو كونه تدبيراً تحفظياً معتاداً يلجأ إليه الشقيق للمحافظة على حقه في المستقبل خوفاً من قيام عداوة مستقبلية بينه وبين أقاربه ولا يفيد انعدام الثقة وعلى الرغم من أن القاعدة العامة تقول إن مجرد تحرير السندات بين الأقارب يفيد اعتيادهم على ربط معاملاتهم بالكتابة وبالتالي ينتفي المانع الأدبي بالنسبة لقواعد الإثبات إلا أنه في حين تحرير السند لا يفيد زوال المانع الأدبي بالنسبة لوقف التقادم وذلك نظراً للفارق الكبير بين إقدام الأقرباء على ربط معاملاتهم مع أقربائهم بسند باعتباره مجرد وسيلة تحفظية وبين إقامة الدعوى عليهم مما يعتبر معه عملاً ينطوي على معنى المعاداة ويهدد رابطة القرابة بالانهيار.
وهذا ما أيده اجتهاد محكمة النقض حيث نص على أنه:
"اعتياد الأقارب على ربط معاملاتهم بأسناد وإن كان ينفي قيام المانع الأدبي بشأن الإثبات وقواعده إلا أنه لا ينفي بحد ذاته بصورة مطلقة قيام المانع الأدبي بشأن وقف التقادم".
وبالتالي فإن المانع الأدبي وحده كاف لوقف سريان التقادم بغض النظر عن البينة الشخصية.
وترك المشرع أيضاً حق تقدير الموانع الأدبية القاطعة لسريان التقادم في غير حالة صلة القربى لمحكمة الموضوع وذلك وفق ما يقدره القاضي حسب ظروف الدعوى وأحوالها.
وبالنهاية واستخلاصاً مما سبق نجد أن موضوع المانع الأدبي يبقى موضوعاً فضفاضاً وأن معنى المانع الأدبي بحرفيته لم يعرفه المشرع وإنما ترك حرية تقديره للقضاء على اعتبار أن كثيراً من الأمور هي أمور موضوعية يعود الحكم فيها إلى قاضي الموضوع وترك له الحرية في تقدير هذه الأمور حسب ظروف الدعوى وملابساتها إلا في الحالات التي يقيّدها نص أو دلالة وذلك كله شريطة تعليل قراره وانسجامه مع الوقائع.
توثيق العقود العقارية في السجل العقاري والذي يقتضيه نقل الملكية لا يعني تعاملاً بالكتابة وبالتالي فإنه لا يزيل المانع الأدبي
علاقة الخطوبة هي من الموانع الأدبية التي تحول دون طلب أحدهما من الأخر وثيقة خطية
اعتياد الأقارب على التعامل بالكتابة يهدر المانع الأدبي
كتابة سند واحد فيما بين الأقرب ينظم شأناً من شؤونهم لا يكفي لهدر المانع الأدبي
لم يعرف المشرع معنى المانع الأدبي بدقة وإنما ترك حرية تقديره للقضاء