يميز القضاء بين نوعين من القتل كلاهما نتيجته واحدة: القتل المتعمد، والقتل نتيجة الإهمال. أما القتل المتعمّد ففيه سبق ترّصد ونية، وأما القتل بالإهمال ففيه سبق تموّت كلّي في الضمير البشري الذي هو آلة الرقابة الإلهية في صميم الإنسان. فكيف إذا كان القاتلون أهل
قَسَم، امتهنوا مهنةَ الطبّ المقدّسة والإنسانية؟ وكيف إذا كان ميدان الجريمة مشفى كبيراً يحمل اسماً طنّاناً ورنّاناً على مستوى الجاهزية، وعلى مستوى الأجور الكاوية التي لا صلة لها لا بالطبّ و لا بالرّحمة؟!! وكيف إذا كانت الدوافع هي الشبق الذي لاحدود له لاقتناص أي فرصة في سبيل جلب الثروة على حساب أرواح عباد الله الأبرياء.. والعذر المعهود: وفاة بسبب القضاء والقدر..( عمره خلص.. هكذا أراد الله..) وكأنّ اللهَ الذي تعاهدوا معه في يمينهم المقدّس يمكن أن يغفل أو يتسامح أو يقتنع بعذر القضاء و القدر...
أصبح قسم العناية المركزة I.C.U. في مشفى الشامي قسماً للقتل بدون أي رحمة أو
شفقة. ممرضة واحدة تقوم بخدمة ست مرضى بينما تنام باقي الممرضات في سكينة واطمئنان. نقص في حوامل السيروم و السيرنجات أو عدم توفرها إطلاقا. نقص أو انعدام أغلب المواد الطبية، كذب، سوء تشخيص، ابتزاز ....و أخيراً قتل. أصيبت والدتي بضعف في القلب و التنفس لدرجة التوقف. و حاول طبيبها الخاص الذي استدعي إلى البيت معالجتها، و بالفعل أجرى لها فوراً انعاشاً قلبياً، و بعد ثوان قليلة عادت لأمي حركات التنفس ولكنها كانت ضعيفة نسبيّاً... وكنا قد طلبنا سيارة إسعاف من المركزي وسنان والشامي .. جميعهم تأخروا و كان أول الواصلين بعد حوالي نصف ساعة إسعاف مشفى الشامي. تم نقل أمي إلى المشفى و حالتها العامة سيّئة . حين وصلت إلى المشفى عادَ قلب أمي للعمل كالمعتاد و أصبح تنفسها جيداً.
لم يستمع رئيس قسم العناية القلبية و العناية المركزة الدكتور عبد الساتر الرفاعي إلى تشخيص طبيبها الخاص، و لم يأخذه على محمل الجد.. و أُدخلت أمي العناية المركزة، و مكثت فيها يوماً واحداً، كان هذا اليوم أشبه بالجحيم. وعلى الرغم من أنه يُمنع بقاء أي مرافقة،مع أي مريض جلست الى جانب سرير أمي دون أنيلحظني أحد. لم تستطع أمي النوم لدقيقة واحدة.
فقد كانت الممرضات و عاملات النظافة و الأطباء المناوبون يخرجون ويدخلون إلى الـ ICU و يصفعون الباب بشدة، و يتحدثون ويتسامرون بأصوات عالية، ويستخدمون الهاتف المحمول، مع العلم أنه يمنع استخدامه في العناية المركزة. وبعد منتصف الليل تم إدخال مريض من المشفى في حالة خطرة كما بدا، ووضعوه في مدخل العناية لعدم توفر أماكن و باشروا بإجراء عملية إنعاش. و كانوا بحاجة لمادة الأدرينالين فلم تجد الممرضة هذه المادة و أعطته مادة أخرى. بعد أقل من خمس دقائق توفي المريض وأهله ينتظرون خارج العناية و قد حاولوا السؤال عن ابنهم، لكن إحدى الممرضات كانت تسارع بإغلاق الباب، و تقول لهم إن صحة المريض أهم من سؤالهم، وأن عليهم الانتظار خارج العناية. علما أن المريض توفي بعد 10 دقائق فقط من دخوله العناية و قامت الممرضات و الطبيب المناوب وكذلك د. الرفاعي بإيهام الأهل لأكثر من ساعة بأنهم يحاولون إنقاذ ابنهم. و بعد أكثر من ساعة خرج د. الرفاعي و أخبر الأهل بموت ابنهم، و تعالى صراخ الأهل خارج العناية بينما تعالى ضحك الممرضات و الطبيب المناوب في الداخل. تم كل هذا على مرأى من المرضى الستة بما فيهم أنا و أمي. تم إجراء صورة شعاعية لوالدتي لكنهم لم يلاحظوا أن أمي تعاني من وذمة رئوية. بل على العكس و بعد إجراء صورة ايكو أخبرنا الدكتور عبد الساتر الرفاعي أنه انسدال بسيط في الدسام ثلاثي الشرف في القلب و أنه لا يوجد شيء يدعو للقلق، و أنه ربما يوجد مشكلة في المعدة ، و قام بوصف حقن مضادة لحموضة المعدة.
في اليوم التالي تم إخراج أمي من العناية إلى غرفة خاصة. كان من المفترض أن تعطى أمي الحقنة المضادة للحموضة فور خروجها إلى غرفتها، و لكن الممرضة المسؤولة هُرعت بالخروج من المشفى لأن ورديتها انتهت والباص بانتظارها، في الخارج فنسيت أن تعطيها الحقنة ، مع العلم أنها وضعت إشارة في ملف أمي تشير أنها قد قامت بذلك. في الليل جاء موعد الحقنة الثانية فقامت ممرضة أخرى و أعطت أمي حقنة المعدة في الوريد الذي تم فتحه في يد أمي دون القيام بتمديد الدواء، فأصيبت أمي بتحسس فوري في كل جسمها. و هنا تم اكتشاف أن أمي تتحسس من هذه المادة. وتم التحضير لإعطائها حقنة مضادة للحساسية. و هنا رفضت أمي أخذها خوفاً من ارتكابهم خطأ آخر و تعريضها للألم مرة أخرى. و في الصباح قرر الدكتور إخراج أمي من المشفى ووصف دواء الـNormacol مع التوصية بعدم الزعل. وطلب منها مراجعة المشفى بعد عشرة أيام للقيام بالتحاليل و إمكانية إجراء قثطرة. بعد يوم من خروجها من المشفى، و كان ذلك مساء يوم الجمعة، شعرت أمي بضيق شديد في التنفس، و بعد طلب الإسعاف من أكثر من مشفى و نتيجة تأخرهم الطويل ؛ ذهبت أنا و أمي بواسطة سيارة جارنا إلى مشفى الشامي حيث أدخلت العناية المركزة وزودت بالأكسجين، و تم التصوير الشعاعي للرئة، و أخيراً تبين لهم أنها تعاني من وذمة رئوية، فقاموا بإعطائها لازيكس (مدرّ بولي) للتخلص من الماءِ الموجود في الرئة. في صباح اليوم التالي كانت حالة أمي أصبحت أحسن بكثير. ارتاحت كثيراً بعد استخدام الأوكسجين، و كانت قد تخلصت من كمية من الماء الموجود في الرئة. كان هذا صباح يوم السبت ، و تم إخبارنا من قبل د. عبد الساتر الرفاعي بأنه ستجرى لها قثطرة صباح اليوم التالي ، أي صباح يوم الأحد لأن حالتها مستقرة مع العلم أن وجود الوذمة الرئوية, حسب تشخيصهم, هو مانع قطعي لإجراء القثطرة. [ ولكن مساء السبت فاجأنا مجيء الطبيب د. عبد الساتر الرفاعي، ليخبرنا أنه غير مشغول، وأنه سيجري لها القثطرة الساعة التاسعة مساءً، وأنه من المستحسن أن تجرى مساء و ليس صباح اليوم التالي. علماً بأنّه لم يكن لإجراء القثطرة ليلاً أيُّ دواعٍ اضطراريّة ولكننا وسط حالة الذهول والاضطراب النفسي، والخوف من التقصير في حقّ المريضة وافقنا، وتمّ إدخالها عملية القثطرة، وبعد ساعة خرج الطبيب د. عبد الساتر الرفاعي ليخبرنا أنا و أخي ، وبشكل مربك أن أمي لديها ثلاث تضيقات في شريانين غير أساسيين، وقد قال حرفياً: بما أن المريضة مفتوحة، و هو يقصد هنا أن وريدها مفتوح، يُفضل وضع الشبكة حالاً...
ثم، وبعد المقدّمات التي أوصلنا من خلالِها إلى حالة الاضطراب التي يمكن تحت تأثيرها أن نوافق على أفضل الحلول المقترحة..وإذا بنا وبشكل عفوي نقع في مصيدة الصفقة التي كان الطبيب يعقدها بالاتفاق مع جملتنا العصبية المشارفة على الانهيار، ونسلِّم معه بما هو الأربح لجيبه، ولجيب مستأجريه في الوقت الذي كانت فيه أمي ملقاة في غرفة العمليات تشعر ببرد شديد وهي "مفتوحة" بحسب تعبير الطبيب الرفاعي. و خيرنا بين نصف مليون ليرة سورية أو ربع مليون ليرة سورية و ذلك حسب نوعية الشبكة و فعاليتها. فالشبكة التي نسبة نجاحها 95% ثمنها نصف مليون و التي نسبة نجاحها 80% فقط كلفتها ربع مليون. و بعد ساعة و بعد وضع الشبكة التي نسبة نجاحها 95% خرج الطبيب د. عبد الساتر الرفاعي و معه طبيب أخر لم نكن نعلم بوجوده و هو الطبيب د.عارف صندوق و أعتقد أنه هو الذي قام بالعملية و لكني لست متأكدة.
أخرجت أمي إلى غرفتها ، وليس إلى غرفة العناية المركزة!!! و تركت بدون أي مراقبة طبية فقط مع نصيحة د. عبد الساتر الرفاعي بأن تشرب عصير برتقال وأن لا تحرك ساقها. بعد أقل من ربع ساعة من وجودها في غرفتها، و بدون أي مراقبة طبية لها لاحظت تغير لونها فجأة إلى الأصفر المائل للبياض. استدعيت طاقم التمريض الذي استغرق أكثر من ربع ساعة لاستدعاء الطبيب المناوب و نصف ساعة أخرى لاستدعاء د.عبد الساتر الرفاعي، و لم يستطيعوا العثور على أسطوانة الأوكسجين إلا بعد 20 دقيقة. أنزلوها إلى غرفة العناية لأنها كانت بحاجة إلى صدمة كهربائية و إجراء إسعافات ، و حقن أدرينالين وبسبب إهمالهم و تأخرهم... توفيت أمي هناك عن عمر و قدره ستون عاما.
علماً أنها كانت متوفية منذ أن كانت في غرفتها و منذ أن لاحظتُ تغير لونها المفاجئ. كما يلاحظ أن هناك عدة أخطاء قاتلة بسببها تم قتل والدتي. السبب الأول: عدم تشخيص مرضها حين أدخلت أول مرة إلى المشفى. بل تم إعطاؤها مضاد حموضة للمعدة وتم إخراجها إلى البيت مع العلم أن طبيبها شرح للدكتور عبد الساتر الرفاعي حالتها. السبب الثاني: هو إجراء القثطرة ليلاً و حالتها الصحية كانت غير مستقرة وكانت تعاني من وذمة رئوية حسب تشخيصهم و هذا مضاد استطباب يمنع إجراء القثطرة. السبب الثالث: إجراء القثطرة بدون وجود طاقم طبي لعملية القلب المفتوح مثل كل مشافي الدولة (الباسل- الأسد الجامعي- ......) السبب الرابع: والجريمة الأولى و الكبرى هي في إخراجها من غرفة العمليات (قثطرة ووضع شبكة) إلى غرفتها وليس إلى العناية المركزة بغير وضع جهاز المراقبة )المونيتور) لمراقبة نبضها و تنفسها ومعرفة التطورات و التدخل السريع بالصدمة الكهربائية و غيرها فور مراقبة أي تغيرات تطرأ على حالتها ولكن تم تركها تموت بغرفتها بدون أي مراقبة أو إمكانية المساعدة السريعة. الجريمة الأكبر على الإطلاق هي عملية الابتزاز الحقيرة غير الأخلاقية، وذلك عندما تمت مساومتنا من قبل الطبيب الشريف الدكتور عبد الساتر الرفاعي على صحة أمي و هي في غرفة العمليات على نصف مليون ليرة سورية أو ربع مليون ليرة سورية علماً أنه كان يجب عليه إخبارنا عن جميع الاحتمالات المتوقعة وغير المتوقعة قبل إدخال أمي إلى غرفة العمليات وليس مفاجأتنا بأن لدى أمي تضيق شرياني وأنه يجب علينا أن نقرر خلال خمس دقائق بدون إتاحة الفرصة لنا لسؤال أطباء آخرين من خارج المشفى. في هذا المشفى و غيرها من المشافي الخاصة أصبحت حياة الإنسان لا قيمة لها وللأسف لا يوجد لا حسيب و لا رقيب يفعلون ما يحلو لهم بأرواح البشر بدماء باردة، ويعلقون أخطاءهم التي لا تعد و لا تحصى و التي تقترف يومياً على الله و على أنه قضاء الله و قدره. إنه ليس القدر و قضاء الله كما يزعمون إنما هي جرائم يجب أن يعاقبوا عليها. أقول بكل صراحة ووضوح ومصداقيّة إنني شعرت وسط هذه التجربة المريرة أنني لم أكن وسط طاقم طبّي محترم، بل انتابني شعور عارم أنني كنت بين مجموعة من التماسيح أو الزواحف ذوات الدم البارد، أنادي فلا تلبّي، وأستنجد فلا يتزحزحون، فهل يمكن لذوي الضمائر الحية أن يتزحزحوا من سباتِهم؟؟؟