الواقعة بسيطة، معاملة ترخيص محل صغير لألعاب البلياردو لا يتجاوز 75 م2 . الرخصة منحت بناءاً على موافقات:
موافقة فرع حزب البعث بكتابه رقم كذا... وتاريخ كذا.
موافقة شعبة الأمن السياسي بكتابها رقم كذا... وتاريخ كذا.
موافقة قيادة شرطة المحافظة بكتابها رقم كذا... وتاريخ كذا.
موافقة المكتب التنفيذي للمحافظة بقراره رقم كذا... وتاريخ كذا.
موافقة دائرة حماية البيئة بكتابها رقم كذا... وتاريخ كذا.
موافقة دائرة الرخص الصناعية بكتابها رقم كذا... وتاريخ كذا.
موافقة طبيب المكتب الفني بحاشيته المؤرخة بتاريخ كذا.
موافقة المكتب الفني بحاشيته المؤرخة بتاريخ كذا.
موافقة الاتحاد الرياضي رقم كذا وتاريخ كذا.
نعم كل هذه الموافقات كي يفتتح مواطن عادي محل صغير لألعاب البلياردو. وأنا أتوجه للمسؤولين عن كل هذه الموافقات بالسؤال: هل حسبتم كم من المراسلات تحتاج كل هذه الموافقات، وكم موظف عمل بها وكم ساعة عمل احتاجت، وكم هي تكاليف ساعة العمل، ويجب أن نتذكر هنا أن كلفة ساعة عمل الموظف ليست راتبه وتعويضاته وتقاعده وطبابته وإجازاته وحسب بل ويضاف عليها تكاليف المبنى الذي يعمل فيه ووسائط النقل التي تخدمه وتكاليف الجهات الحكومية الأخرى التي تتعامل بأي شأن من شؤون هذا الموظف. نضيف لهذه التكاليف الحكومية تكاليف طالب الترخيص ذاته. كم ساعة أمضى وهو يراجع الدوائر، وكم عدد الكيلومترات التي قطعها وعدد الميكروباصات التي ركبها والزمن الذي أهدره، هذا عدا التكاليف المخفية (دفع من تحت الطاولة) التي تزداد مع ازدياد الجهات المتدخلة في الترخيص.
حجم هذه المشكلة يصبح أوضح إذا تذكرنا أن عشرات من الأعمال المشابهة تحتاج مثل هذه الموافقات وربما أكثر. مثلاً لن أحدثكم عن متاعب تأسيس جمعية نقل أرادت شراء ميكرو باص يخدم القرية، فالقصة تطول، فقد مضت شهور طويلة ثم لم تأت الموافقة قط.
والسؤال الثاني هل يحتاج افتتاح محل لألعاب البلياردو كل هذه الموافقات والتدخلات وهل سورية بلد غني إلى هذه الدرجة كي تبذر جهودها ونفقاتها وتهدر أوقاتها على هذا النحو ؟
والسؤال أيضاً: ما هي علاقة كل هذه الجهات بمثل هذا الأمر البسيط، ما علاقة حزب البعث كي نهبط به إلى التدخل في هذه التفاصيل، أليس لديه مهام أكبر؟ وما علاقة الأمن السياسي كي نشغله عن القضايا الرئيسية بمسائل تفصيلية ليست ذات قيمة، وما علاقة الشرطة، وما علاقة المكتب التنفيذي للمحافظة، وما علاقة الاتحاد الرياضي فهذا ليس نادٍ إنما محل للتسلية؟
ما علاقة كل هؤلاء؟!
أيها المسئولين: إن هذه الأعباء التي تثقلون بها على كاهل مواطن يسعى لرزقه هي مثال على ما يتم إثقال جميع أعمالنا و مؤسساتنا به، فهل تعتقدوا أننا سنفوز في سباق المنافسة الدولي ونحن مثقلون بكل هذه الأعباء بينما يدخل الآخرون السباق خفافاً.
هل يحتاج افتتاح محل بلياردو أو مقهى إنترنت أو مقهى أو مطعم أو دلاّل عقاري أو حتى تأسيس أو جمعية إنتاجية أو جمعية اجتماعية أو ثقافية تأخذ كتفاً عن الحكومة كل هذه الموافقات والتدخلات ؟؟؟؟؟؟
هل يشكل مثل هؤلاء خطراً على الأمن الوطني؟؟؟ وهل الأمن الوطني هش إلى هذه الدرجة، أم أن فهمكم للأمن الوطني ضيق إلى هذه الدرجة؟!
نرجوكم أيها المسئولين المحترمين خففوا عن كاهل المواطن و الوطن ولا تكتموا أنفاسهما، فثمة ضرورة قصوى للتخفيف، خاصة وأن موضة كتم الأنفاس أصبحت عتيقة وعليكم أن تكونوا مرنين وتفرجوها حتى لا تنكسروا، فكل متصلب يكسر في النهاية. وأنا هنا أغمز من مسائل كثيرة تحتاج إلى مرونة وانفتاح.
ودمتم لمواطن مخلص لوطنه، وإن لم تكن وطنيته متأصلة، بعد أن دفعته ظروف كثيرة إلى حواف الكفر بالوطنية، ولكنه لم يكفر بعد، فإنه وطني بحكم المصلحة على الأقل، أو بالأحرى بحكم المصير، فهذا المواطن ليس لديه أوطان بديله وجوازات سفر بديلة، وحسابات في بنوك أجنبية تمكنه من الفرار لدى مداهمة الخطر، كما سيفعل البعض، فينجو بريشهم وبلحمهم مخلفين وراءهم مواطنين من أمثالي يتحملوا كل ما يقع على رأس هذا الوطن. حينها "سيأكل الهاربون الحصرم والمواطنون يضرسون".
منقول عن سين من الناس