منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى المفتوح > حوار مفتوح

حوار مفتوح إذا كان لديك موضوع ترى أهمية طرحه في منتدانا ولا يدخل ضمن الأقسام الأخرى فلا تردد بإرساله إلينا ولنناقشه بكل موضوعية وشفافية.

إضافة رد
المشاهدات 21550 التعليقات 14
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-01-2007, 11:19 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ماهر المعاني
عضو مساهم

الصورة الرمزية ماهر المعاني

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ماهر المعاني غير متواجد حالياً


افتراضي حقيقة المسيح الدجال(أمريكا إسرائيل بريطانيا) الصهيونية

حقيقة المسيح الدجال
إن الخطأ الشائع بين عامة المسلمين أن ذكر موضوع الساعة وظهور المسيح الدجّال ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها، إنّما هو ضرب من إضاعة الوقت والجهد وانصراف عمّا هو أهمّ، لذلك تجد أن من النادر ورود ذكر هذه المواضيع على ألسنة علماء اليوم. إنَّ المطَّلِع على دراسات العلماء المسلمين من السلف الصالح يجد أنّ مواضيع الساعة كانت بالنسبة إليهم في غاية الأهمية إلى درجة أنهم قد ألَّفوا مجلدات خاصة بها لتدريسها وتبيان فتنها وأخطارها على المسلمين وعلى الدين والإيمان وأمروا أن تُعَمَّمَ وتُدَرَّسَ في مدارس الأطفال حتى تستوعبها أجيال المسلمين.

إنّ قراءة أخبار الساعة وما يتصل بها من مواضيع لها بالغ الأثر في تصحيح سلوك الناس وتحسين أعمالهم، كما أنّ البعد عن قراءتها والتفكُّر بها يُنسي على طول الزمن تلك الحقائق من الأذهان، ويُقَلِّصُها في النفوس، فيقع الاستبعاد لها والاستخفاف بها، أو الإنكار لوقوعها مِمَّن لا علم عندهم. وقد روى مسلم في صحيحه عن ابن عبّاس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُعلِّمهم هذا الدُّعاء كما يُعلِّمهم السورة من القرآن، يقول: (قولوا " اللَّهمَّ إنّي أعوذُ بك من عذاب جهنَّم، وأعوذُ بك من عذاب القبر، وأعوذُ بك من فتنة المسيح الدجّال، وأعوذُ بك من فتنة المَحْيا والمَمات).

قال مسلم بن الحجّاج: بلغني أنّ طاووساً وهو راوي هذا الحديث عن ابن عباس قال لابنه: " أدَعَوتَ بها في صلاتك ؟ قال: لا، قال: أعِدْ صلاتك ".

وروى مسلم في صحيحه: عن أبي هريرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهَّدَ أحدكم فليستعِذْ بالله من أربع، يقول: اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المَحْيا والممات، ومن شَرِّ فتنة المسيح الدجّال).

وما هذا الاهتمام العظيم من النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدّعاء عملاً وأمراً وتعليماً إلاّ لما حواه من التعوُّذ من عظائم الأمور والأهوال الكائنة الحقيقية ولا ريب، ولهذا جزم الإمام ابن حزم الظاهري بفرضيّة قراءة هذا التعوُّذ بعد الفراغ من التشهُّد كما في كتابه (المحلّى) أخذاً من ظاهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وقال العلاّمة السَّفاريني في شرح منظومته في العقيدة الإسلامية المُسَمّى (لوامع الأسرار البهيَّة):
" ينبغي لكلِّ عالم أن يَبُثَّ أحاديث الدّجال بين الأولاد والنساء والرجال، ولا سيَّما في زماننا هذا الذي اشرأبت فيه الفتن وكَثُرَت فيه المحن، واندرست فيه معالم السُّنَن، وصارت السُّنَّة فيه كالبدع شرع يُتَّبع ".







أشراط السّاعة وعلاماتها
وأمّا العلامات الكبرى فهي على الشكل الآتي:
حقيقة المسيح الدَّجّال
حِمار الدجّال
المعنى اللغوي للفظ الدجّال


أشراط السّاعة وعلاماتها
قَسَّمَ علماؤنا من السلف الصالح علامات الساعة إلى قسمين: علامات صغرى وعلامات كبرى، والعلامات الصغرى كثيرة جداً منثورة في كتب الصحاح وإليك أخي القارئ بعضاً منها:


عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
(إنّ من أشراط الساعة أن يقلَّ العلم، ويكثر الجهل، ويفشو الزنا، ويشرب الخمر، ويقلَّ الرجال، ويكثر النساء، حتى يكونَ لخمسين امرأة القيِّمُ الواحد). [ رواه البخاري ].
وعبارة: أن يقلَّ العلم: يُقصد به العلم الديني الحقيقي.
وعبارة: يقلّ الرجال، ويكثر النساء: من جراء الحروب العالمية التي حدثت بين أقوام يأجوج ومأجوج في أوربا وآسيا منذ خمسين عاماً، حيث قضت على الملايين من الرجال.


عن أنس أيضاً أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أشراط الساعة أن يتباهى الناسُ في المساجد) أي يتباهون في عمارتها ونقشها وتزويقها، كما يحدث اليوم ونرى.


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُ إذ جاء أعرابي فقال: متى الساعة ؟ قال: (إذا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظر الساعة). [ رواه البخاري ).


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يُمَرَّ بقبرِ الرجل فيقول: يا ليتني مكانه).(رواه البخاري). وذلك بسبب تكاليف الحياة والمعيشة وتعقيداتها، انطلاقاً من كون الرجل هو ربُّ الأسرة والمسؤول عن الإنفاق عليها ورعايتها، وبسبب الفِتن الدُنيوية التي تشدُّ الناس إليها بقوّة.


عن زياد بن لبيد رضي الله عنه قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: (ذاك عند أوان ذهاب العلم، قلتُ: يا رسول الله كيف يَذهَبُ العلم ونحن نقرأ القرآن ونُقرِئُهُ أبناءنا إلى يوم القيامة ؟ قال: ثَكِلَتكَ أمّك يا زياد إنْ كنتُ لأراك من أفقه رجال المدينة، أوليس اليهود والنصارى يقرأون التوراة والإنجيل، لا يعملون بشيءٍ مِمّا فيه).

(إبن ماجة ـ كتاب الفتن)



ابن ماجة والحاكم عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عن الدجّال: (يُصيب الناس في زمنه جفاف، فقيل يا رسول الله فمِمَا يعيش الناس إذا كان ذلك ؟ قال: التسبيح والتكبير، يجري ذلك منهم مجرى الطعام).


أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُحشَرُ الناس على ثلاث طرق: راغبين وراهبين، اثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، ويُحشر بقيتهم النار، تُقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتُمسي معهم حيث أمسوا). ألفاظ هذا الحديث الشريف تتعلق بأمرين الأول اختراع وسائل نقل تتسع لأكثر من راكب واحد وتكون بديلاً عن وسائل النقل المعروفة قديماً كالجمال والخيل، وفي هذا تأكيد لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليتركن القلاص فلا يسعى إليها) أي الجمال فلا يستعملنها، والأمر الثاني يتعلق باختراع الكهرباء لأنّ الكهرباء شكلٌ من أشكال النار، وهي التي يجتمع عليها الناس في منازلهم وأماكن عملهم بالليل والنهار، كما نشاهد اليوم، وممّا جاء في علامات الساعة أيضاً حديث: تَشَبَّهَتِ النساء بالرجال والرجال بالنساء، وأنّ الدول الحديثة تستعين بأعداد كبيرة من رجال الشرطة والأمن السرّي من أجل استتباب الأمن في بلادها كما نرى اليوم.

لك من علامات الساعة: كثرة المغنّين والمطربين واهتمام الناس بالغناء والطرب والاستمتاع إليه والانشغال به وتعظيم أعلامه التَّشبُّه بهم وتقليدهم، ومن علاماتها أيضاً: إنشاء حدائق للحيوانات في بلاد شَتّى من أنحاء العالم، مصداقاً لقوله تعالى في سورة التكوير: {وإذا الوحوشُ حُشِرَت} أي جُمِعَت في حدائق خاصة بها.

وقوله تعالى أيضاً: {وإذا الصُّحُفُ نُشِرَت} إشارة إلى انتشار الصُّحف والمجلاّت بكثرة في أنحاء العالم كما نشاهد اليوم.

وقوله تعالى أيضاً: {وإذا المَوؤودةُُ سُئِلت. بأيِّ ذنبٍ قُتِلَتْ}. وهنا إشارة إلى الصيحات والنداءات التي سوف يُطلِقها أصحاب الفكر وأصحاب الأقلام من أجل تحرير المرأة المُكَبَّلة والمُقَيَّدة بقيود الماضي المليء بالجهل والتخلّف، لذلك قال الله تعالى: {وإذا المَوؤودةُُ سُئِلَت} لأنَّ قتلها معنوي وليس حقيقياً، ولو كان قتلها حقيقياً لكان الله سأل قاتلها لماذا قَتَلها، لأنّ الأصل في سؤال القاتل وليس سؤال المقتول إذا كان القتل حقيقياً مادّياً.



وأمّا العلامات الكبرى فهي على الشكل الآتي:
عن حذيفة بن أُسَيْدٍ الغفاري رضي الله عنه قال: اطَّلَع النبيُّ صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر فقال: (ما تَذاكَرون ؟ قالوا: نَذْكُر الساعة، قال: إنها لن تقوم حتى تَرَوا قَبْلَها عَشْرَ آيات، فذَكَر الدُّخانَ، والدَّجّالَ، والدّابَّةَ وطلوع الّشمس من مغربها، ونزولَ عيسى بن مريم، ويأجوجَ ومأجوجَ، وثلاثةَ خُسوفٍ: خسْف بالمشرق، وخَسْف بالمغرب، وخَسْف بجزيرة العرب، وآخِرُ ذلك نارٌ تَخْرُجُ من اليَمَن، تَطْرُدُ الناسَ إلى محشرهم).


(رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة)



قال الطيبي رحمه الله نقلاً عن الحافـظ بن حجر في فتـح الباري: " هـذه أماراتٌ وعلاماتٌ للساعة إمّا على حصولها وقيامها، فمن أمارات قربها: الدَّجال، ونزول عيسى عليه السلام، ويأجوج ومأجوج، والخسف، ومن أمارات قيامها: الدُّخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدّابة، والنار التي تحشرُ الناس ".

والحقيقة أنّ هذه الآيات العشر علامات على قرب موعد الساعة واقتراب وقوعها، منها ما ظهر وشاهدناه عياناً كالدّخان، والدّجّال والدّابة، ويأجوج ومأجوج ومنها ما يزال في عالم الغيب لا يعلم وقت ظهوره سوى الله جلّ شأنه.

فالدخان هو إشارة إلى ظهور صناعات جديدة ومعامل كبيرة ينطلق من أبراجها الدخان بكثرة، وكذلك ظهور اختراعات حديثة تعتمد أساساً في تشغيلها على موادّ قابلة للاشتعال كالبترول والفحم الحجري ينتج عن احتراقها الدّخان أيضاً. ويشير أيضاً إلى تطوير القديمة واختراع أسلحة جديدة ينتج الدّخان عن استعمالها، وآخر هذه الأسلحة الفتّاكة القنابل الذّرّية. فالدخان هو ميزة هذا العصر فلذلك يمكن تسمية عصرنا هذا بعصر الدخان.


والدّجّال: هو ما يُسمّى اليوم بالاستعمار أو الرجل الأبيض وسيأتي تفصيل ذلك لاحقاً.


والدّابّة: هي وسائط النقل الحديثة كالطّائرات والقطارات والسيارات والبواخر التي حلَّت بدلاً عن وسائل النقل القديمة مصداقاً لقوله تعالى في سورة التكوير: {وإذا العِشارُ عُطِّلَتْ} أي استغناء الناس عن الاعتماد على الجِمال وغيرها من الحيوانات في ركوبهم وسفرهم وتنقّلاتهم، واستبدالها بمخترعات حديثة أقوى وأسرع، كما يقول تعالى {وَخَلَقْنا لَهُم منِ مثلِهِ ما يركبون}


حقيقة المسيح الدَّجّال

لقد بدأت حديثي عن الدّجّال ذاكراً أهمية هذا الموضوع واهتمام علماء السلف الصالح بهذا الأمر نتيجة اهتمام النبيِّ صلى الله عليه وسلم بأمر الدّجّال، ولنستمع معاً إلى ما رواه نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فتنة الدجّال:
(إنّما أُحدِّثُكم هذا لِتعقلوه، وتفهموه، وتفقهوه، وتَعوه فاعملوا عليه، وحَدِّثوا به مَن خَلْفكُم، وَلِيُحدِّث الآخَرُ الآخَرَ فإنَّهُ من أشدِّ الفِتَن).

وروى عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال) صحيح مسلم ـ وجاء في تفسير هذا الحديث في صحيح مسلم: المراد: ليس هنالك أكبر فتنة منه.


وعن سَفينةَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ ألا لم يكن نبيٌّ قبلي إلاّ قد حّذَّرَ الدجّال أُمَّتَهُ ]. لهذا كان اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأمر شديداً لدرجة أن أكثرهم اعتقد أنَّه سيرى الدجّال في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو في زمن أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده.

وفي الواقع فإنّ الروايات والأحاديث المتضمنة أخبار الدجّال كثيرة جداً إلاّ أنّه يمكننا الاستشهاد بأهمّها وأكثرها وضوحاً لكي نتمكّن من تبسيط الموضوع وتقديمه بشكل يَسْهلُ على القارئ فهمه ومعرفة حقائقه المخفيَّة.


عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجّال ذات غداةٍ فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتى ظَنَنّاه في طائفة النخل، فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رحنا إليه، فعرف ذلك فينا فقال: (ما شأنكم ؟ فقلنا يا رسول الله ذكرتَ الدجّال غداةً فخَفَّضتَ فيه ورفَّعتَ حتى ظننّاه في طائفة النخل. فقال: غيرُ الدجّال أخوَفُني عليكم إن يخرجْ وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإنْ يخرجْ ولستُ فيكم فامرؤ حجيجُ نَفْسِه، والله خليفتي على كلّ مسلم. فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف، إنه خارجٌ خَلَّةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله / وما لَبْثُه في الأرض ؟ فقال: أربعون يوماً، يومٌ كَسَنةٍ ويومٌ كشَهر ٍ، ويومٌ كجُمعةٍ وسائرُ أيامِهِ كأيّامكم. قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال: كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً، واسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيدهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً شاباً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك).

إذا درسنا هذا الحديث الشريف دراسة موضوعية نخرج بالنتائج التالية:

أولاً: كل من استمع إلى هذا الحديث من رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم اعتقد أن الدجال قريب منهم يسكن بساتين النخيل في المدينة المنورة، وذلك بسبب الشروح المتكررة التي ضمَّنها الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم أوصاف الدجال وأحواله واقتراب موعد ظهوره وخروجه.


ثانياً: عند ظهور الدجال وخروجه وحلوله في بلاد المسلمين، سينشأ بينه وبين المسلمين جدال ونقاش حول أمر يدعو له ويعمل من أجله بقوة. لذلك قال النبي صلى اللـه عليه وسلم: (إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم).


ثالثاً: يصفه الرسول صلى اللـه عليه وسلم: أنه شاب قطط أي شعره أجعد جعودة مكروهة. وعينه اليمين طافئة أو ممسوحة أي ذهب نورها.


رابعاً: أمرنا النبي صلى اللـه عليه وسلم حين مشاهدته وإدراكه أن نقرأ عليه فواتح سورة الكهف وفواتح سورة الكهف هي: (وينذر الذين قالوا اتخذ اللـه ولداً ما لهم به من علمٍ ولا لآبائهم كبرت كلمةً تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) كي يعلم الدجال صدق القرآن المجيد في معلوماته وأخباره الغيبية التي تتعلق بمستقبل البشرية والمتعلقة أيضاً بحقائق خروج المسيح الدجال ونهايته.


خامساً: يخبرنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم: أن الدجال حين يخرج من مكمنه ينزل في بلاد الشام والعراق: أي يغزوها ويحتلها وهذا ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى حين زحفت جحافل الغرب على البلاد العربية في المشرق والمغرب.


سادساً: يصف الرسول الكريم صلى الـه عليه وسلم سرعة الدجال في سفره وانتقاله بأنها تعادل سرعة الريح وهذا الوصف إشارة إلى استعماله وسائط نقل سريعة وقوية يستغني بها عن وسائط النقل القديمة المعروفة.


سابعاً: ويصفه أيضاً أن لديه إمكانيات ووسائل تمكنه من إنزال المطر وزراعة الأرض زراعة جيدة وإنبات محاصيل ذات مواصفات جيدة أيضاً وأنه نتيجة اعتماده على وسائل متقدمة ومتطورة في مجال الري والزراعة وتربية الحيوانات الداجنة سينعم بخيرات لا حدود لها، وهذا الأمر ذكُر في روايات أخرى بأن الدجال حينما يخرج، يخرج معه جبال من خبز وجبال من فواكه وجبال من الخضرة وجبال من ثريد، أي تتبعه خيرات الأرض يتصرف بها حسب أهوائه.


ثامناً: ثم يخبرنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم: أن البلاد والشعوب التي تقاطعه وتخالفه وتقطع صلاته به: تُمهل بلادها فيصبحون ليس بأيديهم شيء من أموالهم وخيراتهم وهذا إشارة إلى الحصار الاقتصادي الذي يقيمه الدجال ضد الدول التي تختلف معه بنظام حكمها وبآرائها السياسية ومواقفها الدولية، ولأن خيرات الأرض بيديه يتصرف بها حسب أهوائه وميوله الاستعمارية.


تاسعاً: يُعلمنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم: أن الدجال لديه إمكانات تساعده في استخراج كنوز الأرض وخيراتها من الذهب والمعادن الأخرى والبترول، يقول عليه السلام: (يمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك). وأن الدجال هو أكثر الناس فائدة من استخراج هذه الكنوز وأنه يحملها إلى بلاده لينعم بخيراتها ويستفيد لوحده منها، وإن هذه الأراضي المليئة بالخيرات والكنوز تكون مهملة من قبل أصحابها الحقيقيين بسبب جهلهم وتخلفهم العلمي.


عاشراً: ثم يصور لنا الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم صورة حقيقية عن تقدم الدجال في مجال الطب لدرجة أنه يقوم بإجراء عمليات جراحية يكون الإنسان خلالها كالميت تماماً وبعد انتهاء العملية ونجاحها يعود الإنسان أكثر حيوية وأكثر نشاطاً وقوة. (ثم يدعو رجلاً شاباً، فيضربه بالسيف فيقطعه، ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك).

وجاء في حديث تميم الداري أنه رأى الدجال مقيداً بالسلاسل في دير أو كنيسة في جزيرة، وقال:
(فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً وأشدَّه وثاقاً مجموعة يداه إلى عنقه ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد). هذه الصورة عن حال الدجال التي صورها الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم تدل على واقع الدجال قبل خروجه من جزيرته حيث أنه يقع تحت تأثير الكنيسة ومكبل بأغلالها وأنه حينما ينطلق ويخرج يعمل من أجل نشر تعاليمها و بِوَحيها.

لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه) وقال عليه السلام أيضاً:
(فاقرأ عليه فواتح سورة الكهف) التي تتضمَّن إنذاراً من الله إلى الدجّال يُنذره فيه بسوء العاقبة وتدمير حضارته ومُشَيَّداته العظيمة إذا استمرّ بدعوته إلى عبادة المخلوق عيسى بن مريم عليه السلام. (وَيُنذِرَ الذين قالوا اتَّخذ الله ولدا) وفي حديث حُذيفة بن أُسَيْد عن الدجّال قال: (يَخرجُ في نَقصٍ من الناس وخِفَّةٍ من الدّين، وسوءِ ذات بَيْن، فَيَردُ كلَّ منهل وتطوى له الأرض طيَّ فَرْوَة الكَبْش).

هذا الحديث فيه إشارة إلى سوء أحوال المسلمين يوم خروج الدجّال من جزيرته وكنيسته وأنّ الدجّال يسوح في الأرض فلا يترك شبراً منها إلاّ وصل إليه وعايَنَه عدا مكّة والمدينة فلا يستطيع دخولهما. (يَرِدُ كلَّ ماءٍ ومَنْهَلٍ إلاّ المدينة ومكّة حَرَّمهما الله تعالى عليه) فلا يدخلهما.

وفي حديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إنَّه لم تكن فِتنةٌ في الأرض مُنْذُ ذَرَأَ الله ذُرّيّةَ آدم أعظَمَ من فتنةِ الدجّال وإنّه مكتوب بين عينيه كافر يقرأُهُ كلُّ مؤمنٍ كاتبٍ أو غير كاتب، وإنَّ من فتنته أنَّ معه جنَّةً وناراً. فناره جَنَّةٌ، وجنَّتُهُ نار). وفي هذا إشارة إلى كمالياته ومغرياته الدنيوية. في حديث حذيفة السابق وضَّحْنا كيف أنّ الدجّال يسوح في الأرض من أجل نشر دينه وعقيدته والتبشير بهما، لكن هنالك إشارة خفيّة ذكرها النبيُّ صلى الله عليه وسلم تتعلَّق بدراسته السِرّيَّة لموارد الرزق وكنوز الأرض وخيراتها المتواجدة في تلك البلاد التي يزورها ويقصدها، (يَرِدُ كلَّ ماءٍ ومَنْهَل).

وفي حديث الباهلي رضي الله عنه الذي أكَّدَ فيه عظمة فتنة الدجَال وأنّه لم تكن مثلها فتنة منذ أن خلق اللهُ آدمَ أوّلَ رسول للبشر وأنّه مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كاتب وغير كاتب. في هذا الحديث الشريف وضَّح النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنّه بالرغم من وضوح كفر الدجّال وبيان خطئه بِدعوته الناس إلى الإيمان والاعتقاد بالمسيح على أنّه الربُّ والإله، مع هذا الوضوح في دعوته الباطلة، وأنّ المسلمين لا يمكن أن ينخدعوا بمثل هذا الكلام فالمُتعلِّم وغير المتعلِّم منهم يعلمُ علمَ اليقين أنّ دعوة الدجّال باطلة وكُفره ظاهرٌ للجميع كأنه مكتوب على جبينه ومطبوع عليه، مع هذا فقد أكْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم فتنة الدجّال وعَظَّمها، لِما يملك الدجّال وَقْتَها من الحِيَلِ والألاعيب المُموَّهة وكذلك لِما يملك من إمكانات وخيرات وكنوز ومخترعات حديثة وتفوّق علمي في كل مجالات الحياة المدنية والعسكرية مِمّا يساعده على إقناع الشعوب وكافّة الناس بالأخذ بِفكرهِ ومعتقداتهِ والوقوف إلى جانبه والاستعانة بعلومه ونظرياته ومخترعاته والاعتماد على مساعداته المادية في كل مجالات الحياة.

من هنا جاء خوف النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أن تتأثَّر أُمَّتُه بهذه الحضارة المزيّفة التي يدعو إليها الدجّالُ ويعمل من أجلها، خاصةً أنها تكون في تلك الأيام أحْوَج ما تكون إلى تلك المساعدات والمخترعات والتجهيزات المتطوِّرة وبحاجة أكثر إلى علومه المتقدمة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة، نظراً لِتفكُّكِها وتراجعها عن ركب الحضارة بسبب انشغالها بتوافه الأمور وافتقارها إلى علماء حقيقيين في شتّى العلوم الدينية والدنيوية.

ثمّ يذكر الباهلي رضي الله عنه:
(أنَّ الدجّال يأتي بسبعين ألف من اليهود يحملون أسلحتهم وسيوفهم) وفي هذا الكلام إشارة إلى مساعدة الدجّال لليهود واعتمادهم عليه في العودة إلى فلسطين وطنهم المزعوم واستعمارها.

حِمار الدجّال
من خلال الأحاديث الشريفة التي تضمَّنت وصف حمار الدجّال نستخلص منها الآتي:

أولاً: في حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء وصف الحمار على الشكل الآتي:
(تحت الدجّال حمار أقمر طولُ كلِّ أذن من أُذنيه ثلاثون ذراعاً يتناول السَّحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغربها) كنز العمّال.
في هذا الحديث إشارة واضحة إلى الطائرة التي هي من مخترعات الدجّال في آخر الزمان، فلفظ حمار أقمر أي لونه فضّي، وهذا هو لون الطائرة وأُذناه الطويلتان هما جناحا الطائرة، وما تبقّى من ألفاظ الحديث لا ينطبق إلاّ على الطائرة. لأنّه لا يسبق الشمسَ إلى مغربها إلا الطائرة.


ثانياً: وروى أبو نعيم عن أبي حذيفة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يصف حمارَ الدجّال: يخوض البحرَ لا يبلغ حقويه وإحدى يديه أطول من الأخرى، فيبلغ قعره فيخرج الحيتان ما يريد). وهذا الحديث يُشير إلى اختراع البواخر العملاقة منها ما هو مُخَصَّص لصيد الحيتان ومنها ما هو مُخصَّص لنقل البضائع وشحنها، وهذا النوع مزوَّد بروافع آلية من أجل تحميل البضائع إلى السفينة ثمّ تفريغها منها. والبواخر هي وسيلة النقل التي خرج بها الدجّالُ من جزيرته إلى شتّى أنحاء العالم، وقد وُصِفَت بأنّ صوتها يصل إلى الخافقين من شدّته ويخرج الدخان من خلفه.


ثالثاً: الوصف الأخير لحمار الدجّال ينطبق على القطارات التي كانت تعتمد في سيرها على الفحم الحجري، وهي وسيلة النقل البرية الأساسية التي كان الدجّال يعتمد عليها في تنقُّلاته البرية الداخلية في البلاد التي وصل إليها واستعمرها، يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عن هذا الحمار: (يأكل الحجارة ـ أي الفحم الحجري ـ ويسبقه جبل من دخان ـ أي يخرج دُخانه الكثيف من مقدمته ـ ويركب الناس في جوفه ـ أي بداخله ـ وليس على ظهره). وهذا مصداق قوله تعالى في سورة التكوير: (وإذا العِشارُ عُطِّلَت) أي أن في آخر الزمن زمن خروج الدجّال وزمن عودة اليهود إلى فلسطين يستغني الإنسان عن ركوب واستعمال الجمال بسبب اختراع وسائل نقل أقوى وأسرع.

المعنى اللغوي للفظ الدجّال
وردت في معاجم اللغة العربية المعاني التالية:



الدجّال: الكذّاب، من الدَجَل والتغطية، وسُمّي الكذاب دجّالاً لأنّه يغطي الحقَّ بالباطل، أو هو المُموِّه، فالدجّال يُلبس على الناس ويموّه لهم، وقيل سُمّي دجّالاً من دَجَلَ إذا ساح في الأرض.

وجاء في التفسير الكبير: " وأمّا المسيح الدجّال فإنّما سُمّي مسيحاً لأحد وجهين أولهما: لأنّه ممسوح العين اليمنى، وثانيهما: لأنّه يمسح الأرض، أي يقطعها في زمن قصير، لهذا قيل له: دجّال لضربه في الأرض وقطعه أكثر نواحيها وقيل سُمّي دجّالاً من قوله: دَجَلَ الرجلُ إذا مَوَّه ولبَّس ".


وجاء في أقرب الموارد مادّة الدجّال بالتشديد للرفقة العظيمة تغطّي الأرض بكثرة أهلها. وقيل الدجّال: الرفقة العظيمة تحمل المتاع للتجارة.


وجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنّ معنى الدجّال: الخلق: أي الناس قال عليه السلام: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلقٌ أكبر من الدجّال)

( صحيح مسلم )


وجاء في المنجد: الخلق: الناس.


وجاء في كتاب تعطير الأنام في تعبير المنام للشيخ الإمام عبد الغني النابلسي رحمه الله في معنى رؤية الشاب في المنام إذا كان شعره جعد كما هي صورة الدجّال التي رآها النبيُّ صلى الله عليه وسلم في المنام كما ورد في صحيح البخاري ومسلم ما يلي:
رؤية الشاب في المنام هي: عَدوٌّ وإذا كان الشاب أبيض فهو عَدوٌّ مستورٌ والشاب أيضاً يرمز إلى المَكر والخديعة و هو عدوٌّ مكروه.
والشعر الجعد يرمز إلى: العِزّ والرياسة والسيادة واجتماع الأمور.

فاعتماداً على هذا التأويل واعتماداً على ما جاء في معاجم اللغة العربية حول معنى الدجّال من أنّه الكذّاب المُموِّه الذي يسيح في الأرض وأنّه الرفقة العظيمة التي تُغطّي الأرض بكثرة أهلها، واعتماداً على الأوصاف التي وردت على لسان الصّادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم لأحوال الدجّال والتي سبق شرحها، نستنتج من ذلك كلّه أن الدجّال بشكل عام هو شعوب أوربا الغربية وبشكل خاصّ هو سكّان الجزر البريطانية الذين خرجوا من بلادهم بعد عصر الاكتشافات الجغرافية الذي بَدَأَه الأمير هنري ابن ملك البرتغال، وساحوا في الأرض يكتشفونها، ويبحثون عن خيراتها، ويستعمرونها، وقد وزَّعوا الإرساليّات التبشيرية في كلّ أنحاء الأرض لتدعو إلى عبادة المخلوق وَلتُشيع أنّ المسيح ابن الله وأنّ لله ولداً هو عيسى ابن مريم.

والله سبحانه وتعالى يقول:


(مريم : 88)


ومن أجل هذه الدعوة الباطلة التي يُشيعها الدجّال في الأرض جاء الإنذار الإلهي في فواتح سورة الكهف بأنّ الدجّال إذا استمرّ على هذه الدعوة الباطلة مستعملاً أساليب المكر والتمويه فإنّ عذاب الله ينتظره، يقول تعالى:


(الكهف : 4)


ثم يقول تعالى: {إنّا جَعَلْنا ما على الأرض زينةً لها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أحسَنُ عملاً. إنّا لَجاعلونَ ما عليها صّعيداً جُزُراً}.
فالعذاب الذي ينتظر الدجّال الذي يرمز إلى شعوب أوربا الغربية بما فيها إنكلترا وأمريكا لأنّ سكّان أمريكا هم بالأصل من شعوب أوربا الغربية، وهؤلاء جميعاً ينتمون إلى أقوام يأجوج ومأجوج أيضاً الذي أخبَرَنا الله تعالى عن قيام حرب بينهم في آخر الزمان زمن عودة اليهود إلى فلسطين بمساعدة الدجّال ـ أي الإنكليز ـ وشعوب أوربا الغربية، وأنّ هذه الحرب لا مثيل لها، ولم تشهد البشرية قديماً، ولن تشهد حديثاً ما يُشبِهها أو ما يُماثِلها، وأنّ من نتائج هذه الحرب الكونية أن يُقضى على حضارة شعوب أوربا وأمريكا، وأنّه نتيجة استعمال الأسلحة الذرّية ستفقد الأرض خصوبتها وتمتنع عن إنبات أية نبتة بسبب تلوّثها بالإشعاع الذرّي، وهذا ما تُشير إليه الآية الكريمة الأخيرة {وإنّا لَجاعِلون ما عليها صّعيداً جُزراً} أي أن جميع منشآت الدجّال الحضارية ستتحوَّل إلى تراب مقطع، وأنّ التراب سيمتنع عن إنبات النبات ويصبح جافاً لا حياة فيه.

واستمع معي إلى تحديد وصف شعوب الدجّال وأقوام يأجوج ومأجوج وذِكرهم بما اشتُهروا به وكان علامةً خاصّةً بهم، يقول تعالى في سورة طه:


(طه:102)


فكلمة زُرقاً تشير إلى أنهم أصحاب العيون الزرق وهم أهل أوربا وأمريكا، إذن فالدجّال هو من ساعد اليهود على استعمار فلسطين واغتصابها، والدجّال هو من اخترع وسائل نقل جديدة تسابق الريح في سرعتها وتُخرِج من خلفها الدخان وصوتها يصل إلى الخافقين من قوّته، والناس يركبون في جوفها، وهي تتَّسع لأكثر من راكب، ويمكن أن يركب فيها أكثر من عشرة أشخاص.. وهي تطير في السماء، وتسبق الشمسَ إلى مغربها، وتغوص في البحار وتصطاد الحيتان، ومنها ما يتغذّى على الفحم الحجري أي القطارات التي تعمل بالقوّة البخارية.

والدجّال هو الذي يستخرج كنوز الأرض ويسرقها ثم ينقلها إلى بلاده لينعم بها وحده ويحرم منها أصحابها الحقيقيين من الشعوب المغلوبة على أمرها، وهو الذي يغزو بلاد الشام والعراق فيعيث فيها يميناً ويساراً، وهو الذي يستعمر أكثر بلاد العالم ليستفيد من خيراتها ومواردها وأرزاقها، ويُسخِّر شعوبها لخدمته وخدمة أهدافه اللاإنسانية !..

ألا ينطبق هذا الوصف على ما نُسمّيه اليوم اصطلاحاً بالاستعمار، نعم إنه هو الاستعمار الدجّال الذي حَذَّرَنا منه نبيُّنا محمد عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرناً من اليوم، ونَبَّهَنا إلى فتنته ومكائده وأحابيله الماكرة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنْ خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإنْ خرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه) لأنّ الدجّال يدعو إلى دعوة باطلة، وعلى المسلمين جميعهم أن يردّوا عليه دعوته بالحجّة والدليل والبرهان مصداقاً لقوله تعالى:


(البقرة : 111)[img]http://[/img]







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
وعد الله الذين آمنو منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم

رد مع اقتباس
قديم 10-01-2007, 12:27 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ابتسام
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

السلام عليكم:اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المَحْيا والممات، ومن شَرِّ فتنة المسيح الدجّال).
سلام من ابتسام







رد مع اقتباس
قديم 10-01-2007, 12:36 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ماهر المعاني
عضو مساهم

الصورة الرمزية ماهر المعاني

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ماهر المعاني غير متواجد حالياً


افتراضي وعليكم السلام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أرجو منك يا أخت أبتسام قراءة الموضوع بشكل كامل وبتمعن
وأن نتناقش في الموضوع إذا لم يكن عندك مانع







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
وعد الله الذين آمنو منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم

رد مع اقتباس
قديم 10-01-2007, 03:59 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابتسام
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

[color=#] [/color] السلام عليكم:اخ ماهر المعاني لقد قرأت النص بالكامل وبتمعن,و يشرفني التحاور والنقاش معك,بس بالنسبة للمنافسة صعب عليا خاصة وانك خريج علوم قانون وعلوم اديان.
طبعا كلنا نعلم ان هناك علامات كبري وصغري للقيامة,كما نشهد يوميا صور الحرب واشكالها علي الاسلام,وكما يقول الشاعر:
غلبوا علي أعصابهم,فتوهموا ــــــــــــــــــ أوهام مغلوب علي اعصابه
طبعا هناك تحالف يهوديي ,مسيحي- صهيوني للمحاربة المسلمين يتفقوا في أمور كثيرة ولديهم خلفيات وافكار مشتركة:
1-حركة تهتم بقضية نهاية العالم ومؤشراته.
2-حركة تهتم بقضية التقرب من اليهود من أجل المسيح.
3-حركة تركز على الدفاع عن إسرائيل وعلى مباركتها ودعمها بكل ما هو ممكن ومتاح.

وأهم ما يجمع بين المسيحية الصهيونية واليهودية اليوم يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط أساسية:
1-التراث المسيحي اليهودي المشترك.
2-الأخلاق اليهودية المسيحية.
3-الالتزام الأدبي والأخلاقي بدعم إسرائيل
وبالاضافة لكل هذا فنحن المسلمين اليوم بعيدين عن الاسلام ولا نطبق تعاليم ديننا الاسلام.
سلام من ابتسام







رد مع اقتباس
قديم 10-01-2007, 04:19 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ماهر المعاني
عضو مساهم

الصورة الرمزية ماهر المعاني

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ماهر المعاني غير متواجد حالياً


افتراضي

وعليكم السلام يا أخت إبتسام ورحمة الله وبركاته
صدقت وأصبت نحن المسلمين اليوم بعيدين عن الإسلام ولكن هذا ليس محض صدفة بل هو قدر أصابنا لما إبتعدنا عن فهم الإسلام الحقيقي فما رأيك أن نعيد تصحيح الأخطاء التي تسربت
للأسلام وأصبحت اليوم من المسلمات رغم تناقضها مع أصول الدين الحنيف أرجو منك مراجعة مشاركاتي السابقه حول مفهوم الجن في القرآن الكريم ووفاة المسيح وغيرها وأرجوا أن كان لديك المتسع من الوقت أن نتحاور بشكل مباشر على المايك اي بالياهو ماسنجر او الهوت ميل ماسنجر ولك كل الشكر والإمتنان







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
وعد الله الذين آمنو منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم

رد مع اقتباس
قديم 10-01-2007, 09:40 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
mira-dz
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

مشكور يا أستاد على الموضوع

اقتباس:
السلام عليكم:اللهمَّ إني أعوذُ بك من عذاب جهنَّم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المَحْيا والممات، ومن شَرِّ فتنة المسيح الدجّال).







رد مع اقتباس
قديم 11-01-2007, 12:08 AM رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
المحامي حازم زهور عدي
عضو أساسي ركن
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


المحامي حازم زهور عدي غير متواجد حالياً


افتراضي

دفع أوهام توضيح المرام
( رداً على الأحمدية القاديانية )
بقلم / سليمان ظاهر

المقدمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم نحمده تعالى على اكمال الدين واتمام النعمة، ونصلي على نبيه نبي الرحمة، خاتم‏الانبياء والمرسلين، وعلى آل بيته الطيبين، وصحبه الانجبين.
وبعد فقد كتب إلي وإلى صديقي العلامة الشيخ أحمد رضا والشيخ محمد رضا الزين، فريق من إخوانناالعامليين من دار هجرتهم فريمون السبرانيون، كتابا يشكون فيه انتشار الدعوة القاديانية في‏تلك الديار التي يقوم بنشرها ثلة من رجال تلك النحلة وتاثيرها على نفر منهم استهوتهم فكانوا لها أتباعا، وقد بعثوا إلينا مع كتابهم بكتاب تأليف بعض مبشري المذهب القادياني جلال الدين شمس ‏أحمدي المقيم في حيفا (فلسطين) سماه «توضيح المرام في الرد على علماء حمص وطرابلس‏»، وقد فوض‏الصديقان إلي الرد على ما في هذا الكتاب من المزاعم والجواب على مسائل للمكاتبين ليست في صلب‏الكتاب ولكنها من مراميه التي اوقعت في أنفسهم الشبهات، فرأيت فرض عين ما فوضاه إلى من نقص‏الكتاب، والجواب على مسائل اولئك المكاتبين مما تقوم به الحجة وتدفع به الشبهة، فاختلست الفرص‏السانحة على كثرة الصوارف والشواغل وكتبت ما أحسبه كافيا في المرام، وسميته (دفع أوهام توضيح‏المرام)، ومنه تعالى استمد العون في البدء والختام، وقد كسرت رد الكتاب على مقدمة وأبواب وفصول‏وخاتمة، متحدياً البسط والوضوح ما استطعت.
أما الكتاب فهو يضم بين دفتيه خلاصة ما تمسك به القاديانية من شبهاتهم، وما موهوا به من الحجج ‏الواهية تأييدا لنحلتهم، ولم نر من حاجة لاجابة طلب الكاتبين إلينا بتحصيل كتبهم الأخرى المطبوعة ‏وهي لا تخرج في بناها ومعناها عما حواه هذا الكتاب، كما أننا لا نرى لزاماً طلب بعض دعاتهم إلى‏المناظرة ولا إلى المباهلة التي يدعون إليها كل من ينكر بدعتهم، والمباهلة لم يدع اليها سيدالمرسلين (ص) مع كثرة من أنكروا نبوته من مشركي العرب واليهود والنصارى إلا مرة واحدة وهم ‏نصارى نجران، على أن التفاوت بين دعوته(ص) نصارى نجران للمباهلة ودعوتهم هذه عظيم جدا،فهم يزعمون أنهم مسلمون وأنهم لم يشذوا عن الإسلام ولم يغيروا شيئاً من رسومه، ومن يدعونهم إلى‏المباهلة هم مسلمون مثلهم، إن لم يكونوا كما هو الواقع أكثر اعتصاماً منهم بعروته، وأبعد عن بدعة ‏دعوى إرسال رسول جديد بعد نبيهم الذي قام إجماع المسلمين على إنتهاء النبوات بنبوته الخالدة، فلماذا أي غرض بعد هذا إلى المباهلة ؟ إن هذا ضرب من ضروب تهويلات القاديانية لا يقيم له عاقل وزنا، ولا يعبأ به مسلم يستمد إسلامه ‏من الكتاب الحكيم ومن السنة النبوية وأدلة العقل وإجماع الأمة ويعلم أن دين محمد(ص) مستكمل‏جامع لكل حاجات البشر في مبدئهم ومعادهم، وله قوام وعليه حفظة قائمون على صيانة شرائعه، ولم‏يترك شيئا مما يتصل بحياتهم الروحية والجسدية والاجتماعية إلى نبي جديد، ولا نص عليه بالعين أوالوصف بل استفاض الخبر، وأيده العقل من عدم خلو الأرض من قائم على إقامة تلك الشرائع مصونة‏من التحريف والتبديل، ومن التبشير بظهور المهدي والمسيح (ع) في آخر الزمان، كما نبسط ذلك في‏موضعه من هذا الرد.
الكتاب رد على علماء حمص وطرابلس، قدم مؤلفه مقدمة طويلة لا تتصل اتصالا وثيقاًَ بما يرمي إليه ‏من نبوة صاحبه، ولا تثبت دعوة بين فيها ما مني به المسلمون من الابتعاد عن الدين، وما ابتلوا به من‏جماعات المبشرين الطاغين في الاسلام، وأن الإسلام أصبح غريبا. ونخلص من هذه المقدمة إلى نتيجة‏وهي ضرورة بعث مجدد له، وأن ذلك المجدد هو بزعمه المسيح الهندي غلام احمد القادياني، ثم استرسل ‏إلى انتقاص قادة الدين والحط من أقدارهم، بزعم سكوتهم عن محاربة البدع والمنكرات، وعن رد شبهات المبشرين وصد تيار الملحدين من المسلمين، ووقوفهم موقف الخصم اللدود في وجه المصلحين،وإسراعهم الى تكفير كل من يحاول تغيير بدعة ودرء ضلاله، لم يستثن من افتئاته أحداً من الأولين‏والآخرين، وعرض إلى ما رمي به الحسين بن الحلاج وابن الجنيد والشلبي وأضرابهم من المتصوفة،ثم إلى تكفير من كفر أبناء نحلته الذين لم يشذوا عن الإسلام ولا خرجوا عن حظيرته، وكأنما ادعاؤهم‏مسيحية صاحبهم ونبوته المخالفة للنصوص الصريحة التي لا تقبل تأويلاً ولاجماع المسلمين كافة،ليست من الأمور التي تعنيهم، ولا مما يحسن أن يتناوله النقد والنقض، وأنهم إنما يقومون بآداء المفروض‏ عليهم من محاربة البدع بالتسليم ببدعتهم والاعتراف بنبوة نبيهم المزعوم ومسيحهم الموهوم.
أما انذار النبي (ص) بل انذار اللّه تعالى بوقوع الاختلاف في المسلمين بعد وفاته(ص) فذلك مما نص‏عليه القرآن المجيد (أفان مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم) [آل عمران/144] وحديث النبي (ص) الصحيح في افتراق أمته الى ثلاث وسبعين فرقة كما افترقت أمة موسى(ع) الى إحدى وسبعين فرقة‏ وأمة عيسى (ع) الى اثنتين وسبعين فرقة، إلى أحاديث كثيرة في معنى الاختلاف الذي هو سنة طبيعية ‏في البشر، وكم جاءت آية كريمة محكمة في هذا المضمون (ولن تجد لسنة اللّه تبديلا ) [الفتح/23] وماأرسل تعالى الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع إلا لتلطيف ذلك الاختلاف وتعديله، وأوضح السبل‏ ونصب الدلائل على دينه الحق ومراداته من التكليف في دار التكليف ولم يدع الناس هملا و (قد تبين‏الرشد من الغي) [البقرة/256] ببعثة خاتم المرسلين، وبما نزل عليه من الذكر الحكيم، ومع ما في ‏طبيعة هذا الدين والكتاب الذي مهد سبله واسس قواعده الحكيمة من ملاءمة لكل الطباع الانسانية،ومن اساليب رائعة يدرك إعجازها الجاهل والمتعلم والقروي والبدوي، ومن سنن إجتماعية وأخلاقية‏ تنفذ في نفوس كل الجماعات، وما للنبي المبعوث به من خصائص نفسية وخلقية وسيرة فاضلة، فان‏ذلك وما إليه لم يكن كله يكبح جماح النفوس ويحد من طغيانها، وليخرج بها عن الفطرة ويردها إلى‏ المثل الأعلى، اللهم إلا من زكت نفوسهم وسمت خلائقهم ، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة وماكانت تكاليف اللّه تعالى للعباد بتنية على الالجاء ، فهل كان من خصائص مسيح الهند أن يمد من الفطر ويدرك ما تعجز عنه القدر من إصلاح مجموع البشر بكتابه الجديد، وبما عزاه إلى نفسه وعزاه إليه من‏معجزات في على أن من اختص بمثل تلك المعجزات المزعومة وبمثل تلك الموهبة التي لم يؤتها النبي (ص) من إصلاح البشر، كان من مقتضى الحكمة أن ينص على ظهوره والتعريف باسمه وموطنه‏وعصره.
أن اللّه عز وجل بلطفه الشامل ودينه الكامل لم يترك المسلمين في جاهلية جهلاء وطخية عمياء، وكفى‏ببيانه بيانا وبسنة نبيه الاعظم برهانا، وبحديثه الصحيح «إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل‏ بيتي‏ » قاطعاً للمعاذير وبينا للحجة القائمة ومفحما لكل مدع للنبوة.
إن علماء الأمة الذين شاء المسيح الهندي وأتباعه إلصاق وصمة التقصير بهم عن القيام بما فرض عليهم‏من النصح والارشاد، والدفاع عن حوض الدين القويم، فقد قاموا قديماً وحديثاً بهذا الفرض، وكانوا أحرص الناس على رعاية أصوله وفروعه ، وتدوين ما حذقوا من علوم كتابه، وضبطوا بكل تدقيق ماورد من سنة وحديث، وأسسوا علم الكلام ، وعنوا بعلم المنطق والعلم الالهي، ليحفظوا بهذه العلوم‏الحادثة جوهر الدين، وليبينوا وجوه إعجاز كتابهم الخالد ، وليدفعوا زيغ الملحدين وشبهات المعادين،ولم يخل وللّه الحمد منهم عصر من العصور الاسلامية، ولكنهم لم يدع منهم أحد أنه نبي أو أنه المسيح‏المترقب او المهدي المنتظر، ولم يدع النبوة في عصور إنقسام المسلمين إلى فرق، ثم الترقي إلى دعوى‏الحلول والاتحاد فالألوهية إلا الغلاة من الفرق الثلاث والسبعين ، كما تجد ذلك مبسوطا في كتب الملل‏والنحل، ولكنه لم يقم بتلك الدعوى قائم، وينجم لها ناجم، حتى يذهب ودعواه كأمس الدابر، متعسراً بأذيال الخيبة والخسران، مخلفاً وراءه سبة التاريخ والأجيال، ولم يكن نصيب من ادعى مثل تلك‏الدعوى في العصر الأخير إلا كنصيب من تقدمه من الإخفاق، ولم تكن معجزاتهم التي زعموها مؤيدة ‏لدعاواهم، ومنها كتبهم المدعى الايحاء بها إليهم معارضاً بها القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه‏ ومن خلفه، وهم من الأعاجم إلا مجموعة ترهات وسخافات وعجمة وطمطمانية، لا يرضى صغارالمتعلمين نسبة مثلها إليه.
ولو كانت البلاغة سلما يرتقى بها إلى دعوى النبوات من فرسانها وسباق حلبة ميدانها أو من مريديهم ،لكان أجدر من الباب والبهاء والقادياني بمثل هذه الدعوى الخاسرة أشباه ابن المقفع وعبد الحميد والجاحظ وابن العميد والصاحب والصابي والخوارزمي والبديع والضبي، دع ما ظهر فبهر من بلاغات ‏أئمة أهل البيت مع غلو من غالى في حبهم ، إلى أن ارتقى بهم عن مرتقى النبوة إلى مقام الألوهية، ولكنه لم‏يزعم زاعم من هؤلاء الغلاة أن بلاغاتهم من معجزاتهم والائمة كانوا يلحقون الغالي في حبهم بالقالي في‏بغضهم، وكلاهما منه بريئون.
وأما الدفاع عن الاسلام والمحاماة عن عقائده والرد على شبهات خصومه من ملاحدة وكتابيين ‏ومتفلسفين، فقد بلغ فيه ائمة المسلمين وعلماؤهم العاملون أقصى حد، ولو حاولنا تعداد مجالس‏مناظراتهم والكتب المصنفة لهم قديماً وحديثاً في هذا المعنى، لأخرجنا سفرا ضخماً، ولأوضحنا لأتباع‏ القادياني أن حماة الإسلام لم يفرطوا في شي‏ء مما يفحم خصومه ويرد كيد أعدائه إلى نحورهم، وما على‏المنكر إلا أن يرجع إلى تلك الكتب المصنفة والمطبوع جلها.
وأما في هذا العصر الذي يزعم أتباع المسيح الهندي تقاعد قادة الدين عن نصرته وقيامه وحده فيه ، وفي دحض شبهات المبشرين والملحدين، ومحاربة البدع والمناكير، فحسبنا في دفعه أن نلم إلمامة ‏وجيزة بذكر فريق من العلماء الأعلام والأساطين العظام، ممن قاموا بقسط عظيم في صد تيار ناصبي ‏العداء لدينهم المتين ، فمنهم مواطنه المجاهد الشيخ رحمة اللّه الهندي ، والشيخ علي البحراني، والشيخ جواد البلاغي النجفي في كتبه الهدى إلى دين المصطفى ، والمدرسة السيارة، والرحلة المدرسية، وإبطال التثليث،والأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده المصري ، وفيلسوف الشرق السيد جمال الدين الافغاني، والسيد محمد رشيد رضا الذي تكاد تتمحض مجلته المنار الإسلامي للدفاع عن الإسلام ومحاربة البدع، والشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء النجفي، والسيد محسن الأمين، والسيد عبد الحسين شرف الدين ‏العامليان، والسيد مير علي الهندي الذي أنفق معظم حياته في الجهاد في سبيل الاسلام وبث دعوته، إلى‏كثيرين غيرهم ممن يطول الكلام بتعداد أسمائهم، فقد صدعوا بالحجة ونهضوا بما افترضه اللّه عليهم ‏بدون أن يدعوا نبوة أو مسيحية أو رسالة ووحيا.
وأما المعاهد الدينية التي قامت في الأمصار الإسلامية قديما وحديثا وعنيت بتدريس علوم الشريعة‏وكل ما له تعلق بها وما له مساس بالذود عن نواميسها فالاحاطة به وعده مما يخرجنا عن الفرض‏الذي قصدنا إليه في هذا الرد، وحسبنا أن نذكر منه ما لا يزال قائما مصابرا الدهور، فمنه جامعة الأزهر، وجامعة النجف الأشرف، وجامع الزيتونة، ومدرسة الواعظين في لكهنور، ومدرستا قم وسبهسالار في‏ايران، وكل تلك المعاهد إلى كثير أمثالها تخرج المئات في كل عام للإرشاد ونشر مبادى‏ء الدين‏الاسلامي القويم والتبشير، حتى في كبرى عواصم الدول الأوروبية. وقرأت أخيرا في مجلة الاثنين في‏الجزء (51) الصادر في 24 إبريل سنة 1944 في مصر، أن الدكتور علي حسن عبد القادر المصري‏خريج الأزهر وبعض الجامعات الاوربية، وهو متخصص في المعارف الاسلامية، وقد أنشا في لندن ‏المركز الثقافي الاسلامي واختير له مديرا عاما، والمقصد من إنشاء هذا المركز إلقاء المحاضرات عن‏الاسلام باللغة الانكليزية، وعرض الدين الحنيف عرضا صحيحا، ودفع الأخطاء التي أُلصقت به، وسيكون بعد قليل باستطاعته إنشاء معهد يتلقى فيه ابناء المسلمين المقيمون في لندن ثقافتهم الدينية،وقد توفق إلى انشاء مجلة ثقافية علمية، وإنشاء مكتبة إسلامية جامعة، وقد أهدت الحكومة البريطانية ‏لهذا المشروع قصراً في اهم أحياء لندن وإلى جانبه قطعة أرض لبناء مسجد عليها، وقد جعل هذاالمشروع الاسلامي الجليل ملك مصر تحت رعايته، ويتقاضى مديره راتبه من جلالة الملك فاروق، أما المدير فيعرف اللغات الانكليزية والفرنسية والالمانية والتركية والفارسية.
وأما اثر جامع الازهر وجامعة النجف وسواهما من الجامعات الإسلامية، ومالها من عمل مجيد في‏مصلحة الاسلام وترويج أحكامه ومناضلة خصومه، وما صنف من الكتب النافعة في التبشير به‏والكشف عن أسراره، والمجلات الدورية التي انشئت لهذه الغاية الشريفة (لا كمجلة البشرى المنشئة ‏للقاديانية في حيفا فلسطين لمجرد إثبات نبوة صاحبهم) فان عيانه يغنينا عن البيان وعن البرهان‏ على فساد دعوى أتباع القادياني من تقاعد علماء المسلمين عن حماية دينهم، وأنهم لم يكونوا في فترة ‏ولا في حيرة من أمرهم، ولا ابتعدوا عن الدين الابتعاد الذي يصورونه لتسلم لصاحبهم دعوى انقاذهم ‏برسالته ونبوته من هوة الحيرة والضلال، وما كانوا هم ولا صاحبهم أعرف منهم بأسرار الشريعة ‏وأسرار كتابها الخالد، ولا أحوط منهم بالدفاع عن دينهم المتين، ومن ورائهم اللطف الالهي والتأييد السماوي لهذه الملة الدائمة ما دامت السماوات والأرض.
أما إسراع من أسرع إلى تكفير من كفر ممن ظهر بنحلة مخالفة لظواهر الكتاب والسنة أو نصوصهما الصريحة، والخروج عن إجماع ما أجمع عليه المسلمون فليس ذلك مما يهمنا امره، فإن للإيمان والكفرحدودا ورسوما لم يهملها الشرع، ولسنا في موقف من يحسن أو يقبح تكفير من كفر، وتبديع من بدع،فإن ذلك ليس له علاقة ماسة في صحة مزاعم المسيح الهندي ولا في فسادها، فندع ذلك الى الأهم في‏الرد.
هذا ما نراه كافيا في التعليق على مقدمة الكتاب ولنرجع الى نقض فصول الكتاب بما يسمح لنا به‏الوقت وتقوم به الحجة.
الباب الأول: في نقض الفصل الاول
صدر المؤلف هذا الفصل ب (نظرة إجمالية على كتب التفاسير) قال:
«لقد أضر المسلمين كثيرا اعتقادهم بصحة كل ما ورد في كتب التفاسير وتركهم التدبر في آيات القرآن ‏المبين، ظانين بأن المفسرين أحاطوا بجميع ما يحويه الكتاب من الأسرار والحقائق والمعارف، ولذلك‏ ترى ردود المشايخ لا تتجاوز أقوال المفسرين، ويجعلون رواياتهم الظنية أساس معتقدهم كأنها منزلة‏ من عند اللّه..الخ ثم عرض لذكريات إختلف في تفسيرها المفسرون متحديا العلماء في الجواب عليها، وذكر أسباب الاختلاف في تفسيرها، وعقب ذلك بقوله: وليقولوا لنا: هل ينطبق حديث من قال في‏القرآن برأيه على تفسيرهم أم لا؟».
أما الحديث، فقد ذكره قبل وهو: (من قال في القرآن برأيه فليتبوا مقعده من النار) ثم أوردالأسئلة وهي أحد عشر وجلها منقول عن تفسير الخطيب الشربيني ، فلندع الجواب عنها الآن إلى‏الجواب عما زعمه من الاضرار بالمسلمين اعتقادهم بصحة كل ما ورد في التفاسير وتركهم التدبر في‏آيات القرآن المبين، إلى آخر كلامه الذي مر ذكره قريبا، ويتلخص جوابه بأمور.
الأمر الأول: أن دعواه انحصار الاضرار بالمسلمين باعتمادهم على أقوال المفسرين بدون تمحيصها وتبين‏ فاسدها من صحيحها مخالفة للواقع، فلم يترك المسلمون التدبر في آيات القرآن المبين والاعتبار بما فيه‏من السنن، ولم يكن العلماء العارفون منهم ليقبلوا أقاويل المفسرين على علاتها، وإلا لما كثر الاختلاف‏ ما بينهم وتعددت كتب التفاسير إلى حيث يصعب على الباحث عدها وسردها، وسنفي هذا البحث حقه‏في موضعه.
الأمر الثاني: أن الذي أضر بالمسلمين، هو ما نشأ فيهم من ذوي البدع والاهواء ومدعي النبوات ‏والحلول من الغلاة الذي انقرض جلهم، ومن اشتباه العلماء الذين ساقهم الطمع في الزعامة من طريق ‏الابتداع في الدين إلى ادعاء الحلول والنبوة. الأمر الثالث: كيف ساغ له ان يرمي المسلمين كافة بتقليد أمثال الخطيب الشربيني بتفسيره بعض آي‏ الكتاب، بما هو مستمد مادته من الاسرائيليات ومن أحاديث قد محصوها وبينوا الموضوع منها، ومالم‏يصح وما صح منها ولاجلها ولاجل ما وضعه الواضعون منها من الحشويين ومن بعض غلاة الفرق‏الثلاث والسبعين تأييداً لما ابتدعوه وضعوا علم الحديث وعلم رجاله وعلم الدراية، وهب أن صاحب‏الكتاب ومسيحه سلكا هذه السبيل، فهل سلكا سبيلا غير سلوكه وعرفا ما لم يعرفه علماء الإسلام ؟وهل في ذلك آية من آيات نبوة المسيح الهندي تحمل المسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها على‏اعتقادها وترك الاجتهاد إلى تقليده ؟ الأمر الرابع: أننا نرى من المفيد والقاطع لحجته الواهية، أن نلم إلمامة قصيرة لا تبعدنا عن الموضوع بماقاله العلماء وذهبوا إليه من مباحث التفسير.
الأول: قال ابن خلدون الفيلسوف الاجتماعي الاسلامي في مقدمته : «وأما التفسير فاعلم أن القرآن نزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون‏معانيه في مفرداته وتراكيبه، وكان ينزل جملا جملا وآيات آيات لبيان التوحيد والفروض الدينية‏ بحسب الوقائع ، ومنها ما هو في العقائد الإيمانية، ومنها ما هو في إحكام الجوارح، ومنها ما يتقدم، ومنها ما يتأخر ويكون ناسخا له. وكان النبي(ص) يبين المجمل ويميز الناسخ من المنسوخ ويعرفه أصحابه ، فعرفوه وعرفوا نزول الآيات ومقتضى الحال منها منقولاً عنه، إلى أن قال: ونقل ذلك عن الصحابة‏رضوان اللّه عليهم اجمعين، وتداول ذلك التابعون من بعدهم ونقل ذلك عنهم، ولم يزل متناقلا بين‏الصدر الأول والسلف حتى صارت المعارف علوماً ودونت الكتب، فكتب الكثير من ذلك ونقلت‏الآثار الواردة فيه عن الصحابة والتابعين، وانتهى ذلك إلى الطبري والواقدي والثعلبي وأمثال ذلك من ‏المفسرين. ثم صارت علوم اللسان صناعية من الكلام في موضوعات اللغة وأحكام الإعراب والبلاغة‏ في التراكيب، بعد أن كانت ملكات العرب لا يرجع فيها إلى نقل ولا كتاب ، فتنوسي ذلك وصارت ‏تتلقى من كتب أهل اللسان ، فاحتيج إلى ذلك في تفسير القرآن لأنه بلسان العرب وعلى منهاج‏ بلاغتهم، فصار التفسير على صنفين ، تفسير نقلي مستند إلى الآثار المنقولة عن السلف وهي معرفة ‏الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول ومقاصد الآي، وكل ذلك لا يعرف إلا بالنقل عن الصحابة ‏والتابعين، وقد جمع المتقدمون في ذلك وادعوا إلا أن كتبهم ومنقولاتهم تشتمل على الغث والسمين‏والمقبول والمردود. والسبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة ‏والأمية، وإذا تشوقوا إلى شي‏ء مما تتشوق إليه النفوس البشرية في أسباب المكونات وبدء الخليقة‏وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم ويستفيدونه منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى ، وأهل التوراة الذين بين العرب يومئذ بادية مثلهم ولا يعرفون من ذلك ‏إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب ومعظمهم من حمير الذين أخذوا بدين اليهودية، فلما اسلموا بقوا على ما كان عندهم مما لا تعلق له بالأحكام الشرعية التي لا يحتاطون لها، مثل أخبار بدء الخليقة ومايرجع إلى الحدثان والملاحم وأمثال ذلك ، وهؤلاء مثل كعب الأحبار، ووهب بن منبه، وعبداللّه ابن‏سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم في أمثال هذه الأعراض أخبار موقوفة عليهم ‏وليست مما يرجع إلى الأحكام فتتحرى في الصحة التي يجب بها العمل ، وتساهل المفسرون في مثل‏ذلك وملأوا كتب التفاسير بهذه المنقولات، إلى أن قال : فلما رجع الناس إلى التحقيق والتمحيص وجاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها وتحرى ما هو أقرب إلى‏الصحة منها إلى كلام طويل بهذا المضمون لا يتعلق لنا غرض بنقله، فأنت ترى من هذه الجملة مصدر تلك المنقولات، وأنها من أقاصيص الإسرائيليين، وأن ناقليها إلى المسلمين في نضارة الاسلام ، هم من‏الاسرائيليين وسواهم من تشرفوا بدخول الإسلام وأن تلقي من تلقاها منهم بالقبول كان لحسن ظنه ‏بالناقلين، وأن إهمال تمحيصها في الصدر الأول وقبل التدوين ناشى‏ء من أن تلك الأخبار ليست ممايرجع الى الأحكام الشرعية لتتحرى، فتسامحوا فيها كتسامح فريق من المسلمين بأدلة السنن.
على أن تلك الأخبار حتى في الصدر الأول لم يتلقها العارفون بالقبول على الاطلاق وعلى علاتها،وكيف تقبل كلها وفي الكثير منها ما فتح الباب على مصراعيه للتهجم على مقام الانبياء بنسبة كبائر الآثام إليهم، بل أعظم من ذلك بنسبة الكفر إلى بعضهم، فلا يكاد نبي يسلم من التخطئة ومن اجتراح ‏المعاصي، مما ترك علماء المسلمين يخوضون في بحث عصمة الأنبياء ووجوبها، وجوازها وتجويز بعضهم ‏ما أجازته الاسرائيليات من المعصية عليهم، ومنع بعضهم وقوع ذلك البتة قبل التبليغ وبعده، وتفصيل‏البعض الآخر بين جواز نسبة الكذب إليهم قبل التبليغ ونفيه بعده، وما إلى ذلك من شجون هذا البحث‏ الذي أفرد له علماء الكلام بابا خاصا، وعصمة الأنبياء مما اتفق جمهور الإسلام عليها وأولوا الآيات‏التي ظاهرها نسبة المعصية لهم ، وصنف الشريف المرتضى كتابه (تنزيه الانبياء) في هذا الموضوع.
الثاني: جاء في كشف الظنون لملا كاتب ?لبي في علم التفسير وهو بحث مستوفى جامع ، قال بعد أن ذكرشروط التفسير: ومن ذلك القبيل الذين يتكلمون في القرآن بلا سند ولا نقل عن السلف، ولا رعاية ‏للأصول الشرعية والقواعد العربية، كتفسير محمود بن حمزة الكرماني في مجلدين سماه العجائب‏ والغرائب، ضمنه أقوالاً هي عجائب عند العوام وغرائب عما عهد عن السلف، بل هي أقوال منكرة لايحل الاعتقاد عليها ولا ذكرها الا للتحذير، من ذلك قول من قال في ربنا (ولا تحملنا ما لا طاقة لنابه) [البقرة/286]: إنه الحب والعشق، ومن ذلك قولهم في (ومن شر غاسق إذا وقب) [الفلق/3] أنه الذكر إذا قام، وقولهم في (من ذا الذي يشفع عنده): معناه من ذل أي من الذل وذي إشارة إلى النفس ‏ويشف من الشفا جواب من واع أمر من الوعي. وسئل البلقيني عمن فسر بهذا فافتى بأنه ملحد، وأطال في هذا البحث إلى أن قال: ثم اعلم أن العلماء كما بينوا في التفسير شرائط بينوا في المفسر أيضا شرائط، لا يحل التعاط‏ي لمن عري منها أو هو فيها راجل، وهي أن يعرف خمسة عشر علما على وجه ‏الاتقان، والكمال، اللغة، والنحو، والتصريف، والاشتقاق، والمعاني، والبيان، والبديع، والقراءات، وأصول‏الدين، وأصول الفقه، وأسباب النزول، والقصص، والناسخ، والمنسوخ، والفقه، والأحاديث المبينة ‏لتفسير المبهم والمجمل ، وعلم الموهبة وهو علم يورثه اللّه سبحانه وتعالى لمن عمل بما علم، وهذه العلوم ‏لا مندوحة للمفسر عنها إلى أن قال:
ثم إن تفسير القرآن ثلاثة اقسام:
الأول: علم ما لم يطلع اللّه تعالى عليه أحدا من خلقه، وهو ما استأثر به من علوم أسرار كتابه من‏معرفة كنه ذاته، ومعرفة حقائق أسمائه وصفاته، وهذا لا يجوز لأحد الكلام فيه.
والثاني: ما اطلع اللّه سبحانه وتعالى نبيه عليه من أسرار الكتاب واختص به، فلا يجوز الكلام فيه إلا له‏ عليه الصلاة والسلام أو لمن أذن له ، قيل: وأوائل السور من هذا القسم، وقيل: من الأول
والثالث: علوم علمها اللّه تعالى نبيه بما أودع كتابه من المعاني الجلية والخفية وأمره بتعليمها. وهذا ينقسم إلى قسمين: منه ما لا يجوز الكلام فيه إلا بطريق السمع، كأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، والقراءات، واللغات، وقصص الأمم، وأخبار ما هو كائن، ومنه ما يؤخذ بطريق النظر والاستنباط من‏الألفاظ، وهو قسمان. قسم اختلفوا في جوازه وهو تأويل الآيات المتشابهات، وقسم اتفقوا عليه وهواستنباط الأحكام الأصلية والفرعية والإعرابية لأن مبناها على الأقيسة. وكذلك فنون البلاغة ‏وضروب المواعظ والحكم والإشارات لا يمتنع استنباطها منه لمن له أهلية ذلك، وما عدا هذه الأمور هو التفسير بالرأي الذي نهي عنه، وفيه خمسة أنواع:
الأول: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.
الثاني: التفسير المتشابه الذي لا يعلمه الا اللّه سبحانه وتعالى.
الثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بان يجعل المذهب اصلا والتفسير تابعا له، فيرد اليه باي طريق‏امكن وان كان ضعيفا.
والرابع: التفسير بان مراد اللّه سبحانه وتعالى كذا على القطع من غير دليل.
الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى.
الثالث: ما جاء في مقدمة مجمع البيان للشيخ ابي الفضل الطبرسي الامامي:
«واعلم ان الخبر قد صح عن النبي(ص) وعن الائمة(ع) القائمين مقامه، ان تفسير القرآن لا يجوز الابالاثر الصحيح والنص الصريح. وروت العامة ايضا عن النبي(ص) انه قال: من فسر القرآن برايه‏فاصاب الحق فقد اخطا، قالوا: وكره جماعة من التابعين القول في القرآن بالراي كسعيد بن المسيب،وعبيدة السلماني، ونافع، وسالم بن عبداللّه وغيرهم.
والقول في ذلك: ان اللّه سبحانه ندب الى الاستنباط واوضح السبيل اليه ومدح اقواما عليه، فقاللعلمه الذين يستنبطونه منهم) [النساء/83]، وذم آخرين على ترك تدبره والاضراب عن التفكرفيه، فقال: (افلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها) [محمد/24]. وذكر ان القرآن منزل بلسان‏العرب، فقال: (انا جعلناه قرآنا عربيا) [الزخرف/3]. وقال النبي(ص): «اذا جاءكم عني حديث‏فاعرضوه على كتاب اللّه فما وافقه فاقبلوه وما خالفه فاضربوا به عرض الحائط‏» فبين ان الكتاب‏حجة ومعروض عليه، وكيف يمكن العرض عليه وهو غير مفهوم المعنى، فهذا وامثاله يدل على ان الخبرمتروك الظاهر فيكون معناه ان صح ان من حمل القرآن على رايه ولم يعمل بشواهد الفاظه فاصاب‏الحق فقد اخطا الدليل. وقد روي عن النبي(ص) انه قال: «القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن‏الوجوه‏»
وروي عن عبداللّه بن عباس انه قسم وجوه التفسير على اربعة اقسام تفسير لا يعذر احد بجهالته،وتفسير تعرفه العرب بكلامها وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه الا اللّه عز وجل.
فاما الذي لا يعذر احد بجهالته فهو ما يلزم الكافة من الشرائع التي في القرآن وجمل دلائل التوحيد،واما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة وموضوع كلامهم، واما الذي يعلمه العلماء فهو تاويل‏المتشابه وفروع الاحكام، واما الذي لا يعلمه الا اللّه فهو ما يجري مجرى الغيوب وقيام‏الساعة‏»
الرابع: ما جاء في مقدمة التفسير لابن تيمية: «يجب ان يعلم ان النبي(ص) بين لاصحابه معاني القرآن‏كما بين لهم الفاظه، فقوله تعالى: (لتبين للناس ما نزل اليهم) يتناول هذا وهذا، وقد قال ابو عبد الرحمن‏السلمي: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وعبداللّه بن مسعود وغيرهما انهم كانوااذا تعلموا من النبي(ص) عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قال: فتعلمناالقرآن والعلم والعمل جميعا، ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة، وقال انس: كان الرجل اذا قراالبقرة وآل عمران جل في اعيننا، واقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين، قيل: ثمان سنين ذكره‏مالك، وذلك ان اللّه تعالى قال: (كتاب انزلناه اليك مبارك ليدبروا آياته) [ص/29] وقال: (افلايتدبرون القرآن) [النساء/82] وقال: (افلم يدبروا القول) [المؤمنون/68] وتدبر الكلام بدون فهم‏معانيه لا يمكن. وكذلك قال تعالى: (انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) [يوسف/2] وعقل الكلام‏متضمن لفهمه. ومن المعلوم ان كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد الفاظه فالقرآن اولى بذلك،وايضا فالعادة تمنع ان يقرا قوم كتابا في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه، فكيف بكلام‏اللّه الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم، ولهذا كان النزاع بين الصحابة في‏تفسير القرآن قليلا جدا، وهو وان كان في التابعين اكثر منه في الصحابة فهو قليل بالنسبة الى من‏بعدهم، وكلما كان العصر اشرف كان الاجتماع والائتلاف والعلم والبيان فيه اكثر. ومن التابعين من تلقى‏جميع التفسير عن الصحابة كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس اوقفه عند كل آية منه‏واساله عنها، ولهذا قال الثوري: اذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، ولهذا يعتمد على تفسيره‏الشافعي والبخاري وغيرهما من اهل العلم، وكذلك الامام احمد وغيره ممن صنف في التفسير يكررالطرق عن مجاهد اكثر من غيره، والمقصود ان التابعين تلقوا التفسير عن الصحابة كما تلقوا عنهم علم‏السنة، وان كانوا قد يتكلمون في بعض ذلك بالاستنباط والاستدلال كما يتكلمون في بعض السنن‏بالاستنباط والاستدلال‏»
وانك ترى مما يخال اننا بلغنا حدود الاسهاب بنقله من اقوال العلماء والمفسرين، ان علماء المسلمين لم‏يلقوا الحبل على الغارب في تفسير كتابهم المجيد، ولم يفسروا آية بمحض الراي والهوى، ولا اهملوا التدبرفيه، ولا اخذوا بقول من اخذوا فيه الا من اطمانوا الى عدالته ووثقوا بصحة نقله، كما انهم لم يحجرواعلى العقول استنباط ما يمكن استنباطه مما لا يخرج عن مبنى الكتاب العزيز ومعناه ولا يخالف سنن‏اللغة، ولم يسكتوا عن تخريج المجروح وتعديل العدل، ولا قبلوا اسرائيليات كعب الاحبار واضرابه، وماالى ذلك مما نعاه عليهم صاحب التوضيح، وهل من الاحتياط للدين والوصول الى اليقين او ما يقرب‏من اليقين ان يضرب عرض الحائط برواية العدل عمن عاصر التنزيل وصحب من نزل به عليه‏جبريل، وهو بعد في جدة الاسلام وفي الزمن الذي لم تمتد به يد الانقسام، وهو من اهل اللسان الذي‏تنزل به البيان، وهو جد واقف على اسباب النزول، وعازف بما تلقاه من الرسول(ص) من بيان مجمله‏ومعرفة محكم آيه، ومتشابهه، وخاصه، وعامه، وناسخه، ومنسوخه، وفحوى خطابه ولحنه، وما الى‏ذلك مما تراه واضحا من مضامين ما نقلناه من كلمات ائمة التفسير وما هو الا غيض من فيض؟ وهل‏من الاحتياط ترك ذلك وصرف ظواهر الايات الكريمة الى معان غير جارية على اساليب اللغة‏العربية والقرآن لم يتخط تلك الاساليب ولا تجاوزها؟ وهل كان ما ابتدعه المسيح الهندي من تفسيره‏اجدر بالاتباع واحرى بان ينصاع اليه المسلمون ويدعوا كل ما تلقوه من سلفهم الصالح؟ وهل بتفسره‏هذا وبدعواه النبوة يقوى على رفع الاختلاف بين المسلمين ويوحد فرقهم والنبي(ص)، وهو الذي لاينطق عن الهوى، وهو المؤيد بالوحي والتنزيل وجبرائيل لم يتم له رفع الاختلاف بعده وانذر بوقوعه‏وبما سيكثر عليه من الحديث، بل وفي عهده ولكنه ترك للاسلام هوى ومنارا كمنار الطريق يفنيهم عن‏نبي جديد يهديهم السبيل ويرشدهم الى ما لم يبين من المراشد والمناهج، واذا شئت الوقوف على طريقة‏الاحمدية في التفسير فارجع الى مقال ضاف كتبه الاستاذ الكاتب اديب التقي البغدادي الدمشقي في‏ثلاثة اجزاء من مجلة العرفان في مجلدها الحادي عشر، تلقى ما كتبه في مذهبهم عن احد دعاتهم، وهومقال مفيد الم به الماما وافيا بكل ما يتعلق بدعوتهم وعقيدتهم وآرائهم في التفسير التي خالفوا فيها ائمة‏التفسير، واعملوا اذهانهم في صرف ظواهر الكتاب الى ما هو اشبه بالرموز، واشتطوا اشتطاطا بعيداشاركوا به المتصوفة، حتى خرجوا عن حكمة اللّه تعالى في انزاله كتابه بلسان العرب، لافهامهم مراداته‏من آيه التي لم تنزل الا على ما يفهمونه وما كلفهم به من انواع التكاليف من العقائد والاحكام‏والقصص وما فيها من العبر، ونسوا ام تناسوا قوله تعالى: (انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون)[يوسف/2] وقوله جل شانه: (وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه ليبين لهم) [ابراهيم/4] وهل‏ما فسروا به مما بينه الرسول ولو ساغ فتح الباب لمثل ما فسروا به ما اشتهوا من آي الكتاب، مما لم‏يؤده الخطاب ويدل عليه اللفظ باحدى الدلالات، لساغ ذلك للغلاة ان يتاولوا ما تاولوا ويفسروا مافسروا من الفاظ الصلاة والزكاة والصوم والحج وسائر انواع التكاليف، برموز ابتدعوها ومعان‏قصدوها، ترمي كلها الى الخروج من عهدة التكليف ومن احكام ظاهرة الى احكام باطنة، وما الى‏ذلك من الفساد العظيم وترويج مذاهب الغلاة، واعادة فتنتها سيرتها الاولى، بعدما انقرض جلها ووقى‏المسلمون شرها، وحسبك ان تنظر الى ما فسروا به بعض الايات في مقال الاستاذ التقي، وفيه ترى‏العجب العجاب وما لا يخرج عن طريقة الكرماني التي انتهجها في تفسيره، كما تراه في المنقول عن كشف‏الظنون.
وبعد فانا نرى في هذه الالمامة ما يغنينا عن الاسهاب في هذا الباب، ولنرجع الى جواب اسئلة صاحب‏التوضيح عن تفسير الايات الاحدى عشرة التي تحدى بها مخالفيه من المسلمين.
1 اما الجواب عن السؤال الاول (فيه سكينة من ربكم) [البقرة/248] فالذي استظهره المفسرالجليل الطبرسي في تفسيره مجمع البيان بعد نقل الاقوال التي فسرت بها، ان السكينة امنة وطمانينة‏جعلها اللّه ليسكن اليها بنو اسرائيل، والبقية جائز ان تكون بقيته من العلم او شي‏ء من علامات‏الانبياء، وجائز ان يتضمنها جميعا على ما قاله الزجاج.
وقال الزمخشري في كشافه: والسكينة السكون والطمانينة ونسب ما قيل في تفسيرها مما نقله‏صاحب التوضيح عن الخطيب الشربيني الى القيل، وكذلك الطبرسي وهو يشعر بضعفه، وانما نقلا مانقلاه من امثال هذا القول المرجوح في نظرهما جريا على عادة المفسرين من تدوينهم كل ما قيل في‏تفسير الكتاب المبين وان يصح عندهم.
وجاء في مفاتح الغيب للامام الفخر الرازي: «اختلفوا في السكينة وضبط الاقوال، منها ان نقول: المرادبالسكينة اما ان يقال: انه كان شيئا حاصلا في التابوت او ما كان كذلك، والقسم الثاني هو قول ابي‏بكر الاصم فانه قال: آية ملكه ان ياتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم، اي تسكنون عند مجيئه‏وتقرون له بالملك وتزول نظرتكم عنه، لانه متى جاءهم التابوت من السماء وشاهدوا تلك الحالة، فلابد وان تسكن قلوبهم اليه وتزول نفرتهم بالكلية. واما القسم الاول وهو ان المراد من السكينة شي‏ءكان موضوعا في التابوت، ففيه اقوال، والقول الاول يقرب من القسم الثاني الى ان قال: والقول الرابع‏وهو قول عمرو بن عبيد ان السكينة التي كانت في التابوت شي‏ء لا يعلم، ثم عقب الاقوال بقوله: واعلم‏ان السكينة عبارة عن الثبات والامن، وهو كقوله في قصة الغار (فانزل اللّه سكينته على رسوله وعلى‏المؤمنين)فكذا قوله تعالى: (فيه سكينة من ربكم) معناه الامن والسكون‏»
وقال القاضي البيضاوي: («فيه سكينة) الضمير للاتيان، اي في اتيانه سكون لكم وطمانينة او للتابوت،اي مودع فيه ما تسكنون اليه وهو الثورة، وكان موسى(ع) اذا قاتل قدمه فتسكن نفوس بني اسرائيل‏ولا يفرون، ونسب الى القيل ما نقله صاحب التوضيح عن الشربيني واتخذ منه مغمزا على المفسرين‏كلهم، الى ان قال: وقيل التابوت هو القلب والسكينة ما فيه من العلم والاخلاص واتيانه مصير قلبه‏مقرا للعلم والوقار بعد ان لم يكن، فانت ترى ان البيضاوي استظهر القول الاول وهو ما استظهره‏الطبرسي والزمخشري والرازي، والقول الاخير من ان المراد بالسكينة القلب هو مما لا يدل عليه‏منطوق الاية ولا يفهم منها تضمنا والزاما، وهو صرف للفظ عن ظاهره بلا قرينة، وهو اشبه بتمحلات‏الباطنية وينطبق على اذواق القاديانية في النضير.
2 والجواب عن السؤال الثاني المنقول عن الشربيني ايضا في تفسير قوله تعالى: (جعله دكاء)[الكهف/98] ففي الكشاف. دكا اي مدكوكا مبسوطا سوى الارض، وكل ما انبسط من بعد ارتفاع‏فقد اندك، ومنه الجمل الادك المنبسط السنام، وقرى دكاء اي ارض مستوية‏»، ومثل ذلك‏جاء في تفسير البيضاوي والطبرسي والرازي، هؤلاء اربعة من ائمة التفسير وفسروا الدك بما ترى ولم‏يعرضوا الى ما نقله الخطيب الشربيني في معناه الذي اتخذه صاحب التوضيح ذريعة للنحت من ثلة‏علماء التفسير.
3 والجواب عن السؤال الثالث الذي نقله عن الشربيني في تفسير (ق والقرآن المجيد) .
ان لعلماء البيان والتفسير الموثوق بعلمهم وتحقيقهم اقوالا في فواتح السور المفردة والمركبة من حرف‏واحد وحرفين وثلاثة واربعة وخمسة والتي افتتح فيها ثلاثون سورة من سور القرآن الحكيم، وهي‏مبسوطة كل البسط في مفاتيح الغيب والكشاف، وانوار التنزيل ومجمع البيان وفي فقه اللغة لابن فارس‏والصناعتين((84))، واليك ما جاء في مجمع البيان:
«اختلف العلماء في الحروف المعجمة المفتتحة بهاالسور، فذهب بعضهم الى انها من المتشابهات التي استاثر اللّه بعلمها ولا يعلم تاويلها الا هو، وهذا هوالمروي عن ائمتنا(ع)، وروت العامة عن امير المؤمنين(ع) انه قال: ان لكل كتاب صفوة وصفوة هذاالكتاب حروف التهجي. وعن الشعبي قال: للّه في كل كتاب سر وسره في القرآن سائر حروف الهجاءالمذكورة في اوائل السور، ثم اورد عشرة اقوال:
(1) انها اسماء السور ومفاتحها. (2) ان المراد بها الدلالة على اسماء اللّه تعالى (3) انها اسماء اللّه تعالى‏متقطعة لو احسن الناس تاليفها لعلموا اسم اللّه الاعظم (4) انها اسماء القرآن (5) انها اقسام اقسم اللّهتعالى بها وهي من اسمائه (6) ان كل حرف منها مفتاح اسم من اسماء اللّه تعالى (7) ان المراد بها مدة‏بقاء هذه الامة بحساب الجمل بعد اسقاط الحروف المكررة (8) ان المراد بها حروف المعجم (9) انهاتسكيت للكفار، لان المشركين كانوا تواصوا فيما بينهم ان لا يستمعوا لهذا القرآن وان يلغوا فيه، فانزل‏اللّه تعالى هذه الحروف حتى اذا سمعوا شيئا غريبا استمعوا اليه وتفكروا واشتغلوا عن تغليطه، فيقع‏القرآن في مسامعهم (10) ان المراد بها ان هذا القرآن الذي عجزتم عن معارضته من جنس هذه‏الحروف التي تتحاورون بها في خطبكم وكلامكم، فاذا لم تقدروا عليها فاعلموا انه من عند اللّه، لان‏العادة لم تجر بان الناس يتفاوتون في القدر هذا التفاوت العظيم، وانما كررت في مواضع استظهارا في‏الحجة‏».
وفي الصناعتين في ذكر الابتداءات: «واذا كان الابتداء حسنا بديعا، ومليحا رشيقا، كان داعية الى‏الاستماع لما يجي‏ء بعده من الكلام، ولهذا المعنى يقول اللّه عز وجل: الم، وحم، وطس، وطسم، وكهيعص،فتقرع اسماعهم بشي‏ء بديع ليس لهم بمثله عهد، ليكون ذلك داعية لهم الى الاستماع لما بعده واللّه اعلم‏بكتابه‏».
واما تفسير (ق) بما نقله الشربيني عن عكرمة والضحاك بجبل محيط بالارض (الخ) فلم يرو له ذكر في‏الكشاف وانوار التنزيل، وعرض له الطبرسي بلفظ قيل المشعر بضعفه، على ان عكرمة والضحاك لم‏يكونا من الموثقين عند المحدثين، واي مبرر تهويل صاحب التوضيح بقول لم يعتمده المحققون فيتخذ منه‏مطعنا في العلماء كافة، على ان مثل هذا القول الضعيف مما لا يترتب عليه حكم من الاحكام الشرعية‏ولا عقيدة من العقائد الدينية الصحيحة، فيتخذ من مجرد نقله حكم عام على تجريح عامة اقوال‏المفسرين والاعراض عنها، واحداث تفاسير جديدة لا تمت بسبب من الاسباب باسلوب القرآن‏الحكيم واسلوب اللسان العربي المنزل به، وكيف يرى العذر للشبان المتعلمين بترك الاسلام لمجرد ذكرقول لم يرتضه علماء الاسلام، ضاربا عرض الحائط بالاقوال العشرة التي قيلت في مفتتح السور.
ثم‏يقول في مختتم كلامه: بينوا من فسر (ق) برايه فكانه يرى ان مثل هذا الراي مما عمل العلماء بمضمونه‏واجمع عليه المفسرون، وان ذلك آية من آيات نبوة صاحبه..
4 وجواب السؤال الرابع عما قيل في تفسير (ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك) [الفتح/2] نقلا عن‏الشربيني، وسال بعد نقله الاقوال.. عن المخط‏ى والمصيب ومن فسر منهم برايه؟ وملخص الجواب من وجوه:
(1) ان الذي حجره العلماء بل نص القرآن الصريح من التفسير والاستنباط، هو ما كان من غير اهله‏ممن لا حريجة لهم في الدين ولم يؤتوا قوة الاستنباط، واتبعوا الهوى المحض والراي المجرد فيما لا مجالي‏فيه للراي، واما من كانوا اهله وخاصته وخالصته فقد نص القرآن على الرجوع اليهم.
ومن منع العلماء الراسخين من تاويل ظواهر الكتاب اذا كان في العمل بالظاهر ما يخالف ما اقره العقل‏والشرع من وجوب تنزيه الاله تعالى وتقدس عن صفات المخلوقين وتنزيه الانبياء عن كل ما ينافي‏عصمتهم المقررة.
(2) ان الذين ذهبوا الى عصمة الانبياء(ع) وهم معظم المسلمين (دع الحشويين) عن الكبائر والصغائرعمدا او سهوا قبل النبوة وبعدها، فلا مناص لهم عن تاويل كل آية ظاهرها تخطئتهم ونسبة المعصية‏لهم، وهذا البحث من المباحث الكلامية تكفلت به كتب الكلام فلا نطيل به الكلام.
(3) اما تفسير هذه الاية والاقوال التي قيلت فيها فهي كثيرة، واليك ما جاء في الكشاف.. فان قيل:كيف جعل فتح مكة علة للمغفرة؟ قلت: لم يجعل علة للمغفرة، ولكن الاجتماع ما عدد من الامورالاربعة وهي المغفرة، واتمام النعمة، وهداية الصراط المستقيم، والنصر العزيز، كانه قيل: يسرنا لك فتح‏مكة، ونصرناك على عدوك لنجمع لك بين عز الدارين واغراض العاجل والاجل، ثم قال في تفسيرما تقدم من ذنبك وما تاخر:
يريد جميع ما فرط فيك، وعن مقاتل ما تقدم في الجاهلية وما بعدها،وقيل: ما تقدم من حديث مارية وما تاخر من امر زيد. واما الفخر الرازي فقد ذكر وجوها، منهاالوجه الذي ذكرناه عن الكشاف، ومنها هو ان فتح مكة كان سببا لتطهر بيت اللّه تعالى من رجس‏الاوثان، وتطهير بيته سببا لتطهير عبده، ومنها هو ان بالفتح يحصل الحج ثم بالحج تحصل المغفرة، ومنهاالمراد منه التعريف تقديره انا فتحنا لك ليعرف انك مغفور معصوم، فان الناس كانوا علموا بعد عام‏الفيل ان مكة لا ياخذها عدو اللّه المسخوط عليه، وانما يدخلها وياخذها حبيب اللّه المغفور له.
ثم ذكرفي المسالة الثانية فقال: لم يكن للنبي(ص) ذنب فماذا يغفر له؟ قلنا: الجواب عنه قد تقدم مرارا من‏وجوه: احدها المراد ذنب المؤمنين، ثانيها المراد ترك الافضل، ثالثها الصغائر فانها جائزة على الانبياءبالسهو والعمد، رابعها المراد العصمة.
قلت: ان تجويز الرازي وقوع الصغائر من الانبياء عمدا وسهوا هوخلاف ما عليه المحققون من علماء السنة وما اجمع عليه الامامية.
ثم قال في المسالة الرابعة ما معنى قوله: (وما تاخر). نقول: فيه وجوه: احدها انه وعد النبي(ص) بانه لايذنب بعد النبوة، ثانيها ما تقدم على الفتح وما تاخر عن الفتح، ثالثها العموم، يقال:
اضرب من لقيت‏ومن لا تلقاه مع ان من لا يلقى لا يمكن ضربه اشارة الى العموم، رابعها من قبل النبوة ومن بعدها،وعلى هذا فما قبل النبوة بالعفو وما بعدها بالعصمة. ثم عقب ذلك بقوله:
وفيه وجوه اخر ساقطة منهاقول بعضهم: ما تقدم من امر مارية وما تاخر من امر زينب، وهو ابعد الوجوه واسقطها لعدم التئام‏الكلام، واطال الكلام في هذا الموضوع اطالة لا غرض لنا فيها ولا يتسع لها المقام.
وهذا ما اول به الاية الشريف المرتضى وبه نختم الجواب، قال:
الذنب مصدر والمصدر يجوز اضافته الى‏الفاعل والمفعول معا، فيكون هنا مضافا الى المفعول والمراد ما تقدم من ذنبهم اليك في منعهم اياك عن‏مكة وصدهم لك عن المسجد الحرام، ويكون معنى المغفرة على هذا التاويل الازالة والنسخ لاحكام‏اعدائه من المشركين عليه، اي يزيل اللّه تعالى ذلك عنك ويستر عليك تلك الوصمة بما يفتح لك من‏مكة فستدخلها فيما بعد، ولذلك جعله جزاء على جهاده وغرضا في الفتح ووجها له، قال: ولو انه ارادمغفرة ذنوبه لم يكن لقوله: (انا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر اللّه لك) معنى معقول لان المغفرة للذنوب لاتعلق لها بالفتح فلا يكون غرضا فيه، واما قوله: (ما تقدم وما تاخر) فلا يمتنع ان يريد به ما تقدم زمانه‏من فعلهم القبيح بك وبقومك.
وفي هذه الاجوبة وخاصة الجواب الاخير للشريف مرتضى مقنع لمن انصف وكان الحق ضالته لا المراءوالجدل.
5 وجواب السؤال الخامس عن الاقوال في تاويل (ولقد همت به وهم بها) [يوسف/24].
ان الجواب يبنى على احد القولين: قول من يجوز على الانبياء ارتكاب الكبائر والصغائر من الذنوب،كالحشوية واضرابهم ممن تلقى ذلك عن الاسرائيليات، وقول من لا يجوز ذلك وهو المختار والذي‏ذهب اليه معظم ائمة المسلمين، فكان لا بد لهم من تاويل هذه الاية على ما ينطبق على المقرر من عصمة‏الانبياء بدليل العقل والشرع على ان الايات الواردة في سورة يوسف تكاد تكون نصا على براءة‏يوسف(ع) من الهم بالذنب بل ومن حظوره في نفسه الشريفة.
واليك طائفة من اقوال العلماء في معنى هذه الاية وتاويلها:
الاول: قال ابن حزم من الفصل: واما قوله: (همت به وهم بها لولا ان راى برهان ربه) فليس كما ظن‏من لم يمعن حتى قال من المتاخرين من قال: انه قعد منها مقعد الرجل من المراة، ومعاذ اللّه من هذا ان‏يظن برجل من صالحي المسلمين او مستوريهم فكيف برسول اللّه(ع)، فان قيل ان هذا قد روي عن ابن‏عباس (رض) من طريق جيدة الاسناد. قلنا نعم ولا حجة في قول احد الا فيما صح عن رسول‏اللّه(ص) فقط، والوهم في تلك الرواية انما هو بلا شك عمن دون ابن عباس او لعل ابن عباس لم يقطع‏بذلك، اذ انما اخذه عمن لا يدري من هو ولا شك في انه شي‏ء سمعه فذكره، لانه (رض) لم يحضرذلك ولا ذكره عن رسول اللّه(ص)، ومحال ان يقطع ابن عباس عما لا علم له به، لكن معنى الاية لايعدو احد وجهين: اما انه هم بالايقاع بها وضربها كما قال: وهمت كل امة برسولهم لياخذوه، وكما يقول‏القائل: لقد هممت بك، لكنه(ع) امتنع من ذلك ببرهان اراه اللّه اياه استغنى به عن ضربها وعلم ان‏الفرار اجدى عليه واظهر لبراءته على ما ظهر بعد ذلك من حكم الشاهد بامر قد من‏القميص.
والوجه الثاني: ان الكلام تم عند قوله: (ولقد همت به) ثم ابتدا تعالى خبرا آخر فقال: (وهم بها لولا ان‏راى برهان ربه) وهذا ظاهر الاية بلا تكلف تاويل وبهذا نقول، ثم اورد حديثا مسلسلا عن انس بن‏مالك عن رسول اللّه(ص) ان رسول اللّه(ص) قرا هذه الاية (ذلك ليعلم اني لم اخنه بالغيب) قال‏رسول اللّه(ص) لما قالها يوسف(ع) قال له جبريل: يا يوسف اذكر همك، فقال يوسف: (وما ابرى‏نفسي ان النفس لامارة بالسوء) [الاعراف/53] فليس في هذا الحديث على معنى من المعاني تحقيق‏الهم بالفاحشة، ولكنه فيه انه هم بامر ما وهذا حق كما قلنا، فسقط هذا الاعتراض وصح الوجه الاول‏والثاني معا، الا ان الهم بالفاحشة باطل مقطوع على كل حال، وصح ان ذلك الهم ضرب سيدته وهي‏خيانته لسيده اذ هم بضرب امراته، وبرهان ربه هاهنا هو النبوة وعصمة اللّه عز وجل اياه، ولولاالبرهان لكان يهم بالفاحشة وهذا لا شك فيه. ولعل من ينسب هذا الى النبي المقدس يوسف ينزه‏لنفسه الرذلة عن مثل هذا المقام فيهلك، وقد خشي النبي(ص) الهلاك على من ظن اذ قال للانصاريين‏حين لقيهما: هذه صفية، ثم قال ومن الباطل الممتنع ان يظن ظان ان يوسف(ع) هم بالزنا وهو يسمع‏قول اللّه تعالى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) فنسال من خالفنا عن الهم بالزنا بسوء هو ام‏بغير سوء، ولو قال: انه ليس بسوء لعاند الاجماع فاذ هو سوء وقد صرف عنه السوء فقد صرف عنه‏الهم بيقين، وايضا فانها قالت (ما جزاء من اراد باهلك سوءا) وانكر هو ذلك، فشهد الصادق المصدق(ان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين) فصلح انها كذبت بنص القرآن، واذ كذبت بنص‏القرآن فما اراد بها قط سوءا فما هم بالزنا قط، ولو اراد بها الزنا لكانت من الصادقين وهذا بين جدا،وكذلك قوله تعالى عنه: انه قال: (والا تصرف عني كيدهن اصب اليهن واكن من الجاهلين فاستجاب‏له ربه فصرف عنه كيدهن) فصح عنه انه قط لم يصب اليها»
وللشريف المرتضى في اماليه وكتابه تنزيه الأنبياء بحث طويل في براءة يوسف(ع) وعصمته عند تفسير هذه الآية، وقد كشف اللثام عن الحقيقة في الأمالي كشفا لا مزيد عليه ولم يبق وجها للريبة،ويوافقه في الاجمال ما اوردناه عن ابن حزم في فصله ونرى من تمام الفائدة ان نذكر الاي الدالة على‏البراءة عن امالي المرتضى، قال: والموضع الذي يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى: (وقال نسوة في‏المدينة امراة العزيز تراود فتاها عن نفسه) الى قوله: (في ضلال مبين). وقوله تعالى:
(وراودته التي هوفي بيتها عن نفسه وغلقت الابواب) [يوسف/23] وقوله: (الان حصحص الحق انا راودته عن نفسه‏وانه لمن الصادقين) وفي موضع آخر (فذلكن الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم)والاثار واردة باطباق مفسري القرآن ومتاوليه على انها همت بالفاحشة والمعصية، وذكر وجوها لم‏يذكرها ابن حزم كلها صريحة بتنزيه يوسف(ع) عن المعصية والهم بها وفيما اوردناه كفاية.
6 وجواب السؤال السادس عما نقله عن الجلالين والبيضاوي والخطيب الشربيني في قضية تزويج‏النبي(ص) زيدا مولاه زينب ابنة جحش، ثم وقوعها من نفسه موقعا ادى الى تطليق زيد لها وزواج‏النبي(ص) لها.
(1) ان مقام النبي العظيم وخلقه الكريم وسيرته المثلى قبل النبوة وبعدها وثبوت عصمته تابى التسليم‏بما ينافي ذلك (2) ان قليلا من التدبر في سرد هذه القصة بسورة الاحزاب يظهر براءته مما حام حول‏قدسيته من الظنون وما موه به اعداؤه، وخاصة من اظهروا الاسلام واستبطنوا النفاق، وكان قصارى‏همهم الكيد له بكل اساليب الكيد والعمل على النيل من مقام النبي(ص) ولهذه القصة اشباه ونظائركقصة الغرانيق، فاخذ من اخذ بروايتهم الفاسدة احد رجلين: رجل طبع على غرارهم بصلاح الظاهروفساد الباطن، ورجل لم يؤت قوة التمييز فقبل ما القي اليه على علاته ولم يدر في خلده والاسلام في‏طراوته وجدته ان في المسلمين من يكذب الحديث ومن يحاول انتقاص مقام النبوة (3) ان في هذا القول‏الذي ينبذه العقل والشرع حجة يحتج بها صاحب توضيح المرام على المسلمين والمفسرين منهم، ان‏كان هذا القول مما اجمعوا عليه ويرى فيه مطعنا للمبشرين واعداء الدين المبين، اما وقد كان الاتفاق بل‏والاجماع على خلافه وعلى تبرئة مقام النبي العظيم(ص) من ارتكاب مثله مضافا الى صراحة الايات‏في هذه التبرئة، فاية قيمة لذلك القول المنبوذ والذي لم يتمسك به الا الحشويون ومن تاثربالاسرائيليات التي هي مجموعة افتراءات على مقام النبوات، وانظر بعد ان ما يقوله ابن حزم في‏فصله:
واما قوله تعالى: (وتخفي في نفسك ما اللّه مبديه وتخشى الناس واللّه احق ان تخشاه) [الاحزاب/37]فقد انفنا من ذلك اذ لم يكن فيه معصية اصلا ولا خلاف فيما امره اللّه تعالى به، وان ما كان اراده زواج‏مباح له فعله ومباح له تركه ومباح له طيه ومباح له اظهاره، وانما خشي النبي(ص) في ذلك خوف ان‏يقولوا قولا ويظنوا ظنا فيهلكوا كما قال(ع) للانصاريين: انها صفية فاستعظما ذلك، فا خبرهماالنبي(ص) انه انما اخشى ان يلقي الشيطان في قلوبهما شيئا وهو الذي خشيه(ع) على الناس من هلاك‏اديانهم بظن يظنونه به(ع) هو الذي يحققه هؤلاء المخذولون المخالفون لنا في هذا الباب من نسبتهم الى‏النبي(ص) تعمد المعاصي، فهلكت اديانهم وضلوا ونعوذ به من الخذلان، وكان مراد اللّه عز وجل ان‏يبدي ما في نفسه كما كان سلف في علمه من السعادة لامنا زينب رضي اللّه عنها.
وانظر الى ما يقوله الشريف المرتضى في كتابه تنزيه الانبياء:
«فان قيل: فما تاويل قوله تعالى: (واذ تقول‏للذي انعم اللّه عليه وانعمت عليه) [الاحزاب/37] الاية وليس هذا عتابا له(ص) من حيث اضمر ماكان ينبغي ان يظهره وراقب من لا يجب ان يراقبه، فما الوجه في ذلك؟ قلنا: وجه هذه الاية معروف، وهو ان اللّه تعالى لما اراد نسخ ما كانت عليه الجاهلية من تحريم نكاح‏زوجة الدعي والدعي، هو الذي كان احدهم يجتبيه ويربيه ويضيفه الى نفسه على طريق النبوة، وكان‏من عادتهم ان يحرموا على انفسهم نكاح ازواج ادعيائهم كما يحرمون نكاح ازواج ابنائهم، فاوحى اللّهتعالى الى نبيه(ص) ان زيد بن حارثة وهو دعي رسول اللّه(ص) سياتيه مطلقا زوجته، وامره ان‏يتزوجها بعد فراق زيد لها ليكون ذلك ناسخا لسنة الجاهلية التي تقدم ذكرها، فلما حضر زيد مخاصمازوجته عازما على طلاقها اشفق الرسول(ص) من ان يمسك عن وعظه وتذكيره، لا سيما وقد كان‏يتصرف على امره وتدبيره فرجف المنافقون به(ص) اذا تزوج المراة ويقرفونه بما قد نزهه اللّه تعالى‏عنه، فقال له: امسك عليك زوجك تبرئا مما ذكرناه وتنزها، واخفى في نفسه عزمه على نكاحها بعدطلاقه لها لينتهي الى امر اللّه تعالى فيها، ويشهد بصحة هذا التاويل قوله تعالى: (فلما قضى زيد منهاوطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في ازواج ادعيائهم اذا قضوا منهن وطرا وكان امر اللّهمفعولا) [الاحزاب/37] فدل على ان العلة في امره بنكاحها ما ذكرناه من نسخ السنة المتقدمة. ثم‏قال بعد كلام طويل نمسك عن نقله: فان قيل: فما المانع مما وردت به الرواية من ان رسول اللّه(ص)راى في بعض الاحوال زينب ابنة جحش فهواها، فلما ان حضر زيد لطلاقها اخفى في نفسه عزمه على‏نكاحها بعده وهواه لها؟ او ليس الشهوة عندكم التي قد تكون عشقا على بعض الوجوه من فعل اللّهتعالى، وان العباد لا يقدرون عليها؟ وعلى هذا المذهب لا يمكنكم انكار ما تضمنه السؤال، قلنا: لم ننكرما وردت به هذه الرواية الخبيثة من جهة ان الشهوة تتعلق بفعل العباد وانها معصية قبيحة، بل من جهة‏ان عشئق الانبياء(ع) لمن ليس يحل لهم من النساء منفر عنهم وحاط من رتبتهم ومنزلتهم، وهذا مما لاشبهة فيه، وليس كل شي‏ء يجب ان يجتنبه الانبياء(ع) مقصورا على افعالهم، الا ترى ان اللّه تعالى قدجنبهم الفظاظة والغلظة والعجلة وكل ذلك ليس من فعلهم، واوجبنا ايضا ان يجنبوا الامراض المنفرة‏والخلق المشينة كالجذام والبرص وتفاوت الصور واضطرابها، وكل ذلك ليس من مقدورهم ولا فعلهم،وكيف يذهب على عاقل ان عشق الرجل زوجة غيره منفر عنه معدود في جملة معائبه ومثالبه، ونحن‏نعلم انه لو عرف بهذه الحال بعض الامناء او الشهود لكان ذلك قادحا في عدالته وحاطا من منزلته،وما يؤثر في منزلة احدنا اولى ان يؤثر في منازل من طهره اللّه وعصمه واكمله واعلى منزلته وهذا بين‏لمن تدبره‏»((
وبعد فلا يتسع المقام لايراد كلمات اخرى جامعة في هذا الموضوع لطائفة من العلماء الاعلام، ومنهم‏الاستاذ الامام الشيخ محمد عبده المصري وهي لا تخرج في معناها عما اوردناه، وفيه مقنع لطلاب الحق‏والحقيقة.
7 وجواب السؤال السابع وهو ما نقله عن الخطيب الشربيني في تفسيره عن البيضاوي بمايتعلق بقصة هاروت وماروت والرواية التي جاءت بشان تلك القصة، وهي رواية منبثقة من اساطيرالاولين وخرافاتهم ومتلقاة عن الاسرائيليات التي انتبذها المحققون مكانا ناقصيا، فاذا لا وزن لها عندالعارفين ولا هي مما يفسح المجال لصاحب التوضيح للغمز من قناة المفسرين، ولكنه جرى على عادته‏في تتبع شواذ الاقوال المهجورة وايرادها مورد المسلم المقبول عنده عن عمد وتصميم، للتشبيه على من‏لا علم له بالتفسير ومن لا يسهل عليه الرجوع الى اهل العلم، والا فان من متناوله احقاق الحق ان‏قصده وهو منه على طرف الثمام. واليك ما جاء في امالي الشريف المرتضى (ج‏2 ص 77) ان سال‏سائل عن قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان الى قوله لو كانوا يعلمون)[البقرة/102] فقال: كيف ينزل اللّه تعالى الى السحر على الملائكة ام كيف تعلم الملائكة الناس‏السحر والتفريق بين المرء وزوجه؟ وكيف نسب الضرر الواقع عند ذلك الى انه باذنه وهو تعالى قدنهى عنه وحذر من فعله؟ وكيف اثبت العلم لهم ونفاه عنهم بقوله: (ولقد علموا لمن اشتراه) ثم قوله: (لوكانوا يعلمون)!! الجواب قلنا: في الاية وجوه كل منها يزيل الشبهة الداخلة على من لا ينعم النظر فيها.
اولها: ان يكون ما في (وما انزل على الملكين) بمعنى الذي فكانه تعالى اخبر عن طائفة من اهل الكتاب‏بانهم اتبعوا ما تكذب الشياطين على ملك سليمان وتضيفه اليه من السحر، فبراه اللّه تعالى من قذفهم‏واكذبهم في قولهم، فقال: (وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا) باستعمال السحر والتمويه على الناس.ثم قال: (يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين واراد انهم يعلمونهم السحر والذي انزل على‏الملكين) [البقرة/102] وما انزل على الملكين، وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال فيه ليعرفاذلك ويعرفاه للناس فيجتنبوه ويحذروا منه، كما انه تعالى قد اعلمنا ضروب المعاصي ووصف لنا اعمال‏القبائح لنجتنبها، لا لنواقعها لان الشياطين كانوا اذا علموا ذلك وعرفوه استعملوه واقدموا على فعله،وان كان غيرهم من المؤمنين لما عرفه اجتنبه وحاذره وانتفع باطلاعه على كيفيته، ثم قال: وما يعلمان‏من احد حتى يقولا انما نحن فتنة يعني الملكين، ومعنى يعلمان يعلمان والعرب تستعمل لفظة علمه بمعنى‏اعلمه، والذي يدل ان المراد ههنا الاعلام لا التعليم قوله: (وما يعلمان من احد حتى يقولا انما نحن فتنة‏فلا تكفر) اي انهما لا يعرفانه صفات السحر وكيفيته الا بعد ان يقولا انما نحن محنة، لان الفتنة بمعنى‏المحنة، وانما كان محنة بحيث القيا الى المكلفين امرا لينزجروا عنه وليمتنعوا من مواقعته، وهم اذا عرفوه‏امكن ان يستعملوه ويرتكبوه، فقالا لمن يطلعانه على ذلك: لا تكفر باستعماله ولا تعدل عن الفرض في‏القاء هذا اليك، فانه انما القي اليك واطلعت عليه لتجتنبه لا لتفعله. ثم قال: (فيتعلمون منهما ما يفرقون‏به بين المرء وزوجه) اي فيعرفون من جهتهما ما يستعلمونه في هذا الباب وان كان الملكان ما القياه‏اليهم لذلك، ولهذا قال:
(ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) لانهم لما قصدوا بتعلمه ان يفعلوه ويرتكبوه‏لا ان يجتنبوه ضار ذلك لسوء اختيارهم ضررا عليهم.
وثانيها: ان يكون ما انزل موضعه موضع جر فيكون معطوفا بالواو على ملك سليمان، والمعنى واتبعواما كذب به الشياطين على ملك سليمان وعلى ما انزل على الملكين اي معهما وعلى السنتهما الى كلام‏طويل في هذا الوجه.
وثالث الوجوه ان تحمل ما في قوله: وما انزل على الجحد والنفي فكانه تعالى قال: (واتبعوا ما تتلواالشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان) ولا انزل اللّه السحر على الملكين (ولكن الشياطين كفروايعلمون الناس السحر... ببابل هاروت وماروت) ويكون قوله: ببابل هاروت وماروت من المؤخرالذي معناه التقديم، ويكون على هذا التاويل هاروت وماروت رجلين من جملة الناس هذان اسماؤهما،وانما ذكرا بعد ذكر الناس تمييزا وتبيينا، ويكون الملكان المذكوران اللذان نفي عنهما السحر جبرائيل‏وميكائيل (ع) الى سليمان بن داود(ع) فاكذبهما اللّه تعالى بذلك، ويجوز ان يكون هاروت وماروت‏يرجعان الى الشياطين كانه قال: ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا ويسوغ ذلك كما ساغ في‏قوله تعالى (وكنا لحكمهم شاهدين) [الانبياء/78] ويكون قوله على هذا التاويل (وما يعلمان من‏احد حتى يقولا انما نحن فتنة) راجعا الى هاروت وماروت اللذين هما من الشياطين او من الانس‏المتعلمين للسحر من الشياطين والعاملين به، ويجوز ايضا على هذا التاويل الذي يتضمن النفي والجحدان يكون هاروت وماروت اسمين لملكين ونفى عنهما انزال السحر بقوله: (وما انزل على الملكين) ويكون‏قوله: وما يعلمان من احد يرجع الى قبيلتين من الجن او الى شياطين الجن والانس فتحسن التثنية لهذا،وقد روي هذا التاويل الاخير في حمل ما على النفي عن ابن عباس وغيره من المفسرين، وروي عنه‏ايضا انه كان يقرا وما انزل على الملكين بكسر اللام ويقول: متى كانا العلجان ملكين بل كاناملكين.
هذا ما اوجزناه عن امالي الشريف المرتضى ولخصناه من بحث استغرق عدة صفحات لم يعرض فيه الى‏تلك الاسطورة التي تعلق بها صاحب التوضيح، موهما انها مما ارتضاه مفسرو المسلمين، ونرى من‏المفيد ان ننقل عن فصل ابن حزم ما يتضمن الاعتقاد بعصمة الملائكة وانكار تلك الاسطورة‏الاسرائيلية وتاويل الاية بما يكاد يكون اجمالا لما فصله الشريف المرتضى، قال في (الجزء الرابع ص‏42): قد ذكرنا قبل امر هاروت وماروت ونزيدها هنا بيانا في ذلك.
ان قوما نسبوا الى اللّه تعالى ما لم يؤت به قط اثرى ان يشتغل به وانما هو كذب مفترى، من انه تعالى‏انزل الى الارض ملكين وهما هاروت وماروت، وانهما عصيا اللّه تعالى وشربا الخمر، وقتلا النفس‏وزنيا، وعلما زانية اسم اللّه الاعظم فطارت به الى السماء فمسخت كوكبا وهي الزهرة، وانهما عذبا في غارببابل، وانهما يعلمان الناس السحر، وحجتهم على ما في هذا الباب خبر رويناه من طريق عمير بن‏سعيد وهو مجهول، مرة يقال له النخعي ومرة يقال: له الحنفي، ما نعلم له رواية الا هذه الكذبة، وليس‏ايضا عن رسول اللّه(ص) ولكنه اوقفها عن علي بن ابي طالب(ع)، وكذبة اخرى في ان حد الخمرليس سنة رسول اللّه(ص) وانما هو شي‏ء فعلوه وحاشا لهم رضي اللّه عنهم من هذا. قال: ومن البرهان‏على بطلان هذا كله قول اللّه تعالى:
(الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم‏حميد) ما ننزل الملائكة الا بالحق وما كانوا اذا منظرين) [الحجر/8] فقطع اللّه عز وجل ان الملائكة‏لا تنزل الا بالحق، وليس شرب الخمر، ولا الزنا، ولا قتل النفس المحرمة، ولا تعليم العواهر اسماءه عزوجل التي يرتفع بها الى السماء، ولا السحر من الحق، بل كل ذلك من الباطل، ونحن نشهد ان الملائكة‏ما نزلت قط بشي‏ء من هذه الفواحش والباطل واذا لم تنزل به فقد بطل ان تفعله، لانها لو فعلته في‏الارض لنزلت به وهذا باطل، وشهد عز وجل انه لو انزل علينا الملائكة لما نظرنا، فصح انه لم ينزل قط‏ملك ظاهر الا للنبي بالوحي فقط.
قال: وكذلك قوله تعالى: (ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا) [الانعام/9] فابطل عز وجل انه يمكن‏ظهور ملك الى الناس، وقال تعالى: (ولو انزلنا ملكا لقضي الامر ثم لا ينظرون) [الانعام/8] فكذب‏اللّه عز وجل كل من قال: ان ملكا نزل قط من السماء ظاهرا الا الى الانبياء بالحق من عند اللّه عز وجل‏فقط، وقال عز وجل: (وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا انزل علينا الملائكة او نرى ربنا لقد استكبروافي انفسهم وعتوا عتوا كبيرا يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين) [الفرقان/22] الاية،فرفع اللّه تعالى الاشكال بهذا النص في هذه المسالة وظهر بها كذب من ادعى ان ملكين نزلا الى الناس‏فعلماهم السحر.
وقد استعظم اللّه عز وجل ذلك من رغبة من رغب نزول الملائكة الى الناس وسمي هذاالفعل استكبارا وعتوا، واخبر عز وجل اننا لا نرى الملائكة ابدا الى يوم القيامة فقط، وانه لا بشرى‏يومئذ للمجرمين، فاذ لا شك في هذا كله فقد علمنا ضرورة انه لا يخلو من احد وجهين لا ثالث لهما:اما ان هاروت وماروت لم يكونا ملكين وان (ما) في قوله: (وما انزل على الملكين) نفي لان ينزل على‏الملكين، ويكون هاروت وماروت حينئذ بدلا من الشياطين كانه قال: ولكن الشياطين هاروت‏وماروت ويكون هاروت وماروت قبيلتين من قبائل الجن كانا يعلمان الناس السحر، وقد روينا هذاالقول عن خالد بن ابي عمران وغيره، وروي عن الحسن البصري انه كان يقرا على الملكين بكسراللام، وكان يقول: ان هاروت وماروت علجان من اهل بابل، الا ان الذي لا شك فيه على هذا القول‏انهما لم يكونا ملكين. واما ان يكون هاروت وماروت ملكين نزلا بشريعته حق بعلم ما على انبياء،فعلماهم الدين وقالا لهم: لا تكفروا نهيا عن الكفر بحق، واخبراهم انهم فتنة يضل اللّه تعالى بهما وبما اتيابه من كفر به ويهدي بهما من آمن به، قال تعالى عن موسى انه قال له: (ان هي الا فتنتك تضل بها من‏تشاء وتهدي من تشاء) [الاعراف/155] وكما قال تعالى: (الم احسب الناس ان يتركوا ان يقولواآمنا وهم لا يفتنون) [العنكبوت/2] ثم نسخ ذلك الذي انزل على الملكين، فصار كفرا بعد ان كان‏ايمانا، كما نسخ تعالى شرائع التوراة والانجيل فتمادت الجن على تعليم ذلك المنسوخ، وبالجملة فما في‏الاية من نص ولا دليل على ان الملكين علما السحر وانما هو اقحام اقحم بالاية بالكذب والافك، بل‏وفيها بيان انه لم يكن سحرا بقوله تعالى: (ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على‏الملكين ببابل) [البقرة/102] ولا يجوز ان يجعل المعطوف والمعطوف عليه شيئا واحدا الا ببرهان‏من نص او اجماع او ضرورة والا فلا اصلا، وايضا فان بابل هي الكوفة وهي بلد معروف بقربهامحدودة معلومة ليس فيها غار فيه ملك فصح انه خرافة موضوعة، اذ لو كان ذلك لما خفي مكانهماعلى اهل الكوفة فبطل التعلق بهاروت وماروت.
وبعد فهذا على طوله غيض من فيض مما اول به الاية المحققون من المفسرين، وغرضنا من نقله احدامرين: اولهما وجوب عصمة الملائكة، وثانيهما وهو الاهم ابطال تلك الاسطورة، وانت ترى ان باب‏التاويل في هذه الاية غير منسد على من اوتوا قوة الاستنباط، شرط ان لا يقطعوا المسافة بين ظاهرالاية والمعنى الماولة به وان يمروا بتلك الاسطورة مر الكرام، وفوق كل ذي علم عليم.
وقد ابطل تلك الرواية المفسران الجليلان الرازي والطبرسي ولم يعرض لها الزمخشري،ومن عجائب الايام وعجائبها لا تتناهى ان يظل يدفع تلك الخرافة هذه الاطالة، ولكن شاء لنا ذلك‏تمويه صاحب التوضيح!! 8 وجواب السؤال الثامن من وجوه:
1 ان هذا السؤال في الظاهر اعراض على الاية نفسها لا على التفسير، والا فمعناها مفهوم جلي.
2 ان قصص القرآن لا يراد بها سرد تاريخ الحوادث وترجمة الاشخاص، وانما هي عبرة للناس كماقال تعالى في سورة يوسف، الاية 111، بعد ما ذكر موجزا من سيرة الانبياء(ع) مع اقوالهم: (لقد كان‏في قصصهم عبرة لاولي الالباب) وللعبرة وجوه كثيرة وفي تلك القصص فوائد عظيمة، وافضل الفوائدواهم العبر فيها التنبيه على سنن اللّه تعالى في الاجتماع البشري وتاثير اعمال الخير والشر في الحياة‏الانسانية، وقد نبه اللّه تعالى على ذلك في مواضع من كتابه كقوله: (وقد خلت سنة الاولين) وقولهسنة اللّه التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون) وليس المراد بنفي كون قصص القرآن تاريخاان التاريخ شي‏ء باطل ضار ينزه القرآن عنه، ئكلا ان قصصه شذور من التاريخ تعلم الناس كيف‏ينتفعون بالتاريخ، فمثل ما في القرآن من التاريخ البشري كمثل ما فيه من التاريخ الطبيعي من احوال‏الحيوان والنبات والجماد ومثل ما فيه من الكلام في الفلك، يراد بذلك التوجه الى العبرة والاستدلال‏على قدرة الصانع وحكمته، لا تفصيل مسائل العلوم الطبيعية والفلكية التي يمكن اللّه البشر من الوقوف‏عليها بالبحث والنظر والتجربة وهداهم الى ذلك بالفطرة والوحي معا، ولذلك نقول: لو فرضنا ان‏المسائل التاريخية والطبيعية المذكورة في الكتاب ليست مطابقة الا لما يرى ويعتقد الناس كلهم اوبعضهم في زمن التنزيل لما كان ذلك طعنا فيه، لان هذه المسائل لم تقصد بذاتها بل المراد منها توجيه‏النفوس بطريق الاستفادة بما اشرنا اليه.
3 ان البحث في آيات اللّه كيف وجدت وهل كانت كلها بمحض قدرة اللّه تعالى التي قامت بهاالسماوات والارض، ام كانت لها سنن روحانية خفية عن الجمهور خص اللّه تعالى بها انبياءه كما خصهم‏بالوحي الذي هو علم خفي عن الجمهور، فكل ذلك مما لا يفيد البحث فيه بل ربما كان ضارا آ
4 ان الاية الشريفة تدل دلالة صريحة على اخفاء موت سليمان، وان الذي دلهم على موته بعد حين‏دابة الارض تاكل منساته، وان هذا الاخفاء مقصود لحكمة وهي اتمام بناء المسجد والاعلام بان الجن‏لا يعلمون الغيب، ولو علموه ما لبثوا في عملهم الشاق الذي عبر عنه بالعذاب المهين، واما تعيين مدة‏موته وكم كانت فالروايات مختلفة في تقديرها، ولو قيل بانها كانت عاما وهو اقصى ما قدره بعض‏الرواة فهل يمتنع ذلك في قدرته تعالى ويكون وقوعه معجزة لسليمان(ع) تضم الى معجزاته الكثيرة من‏النملة والهدهد وتسخير الجن والطير والريح له وما الى ذلك مما هو اعظم من معجزة اخفاء موته، واماكيف دبر امر ملكه والطواف على نسائه مما اتخذه صاحب التوضيح سخرية، فانا نكل الجواب عليه الى‏ما نطق به التنزيل.
ان النظر واجب في الاصول التي تثبت بها معرفة اللّه تعالى وصحة النبوة، ومتى اعتقدنا بقدرة اللّهوارادته وعلمه وكونه اوحى الى بعض عبيده والهمهم ارشاد الناس الى ما يسعدهم في حياتهم الاخرى‏فانه يسهل علينا ان نسلم بكل ما يقول الموحى اليهم تسليما، فان وجدنا فيه شيئا يخالف ظاهره الدليل‏العقلي القطعي، يرد اليه بالتاويل او نفوض الامر به الى اللّه مع الاخذ بالدليل القطعي وهذا ما اجمع عليه‏ائمة المسلمين، وهو كاف في كون الاسلام دين العقل، لان المسلم لا يترك الدليل العقلي القاطع بحال من‏الأحوال
6- كيف يستبعد وقوع هذه المعجزة لسليمان من يثبت لصحة نبوة صاحبه ما يربو عليها من المعجزات‏في عصر الكهرباء والراديو والابتكار والاختراع؟ على ان جمهرة من جهابذة العلماء المسلمين يرون ان زمن المعجزات والخوارق قد انتهى ببدء نبوة خاتم‏النبيين المؤيدة بالكتاب المعجزة الخالدة الدائمة ما دامت السماوات والارض والمناجبة للبشر، وقدادركوا دور الرشد من طريق العقل والبرهان لا من طريق الخوارق التي كانت تؤيد بها الرسل في دوراستهواء البشر، وهم لم يبلغوا الرشد للترهات والخرافات فتريهم عجزهم بما ظاهره انه من ذلك النوع‏كال.. موسى(ع) السحر ب‏آية العصا وعيسى(ع) ب‏آياته شعوذة مداواة المرض بالاوهام لا بقوانين‏الطب الصحيحة.
7- ان ظاهر الاية (فلما قضينا عليه الموت الى ما لبثوا في العذاب المهين) [سبا/14] يدل على‏طول المدة التي استبعدها صاحب التوضيح واختتم كلامه بالتهكم، والا فلبث ساعة او ساعتين او يوم‏او يومين او اياما لا يناسبه التعبير ب (ما) لبثوا في العذاب المهين. وقد حاول الدكتور محمد توفيق صدقي‏تطبيق لبث سليمان ميتا وهو قائم في صورة الحي على قوانين الطب وان ذلك كان من نوع (تيبس‏الموت) ورايه هذا مذكور في المجلد الخامس من المنار الاسلامي ص 361، ونرى فيما اجبنا به كفاية عن‏ذكر وجوه واحتمالات اخرى ومقنعا لمن ينشد الحق لا الجدل والمراء والتضليل.
ان القاضي ابن رشد الفيلسوف الاسلامي يرى ان لا تنشر التاويلات التي تظهر للراسخين في العلم، بل‏تبقى خاصة باهلها لئلا تكون سببا لفتح باب الجدل على العامة فيما لا تصل اليه افهامهم من حقائق‏العلوم والجدل مدعاة الشكوك، ولذلك يجب تاديب المشككين والاعراض عن المجادلين.
9- وجواب السؤال التاسع في تفسير الرازي للاية (ووجدك ضالا فهدى).
اقتصر صاحب التوضيح على نقل الرازي لبعض الاقوال لبعض المفسرين كالكلبي والسدي ومجاهد،وهي التي تصرح بنسبة الضلال الى النبي(ص) بمعناه العرفي، ولغرض ما وقف في سؤاله موقف الريبة‏من حيث اظهاره ارتضاء الرازي بتلك الاقوال، ولو ادى الامانة في النقل لاستغنى عن الاستفهام عن‏المخط‏ى‏ء والمصيب في العشرين وجها التي سردها في تفسير ووجدك ضالا، فقد قال بعد نقله قول بعض‏المفسرين واقوال الكلبي والسدي ومجاهد:
واما الجمهور من العلماء فقد اتفقوا على انه(ع) ما كفر باللّه لحظة واحدة، ثم قالت المعتزلة: هذا غيرجائز عقلا لما فيه من التنفير، وعند اصحابنا هذا غير ممتنع عقلا لانه جائز في العقول ان يكون‏الشخص كافرا فيرزقه اللّه الايمان ويكرمه بالنبوة، الا ان الدليل السمعي قام على ان هذا الجائز لم يقع،وهو قوله تعالى (ما ضل صاحبكم وما غوى) [النجم/2] . وكان الوجوه العشرين التي اوردها الرازي وجلها ان لم تكن كلها تنزه مقام النبي(ص) عن الضلال‏وتثبت له العصمة المتفق عليها او المجمع عليها عند جماهير المسلمين دع اقوال الحشويين والدساسين‏ لا تنهض برد شبهة المبشرين وتريه القول المصيب والمخط‏ى، واي مجال بعد هذا للقدح فيه(ص) من‏اعدائه، ولقوله: وليقولوا لنا من فسر منهم برايه.
اما التفسير بالراي فقد كرر انكاره من غير ما مرة، وقد سبق تحرير بحثه في اقوال المفسرين ونزيده هناوضوحا، فان منع من منع التفسير بالراي ما كان مستندا الى محض الراي والهوى لا ما كان مستندا الى‏السمع والى ما يصح في اللغة التي نزل فيها الكتاب، وما كان تاويله منطبقا على قوانينها المحررة، وماكان مما يجب صرفه عن الظاهر فيما يقضي العقل او السمع بذلك وكان المفسر مما فيه مجال للراي ولم‏يرد فيه نقل صحيح او نص صريح، وما كان الجمود على الظواهر وسد باب التفكير والنظر من طبيعة‏الاسلام وهو ينهى عنهما وينعى على الجامدين والمقلدين جمودهم وتقليدهم في غير ما آية، وكفى برهاناعلى اطلاق الاسلام للعقل النظر وتحريره ما حدث من العلوم الاسلامية المؤسسة على قوانينه‏الصحيحة، فمن المكابرة رمي صاحب التوضيح علماء المسلمين بالجمود وهو يرى منهم في كل زمان‏ومكان من لا يشق غباره ولا يدرك امده في فلسفة الشريعة الاسلامية، وفي رد كيد الناجين له‏ولصاحب رسالته الخالدة العداوة الى نحورهم قبل ان يولد نبيهم وبعد ان ولد، لم تخمد لهم نار غيرة، ولم‏تسكن لهم ريح حمية.
وبعد فلنعد الى تفسير الاية، ففي الكشاف في معنى (ضالا):
«الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع‏كقوله: (ما كنت تدري ما الكتاب) وقيل: ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده ابو جهل الى عبدالمطلب، وقيل: اضلته حليمة عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب، وقيل: ضل‏في طريق الشام حين خرج به ابو طالب، فهداك فعرفك القرآن والشرائع، او فازال ضلالك عن‏جدك وعمك، ومن قال:
كان على امر قومه اربعين سنة، فان اراد انه كان على خلوهم عن العلوم‏السمعية فنعم، وان اراد انه كان على دينهم وكفرهم فمعاذ اللّه، والانبياء يجب ان يكونوا معصومين قبل‏النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر الشائنة فيما بال الكفر والجهل بالصانع (ما كان لنا ان نشرك باللّه من‏شي‏ء)وكفى بالنبي نقيصة ان يسبق له كفر» وقال الشريف المرتضى في كتابه (تنزيه الانبياء): «فان قيل: فما معنى قوله تعالى في: (ووجدك ضالافهدى) اوليس هذا يقتضي اطلاقه الضلال عن الدين؟ وذلك مما لا يجوز عندكم قبل النبوة ولابعدها.
الجواب: قلنا في معنى هذه الاية اجوبة:
اولها: انه اراد وجدك ضالا عن النبوة فهداك اليها او عن شريعة الاسلام التي نزلت عليه وامر بتليغهاالى الخلق، وبارشاده(ص) الى ما ذكرناه اعظم النعم عليه، والكلام في الاية خارج مخرج الامتنان‏والتذكير بالنعم، وليس لاحد ان يقول: ان الظاهر بخلاف ذلك لانه لا بد في الظاهر من تقدير محذوف‏يتعلق به الضلال، لان الضلال هو الذهاب والانصراف، فلا بد من امر يكون منصرفا عنه، فمن ذهب‏الى انه اراد الذهاب عن الدين فلا بد له من ان يقدر هذه اللفظة ثم يحذفها ليتعلق بها، لفظ الضلال‏وليس هو بذلك اولى منا فيما قدرناه وحذفناه.
وثانيها: ان يكون اراد الضلال عن المعيشة وطريق التكسب، يقال للرجل الذي لا يهتدي طريق‏معيشته ووجه مكتسبه: هو ضال لا يدري ما يصنع ولا اين يذهب، فامتن اللّه تعالى عليه بانه رزقه‏واغناه وكفاه.
وثالثها: ان يكون اراد وجدك ضالا بين مكة والمدينة عند الهجرة فهداك وسلمك من اعدائك، وهذاالوجه قريب لولا ان السورة مكية وهي مقدمة للهجرة الى المدينة، اللهم الا ان يحمل قوله تعالى‏وجدك على انه سيجدك على مذهب العرب في حمل الماضي على معنى المستقبل، فيكون له‏وجه.
ورابعها: ان يكون اراد بقوله ووجدك ضالا فهدى اي مضلولا عنك في قوم لا يعرفون حقك فهداهم‏الى معرفتك وارشدهم الى فضلك، وهذا له نظير في الاستعمال، يقال: فلان ضال في قومه وبين اهله اذاكان مضلولا عنه.
وخامسها: انه روي في قراءة هذه الاية الرفع (الم يجدك يتيم ف‏آوى ووجدك ضال فهدى) على ان‏اليتيم وجده وكذلك الضال، وهذا الوجه ضعيف لان القراءة غير معروفة ولأن هذا الكلام يسمج ‏ويفسد أكثر معانيه‏ .
وبعد فلا يتسع المقام للزيادة عن هذا القدر وفيه كفاية عن الاسهاب.
10- وجواب السؤال العاشر عن تفسير الاية (اوحينا اليك روحا من امرنا) [الشورى/52].
قال الفخر الرازي: «والمراد به القرآن، وسماه روحا لانه يفيد الحياة من موت الجهل او الكفر»وقال الزمخشري في كشافه: «يريد ما اوحي اليه، لان الخلق يحيون به في دينهم كما يحيا الجسدبالروح‏»، وقال الطبرسي في مجمع البيان:
«يعني الوحي بامرنا ومعناه القرآن لانه يهتدى به، ففيه‏حياة من موت الكفر» وهناك اقوال اخرى متقاربة فاي خير في هذا الاختلاف في التعبيرالراجع الى وحدة المعنى، وهل يرى صاحب التوضيح ان باستطاعة نبيه رفع الاختلاف وتوحيد الاراءوحمل العلماء كافة على اتباع ما يراه في التفسير فيما فيه مسرح للراي ومجال للاستنباط والاستنتاج؟ 11- وجواب السؤال الحادي عشر عن تفسير (قيل لها ادخلي الصرح) [النمل/44] وهو سؤال‏اطال فيه الكلام وسبقه احلام المفسرين، وتخلص من ذلك كله الى راي لمسيحه الموعود في تفسير هذه‏الاية. واقول: ان كل خبر يتضمن تخطئة نبي من الانبياء(ع) وليس فيه مجال للتاويل فهو مكذوب‏معروض عنه، وصريح الاية يدل على امر سليمان(ع) لملكة سبا بدخول الصرح وتوهمها انه لجة‏وكشفها عن ساقيها، وما عدا ذلك مما عزي اليه من انه قصد ايهامها لتكشف عن ساقيها ليتبين مانسب اليها من انها شعراء الساقين ام لا، فليس في الاية ادنى اشارة اليه، على ان ذلك من العبث الذي‏يجب صون النبوة عنه.
وصاحب الكشاف نسب ما نقله صاحب التوضيح عن الشربيني الى الزعم(والزعم مطية‏الكذب) كما قالوا، وكذلك الفخر الرازي والبيضاوي لم ينقل هذا الخبر الموضوع المصنوع في تنزيله.
وبعد فان جل الاخبار التي رواها القصاصون والمغرمون بالاساطير والاسرائيليات اعرض عنهاالمحققون ونقدة الاخبار، وماذا يضير المسلمين اذا تمسك بها المبشرون ليجادلوا بها ضعفاء المسلمين،وقد افسدها حملة العلم منهم ولم يرد بها نص من الكتاب الذي هو والسنة الصحيحة حجة لهم وعليهم،ومن زعم ان المفسرين معصومون لا يخطئون وان كل ما قالوه وقد يكون في الكثير منه ما يناقض‏بعضه بعضا واجب الاتباع وقلنا مرارا: ان تفسير القرآن بما لا يخرج عن اساليبه واساليب العرب ولايخالف الحقائق الطبيعية والكونية والاجتماعية والقواعد العقلية والسمعية المقررة ليس من المحظور، وان‏للراي اذا لم يخالف ذلك كله وكان فيه الكشف عن اسراره التي لا تتناهى مجالا واسعا للتاويل، وانه لم‏يصح عن النبي(ص) انه فسر كل آي القرآن لاصحابه حتى ما يتمكن من فهمه العامة والخاصة من‏اهل اللسان. قال الرافعي في هامش كتابه اعجاز القرآن:
«قد ثبت ان رسول اللّه(ص) قبض ولم يفسر من القرآن الا قليلا، وهذا وحده يجعل كل منصف يقول:اشهد ان محمدا رسول اللّه، اذ لو كان(ص) فسر للعرب بما يحتمله زمنهم وتطيقه افهامهم لجمد القرآن‏جمودا تهدمه عليه الازمنة والعصور ب‏آلاتها ووسائلها، فان كلام الرسول نص قاطع، ولكنه ترك‏تاريخ الانسانية يفسر كتاب الانسانية، فتامل حكمة ذلك السكوت، فهي اعجاز لا يكابر فيه الا من‏قلع مخه من رأسه‏»
وأما ما أطال فيه صاحب التوضيح الكلام في تجويز التفسير وايراده كلمات بعض العلماء في هذا المعنى‏فلا نناقشه فيه، وقد ذكرنا الشي‏ء الكثير منه في تضاعيف هذه المباحث بما لا زيادة فيه لمستزيد، بيد ان‏ذلك لا يعني فتح باب دعوى النبوة للوصول اليه، وهو مما لم يجهله العلماء الذين جمعوا مزايا الاجتهادوالاستنباط، وفي ذلك عناية بامر الكتاب وامتحان للعقول في تدبر آياته وتدارسه، وحسبك ما انبثق‏من هذه العناية ومن هذا التوفر على تفهم معانيه من العلوم الاسلامية ومن دعوته العقول الى التفكيرفي الافاق والانفس وما الى ذلك من العلوم الاخرى. اتصلت حياة المسلمين بالقرآن الحكيم اتصالاوثيقا بما ناجى به عقولهم وارواحهم وقلوبهم، وما نصب لهم من الدلائل واوضح لهم من السبل ومن‏ارشدهم الى اقتفاء اثره واتباعه، وهم الذين لم تخل منهم الارض ولم تنقطع بهم الحجة، لتقوم حجة في‏زمن من ازمنتهم تزعم نبوة جديدة بعد انقطاع النبوات بخاتم الانبياء صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى‏آله الطيبين الطاهرين واصحابه المنتجبين وسلم تسليما كثيرا.
نموذج من طريقة القاديانية في التفسير راينا ان نختم هذا الباب بنموذج من طريق القاديانية في تفسير الكتاب العزيز، مما لم يعرفه المفسرون‏ولا ورد فيه خبر او اثر للمقابلة، بين تفسيرهم الذي يجعل القرآن مجموعة رموز واحاجي ويتصل‏اتصالا وثيقا بطريقة الباطنية وبعض المتصوفة في التفسير ويبتعد ابتعادا كليا عن ظواهره التي تعبدالمخاطبين المكلفين بها وبفهمها بمثل ما يتفاهمون به باساليبهم الخطابية التي لم يكن القرآن شاذا عنها،اللهم الا اذا كان قد كلفهم اللّه بكتابه بما لا يطيقون فهمه وهو مناف لحكمة التكليف، وبين مفسريه من‏المسلمين الذين تعبدوا بالتفسير على الظواهر التي هي مناط التكليف ومناطه، معتمدين فيما ننقله من‏آرائهم في التفسير على مقال الاستاذ اديب التقي (المسيح الهندي) الذي استمد مادته من احد دعاة‏القاديانية الاستاذ زين العابدين ولي اللّه شاه استاذ تاريخ الاديان في كلية صلاح الدين ببيت المقدس‏سابقا ورئيس معارف الجامعة الاحمدية في مدينة (قاديان) من بنجاب في الهند في ذلك الحين، فمن‏ذلك تفسير الاية (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) [البقرة/102] الاية.
هذه الاية الكريمة تشير الى واقعتين من تاريخ بني اسرائيل، وهما تاسيس جمعيتين سياسيتين سريتين:الاولى في القدس وهي مؤلفة من بني اسرائيل انفسهم والاغراب بناه هيكل سليمان، وغايتها قلب ملك‏سليمان وهدم كيان سلطته.
والثانية: في بابل وخارجها وقد تاسست بتاثير ارميا وحزقيل من انبياء بني‏اسرائيل، وغايتها قلب مملكة بابل وتقويضها والقضاء عليها. اما الاولى، فلم ينجح القائمون بها في حياة‏سليمان، لان سليمان بطش بهم البطشة الكبرى، وانما نجحوا بعد موته. واما الثانية التي في بابل وخارجهافقد نجحت، والشياطين المذكورون في الاية يراد بهم الاشرار المفسدون من الناس من الاغراب بناة‏الهيكل والاسرائيليين، والسحر يراد به الكلام الجاذب الذي يستميل القلوب، والملكان هاروت‏وماروت يراد بهما ارميا وحزقيل من انبياء بني اسرائيل، وقد سميا ملكين مقابلة للشياطين، ويؤيد هذاالاستعمال ما ورد في حق يوسف(ع) في القرآن (ان هذا الا ملك كريم) [يوسف/31] ويدل على‏انهما من البشر قول اللّه: (وما يعلمان من احد) لان الملائكة لا







التوقيع

hazem.jpg

رد مع اقتباس
قديم 11-01-2007, 09:45 AM رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ماهر المعاني
عضو مساهم

الصورة الرمزية ماهر المعاني

إحصائية العضو







آخر مواضيعي


ماهر المعاني غير متواجد حالياً


افتراضي سامحك الله وهداك أخي حازم

السلام على من إتبع الهدى وخشى الرحمن بالغيب وما بغا
أرى يا أخي أن دأبك التكفير والإنكار والتشكيك والإدبار
أما كان خير لك ان تعرف الحق من أهله وأن تعقل كلام الله بدلا من كلام العباد ولو إتبعت أكثر أهل الأرض لأضلوك السبيل
وإن أكثر أهل الأرض لا يؤمنون فكفى ياأخي وتعال الى كلمة سواء ولنتناقش كمسلمين عاقلين مؤمنين أمام الجميع فال تختبأ وتتوارى ولا عن نزال تتمارى
فإني أراك من المتبعين لآراء الناس تاركا كلام ملك الناس اله الناس فكن من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأعرض عن الجاهلين وكن من المجاهدين في معرفة الحق
أدعوك يا أخي أن تقرأ تفسير الجماعة الإسلامية الأحمدية لسورة الكهف وترى ما فيها من معارف وتخبرني عن رايك عسى أن يظهر لك الله كلامه وتكون من الصادقين
أعلم أن دأب التكفير دأب ذميم وعاقبة الكذبين مرض سقيم
هداك الله وعافاك ونجاك ورحمك والسلام على المؤمنين الصادقين
الذين عن الحق يدافعون
أعلم أن الوقت قد حان لأظهار عظمة الإسلام فلا تكن كغبار يعمي الناس وكن من الذين يسمعون
عسى ربي أن يريك الحق حقا ويرزقك إتباعه
والسلام على من إتبع الهدى







التوقيع

بسم الله الرحمن الرحيم
وعد الله الذين آمنو منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما إستخلف الذين من قبلهم

رد مع اقتباس
قديم 11-01-2007, 11:25 AM رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
mira-dz
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

و عليكم السلام أستاد ماهر لم أسمع قبلا عن الجماعة الأحمدية فلا وجود لها على حد علمي في بلادي فنحن و الحمد لله في بلد لا تكثر فيه الطوائف و ان وجدت
لكني حسبما قرأت قبلا في موضوع معنى خاتم الأنبياء لم يقنعني اتجاه هده الججماعة أو توجهها أنا لا أنتظر منك هجوما ناريا لكن ردا حضاريا على سؤالي
أستاد أرجوك و أرجوك هل هناك تفسير لكم وحدكم و لنا تفسير مغاير
أستاد سنلتقي و نكمل حديثنا







رد مع اقتباس
قديم 11-01-2007, 12:53 PM رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
ابتسام
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

وعليكمالسلام جميعا
اخ ماهر,انا اسعي دائما واحاول جاهدة ان افهم الاسلام واحاول تطبيقه اما بالنسبة لتصحيح الاخطاء التي تسربت للدين الاسلامي فاأنا الصراحة غير مؤهلة لذلك, يدوبك استطيع أن احساب واصحح من نفسي
والواحد في كل الاحوال يتاعمل باللتي هي احسن وان شاء الله خيــــــــــــــــــــــــــر
سلام من إبتسام







رد مع اقتباس
قديم 11-01-2007, 02:09 PM رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
mira-dz
إحصائية العضو






آخر مواضيعي



افتراضي

و عليكم بأحسن مما قلتم و الله يا ابتسام صح ما قلت فمحاسبة النفس و تصحيح أخطائها أصعب و الباقي المتبقى نرجع ىفيه للشرسعة القرآن و السنة و القياس
و الله أعلم







رد مع اقتباس
قديم 12-01-2007, 01:13 AM رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
المحامي حازم زهور عدي
عضو أساسي ركن
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


المحامي حازم زهور عدي غير متواجد حالياً


افتراضي

ويدل على‏انهما من البشر قول اللّه: (وما يعلمان من احد) لان الملائكة لا تعلم البشر، وهاروت وماروت لفظان‏وضعيان يتضمنان معنى الاستئصال والتدمير لاعداء اليهود وهم البابليون يومئذ، والفتنة يراد بها التمييزبين الخبيث والطيب والصالح والطالح. (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه) [البقرة/102] اي ان ارميا وحزقيل يعلمان الناس ما يجعلونهم به يتركون ازواجهم واولادهم‏ويتبعونهما تقاديا في سبيل اللّه وفرارا الى اللّه (وما هم بضارين به من احد الا باذن اللّه ويتعلمون مايضرهم ولا ينفعهم) [البقرة/102] اشارة الى الجمعية الاولى، فان القائمين بها لم يتمكنوا ان يضروااحدا لفساد تعاليمهم، ولانهم شياطين اشرار لا ينجح اللّه اعمالهم، والذين يتعلمون منهم شيئا انمايتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم الى كلام يجري هذا المجرى من التعسيف والتكلف لا طائل تحته، فلانتعب انفسنا والقراء في نقله.
اية مصلحة اقتضت هذه التعمية على المخاطبين بكلام هو من جنس كلامهم ان اعجزهم اسلوبا وبيانا،واي محذور من افهامهم الامر الواقع ان كان على ما يتمحله القاديانيون، على ان في هذا التخريج‏والتحكم من الاستبعاد والتطبيق على ما قصدوا له ما لا يخفى على الشاري فضلا عن المتعمقين في فهم‏موارد الكتاب ومصادره. ومن ذلك قولهم في تفسير الاية:
(ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر الى ما لبثوا في العذاب المهين) [سبا/12 14] تسخير الريح اشارة الى ما اوتيه سليمان(ع) من‏السلطة البحرية وكثرة مراكبه التي تسيرها الريح، والجن الذين كانوا يعملون لسليمان يراد بهم الاقوام‏الجبابرة من العمالقة وغيرهم ممن استخدمهم سليمان في اعماله، وقد سموا في آيات اخرى بالشياطين،وكلمات الجن الواردة في اماكن مختلفة من القرآن المجيد بعضها يفسر بمخلوقات كانت قبل الانسان لانعلم حقيقتها خلقت من نار حينما كانت الكرة الارضية نارا، وبعضها يفسر بالمردة والجبابرة من الناس،وبعضها بالطبقة المستعبدة من البشر لغيرها، والانس الطبقة المستعبدة الضعاف كما في الاية الكريمة (يامعشر الجن قد استكثرتم من الانس) [الانعام/128] وسورة الجن وما فيها اشارة الى وفد نصيبين‏وكانوا من اليهود، (ودابة الارض) كناية عن يربعام بن سليمان الذي لا يصح للملك، شبه بالدابة لانه‏كالدواب سافل ليس فيه سمو وعلو، (المنساة) العصا او صولجان الملك كناية عن المملكة لانه يتوكاعليها وتكون بها قوة، (فلما تبينت الجن) اي القوم الاشداء الجبابرة من الكنعانيين والكلدانيين، وكذلك‏قوله تعالى: (ولقد فتنا سليمان والقينا على كرسيه جسدا ثم اناب) [ص/34] المقصود به من الجسديربعام اي انه جسد لا روحانية فيه.
وتفسير هذه الاية كتفسير الاية السابقة في الخروج عن منطوقها ومفهومها وفي التكلف الذي لا تحتمله‏ولا تحمله الفاظها، ولتفنيده وجوه لا يتسع المقام لذكرها، ومنه الايات (وحشر لسليمان جنوده من‏الجن والانس والطير الى قوله انه صرح ممرد من قوارير) [النمل/17].
(وادي النمل) واد في فلسطين بين جبرين وعسقلان تسكنه قبيلة تسمى (قبيلة النمل) والنملة المتكلمة‏هي امراة من هذه القبيلة، والعرب تسمي قبائلها بالنمل كما سميت قبيلة (مازن)، ومعنى (مازن) بيض‏النمل، (وتفقد الطير) اي تفقد الطيور في حديقة الطيور، وكان لسليمان حديقة عظيمة فيها من جميع انواع‏الطيور، فقال: (ما لي لا ارى الهدهد)، والهدهد هنا اسم رجل كان ارسله الى سبا عينا لياتيه بخبرهم‏وابطا عنه فظن انه خان ولحق بالعدو، فلذلك قال: (او لاذبحنه) وكان غاب عن ذاكرته، فلما راى الطيرالمسمى بالهدهد في حديقة الطيور فطن اليه لمماثلة الاسمين (قال عفريت من الجن) هو رجل من العمالقة(انا آتيك به) بالعرش (قبل ان تقوم من مقامك) كان سليمان يريد فتح بلاد سبا في غير ان ياتوه‏بعرشها سريعا بعد الفتح، فقال رجل من العمالقة: انا آتيك بهذا العرش قبل ان تقوم من مقامك، اي‏قبل ان تنفر انت لمحاربتهم. و (قال الذي عنده علم من الكتاب) اي رجل من المؤمنين بالكتاب من‏بني اسرائيل وهو بمقابلة العفريت الذي هو من العمالقة غير المؤمنين (قبل ان يرتد اليك طرفك) يرادبه الدلالة على الاسراع (فلما رآه مستقرا عنده) اي العرش وذلك بعد زمن لا عقب القول، ومنه يفهم‏ان الملكة بلقيس اسلمت بعد ان فتح سليمان بلادها (قيل لها ادخلي الصرح) الصرح الذي صنعه سليمان‏لبلقيس صفائح من البلور والقوارير، يجري من تحتها الماء، فيخيل للرائي ان هنالك ماء دون زجاج،وقصد بذلك سليمان ان يمثل لها الشمس المعبودة بالنظر الى خالق الشمس الحقيقي، فقد كانت تعبدالشمس وترى انها مصدر الربوبية العامة، فافهمها سليمان ان الربوبية العامة مصدرها ما وراء هذه‏الاكوان، كما ان الماء الحقيقي ليس الذي حسبته ماء من القوارير وشمرت عن ساقيها من اجله، بل هو ماوراء هذه القوارير، فلما فهمت هي مقصد سليمان: (قالت: رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان للّهرب العالمين) [النمل/44].
وعلى هذا النسق ومن مثل هذا الينبوع استمدوا تفسيرهم لاي كثيرة من الذكر الحكيم يطول بايرادهاونقضها الخطب، فليرجع من يطلب ذلك الى مقال ذلك الاستاذ المفضال.
فلسفتهم في التفسير واللغة راينا من الجمام والترويح على نفوس القارئين ان نطرفهم بما جاء في ذلك المقال الممتع الجامع لعقائدالقاديانية ولتاريخهم، وما الى ذلك من امورهم الجديرة بالدرس مما لم يعرفه المفسرون من التفسير، ومالم يصل اليه من تحليل لغوي اللغويون، فمن ذلك قولهم في علة تحريم الخنزير، ان اللّه حرم الخنزير وقدضمن اسمه الاشارة الى تحريمه منذ الاول، لان لفظ (خنزير) مركب من كلمتين هما (خنزر) ومعناها(فاسد جدا) و(آر) ومعناه (ارى) فيكون معنى الاسم المركب (اراه فاسدا جدا) ومن الاتفاق العجيب ان‏اسمه في الهندية (سؤر) وهذا ايضا مركب من كلمتين (سوء) و(آر) اي (اراه سوءا) والعربية ام الالسنة‏باجمعها وان كلماتها توجد في جميع اللغات بالعدد الكثير، ومن ذا الذي لا يدري ان هذا الحيوان اشدحرصا على اكل النجاسات من جميع الحيوانات الاخرى وانه فوق ذلك وقح ديوث (الخ).
ومنها تفسير الكافور والزنجبيل اللذين وردا في الايتين (ان الابرار يشربون من كاس كان مزاجهاكافورا) [الانسان/5] و (يسقون فيها كاسا كان مزاجها زنجبيلا) [الانسان/17] الكفر في وضع‏اللغة العربية معناه التفشية والاخفاء، والمراد بالكافور هنا الاشارة الى ان الابرار قد شربوا من كاس‏الخلوص والحب ما قد اخمد شهواتهم وبرد في قلوبهم محبة الدنيا، فمن تبتل الى اللّه التبتل كله فقد بعدعن شهوات النفس واندفنت شهواته كما تدفن المواد السامة بالكافور. والزنجبيل مركب من كلمتين(زنا) و(جبيل) ومعنى (زنا) في العربية (صعد في الجبل) فمعنى الاية: ان اولياء اللّه الكمل يستوفون نصيباكاملا من القوة الروحانية، ويرتقون كبار العقبات، وتتم على ايديهم صعاب الامور، وسمي الزنجبيل‏بالعربية زنجبيلا لانه يزيد في الحرارة الغريزية كثيرا ويقوي الضعيف حتى يمكنه ان يتسلق الجبال.وبسرد هاتين الايتين كانما يريد اللّه افهام عباده ان الانسان اذا اقلع عن الشهوات وسار نحو الصلاح‏بدت فيه حالة تسكن مواده السامة وتخفض من غلواء شهوات النفس، كما يفعل الكافور في تسكين‏حدة السموم، ومتى زالت شدة السموم ونقه المريض من العلل الباطنة ابتدات مرحلة ثانية يستقوي‏فيها العليل بشراب الزنجبيل، وهذا الشراب الزنجبيلي انما هو تجلي اللّه على عبده بجماله وجلاله، فاذاتقوى الانسان بالتجلي الرباني قدر ان يتسنم الاطوار العالية الشاهقة.
قبل التعليق على هذا التفسير الطريف الى المفسرين والاطباء واللغويين فان كلامهم يجد الطريق‏مفتوحا للايغال في علمه وفنه، وهكذا يريد القاديانيون من نعيهم على مفسري الكتاب العزيز طريقتهم‏في التفسير وليبينوا من الغازه واحاجيه ما يؤول الى ان الكتاب انزل على العرب بلغتهم ولكن بمعان لايفهمونها، وهل هذا مفاد قوله تعالى: (انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون) [يوسف/2] وهل من‏تعقل اي تفهم معانيه ان لا يفهموها؟ وما معنى قوله تعالى: (وما ارسلنا من رسول الا بلسان قومه‏ليبين لهم) [ابراهيم/4] وهل يترك الرسول البيان لقومه في وقت حاجتهم الى البيان الذي هو مناط‏التكليف؟ ومن ذلك تفسير السلاسل والاغلال في قوله تعالى: (انا اعتدنا للكافرين سلاسلا واغلالاوسعيرا) [الانسان/4] المراد من هذه الاية، ان الذين يرفضون الحق ولا يبغون اللّه من صميم الفؤاديبلوهم اللّه برد الفعل، فيعانون جهد البلاء في بلبال الحياة الدنيا حتى كانهم مقرنون في الاصفادوينهمكون في الشواغل الارضية، كانما شدت اعناقهم بالاغلال فلا تدعهم يرفعون راسهم نحوالسماء.
هذا ما نراه كافيا في المقابلة بين آراء القاديانية في التفسير وآراء العلماء الراسخين، وهو الى ما سلف من‏الاقوال في التفسير التي لم تتخط فيه الحقيقة الى التخيلات الشعرية كاف في هذا البحث، ولنعد الى نقض‏اقاويلهم الاخرى في بقية الفصول.
الباب الثاني: في التعليق على الفصل الثاني
في عدم انقطاع الوحي المزعوم:
أطال صاحب التوضيح الكلام في هذا الفصل محاولا به اثبات عدم انقطاع الوحي بادلة واقوال جلهاللمتصوفين بزعم تاييدها لدعواه، وان نقض كل دليل منها يحتاج الى التطويل في حيث لا طائل،ويؤدي التوسع فيه الى التباعد بين اطراف البحث والى س‏آمة القارى، فراينا ان نوجزه فيما يلي:
الاول: ان للوحي معاني جمة وهو لفظ مشترك بينها.
1- في القاموس: («الوحي): الاشارة والكتابة والرسالة والالهام والكلام الخفي، وكل ما القيته الى‏غيرك، والصوت يكون في الناس وغيرهم كالوحى، والوحاة جمع وحي، واوحى اليه بعثه والهمه،ونفسه وقع فيها خوف‏»
2- في مفردات الراغب الاصبهاني في غريب القرآن: وحي:
اصل الوحي الاشارة السريعة، ولتضمن‏السرعة قيل امر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعريض، وقد يكون بصوت مجرد عن‏التركيب واشارة ببعض الجوارح وبالكتابة، وقد حمل على ذلك قوله تعالى: (فاوحى اليهم ان سبحوا)[مريم/11] فقد قيل: رمز، وقيل: اعتبار، وقيل: كتب، وعلى هذه الوجوه المذكورة في قوله: (يوحي‏بعضهم الى بعض)، (وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم)فذلك بالوسواس المشار اليه بقوله: (من شرالوسواس الخناس) . وبقوله(ع): وان للشيطان لمة الخبر. ويقال للكلمة الالهية التي تلقى الى انبيائه‏واوليائه وحي، وذلك اضرب حسبما دل عليه قوله: (وما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا الى قوله آباذنه ما يشاء).
وذلك اما برسول مشاهد ترى ذاته ويسمع كلامه كتبليغ جبريل(ع) في صورة معينة،واما بسماع كلام من غير معاينة كسماع موسى كلام اللّه، واما بالقاء في الروع كما ذكر(ع) «نفث في‏روعي‏». واما بالهام نحو (واوحينا الى ام موسى) [القصص/7] واما بتسخير نحو قوله: (واوحى‏ربك الى النحل) [النحل/68] او بمنام كما قال(ع) «انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمنين‏».فالالهام والتسخير والمنام دل عليه قوله: (الا وحيا او من وراء حجاب) . وتبليغ جبريل في صورة‏معينة دل عليه قوله: (او يرسل رسولا). وقوله: (او قال اوحي الي ولم يوح اليه شي‏ء) [الانعام/93].وذلك لمن يدعي شيئا من انواع ما ذكرنا من الوحي، اي نوع ادعاء من غير ان يحصل له. وقوله:
(وماارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه) [الانبياء/25] فهذا الوحي هو عام في جميع انواعه،وذلك ان معرفة وحدانية اللّه تعالى ومعرفة وجوب عبادته ليست مقصورة على الوحي المختص باولي‏العزم، بل يعرف ذلك بالعقل والالهام كما يعرف بالسمع، فاذا القصد من الاية تنبيه انه من المحال ان‏يكون رسول لا يعرف وحدانية اللّه ووجوب عبادته، وقوله تعالى: (واذ اوحيت الى الحواريين) [المائدة/111] فذلك وحي بوساطة عيسى(ع) وقوله: (واوحينا اليهم فعل الخيرات) [الانبياء/73] فذلك وحي الى الامم بوساطة الانبياء. ومن الوحي المختص بالنبي(ص) (اتبع مااوحي اليك من ربك). (ان اتبع الا ما يوحى الي). وقوله: (واوحينا الى موسى واخيه)[يونس/87]. فوحيه الى موسى بوساطة جبريل، ووحيه تعالى الى هارون بوساطة جبريل وموسى،وقوله: (اذ يوحي ربك الى الملائكة) فذلك وحي اليهم بوساطة اللوح والقلم فيما قيل، وقوله: (واوحى‏في كل سماء امرها) فان كان الوحي الى اهل السماء فقط، فالموحى اليهم محذور ذكره، كانه قال: اوحى‏الى الملائكة لان اهل السماء هم الملائكة، ويكون كقوله: (اذ يوحي ربك الى الملائكة) [الانفال/12]. وان كان الموحى اليهم هم السماوات، فذلك تسخير عند من يجعل السماء غير حي‏ونطق عند من جعله حيا، وقوله: (بان ربك اوحى) لها فقريب من الاول، وقوله: (ولا تعجل بالقرآن‏من قبل ان يقضى اليك وحيه) [طه/114]. فحث على التثبت في السماع وعلى ترك الاستعجال في‏تلقينه وتلقنه.
3- وفي النهاية لابن الاثير: («وحا) في حديث (ابي بكر) الوحا الوحا اي السرعة السرعة ويمدويقصر، يقال: توحيت توحيا اذا اسرعت الى ان قال: وفي حديث الحارث الاعور، قال علقمة:
قرات‏القرآن في سنتين. فقال الحارث: القرآن هين، الوحي اشد منه، اراد بالقرآن القراءة وبالوحي الكتابة‏والخط، الى ان قال:
وانما المفهوم من كلام الحارث عند الاصحاب شي‏ء تقوله الشيعة انه اوحي الى‏رسول اللّه(ص) شي‏ء فخص به اهل البيت واللّه اعلم، وقد تكرر ذكر الوحي في الحديث ويقع على‏الكتابة والاشارة والرسالة والالهام والكلام الخفي، يقال: وحيت اليه الكلام واوحيت‏»
4- وفي امالي الشريف المرتضى في تاويل الاية. (ما كان لبشر ان يكلمه اللّه الا وحيا او من وراءحجاب) فاما ابو علي الجبائي فانه ذكر ان المراد بالاية (وما كان لبشر ان يكلمه اللّه) الا مثل ما يكلم‏به عباده من الامر بطاعته والنهي لهم عن معاصيه وتنبيهه اياهم على ذلك على سبيل الوحي، وانماسمى اللّه ذلك وحيا لانه خاطر وتنبيه وليس هو كلاما على سبيل الافصاح كما يفصح الرجل منالصاحبه اذا خاطبه، والوحي في اللغة انما هو ما جرى مجرى الايحاء والتنبيه على شي‏ء من غير ان‏يفصح به، الى ان قال: وعنى بقوله: (او يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء) ارسال ملائكة بكتبه‏وكلامه الى انبيائه(ع) ليبلغوا عنه ذلك عباده ويامرهم فيه بطاعته وينهاهم عن معاصيه من غير ان‏يكلمهم على سبيل ما كلم به موسى(ع) وهذا الكلام هو خلاف الوحي الذي ذكره اللّه تعالى في اول‏الاية، لانه قد افصح تعالى لهم في هذا الكلام بما امرهم به ونهاهم عنه، والوحي الذي ذكره تعالى في‏اول الاية انما هو تنبيه وخاطر وليس افصاحا، وهذا الذي ذكره ابو علي ايضا سديد والكلام محتمل لماذكره.
هذا خلاصة ما اتفق عليه الائمة من مفسرين ولغويين من معاني الوحي الذي هو قدر مشترك بنيها،فانت ترى ان منه ما يشارك به الانسان العاقل المكلف اضعف انواع الحيوان كالنحل والنمل‏والعنكبوت والاصداف، دع ارقاها من اسراب الطير وما يمشي على اربع وما يمشي على بطنه وما يمشي‏على رجلين واعلاها كلها في سلم الاجتماع وهو الانسان، وهذا المعنى المشترك بين الحيوانات ادناهاوارقاها بل والنباتات، كما يرى علماء النبات قضت العناية الالهية حفظا لاجناس ما ذرا من المخلوقات‏وانواعها ان تختص بغرائز والهامات تدفعها الى ما ينفعها وتجنبها ما يضرها، على ان الانسان مع‏مشاركته تلك المخلوقات في الغرائز والالهام منحه اللّه تعالى العقل والحفظ والفكر والذكر، وفتح له‏ابواب العلم، واستخلفه في الارض لاعمار الارض، ومهد له سبل العروج الى ابعد آفاق الرقي، بما سن له‏من الشرائع على السنة رسل موحى اليهم ممن اختصهم باسمى درجات السمو والعلو تقويما لمسالكه‏وتثقيفا لمداركه وتقريبا له بالصلة الروحية من خالقه، وامده بمعقبات من ملائكته يحفظونه من بين يديه‏ومن خلفه وبالملكين الحافظين له، وما الى ذلك من ضروب العناية الالهية بهذا البشر السوي الذي هوالدرة اليتيمة في سمط الابداع والنقطة في مركز الاختراع، واقتضت تلك العناية لحكم لا تحصى التفاوت‏بين افراد، حتى يبلغ درجة انقطاع مساواتهم لمن بلغوا اقصى ذروات الكمال الانساني الذي يفيض‏الكمال قوة وضعفا على نسبة قبول ذلك الفيض، ممن تتفاوت منهم مراتب قبوله خاشعين لسلطان‏قوته مختارين او مضطرين، واقتضت المشيئة الربانية مع ما اوتي ذلك الصف من الكمال الانساني‏والقوى القدسية ان تؤيده بالمعجزات الحسية مع تاييده بالمعجزات المعنوية والخلقية.
ان صاحب التوضيح لم يفرق بين معاني الوحي، وحاول ان يخالف نصوص الائمة التي اوردناها بجعله‏واردا على معنى واحد، واورد من الشواهد على دعواه ما قد تبين ان جلها ليس من نوع الوحي‏المصطلح، وهو ما يوحى به الى الانبياء والمرسلين، فلا نعيده لانه ترديد لا يغني غناء.
ان من الغريب تاويله ما لا يحتمل التاويل من لفظ الحديث الصريح الدلالة عنه(ص) «لم يبق من النبوة‏الا المبشرات‏» قالوا:
وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة، حيث قال: ان هذا الحديث لا يدل‏على انقطاع الوحي، محتجا بان ذلك لا يكون حقا بدليل قوله(ص) في حق المسيح الموعود بانه يوحى‏اليه.
اما اولا فلان حصره بعدم بقاء شي‏ء من النبوة الا المبشرات شامل ولا ريب الوحي الذي هودليل النبوة، بل هو والنبوة متلازمان، واما احتجاجه بالوحي الى المسيح فهو غريب، فاذا صح له‏ثبوت بقاء الوحي وادعى ان صاحبه ممن يوحى اليه فكيف ينكر الوحي الى نبي بمثل ما يوحى به الى‏نبيه المزعوم من اقرار شريعة خاتم النبيين واتباعها مع الاعتراف بنسخ شريعته التي نزلت عليه مضافاالى ما ورد من حديث صحيح في نزوله وعمله بشريعة محمد(ص).
ان استدلاله بالحديث.. «لقد كان فيمن قبلكم من بني اسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا انبياءفان يك في امتي منهم احد فعمر» لا يؤيد دعواه، فان من المحتمل بل من القوي ان يراد من التكلم ماهو من نوع الالهام وهو ما يراد من احدى معاني الوحي، او ان يكون معناه انهم يعملون بشريعة من‏يكلمهم اللّه وهم من اوحي اليهم من النبيين، فيكون اطلاق المكلمين من اتباعهم على المكلمين بالوحي‏وهم النبيون مجازا..
وكذلك لا يثبت مدعاه استدلاله بالحديث «لقد كان فيمن قبلكم من الامم محدثون فان يكن في امتي‏منهم احد فانه عمر» فانه يراد من هذا التحديث الفراسة والالهام لا الوحي المخصوص به الانبياء. وقال‏ابن الاثير في النهاية بعد ايراده هذا الحديث: «جاء في الحديث تفسيره انهم الملهمون، والملهم هو الذي‏يلقى في نفسه الشي‏ء فيخبر به حدسا وفراسة، وهو نوع يختص به اللّه تعالى من يشاء من عباده الذين‏اصطفى مثل عمر، كانهم حدثوا بشي‏ء فقالوه‏»، على انه يمكن ان يكون المفهوم من التعليق بان‏الشرطية التي الاصل فيها عدم الجزم بوقوع الشرط في اعتقاد المتكلم في الحديثين انه لا محدث في‏الامة حتى ولا عمر، ولكن يثبت في نصهما مزيد فضل لعمر.
واستدلاله على دعواه بقراءة ابن عباس وما ارسلنا من رسول ولا نبي ولا محدث لا يدل على مطلوبه،لان الارسال يشمل الرسول الموحى اليه وغيره. قال تعالى: (اذ ارسلنا اليهم اثنين فذكبوهما فعززنابثالث) [يس/14] وهم لم يكونوا انبياء ولا رسلا منه تعالى، وانما هم رسل عيسى، واطلاق‏الارسال عليهم مجاز ومثل ذلك المحدثون، ولو افاد التحديث معنى الوحي والرسالة لادعى عمر النبوة‏او الوحي او الرسالة، وحاشا ان يدعيها هو او احد من الصحابة واعلام الامة وذوي الرسوخ في العلم‏والدين والشريعة، ولم يدعها الا شذاذ من الغلاة عن هوس ووسواس او عن قصد وعمد اصطياداللجاه وطلبا للدنيا الواسعة.
هذا ولا نرى حاجة لنقض ادلته الاخرى، وهي في جملتها وتفصيلها لا تخرج عن مضمون تلك الادلة‏الواهية.
بعض الادلة على انقطاع الوحي واليك طرفا وجيزا من الادلة على انقطاع الوحي:
1- في كتاب (تعريف الاحباء بفضائل الاحياء) للشيخ عبد القادر بن عبد الاله العيدروسي، حديث‏مسند الى عبداللّه بن عتبة بن مسعود، قال سمعت عمر بن الخطاب (رض) يقول: (ان اناسا كانوايؤخذون بالوحي على عهد رسول اللّه(ص) وان الوحي قد انقطع، وانما ناخذكم الان بما ظهر من‏اعمالكم، فمن اظهر لنا خيرا امناه وقربناه، وليس الينا من سريرته شي‏ء، اللّه يحاسبه في سريرته، ومن‏اظهر لنا سوى ذلك لم نامنه وان قال سريرتي حسنة).
2- في صحيح البخاري بسنده الى المغيرة بن شعبة: «لا يزال من امتي قوم ظاهرين على الناس حتى‏ياتيهم امر اللّه»، ومثله حديث يسنده الى معاوية (لا يزال من امتي امة قائمة بامر اللّه لا يضرهم من‏كذبهم ولا من خالفهم حتى ياتي امر اللّه وهم على ذلك). ومثله ما رواه قبل ذلك عن المغيرة ايضاباختلاف يسير في لفظ الحديث (لا يزال طائفة من امتي ظاهرين حتى ياتيهم امر اللّه وهم‏ظاهرون). وعن معاوية من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين، وانما انا قاسم ويعط‏ي اللّه ولن يزال‏امر هذه الامة مستقيما حتى تقوم الساعة او حتى ياتي امر اللّه.
ان المفهوم من هذه الاحاديث ان الامة لا تخلو من قائمين بامر اللّه مؤيدين شريعته عاملين بسنتهاوكتابها، وهم منها متميزون لا بوحي منزل ولا نبي مرسل، بل بما حصلوه من علوم الدين، وبمااكتسبوه من احكامه، وهي من متناولهم وعلى طرف الثمام، وقد دونت دواوينها واحكمت قواعدهاورسخت اصولها ونمت فروعها ودنت من الجانين ثمراتها، فاغناهم ذلك عن وحي جديد ونبي‏جديد.
قال ابن تيمية في رسالته (رفع الملام عن الائمة الاعلام):
وبعد فيجب على المسلمين بعد موالاة اللّهورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الانبياء الذين جعلهم اللّهبمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد اجمع المسلمون على هدايتهم.
واما الايات الدالة دلالة صريحة على الاستغناء عن الوحي والموحى اليهم فهي اكثر من ان تحصى،فمنها: (ولو ردوه الى الرسول والى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه) [النساء/83] ومنها قوله‏تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم‏يحذرون) [التوبة/122] ومنها قوله تعالى: (كنتم خير امة اخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون‏عن المنكر) [آل عمران/110] ومنها: (وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)ومنها: (وما كان اللّه ليضل قوما بعد اذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون) كما قال: (وقد فصل لكم ما حرم‏عليكم الا ما اضطررتم اليه) ومنها: (فان تنازعتم في شي‏ء فردوه الى اللّه والرسول) [النساء/59]ومعنى ذلك الرد الى كتاب اللّه او الى سنة الرسول بعد موته.
قال ابن تيمية: وقوله: (فان تنازعتم) شرط والفعل نكرة في سياق الشرط، فاي شي‏ء تنازعوا فيه ردوه‏الى اللّه والرسول، ولو لم يكن بيان اللّه والرسول فاصلا للنزاع لم يؤمروا بالرد اليه، والرسول انزل عليه‏الكتاب والحكمة كما ذكر ذلك في غير موضع، وقد علم امته الكتاب والحكمة كما قال تعالى:
(ويعلمهم‏الكتاب والحكمة) [الجمعة/2].
هذا ولنا ان نقول: ان لم يكن الرد الى الكتاب والسنة رافعا للتنازع وحاسما لمادته، وكان هناك من يرداليه غيرهما، لاقتضت الحكمة بيان ذلك المرجع، خاصة اذا كان نبيا موحى اليه محتاجا اليه في رفع‏النزاع لضرورة البيان في وقت الحاجة الى البيان، وهذا ما لم يقل به مسلم ولا ورد به نص كتابي ولاحديث نبوي ولا دليل من الادلة التي تعبدنا اللّه بها في احكامه.
وبعد فانت ترى من مجموع هذه الايات ما يستدل به على ان الامة بعد ذلك البيان، وبعد قيام العلماءالراسخين بما قاموا به من ايضاح مناهج الشرع والدين بمحض الاكتساب، وبالجهاد الذي هو طريق‏العدالة الحقة في غنية عن وحي سماوي جديد وموحى اليه مؤيد بالمعجزات. اما ما اختص به اهل‏البيت وهم ثقل الرسول الاصغر الذين لم يفارقوا الثقل الاكبر وهو القرآن من الالهام وهو غير الوحي‏وغير النبوة، فقد استفاض به الحديث من طريق الفريقين السنة والشيعة.
ادلته على بقاء الوحي 1- ومن اغرب ما احتج به صاحب التوضيح من نداء السيد منير الحضي داعية مسيحه الهندي على‏بقاء الوحي، وهو ما ننقله بحرفه، قال: فلو بقي اللّه الكامل بذاته وصفاته وظهور صفاته غير متلكم بعدالنبي عليه الصلاة والسلام الى يوم القيامة، اذا لا فرق بينه وبين الاصنام والالهة الاخرى الجامدة، ثم‏دعم قوله هذا بما يلي ولذا نرى اللّه سبحانه يسفه عقول اولئك الذين يعبدون من دونه معبودا ابكم‏اصم بقوله في حق موسى(ع):
(واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الم يروا انه‏لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين) [الاعراف/148] اوليس في هذه الاية دليل‏قاطع على ان اللّه تكلم بوحي لعباده على الدوام؟ الخ، ولا يخفى ما في هذا الاستدلال من السفسطة‏والتمويه وبيان فساده وابطاله من وجوه:
1- منع الملازمة بين مقدم هذه القضية الشرطية التي اصطنعها وتاليهم، اذ لا يلزم من بقائه تعالى بذاته‏وصفاته وظهور صفاته ان يكلم بعد النبي(ص) شخصا او اشخاصا من الناس، اما بكلام من نوع ماكلم به رسله من طريق الوحي او بكلام من نوع كلماته التي لا تتناهى: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات‏ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا) [الكهف/109] اما اولا فيما يجيب به‏السائل عن وقوع انقطاع الكلام الذي هو من نوع الوحي في زمن الفترة بين نبي ونبي آخر كمثل الفترة‏بين عيسى ومحمد عليهما السلام، يكون جوابنا وان كان من نوع كلماته التي هي من غير الوحي وهي‏المشتملة على استمرار عنايته تعالى بمخلوقاته، ومتجددات آياته في ارضه وسماواته، وشمول الطافه لكل‏من ذرا من برياته، فهي دائمة غير منقطعة.
2- ان لازم مقدمته الاولى ان يكون تكليمه تعالى عاما شاملا غير مخصوص باشخاص او زمان،ولازم جواز انقطاعه في زمان، بل وقوعه كما بينا من الفترة بين النبوات جواز انقطاعه بعده(ص) الى‏يوم القيامة، وهو ما يعتقده المسلمون، دع الغلاة والمتهوسين ومن يستهدفون اغراضا باعتقاد غيرذلك.
3- من لوازم قضيته ان التكليم عام للبشر لا خاص بمسيحه لانه من لوازم دوام الكلام الذي يدعيه‏ولازم ذلك ارتفاع حاجة البشر لوحي خاص لرسول خاص لان البشر كلهم مكلمون.
4- الفرق بعيد جدا بين دعوى دوام الكلام واحتجاجه لها باحتجاجه تعالى على قوم موسى بعبادتهم‏عجلا من صنع ايديهم من مادة جامدة، كيف عبدوه وهم صانعوه وليس فيه شي‏ء يستحق به ان يعبد؟وحسبهم تسفيها لاحلامهم انه لا يكلمهم، على ان هذا قياس مع الفارق، فان حجته تعالى على من‏عبدوا العجل المصنوع من جامدات الارض ينحل الى قضية بديهية التسليم، وهي ان هذا العجل‏المصنوع الذي اتخذتموه آلها وعبدتموه، ان كان الها مستحقا للعبادة كما تزعمون فمن اظهر ما يلزمكم ان‏يكون قادرا على تكليمكم وهو شاهد محسوس، فاذا لم يقدر على الكلام والتكليم فقد فقد مزية‏الالوهية وهي القدرة على الكلام والتكليم فلم يكن آلها، ولم يحتج عليهم تعالى بمزايا الالوهية الاخرى‏وصفاتها من الخلق والانشاء وما الى ذلك، بل احتج بما هو اظهر في الحجة وابلغ في سخفهم وسفههم‏من عبادة اصم ابكم جامدا لا يكلمهم ولا يرجع اليهم قولا، وليست الحال كذلك بالنسبة اليه تعالى‏الذي ان لم يكلمهم حوارا فقد كلمهم اعتبارا وبلسان آثاره وبدائع آياته وادلة وجوده، وناجاهم في‏عقولهم وغرائزهم بما هو ابلغ من الكلام وهو اقرب اليهم من حبل الوريد.
5- ان القرآن الكريم هو مما كلم اللّه به نبيه بواسطة الوحي وامته بواسطته، وهو غير منقطع وثابت على‏الدوام، وهو في الواقع ونفس الامر تكليم للامة، والقرآن قد احصى كل ما ينتظم امور مبدئها ومعادها.والمسيح الهندي كما يدعي اتباعه لم يؤت شرعا جديدا (وان زعموا انه اوحي اليه بكتاب جديد) فهومكلم كغيره من آحاد الامة.
6- ان من لوازم دعواه تكفير كل من لا يعتقد بوحي ورسالة بعد النبي(ص) وبنبوة المسيح الهندي،فعلى المسلمين والاسلام السلام لانهم لا يعتقدون نبوته، فلتقر عينه وعيون اتباعه بايمانهم وحدهم‏وتكفير اهل القبلة الذي لم يجرؤ على القول به احد من اهل القبلة.
وبعد فهناك وجوه اخرى لبطلان دعواه اعرضنا عنها تجنبا للتطويل حيث لا طائل.
(2) واستدل على بقاء الوحي بالاية (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من‏عباده لينذر يوم التلاق) [غافر/15]. ومعنى الروح الوحي، فلما كان اللّه رفيع الدرجات ذو العرش،وتوجد عباده وتوجد حاجة الى الانذار، فكيف يجوز ان يقال: بان الوحي منقطع؟ والجواب: لم اجد في‏الاية ما يدل على بقاء الوحي وما كان استمرار وجود العباد واستمرار وجوب الانذار مستلزمين‏لاستمرار الوحي، فقد بينا آنفا في غير موضع ما لا نحتاج معه الى مزيد بيان بان الانذار حاصل‏مستمر غير منقطع بالكتاب العزيز الحجة الخالدة القاطعة للمعاذير، وهو المتكلم والمخاطب به عامة‏المكلفين الى قيام الساعة، والمفهوم بالمجمع عليه من تفاسيره الخالية من شائبة الاسرائيليات واحاديث‏الحشويين ودس المعاندين وبالسنة الجامعة القائمة وبالقوام عليهما من امة محمد(ص) التي هي الوسط‏بين الامم، ولا بد لنا بعد هذا الاجمال من ايراد بعض ما ذكره المفسرون الموثوق بهم في تفسير هذه‏الاية:
ففي مجمع البيان للطبرسي «(يلقي الروح) وقيل: الروح هو القرآن، وكل كتاب انزله اللّه تعالى على نبي‏من انبيائه، وقيل:
الروح الوحي هنا، لانه يحيي به القلب، اي يلقي الوحي على قلب من يشاء ممن يراه‏اهلا له، يقال: القيت عليه كذا، اي فهمته اياه، وقيل: ان الروح جبرائيل(ع) يرسله اللّه تعالى بامره، عن‏الضحاك وقتادة، وقيل: ان الروح ههنا النبوة عن السدي (لينذر) النبي بما أوحي إليه يوم‏التلاق‏»
وفي انوار التنزيل للبيضاوي «(يلقي الروح من امره) الاية، خبر رابع للدلالة على ان الروحانيات ايضامسخرات لامره باظهار آثارها وهو الوحي، وتمهيد للنبوة بعد تقرير التوحيد، والروح الوحي، ومن‏امره بيانه لانه امر بالخير او مبدؤه، والامر هو الملك المبلغ‏» إلى مختاره للنبوة، وقريب منه ماجاء في الكشاف.
وأما الفخر الرازي فنلخص بحثه الطويل في تفسير هذه الاية بما يلي:
واعلم ان اشرف الاحوال الظاهرة في روحانيات هذا العالم ظهور آثار الوحي، والوحي انما يتم‏باركان اربعة: فاولها: المرسل وهو اللّه سبحانه وتعالى فلهذا أضاف الوحي إلى نفسه فقال:
(يلقي الروح).والركن الثاني: الارسال والوحي، وهو الذي سماه بالروح. والركن الثالث: ان وصول الوحي من اللّهتعالى الى الانبياء لا يمكن ان يكون الا بواسطة الملائكة، وهو المشار اليه في هذه الاية بقوله: (من امره).فالركن الروحاني يسمى امرا، قال تعالى: (واوحى في كل سماء امرها) [فصلت/12] وقال: (الا له‏الخلق والامر) [الاعراف/54]. والركن الرابع: الانبياء الذين يلقى الروح اليهم، وهو المشار اليه بقولهعلى من يشاء من عباده) . والفرض والمقصود الاصلي من القاء هذا الوحي اليهم هو صرف الانبياءبخلق عن عالم الدنيا الى عالم الاخرة‏»
فانت ترى من هذه الاقوال في تفسير الاية احتمالات لم يذكر بينها احتمال استمرار الوحي، ومع ثبوت‏الاحتمال يبصر الاستدلال.
ثم اورد ادلة اخرى لا تخرج في معناها عن هذين الدليلين، فلا نطيل بنقضها الخطب.
وان اعجب من امر فمن قوله: لم يكن حرمانه اياكم من نعمة الوحي الا لاعتقادكم بانقطاعه وانتم خيرالامم، وقد اوحى اللّه الى كثير من رجال ونساء بني اسرائيل، فكيف لا يوحى اليكم؟ ولكنكم بايديكم‏توصدون امام وجوهكم ابواب نعمة اللّه: (وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم ارداكم فاصبحتم من‏الخاسرين) [فصلت/23].
فانت ترى في زعمه هذا ما يدل على انقطاع الوحي عمن يعتقد انقطاعه، فكان الوحي تابع للاعتقادببقائه واستمراره، وهذا منطق عجيب، ويلزمه على هذا القول الطريف ان يكون الوحي والنبوة ممايحصل بالاكتساب لكل من يعتقد بقاءهما، وقد فاز بنعمتها المسيح الهندي واتباعه وحرمهما من لا يرى‏عقيدتهم وهم المسلمون كافة، اللهم الا القاديانية ومن انتحل مثل نحلتهم.
ان لنا اسوة حسنة وقدوة صالحة بسلف الامة من الصدر الاول والقرن الاول والذي يليه وبالاصحاب‏وتابعيهم وتابعي تابعيهم، وهم العارفون باللّه تعالى وباحكام دينه وبمعاني كتابه ومحكم آيه ولحن‏خطابه وبمجاري سنته، وهم لم يفرطوا بشي‏ء من ذلك ولم يدعوا وحيا ولا نبوة واعتصموا بما يغنيهم‏عن الوحي الموهوم والنبي المزعوم الا وهما الثقلان الاكبر والاصغر ولم ينقصهم شيئا من اقدراهم‏تركهم الاعتقاد ببقاء الوحي والنبوة، بل اتبعوا في ذلك الدين الحق.
افيرى المسيح الهندي واتباعه انهم افضل منهم جميعا، وان نفوسهم اسمى من نفوسهم واكثر استعدادالتنزل الوحي عليهم، وهم ورثة الانبياء الهادون المهديون، ومن اجدر بان يكون من الخاسرين اهذاالفريق الصالح من الامة الذي لم يخالف نصا ولا يفارق جماعة ولم يدع الحيطة لدينه، ام من يفارق مااجمعت عليه الجماعة واللّه مع الجماعة؟؟ ثم عقد بحثا آخر ذيلا لبحثه في هذا الفصل (بقاء الوحي) فقال:
هل يوحى الى غير الانبياء؟ متمسكابما فهمه او بما اراد به التضليل والتمويه من تخصيصه الوحي بوحي النبوة، وقد سبق ان للوحي معاني‏فان اراد وحي النبوة فقد بينا انقطاعه بما لا مزيد عليه، وان اراد منه الهداية والالهام واللطف الالهي‏فذلك باق مستمر.
عود على بدء راينا ان نختم تعليقنا على هذا الفصل (بقاء الوحي) بادلة اخرى سمعية تثبت انقطاعه وتقوي الادلة التي‏اوردناها في الصفحة (81).
فمن ذلك ما ورد في شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد من خطبة لخالد بن الوليد بعد البيعة بالخلافة‏لابي بكر (رض):
«الا وان الوحي لم ينقطع حتى احكم، ولم يكن بعد النبي نبي فنستبدل بعده نبيا، ولابعد الوحي وحي‏»
ومنه من خطبة للحسن البصري ذكرها في شرح النهج: «امتكم آخر الامم وانتم خير امتكم، وقداسرع بخياركم فلا تنتظرون المعاينة فكان قد هيهات هيهات ذهبت الدنيا بحاليها وبقيت الاعمال قلائدفي الاعناق، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة، الا انه لا امة بعد امتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولاكتاب بعد كتابكم‏»
وفي كلام الحسن البصري وهو من اعلام الامة ابطال لكل ما ادعاه القاديانية من بقاء الوحي وارسال‏رسل بعد الرسول الاعظم(ص) وتنزيل كتاب جديد.
ومنه ما في شرح النهج ردا على النظام: «وكيف ينسب امير المؤمنين الى انه كان يوهم الناس بنزول‏الوحي وبسيفه ثبت ان ابن عمه خاتم المرسلين، حيث يقول: ما كذبت وكذبت كيف ينتظرون نزول‏الوحي، فان من نزل عليه الوحي لا يحتاج ان يسند الخبر الى غيره، ويقول: ما كذبت فيما اخبرتكم به‏عن رسول اللّه(ص)»
ومنه ما في شرح النهج ايضا في شرح قول علي(ع) من خطبة: ارسله على حين فترة من الرسل «الفترة‏بين الرسل انقطاع الرسالة والوحي، وكذلك كان ارسال محمد(ص) لان بين محمد وبين عهد عيسى(ع)عهدا طويلا، اكثر الناس على انه ستمائة سنة، ولم يرسل في تلك المدة رسول اللهم الا ما يقال عن خالد بن سنان العبسي، ولم يكن نبيا ولا مشهورا»، وقول علي(ع) ايضا عن شرح النهج «حتى‏تمت بنبينا(ص) حجته، وبلغ المقطع عذره ونذره‏» وقال في شرحه: قوله وبلغ المقطع عذره ونذره،مقطع الشي‏ء حيث ينقطع ولا يبقى خلفه شي‏ء منه، اي لم يزل يبعث الانبياء واحدا بعد واحد حتى بعث‏محمدا(ص) فتمت به حجته على الخلق اجمعين، وبلغ الامر مقطعه اي لم يبق بعده رسول ينتظر وانتهت‏عذر اللّه ونذره، فعذره ما بين للمكلفين من الاعذار في عقوبته لهم ان عصوه، ونذره ما انذرهم به من‏الحوادث، وما انذرهم على لسانه من الرسل‏»
فهل بعد هذا البيان ما يقطع حجة القاديانية على دعوى بقاء الوحي والرسالة بيان اكثر منه وضوحاوجلاء للحق الذي لا ريب فيه.
وبعد فلو اردنا استقصاء كل ما ورد من سلف الامة وخلفها مما هو نص صريح على انقطاع الوحي‏والنبوة، لاحتجنا الى اخراج كتاب ضخم، وما اعرض العلماء عن مثل هذا التاليف في هذا المعنى مع‏سعة التاليف. وتعد طرق الت‏آليف وموضوعاتها الا لانها من البداءة بعد تضافر النصوص على سدباب الوحي والنبوات بنبوة خاتم الانبياء والمرسلين، على انهم عرضوا لهذا البحث في مباحثهم الكلامية‏ومنه الشي‏ء الكثير في مطاوي ابحاثهم في التفسير والحديث، وقد فرغوا من الحكم على مدعي ذلك انه‏واحد من اثنين: اما ممرور متهوس موسوس، واما متعمد يلتمس من هذا الباب العلو والظهور ومتاع‏الدنيا وغرورها ومظاهرها الخلابة، وكلاهما لم تقم له هذه الدعوى حتى افتضحت وبدا عوارها وظهرشنارها (فاما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض) [الرعد/17] وما كانت‏دعوى القادياني الا كدعوى من تنباوا من الاغمار في مختلف الاعصار، لم تستحق شيئا من عناية العلماءفي دحضها ونقضها، وكفاهم منها انها كانت صرخة في واد وهبوة من رماد، لم تنجل عن وري زناد،ولم تبق منها السوافي غير سحم الاثافي، وللحق العلو والاستعلاء من قبل ومن بعد واللّه غالب على‏امره.
الباب الثالث: في التعليق على الفصل الثالث النبوة في خير الأمم
استند صاحب التوضيح على نداء منير الحضي في اثبات بقاء النبوة بزعم القاديانية وعمدة استدلاله‏آي من الكتاب الحكيم وبعض الاحاديث، اما الايات:
فالاية الاولى: (اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس) [الحج: 75ج. قال في وجه الاستدلال:فهذا الاصطفاء بصيغة المضارع يدل على الاستمرار.
والاية الثانية: (يا بني آدم اما ياتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى واصلح)[الاعراف/35]. قال: فلفظ ياتينكم يدل على مجي‏ء الرسل في المستقبل.
الاية الثالثة: (رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده) [المؤمن: 15ج‏فلفظ يؤتي وينزل بصيغة المضارع على بقاء الوحي في المستقبل.
الاية الرابعة: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي) [المائدة/3].
الاية الخامسة: (ومن يطع اللّه والرسول) [النساء/69] بان كل من يطيع اللّه ورسوله على حسب‏اطاعته ينال مقاما عند اللّه من احدى المقامات الاربعة المذكورة، بلوغ درجات النبيين والصديقين‏والشهداء والصالحين، ومن ضمنها النبوة، وان حرف (مع) في هذه الاية يتضمن معنى (من) ايضا، والايكون معنى الاية بان المطيعين للّه والرسول يكونون في مصاحبة المنعمين عليهم ولا يكونون منهم،وفساد هذا المعنى واضح.
والجواب: اما عن الاستدلال بالاية الاولى بان التعبير بالاصطفاء بصيغة المضارع يدل على الاستمرار،فيدفعه ان التعبير عن الماضي بالمستقبل والمستقبل بالماضي هو من سنن اللغة العربية وخصائصها،وجرى القرآن الشريف على هذا التعبير في آيات كثيرة يتعذر علينا احصاؤها، واحصاؤها مؤد الى‏التطويل، فنقتصر على ايراد طائفة من اقوال علماء اللسان والبيان في هذا المعنى، مما فيه الدلالة‏الصريحة على شيوع هذا التعبير في كلام العرب واستعمال القرآن له.
قال ابن هشام في المغني في القاعدة السادسة: «انهم يعبرون عن الماضي والاتي كما يعبرون عن الشي‏ءالحاضر قصدا لاحضاره في الذهن حتى كانه مشاهد حالة الاخبار نحو: (وان ربك ليحكم بينهم يوم‏القيامة) لان لام الابتداء للحال، ونحو:
(هذا من شيعته وهذا من عدوه) اذ ليس المراد تقريب الرجلين‏من النبي(ص) كما تقول: هذا كتابك فخذه، وانما الاشارة كانت اليهما في ذلك الوقت هكذا فحكيت،ومثله: (واللّه الذي ارسل الرياح فنثير سحابا) قصد بقوله سبحانه وتعالى:
(فنثير) احضار تلك الصورة‏البديعة الدالة على القدرة الباهرة من اثارة السحاب، تبدو اولا قطعا ثم تتضام متقلبة بين اطوار حتى‏تصير ركاما، ومنه: (ثم قال له كن فيكون) اي فكان، (ومن يشرك باللّه فكانما خر من السماء فتخطفه‏الطير او تهوي به الريح في مكان سحيق)، (ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض الى قوله آونري فرعون وهامان)»
وقال السعد التفتزاني في شرح التلخيص (المطول): «(ولو ترى اذ وقفوا على النار)، الخطاب لمحمد(ص)او لكل من يتاتى منه الرؤية، وكذلك قوله تعالى: (ولو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم) (ولو ترى‏اذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم) لتنزيل المضارع منزلة الماضي بصدوره اي المضارع او الكلام عمن لاخلاف في اخباره، فالمستقبل الذي اخبر عنه بوقوعه بمنزلة الماضي المتحقق، او لاستحضار الصورة‏يعني صورة رؤية الكافرين قائلين: (يا ليتنا نرد ولا نكذب ب‏آيات ربنا) وكذا صورة الظالمين‏موقوفين عند ربهم والمجرمين ناكسي رؤوسهم متقاولين بتلك المقاولات، كما قال اللّه تعالى:
(فتثيرسحابا)بلفظ المضارع بعد قوله تعالى: (الذي ارسل الرياح) استحضارا لتلك الصورة البديعة الدالة على‏القدرة الباهرة‏».
وقال ابن فارس في كتابه الصاحبي: (باب الفعل ياتي بلفظ الماضي وهو راهن او مستقبل، وبلفظ‏المستقبل وهو ماض)، واورد على ذلك شواهد منها: (اتى امر اللّه فلا تستعجلوه) اي ياتي ويجي‏ء بلفظ‏المستقبل وهو ماض، قال الشاعر:
[فولقد امر على اللئيم يسبني فمضيت عنه وقلت: لا يعنيني‏فقال: امر، ثم قال: ومضيت، وفي كتاب اللّه جل ثناؤه: (فلم تقتلون انبياءاللّه من قبل) وقال:
(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) اي ما تلت، ومثله: (وقالت اليهودوالنصارى نحن ابناء اللّه واحباؤه قل فلم يعذبكم) المعنى فلم عذب آباءكم بالمسخ، لان النبي(ص) لم‏يؤمر بان يحتج عليهم بشي‏ء لم يكن، لان الجاحد يقول: اني لا اعذب لكن احتج عليهم بماكان‏»
وقال الثعالبي في كتابه (فقه اللغة): فصل (في الفعل ياتي بلفظ الماضي وهو مستقبل وبلفظ المستقبل وهوماض)، اما الاول فمثل له بقوله تعالى: (اتى امر اللّه فلا تستعجلوه). والثاني بقوله تعالى: (فلم تقتلون‏انبياء اللّه من قبل) وقوله تعالى:
(واتبعوا ما تتلو الشياطين) اي ما تليت.
وقال ابن الاثير في المثل السائر: «اعلم ان الفعل المستقبل اذا اتي به في حالة الاخبار عن وجود الفعل،كان ذلك ابلغ من الاخبار بالفعل الماضي، وذلك لان الفعل المستقبل يوضح الحال التي يقع فيهاويستحضر تلك الصورة حتى كان السامع يشاهدها، وليس كذلك الفعل الماضي، الى ان قال:
عطف‏المستقبل على الماضي ينقسم الى ضربين: احدهما بلاغي وهو اخبار عن ماض بمستقبل، والاخر غيربلاغي وليس اخبارا بمستقبل عن ماض، وانما هو مستقبل دل على معنى مستقبل غير ماض ويراد به‏ان ذلك الفعل مستمر الوجود لم يمض، فالضرب الاول كقوله تعالى: (واللّه الذي ارسل الرياح فتثيرسحابا فسقناه الى بلد ميت فاحيينا به الارض بعد موتها كذلك النشور) [فاطر/9].
فانه انما قال فتثير مستقبلا وما قبله وما بعده ماض، لذلك المعنى الذي اشرنا اليه هو حكاية الحال‏التي يقع فيها اثارة الريح السحاب واستحضار تلك الصورة البديعة الدالة على القدرة الباهرة، وهكذايفعل بكل فعل فيه نوع تمييز وخصوصية كحال تستغرب او تهم المخاطب او غير ذلك، واورد شواهدعلى ذلك.
واما الضرب الثاني الذي هو مستقبل، فكقوله تعالى: (ان الذين كفروا ويصدون عن سبيل اللّه) [الحج/25] فانه انما عطف المستقبل على الماضي، لان كفرهم كان ووجد ولم يستجدوا بعده كفرا ثانياوصدهم متجدد على الايام لم يمض كونه، وانما هو مستمر يستانف في كل حين، وكذلك ورد قوله‏تعالى: (الم تر ان اللّه انزل من السماء ماء فتصبح الارض مخضرة ان اللّه لطيف خبير) [الحج/63] الاترى كيف عدل عن لفظ الماضي ههنا الى المستقبل، فقال: فتصبح الارض مخضرة ولم يقل فاصبحت‏عطفا على انزل، وذلك لافادة بقاء اثر المطر زمانا بعد زمان، فانزال الماء مضى وجوده واخضرارالارض باق لم يمض.
هذا خلاصة ما ذكره ائمة اللسان والبيان وجهابذة البلاغة في معنى اختلاف التعبير باختلاف ما يعبرعنه حقيقة ومجازا واستعارة وكناية لاعتبارات خطابية واسرار بيانية، وبمراعاة تلك الاعتبارات‏تفاوتت ضروب الكلام وكشفت الاستار عن وجوه اعجاز القرآن، ومن اوتي شيئا من الذوق البياني‏وعلما من الاسلوب القرآني وانعم النظر وامعن الفكر في هذه الخلاصة التي احتوت على بيان الحكمة في‏التعبير عن الماضي، بلفظ المستقبل وبلفظ المستقبل عن الماضي يظهر له جليا ان التعبير بلفظ يصطفي‏بدلا من لفظ اصطفى لحكمة ظاهرة، وهي ان الاية رد لما انكره المشركون من ان يكون الرسول من‏البشر، وبيان ان رسل اللّه على ضربين ملائكة وبشر، ولما كان الغرض من اصطفاء الرسل من الضربين‏وهو التكليف بما يصلح البشر في المبدا والمعاد مستمرا واثره باقيا، اقتضت البلاغة والحكمة التعبير عن‏الاصطفاء بلفظ المستقبل لا بلفظ الماضي لاستمرار التكليف وبقاء اثره، فهو كمثل التعبير في الاية‏فتصبح مخضرة بلفظ المستقبل دون الماضي، فاصبحت لبقاء اثر المطر زمانا بعد زمان، فانزال الماء مضى‏وجوده واخضرار الارض باق غير ماض.
وعن الاية الثانية (يا بني آدم اما ياتينكم رسل منكم) بوجوه:
1 ان يراد من اتيان الرسل استمرار شرائعهم واستمرار تكليف بني آدم باتباعها والعمل بها، سواء من‏عاصر الرسل او عاصر اوصياءهم في زمن الفترة بين رسول ورسول وزمن تواتر ارسال الرسل او من‏ختمت في ازمانهم النبوات والرسالات، ومثل هذا الاستعمال في لغة العرب واسلوب الكتاب الحكيم‏مستفيض، وتقدم ما يكفينا عن الاعادة من جواز مثل هذا الاستعمال.
2 ان الظاهر من لفظ (يقصون عليكم آياتي) من سلف من الرسل ممن قصوا آيات اللّه عز وجل على‏اممهم الذين ارسلوا اليهم وبينوا احكامه، وتم ذلك البيان وانتهت الحجة بخاتمهم محمد(ص) وهو الذي‏تحقق فيه وفي رسالته الخالدة الباقية ما بقيت السموات والارض مضمون الاية: (وتمت كلمة ربك‏صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته) [الانعام/115] اي (وتمت كلمة ربك) بالاحكام والمواعيد (صدقاوعدلا لا مبدل لكلماته) بنقض او خلف، وبشمول الخطاب (يا بني آدم)، لمن عاصر رسالته ولمن‏بعدهم عبر بلفظ ياتينكم بالمستقبل لاستمرار رسالته واستمرار التكليف بها.
3 ان هذا التعبير وان كان ظاهره الاستقبال فيجوز ان يكون معدولا به عن الماضي، استحضارا لما في‏قصص الانبياء من الاعتبار ب‏آيات اللّه وهي لما فيها من العبر والعظات والتذكر بايام اللّه فيمن انحرف‏عن سننه التي لا تتبدل، ولما فيها من الروعة وزجر النفوس الجامحة المسترسلة لاهوائها عن مخالفة‏تلك السنن، وتوقع ان يصيبها ما اصاب امم تلك الرسل من المثلات كان من البلاغة العدول عن‏التعبير بلفظ الماضي الى لفظ المستقبل، على ان وصف الرسل في الاية بالقاصين آيات اللّه يدل على‏بطلان دعوى ارسال الرسل بعد محمد(ص) لانه اتى بالذكر الحكيم مجتمعة فيه قصص الانبياء وما قصه‏من آيات ربه مستكملة جامعة، فلم يبق منها شي‏ء مجهول يحتاج الى من يبينه بعد الرسول.
واذا ضم الى هذه الوجوه النص والاجماع من المسلمين على انسداد باب الرسالات والنبوات، وبماسلف من الدليل على انقطاع الوحي، وبما سناتي به من دليل ساطع وبرهان لامع على انقطاع النبوة لم‏يبق لاحتجاج صاحب التوضيح محصل، على ان تلك الاحتمالات القائمة في تاويل الاية والتي تؤيدهاالشواهد الكثيرة من كلام البلغاء ومن القرآن المجيد كان في بطلان احتجاجه.
وعن الاية الثالثة: (رفيع الدرجات ذو العرش) [غافر/15] مر في تفسير هذه الاية في باب الوحي‏ص‏87.
وعن الاية الرابعة: (اليوم اكملت لكم دينكم) [المائدة/3] هي على عكس دعواه ادل واليك مافسرت به.
ففي انوار التنزيل للبيضاوي: («اليوم اكملت لكم دينكم) بالنصر والاظهار على الاديان كلها اوبالتنصيض على قواعد العقائد والتوقيف على اصول الشرائع وقوانين الاجتهاد (واتممت عليكم‏نعمتي)بالهداية والتوفيق، او باكمال الدين، او بفتح مكة وهدم منار الجاهلية‏».
وفي الكشاف: «(اكملت لكم دينكم) كفيتكم امر عدوكم وجعلت اليد العليا لكم، كما تقول الملوك:اليوم كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد اذا كفوا من ينازعهم الملك ووصلوا الى اغراضهم ومباغيهم، اواكملت لكم ما تحتاجون اليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على الشرائع وقوانين‏القياس واصول الاجتهاد (واتممت عليكم نعمتي) بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين، وهدم منارالجاهلية ومناسكهم، وان يحج معهم مشرك‏».
وفي مجمع البيان: «(اليوم اكملت لكم دينكم) قيل: فيه وجوه:
الاول: ان معناه اكلمت لكم فرائضي‏وحدودي وحلالي وحرامي بتنزيلي ما انزلت وبياني ما بينت لكم، فلا زيادة في ذلك ولا نقصان منه‏بالنسخ بعد هذا اليوم. الثاني: ان معناه اليوم اكملت لكم حجكم وافردتكم بالبلد الحرام تحجونه دون‏المشركين، ولا يخالطكم مشرك. الثالث: ان معناه اليوم كفيتكم الاعداء واظهرتكم عليهم كما تقول:الان كمل لنا الملك وكمل لنا ما نريد بان كفينا ما كنا نخافه.
والمروي عن الامامين ابي جعفر وابي عبداللّه(ع) انه انما انزل بعد ان نصب النبي(ص) عليا(ع) علماللانام يوم غدير خم منصرفة عن حجة الوداع، قالا: وهو آخر فريضة، انزلها اللّه تعالى ثم لم ينزل‏بعدها فريضة الى كلام بهذا المضمون لا يتعلق لنا به غرض في هذا البحث.
فانت ترى من اقوال هذا الفريق من المفسرين ما هو صريح في عكس ما يفسر به الاية صاحب‏التوضيح.
وعن الاية الخامسة: (ومن يطع اللّه ورسوله) [النساء/69] بانها لا تدل على دعواه، واليك ما جاءفي تفسيرها وسبب نزولها، ففي الكشاف: «وهذا ترغيب للمؤمنين في الطاعة حيث وعدوا مرافقة اقرب‏عباد اللّه الى اللّه وارفعهم درجات عنده، الى ان قال: وروي ان ثوبان مولى رسول اللّه(ص) كان شديدالحب لرسول اللّه(ص) قليل الصبر عنه، فاتاه يوما وقد تغير وجهه ونحل جسمه وعرف الحزن في‏وجهه، فساله رسول اللّه(ص) عن حاله، فقال: يا رسول اللّه ما بي من وجع غير اني ان لم ارك اشتقت‏اليك واستوحشت وحشة شديدة حتى القاك، فذكرت الاخرة، فخفت ان لا اراك هناك، لاني عرفت‏انك ترفع مع النبيين، وان ادخلت الجنة كنت في منزل دون منزلك، وان لم ادخل فذاك حين لا اراك‏ابدا، فنزلت فقال رسول اللّه(ص):
«والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى اكون احب اليه من نفسه‏وابويه واهله وولده والناس اجمعين، وحكي ذلك عن جماعة من الصحابة‏»
وعن البيضاوي في كتابه انوار التنزيل: «مزيد ترغيب في الطاعة بالوعد عليها مرافقة اكرم الخلائق‏واعظمهم قدرا (من النبيين) بيان (للذين) او حال منه، او من ضمير (عليهم)، قسمهم اربعة اقسام‏بحسب منازلهم في العلم والعمل وحث كافة الناس على ان لا يتاخروا عنهم، وهم الانبياء الفائزون‏بكمال العلم والعمل المتجاوزون حد الكمال الى التكميل، ثم الصديقون ثم الشهداء ثم الصالحون، وبين‏مزايا كل قسم منهم، ثم اورد الرواية السابقة في سبب نزول الاية‏».
وعن مفاتيح الغيب للرازي بعد ان ذكر روايات في اسباب نزول الاية قال: «قال المحققون: لا ينكرصحة هذه الروايات الا ان سبب نزول الاية يجب ان يكون شيئا اعظم من ذلك وهو البعث على‏الطاعة والترغيب فيها»((118))، ثم اطال البعث فيما لا يخرج عن معنى مرافقة المطيع للّه ورسوله‏للانبياء والشهداء والصديقين والصالحين في الجنة في الدار الاخرة لا انه يبلغ بها احدى المقامات‏الاربعة ومنها درجة النبوة كما يريد صاحب التوضيح.
وعن مجمع البيان: «(ومن يطع اللّه) بالانقياد لامره ونهيه، (والرسول) باتباع شريعته والرضا بحكمه(فاولئك مع الذين انعم اللّه عليهم) في الجنة، ثم بين المنعم عليهم، فقال: (من النبيين والصديقين) يريدانه‏يستمتع برؤية النبيين والصديقين وزيارتهم والحضور معهم، فلا ينبغي ان يتوهم من اجل انهم في اعلى‏عليين انه لا يراهم، وقيل في معنى الصديق: المصدق بكل ما امر اللّه به وبانبيائه لا يدخله في ذلك‏شك، (والشهداء) يعني المقتولين في الجهاد، (والصالحين) معناه صلحاء المؤمنين الذين لم تبلغ درجتهم‏درجة النبيين والصديقين والشهداء، الى ان قال: وروى ابو بصير عن ابي عبداللّه(ع) انه قال: «يا ابامحمد لقد ذكركم اللّه في كتابه ثم تلا هذه الاية، وقال: فالنبي رسول اللّه(ص) ونحن الصديقون والشهداءوانتم الصالحون، فتسموا بالصلاح كما سماكم اللّه تعالى‏» وهذا ما فهمه هؤلاء المفسرون من الاية، وهو ما يفهمه منها كل من له ادنى ذوق في فهم اساليب‏الكلام واقل انس بالتفسير، وليست الاية من المجملات ولا المتشابهات ليكون فيها مجال للتاويل.
اما قوله: ان (مع) متضمنة (من) ففيه:
1 لم يقل احد من المفسرين الذين نرجع الى كتبهم في كتابة هذا الرد بهذا التضمين في تفسير هذه‏الاية، كما انه لا داعي له كما سنرى قريبا.
2 لم نجد في كتب اللغة التي هي في متناولنا كالقاموس والمصباح والمخصص ولا في فقه اللغة(الصاحبي) لابن فارس والمغني لابن هشام نصا على مرادفة (من) ل(مع) ففي القاموس: («مع) اسم وقديسكن وينون، او حرف خفض، او كلمة تضم الشي‏ء الى الشي‏ء وتكون بمعنى (عند)»
وفي‏المغني: («مع) اسم بدليل التنوين في قولك: (معا)، ودخول الجار في حكاية سيبويه، ذهبت من (معه)الى ان قال:
ولها حينئذ ثلاثة معان: احدها موضع الاجتماع، الثاني: زمانه، الثالث: مرادفة(عند)». وفي المصباح (مع) ظرف على المختار بمعنى (لدن) لدخول التنوين نحو خرجنا معا،ودخول (من) عليه نحو جئت من معه اي من عنده.
3 ان مورد الاية ليس من موارد التضمين، واليك ما ذكره علماء العربية من معناه، فقد قالوا: انه‏اجراء احكام لفظ على آخر يدل على معناه، وقيل: هو اشراب لفظ معنى لفظ آخر ليعط‏ي حكمه ويدل‏على الثاني بذكر شي‏ء من متعلقاته، او حذف شي‏ء من متعلقات الاول، كما قال صاحب الكشاف:«انهم يضمنون الفعل معنى فعل آخر فيجرونه مجراه‏». وقال ابن جني في الخصائص: «اعلم ان الفعل اذاكان بمعنى فعل آخر وكان احدهما يتعدى بحرف والاخر ب‏آخر، فان العرب قد تتوسع فتوقع احدالحرفين موقع صاحبه ايذانا بان هذا الفعل في معنى ذلك الاخر، فلذلك جي‏ء معه بالحرف المعتاد مع‏ما هو في معناه، وذلك كقوله تعالى: (الرفث الى نسائكم) وانت لا







آخر تعديل المحامي عارف الشعَّال يوم 14-12-2009 في 06:33 PM.
رد مع اقتباس
قديم 12-01-2007, 01:18 AM رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
المحامي حازم زهور عدي
عضو أساسي ركن
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


المحامي حازم زهور عدي غير متواجد حالياً


افتراضي

تقول:
رفثت الى المراة، وانما تقول:رفثت بها او معها، لكنه لما كان الرفث هنا بمعنى الافضاء وكنت تعدي افضيت بالى، كقولك:
افضيت‏الى المراة جئت بالى مع الرفث ايذانا واشعارا بانه بمعناه هذا الى كلام طويل‏»، نحيل صاحب التوضيح‏على مراجعته في كتاب طراز المجالس للخفاجي.
4 لا نسلم ان حمل (مع) على المصاحبة مفسد للمعنى اولا: لما اوردناه من كلمات المفسرين في معنى‏الاية، وثانيا: لجواز ان يراد مع معنى المصاحبة التبعيض، فان من كان من المطيعين للّه والرسول وكان‏مع المنعم عليهم بسبب الطاعة صح ان يكون معهم ومعنى جملتهم باللازم، ولا يكون من باب التضمين‏ولا من مرادفة (من) ل(مع) وان نسب هذا القول لمجهول وكانه ناظر بزعمه التضمين او الترادف، الى ماجاء في مجمع البيان في تفسير الاية: (يا ايها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين)[التوبة/119] من جمعه بين هذه القراءة وقراءة من قرا (من الصادقين) بان (مع) للمصاحبة و(من)للتبعيض، فاذا كان المطيعون من جملتهم فهم معهم، على ان هذا التخريج المبني على تلك القراءة في هذه‏الاية لا يثبت مطلوب صاحب التوضيح، غاية ما في الباب انه يثبت كونه من اصحاب تلك‏الدرجات، اي من بعضهم في الثواب والقرب لا انه مستجمع لتلك الدرجات كلها النبوة والشهادة‏والصدق والصلاح، ويكون من قبيل قولهم: خادم القوم منهم، واذا صح ان يكون جامع صفة من‏صفات اصحاب تلك الدرجات كالشهادة والصدق والصلاح مندرجا فيهم، فلا يصح ذلك في النبوة‏لثبوت انقطاعها بالنص والاجماع، وفي هذا كفاية ومقنع للمنصف.
واما استدلاله بالاحاديث الحديث الاول: فمن ذلك حديث (مثلي ومثل الانبياء من قبلي كمثل رجل بنى دارا)...
قال: فلا يدل على انقطاع النبوة بعده، لان هذا المثال انما ذكره رسول اللّه(ص) في مقابلة الانبياء الذين‏جاؤوا قبله، ولكن يدل الحديث على ان عيسى(ع) توفي ولا يرجع الى هذا العالم ابدا، لانه لا حاجة الى‏اخراج لبنة من الدار اي عيسى(ع) وارساله مرة اخرى، والا نضطر للاعتقاد بان الدار ناقصة والذي‏يكملها ويجعلها احسن هو عيسى(ع).
وثانيا: ان المراد من هذا المثل ان نبوة الانبياء من حيث الشريعة ومن حيث انهم كانوا يرسلون الى‏اقوام مخصوصة لم تكن بالغة الى نهايتها، فتمت مراتب النبوة ببعثة نبينا(ص) ولم تبق مرتبة يمكن للبشرالحصول عليها الا ونالها محمد(ص) فالذي ياتي بعده هو يكون من اتباعه.
ثالثا: نعم نعتقد بانه لا ياتي بعده نبي مستقل كالانبياء السابقين، بل اذا اتى يكون تحت حكم شريعته‏ومن امته، فنبوته ليست غير نبوة محمد(ص) بل هي عينها كما قال المسيح الموعود:
(وليست نبوتي الا نبوته، وليس في جبتي الا انواره واشعته، ولولاه لما كنت شيئا يذكر)الخ..
والجواب:
1 ان هذا الحديث الذي استنتج منه نبوة صاحبه بهذا التمحل الغريب ولم يذكره بتمامه، نرى لزاما عليناايراده بحرفه، فقد اخرج البخاري في صحيحه مسندا الى جابر بن عبداللّه قال:
قال النبي(ص): «مثلي‏ومثل الانبياء كرجل بنى دارا فاكملها واحسنها، الا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويعجبون‏ويقولون: لولا موضع اللبنة‏». ثم خرج رواية اخرى مسندة الى ابي هريرة.. ان رسول اللّه(ص)قال: «ان مثلي ومثل الانبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فاحسنه واجمله الا موضع لبنة من زاوية،فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة، قال: فانا اللبنة وانا خاتم‏النبيين‏».
فانت ترى من مجموع الروايتين على اختلاف سنديهما ما هو صريح باكمال الدار وتحسينها وتجميلهاوسد فراغ اللبنة به(ص) بقوله: فانا اللبنة، وبما هو ابين واصرح من قوله(ص):
وانا خاتم النبيين، وهذاهو المقصود من هذا المثال، وان النبيين اختتموا بنبوته لا انه زينتهم، وهذا ما يفهمه كل عارف باساليب‏الكلام.
2 انه عدل عن ظاهر الحديث الدال على انقطاع النبوة الى تفسيره بمعنى غير مفهوم من لفظه، بقوله:لان هذا المثال انما ذكره رسول اللّه(ص) في مقابلة الانبياء الذين جاؤوا قبله.
لم نجد محصلا لحمل الحديث على معنى المقابلة، لان المقابلة بمعنييها اللغويين المواجهة والمعارضة، لامورد لواحد منهما في هذا المقام كما هو بين، وكذلك الحال في حمل المقابلة على معنى التقابل‏الاصطلاحي ففي التعريفات للجرجاني: «المتقابلان هما اللذان لا يجتمعان في شي‏ء واحد من جهة‏واحدة قيد بهذا ليدخل المتضايفان في التعريف، والمتقابلان اربعة اقسام: الضدان والمتضايفان‏والمتقابلان بالعدم والملكة، والمتقابلان بالايجاب والسلب‏».
وشي‏ء من ذلك غير مفهوم من الحديث وانما المفهوم منه وهو غير ما فهمه بالطبع ان اللّه عز وجل‏ارسل الرسل الى الامم مبشرين ومنذرين على حسب استعدادهم لقبول شرائعه، مع مراعاة سنن الترقي‏في عقولهم وفي مجتمعاتهم، وقبولهم تلك الشرائع حسب تدرجهم في الرقي في مختلف العصور، الى ان‏استكملوا رشدهم وبلغوا اشدهم واصبح في استطاعتهم ان يقبلوا تشريعا حكيما نافذا حكمه فيهم وفيمن‏يليهم ومن بعدهم الى قيام الساعة، فكان ذلك التشريع الاسلام وكان المخصوص بالاضطلاع باعبائه‏نبي الاسلام عليه افضل الصلاة والسلام، فبشريعته استكملت الشرائع وكانت موردا عذبا مستساغالكافة الانام، فبرسول اللّه(ص) اكملت الدار وهي الشريعة العامة الخالدة بخلود الذكر المبين، وسد ذلك‏الفراغ من تلك الدار باللبنة وهو محمد(ص) وهو خاتم المرسلين، هذا هو المفهوم من هذا المثال.
3 ان من التحكم المحض قوله: (ولكن يدل الحديث على ان عيسى(ع) توفي ولا يرجع الى هذا العالم‏ابدا، لانه لا حاجة الى اخراج لبنة من الدار) الخ..
اما اولا: فلان عيسى(ع) لم يرد له ذكر في هذا الحديث ولا يدل عليه بدلالة من احدى الدلالات،وبذلك تشفي اللوازم التي رتبها عليه، وهي وفاته وعدم رجوعه الى العالم واخراج لبنة من الدار،وارساله مرة اخرى، والاضطرار الى الاعتقاد بان الدار ناقصة والذي يكملها ويجعلها احسن هوعيسى(ع) على ان اللازم الاخير يلزمه بان الدار ناقصة، وان الذي يكملها ويجعلها احسن هو مسيحه‏الموعود وما يكون جوابه فهو جوابنا.
واما ثانيا: فانا نعترف بصحة ما فسر به الحديث في الوجه الثاني، من ان المراد من هذا المثل ان نبوة‏الانبياء من حيث الشريعة ومن حيث انهم كانوا يرسلون الى اقوام مخصوصة لم تكن بالغة الى نهايتها،وان مراتب النبوة تمت ببعثة نبينا(ص) وان من ياتي بعده يكون من اتباعه، ولكنا لا نعترف بانه المسيح‏الهندي بل هو المسيح عيسى ابن مريم والمهدي، لورود الحديث الصحيح والاثر وتواتر الخبر برجوع‏المسيح وخروج المهدي (ع).
واما ثالثا: فانا نعتقد كما يعتقد بانه لا ياتي بعده نبي مستقل كما ذكر في الوجه الثالث، وانه اذا اتى يكون‏تحت حكم شريعته، ولكن لا نسلم انه من امته وانه المسيح الهندي، بل هو المسيح عيسى ابن‏مريم(ع) ونبوته، هي عين نبوته، كما نعتقد بظهور المهدي على ما جاء في الجواب الثاني.
واما رابعا: فان تمام مراتب النبوة وانتهاءها اليه(ص) كما هو الواقع وكما يعترف به صاحب التوضيح،يدلان على انقطاع النبوة بعده والاستغناء عن الانبياء، سواء اكانوا مستقلين ام كانوا تابعين لشريعته‏حيث كان لها حملة وعليها حفظه من امته، وهم كانبياء بني اسرائيل مضطلعون باعبائها غير مفرطين‏باحكامها، بدون دعوى النبوة التي لو كانت مما يقع في الاسلام بعد نبي الاسلام لكان من مصلحة‏المسلمين بل من ضرورات الدين ان يرد نص ببقائها ووقوعها وان لا يسكت النبي(ص) عن بيان ذلك‏وهو احوج ما يكون الى البيان، اما ولم يكن شي‏ء من ذلك ولا حدث ادعاء احد من اعلام المسلمين‏في مختلف العصور هذا المنصب حاشا بعض الغلاة، فانه يضرب بدعوى كل مدع له عرض الحائط،واما اعتقاد من يعتقد منهم رجوع المسيح في آخر الزمان وظهور المهدي او رجوع المسيح عاملابشريعة محمد(ص) فلما صح عنده من حديث وخبر وفرق بين الامرين.
4 ان لفظ الانبياء في الحديث عام لكل نبي، سواء اكان مستقلا بشريعة ام كان تابعا لنبي صاحب‏شريعة، ويستفاد من المثل ان كل نبي لبنة من الدار او البيت وان اللبنة الاخيرة التي استكمل بها بناءالدار هو محمد(ص) فلم تحتج الى لبنة او لبنات اخرى تتم بها، ولو صح بعثة انبياء بعده ولو كانواتابعين له للزم ان لا يكون قد تم بناؤها، وان كل نبي يرسل بعده هو لبنة من لبناتها. واما قوله: فكما ان‏الصديقين والشهداء والصالحين داخلون في هذه اللبنة كذلك انبياء الامة لكونهم تابعين لمحمد(ص)ففيه ان لفظ الانبياء خاص بالانبياء، فكيف يشمل الصديقين والشهداء والصالحين وهم غير الانبياءبالطبع، كما عرفت ذلك في الاية (ومن يطع اللّه ورسوله) [النساء/69] هذا اولا، وثانيا: لو صح‏شموله لهم لكانوا كلهم انبياء، فلم اختص المسيح الهندي وحده باسم النبي؟ وثالثا: لم يلح لنا وجه في‏كيفية دخول انبياء الامة في اللبنة التي تم بها بناء الدار، وهي وحدة لا تقبل الانقسام الا الى الجواهرالمفردة او الالكترونات او الفوتونات، ولو كان هذا المراد من الحديث وهو ما لم تحتمله الفاظه، لكان‏من اللازم ان لا يخص النبي(ص) نفسه بانه هو اللبنة، ولعبر عن ذلك بانه هو وامته اللبنة والا فظاهراللفظ لا يدل الا على اختصاصه بها وحده.
واما قوله: وان هذا الحديث يؤيد ما ذهبنا اليه في تفسير خاتم النبيين، اي انه كالخاتم لهم يختمون به‏ويتزينون بكونه منهم، لان الفاظ الحديث واضحة بان محمدا(ص) ملا البيت زينة وبهاء وزاده حسناوجمالا، ففيه انه لو اريد من الفاظ الحديث هذا المعنى لم يكن للتعبير بقوله: فاكملها وحسنها الا موضع‏لبنة محصل، لان الدار قد اكملت وحسنت، على ان التعبير ب(الا) موضع لبنة (وانا) اللبنة يدل دلالة‏صريحة على اكمال بناء الدار به لا على زينتها.
هذا هو المفهوم من الفاظ الحديث وهذا ما يجب حمله عليه عند كل من له مسكة في فهم اساليب‏الكلام.
بقي امر مهم جدا له صلته بالبحث عن الحديث لا يسعنا اغفاله، وفيه الزامات لا مفر منها للقادياني‏وتابعه صاحب التوضيح.
ان قوله: ان في امة محمد(ص) انبياء تابعين له وهو من لوازم القول ببقاء النبوة منته الى لوازم لابدمنها:
1 ظهور انبياء بعد النبي(ص) معروفين باعيانهم واسمائهم وبمؤيدات نبوتهم.
2 على اصحاب هذه المقالة ان يكونوا على علم تام من امر اولئك الانبياء ووقوف على ما تركوا من‏آثار نبوتهم ودلائلها.
3 على فرض ارسال اولئك الانبياء المزعومين برسالات كرسالة القادياني، فان من لوازم انكارنبوتهم تكفير المنكرين لها كما هو مذهب القادياني، ويحكم به على منكري نبوته.
4 ان المسلمين كافة من سلف منهم ومن خلف على اختلاف مذاهبهم وتعدد فرقهم محكوم عليهم من‏القادياني بالكفر، لانهم يعتقدون انقطاع النبوة وينكرون نبوته البتة، وان الاسلام (ماركة) مسجلة على‏المنصورية الغلاة المنقرضين القائلين ببقاء النبوة وعلى القاديانيين.
5 فالنتيجة اذا ان المسلمين هم هذا العدد الضئيل ومن عداهم وهم مئات الملايين خارج عن حظيرة‏الاسلام، ومثلهم في شمول هذا الحكم لهم من سلف من المسلمين في مدى ثلاثة عشر قرنا ونيف، لايستثنى من ذلك الصحابة ولا التابعون وتابعو التابعين وائمة اهل البيت وائمة المذاهب الاربعة، لانهم لم‏يعتقد منهم احد ببقاء النبوة بعد خاتم النبيين(ص) وهل هذا من آية ظهور دين الاسلام على الدين‏كله؟ وهل يستفاد من ظهوره على الدين كله ض‏آلة تابعيه وانحصاره في القادياني واتباعه؟ 6 ان هذا الزعم العجيب مؤد الى مخالفة النهي الصريح المجمع عليه من المسلمين عن تكفير اهل القبلة،وهو ما تحاشاه ائمة المسلمين على اختلاف مللهم، ولئن بدع اهل كل ملة من خالفهم فانهم لم يجرؤواعلى الحكم بخروجهم عن ربقة الاسلام، بل قالوا باسلامهم وبعذر مخالفيهم المتبنية مخالفته على‏الاجتهاد الماجور عليه المصيب والمخط‏ى‏ء، وللايمان والكفر حدود منصوص عليها في مظانها لا يضل‏بها الكلام.
وليت صاحب التوضيح وهو واتباع القاديانية يرون تكفير عامة المسلمين لم يستعظم قول من يقول‏بتكفير ارباب نحلتهم، ومن قال قولا قيل فيه بمثله، على ان المسافة بين القولين بعيدة جدا، وسنعرض‏الى هذا البحث في موضعه من هذا الكتاب فانتظره.
اما تتمة كلامه في هذا البحث فلا نهتم بنقضها، لان ردودنا شاملة لها وما هي الا رشحة من اناءالمتصوفة المتطرفة، ولكنه جرى بما اورده من كلام صاحبه في التدليل على نبوته على غير طريقتهم،فانهم اصحاب رموز واشارات وتهوس وشطحات، وقد لا تبين مقاصدهم من مطاويها، وليس المجال‏بمتسع للافاضة في مباحث خارجة عن موضوعنا تشذ عنه، وهو ما ينطبق على رغبات الاحمدية‏الذين من اقصى امانيهم اتساع دائرة الجدل وتشعبه الى شعب كثيرة.
الحديث الثاني: الذي استدل به على نبوة صاحبه، ما رواه الدارمي عن ابن عباس قال: قال رسول‏اللّه(ص): «انا اول من ياخذ بحلقة الجنة فيفتحها ومعي فقراء المؤمنين، وانا يد الاولين والاخرين من‏الانبياء النبيين ولا فخر»((125)).
وجه الاستدلال ان من النبيين بيان للاولين والاخرين ولازمه بقاء النبوة وظهور انبياءبعده(ص).
ولنا في نقضه وجوه:
1 الشك في صحة هذا الحديث المرفوع الذي لم يبين رجال سنده هذا اولا، وثانيا: ان البخاري لم‏يخرج هذا الحديث في صحيحه ولا رواه محدثو الامامية، وذلك ما يقوي الشك في صحته.
2 على فرض صدوره فانه لا مناص من تاويله بعد قيام الدليل والاجماع على انقطاع النبوة، من ان‏يراد من النبيين الاخرين عيسى ومن ارسل في الفترة بينه وبين محمد(ص) على القول ببعثة رسل فيها،والا فهو محمول على عيسى(ع).
3 ان مورد الحديث خاص في دار الجزاء وهي الدار الاخرة، وبيان ما للنبي(ص) والمطيعين من امته‏من المنزلة الباذخة التي لا يساهمها فيها ساهم من النبيين واممهم، وهي انه اول من ياخذ بحلقة الجنة‏ويفتحها، وانه سيد الاولين منهم من اولي العزم وغير اولي العزم، الى زمن موسى(ع) والمتاخرين ممن‏بعث منهم بعده وآخرهم عيسى من اولي العزم ومن ارسل بعده في الفترة على القول به الى زمن خاتم‏اولي العزم والنبيين كافة، فهؤلاء هم المتاخرون واولئك المتقدمون، وهو آخرهم واولهم دخولا الى‏الجنة وسيدهم اجمعين.
ولا معنى لحمل هذا المورد الخاص الذي ورد به الحديث في بيان حاله وحالة امته في دار الثواب‏والجزاء على العموم.
4 ويمكن ان يراد من المتاخرين المسيح، بناء على القول بعودته تابعا لشريعة محمد عاملا بها في آخرالزمان، كما استفاضت بذلك الرواية وتواتر الخبر، وبخروج مهدي آل محمد كما هو مستفيض خبره من‏طريقي السنة والشيعة.
5 وبما علقناه على احتجاجه في الحديث الاول من اثبات انقطاع النبوة بما لا مزيد عليه توهين‏للاحتجاج بهذا الحديث، فراجعه وهو قريب.
الحديث الثالث: ما رواه مسلم والبخاري في صحيحيهما:
«يبعث دجالون كذابون قريب من‏ثلاثين‏»، استدل بهذا الحديث على نبوة صاحبه، ووجه استدلاله انه قال: كتب صاحب اكمال‏الاكمال في شرح صحيح مسلم في سنة 828 ما نصه، هذا الحديث قد ظهر صدقه، فانه لو عد من تنبامن زمنه(ص) لبلغ هذا العدد، وعقب هذا الكلام بقوله: وان تعيين العدد يدل على امكان مجي‏ء نبي‏صادق، والا لقال(ص) ان كل من يدعي النبوة يكون كذابا دجالا بدون ان يذكر عددا معينا.
ولنا في نقض هذا الاستدلال وجوه:
1 ان الحديث وارد مورد الخبر عما سيحدث في امته بعده من محدثات، فهو كاخباره عن افتراقها الى‏ثلاث وسبعين فرقة، ولما كان هذا الخبر على اطلاقه يفيد احد امرين: اما هلاك تلك الفرق كلها وامانجاتها كلها، وكلا الامرين على الاطلاق غير مراد قطعا، فكان المقام مقام بيان فابان(ص) ان الناجية‏فرقة واحدة والباقون في النار. ولو كان يراد من الحديث الذي نحن بصدده الخبر عن بعث دجالين‏كذابين قريب من الثلاثين كلهم مدع للنبوة وعن بعثة انبياء صادقين، وانه لم يرد منه مجرد الخبر عن‏ادعاء مثل ذلك العدد من الدجالين الكذابين النبوة، لكان المقام مقام ان يبين وان يقول(ص) ويبعث‏انبياء صادقون، ولو كان ارسال النبيين بعده(ص) مما يمكن وقوعه، لكان من تمام الحجة ومن باب لطفه‏تعالى بعباده التصريح باسمائهم او باوصافهم، فحيث لم يقع ذلك والمقام يقتضي البيان، فلم يكن ارسال‏النبيين مما سيقع ابدا على ان البيان كان على العكس بصريح الاية (ولكن خاتم النبيين) والحديث «لانبي بعدي‏» وبما سيجي‏ء بعد.
2 أن غاية ما يدل عليه الحديث هو دعوى دجالين كذابين قريب من ثلاثين للنبوة وهو المنطوق ‏وعلى المفهوم بناء على أن لهذا العدد مفهوما أنهم ليسوا بأقل من هذا العدد ولا بأكثر منه، ولا تفهم منه ‏الدلالة على إمكان مجي‏ء نبي صادق ولو كان ذلك مراد القال وسيبعث نبي صادق أو أنبياءصادقون.
3 إن بعث الدجالين الكذابين بالنبوة الكاذبة هو مجاز عن إدعائهم الكاذب ، وهو غير موضوع بعث‏الأنبياء الصادقين الذي هو من اللّه تعالى، ولا ملازمة بين الموضوعين، فالأخبار عن أحدهما لا يستلزم ‏الإخبار عن الآخر، وإنما تتم الملازمة إذا صح أن الباعث للدجالين الكذابين وللمخلصين الصادقين هواللّه تعالى، وحاشى للّه أن يضل عباده ببعثة الدجال الكاذب، وما ورد في كلامه تعالى مما ظاهره مثل ‏ذلك فمحور على ضرب من التأويل.
4 على فرض التسليم بزعم المستدل من دلالة تعيين العدد على مجي‏ء بني صادق ففيه:
أولاً: لمَ لم يُحمل على مجي‏ء النبي الصادق عيسى ابن مريم(ع) وقد تضافرت الروايات بمجيئه في آخرالزمان تابعا لمحمد(ص) عاملا بشريعته.
ثانيا: إن الإمكان شي‏ء والوقوع شي‏ء آخر، فليس كل ممكن واقعا، والدليل القاطع دل على عدمه كما مر غير مرة في مطاوي هذه المباحث، وكما سترى بعد ما يزيده تأييداً وتأكيداً.
ثالثا: إن إمكان مجي‏ء نبي بعده (ص) لا يثبت به عموم الفرض من إرسال النبيين، ولا يتحقق بإرسال ‏واحد بعد فرض بقاء النبوة، ولكن المستدل يرى حصوله بنبوة صاحبه، وبه لا بالمسيح الإسرائيلي‏يتحقق مضمون الخبر المستفيض عن مجي‏ء المسيح في آخر الزمان.
إن في استدلاله بما ورد في كتاب إكمال الإكمال بأنه لو عد من تنبأ من زمنه (ص) لبلغ هذا العدد وجوها من الرد.
الأول: لا نسلم بلوغ من تنبأ هذا العدد، إذ الظاهر من هذا التنبؤ حدوث أثر له ولو إلى حين، أي بأن ‏يكون للمتنبئين أعوان وأتباع عاملون بما وضعوا من تعاليم، وإلا لساغ لنا عد المحورروين والمعتوهين ‏والموسوسين ، ومن تنبأ ساعة أو ضحاها، ومن لم يكن له إلا مجرد الدعوى من المتنبئين، وفي عد أمثال ‏هؤلاء ما يزيد على الثلاثين أضعافا ، وما كان هذا مما يُراد من الحديث قطعا ، فلا بد أن يُراد منه تنبؤ من‏كان لتنبؤهم شي‏ء من الأثر ونوع من التضليل والتدجيل ، ينغمس في حماتها من لا مسكة له من علم ‏وفهم ومن هو فاقد التمييز، وهم غير قليل من دهماء الناس وغوغائهم.
وإذا استعرضنا أحوال من كان تنبؤهم مثل ذلك الأثر فنجد منهم:
1 - مسيلمة بن حبيب الكذاب.
2 - عيهلة بن كعب الذي يقال له العنسي ويُلقب ذا الخمار، أدعيا النبوة في عهد النبي(ص).
3 - طليحة بن خويلد الأسدي تنبأ بعد وفاته (ص) وعظم أمره.
4 - سجاح بنت الحارث بن سويد ، تنبأت بعد وفاته (ص) ومالاها جماعة من رؤساء القبائل وفريق‏من أخوالها بني تغلب.
5 - أبو الطيب المتنبي إن صحت دعواه النبوة وادعاها المنصورية من الغلاة والبنانية القائلون ببقاءالنبوة ، وكيف كان فإنا لا نستطيع أن نستخرج من مجموعهم عدد الثلاثين ممن أحدث تنبؤهم أثراً، ولازم ذلك أن الباب لا يزال مفتوحاً للمتنبئين على مصراعيه.
الثاني: إن فرض التسليم ببلوغ العدد يؤدي إلى أن كل من تنبأ بعد بلوغ العدد نبي صادق ، فكل من ‏ادعاها بعد سنة 828 وهو عهد مؤلف إكمال الإكمال من النبيين الصادقين، فلتقر إذاً عيون المحرورين ‏وكل من تحدثه نفسه بإدعاء منصب النبوة السامي، فإن المجال متسع ليس للمسيح الهندي فحسب بل‏له ، ولكل من يلتمس جاه الدنيا وتبع الحياة من هذا الباب.
3 الثالث: إن هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه مسنداً إلى أبي هريرة يتضمن الإنباء عن أمورتحدث في الأمة كلها من أشراط الساعة، ومن بعضها بعث دجالين كذابين قريب من ثلاثين كلهم يزعم ‏أنه رسول اللّه، وأخرجه مسلم في صحيحه مسندا إلى أبي هريرة من طريقين ، وفي ثانيهما بدل يبعث ‏ينبعث مقتصرا على الإخبار عن بعث أو إنبعاث دجالين كذابين قريب من ثلاثين ، وكلاهما لم يعرض ‏لمورد الحديث الذي أورده أبو الفداء ملك حماه في تاريخه المختصر ، حيث قال: وروى عبداللّه بن أبي‏بكر أن رسول اللّه (ص) قال: «أيها الناس إني قد رأيت ليلة القدر ثم انتزعت مني ، ورأيت في يدي ‏سوارين من ذهب فكرهتهما فنفختهما فطارا ، فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمامة وصاحب صنعاء، ولن تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالا كل منهم يزعم أنه نبي‏ ».
ويفهم من ذكر مورد الحديث وروايته على هذه الصورة أن خروج الثلاثين دجالا كل منهم يزعم أنه‏نبي من يكون لدعواه النبوة من الأثر مثل ما كان لصاحبي صنعاء واليمامة وهو ما استظهرناه ‏آنفا.
ويدل على أن عدد المتنبئين لم يستكمل نصابه حديث أخرجه مسلم في الصحيح مسندا إلى جابر بن‏سمرة عنه (ص) «إن بين يدي الساعة كذابين‏» ووجه الدلالة أنه إن كان المراد من الكذابين ‏مطلق من يصدر منهم الكذب، فأي محصل لتخصيص ظهورهم بين يدي الساعة والكذابون اتصل‏ظهورهم بعصر النبوة وكثر سوادهم بعده وضخم أمرهم بعد تفرق الأمة فرقا وشيعاً حتى بلغوا ثلاثا وسبعين فرقة، ومن أجل ذلك عني المحدثون بوضع علم الحديث ومتفرعاته للتعريف بمن يقبل حديثه ‏ومن يرد حديثه، فإذن لا بد من حمل هذا الحديث المطلق على الحديث المقيد الذي نحن بصدده، وأن ‏يُراد من الكذابين في الحديث « إن بين يدي الساعة كذابين‏ » من لهم صفة زعم النبوة، وذلك دليل على ‏عدم استكمال العدد، وأن منهم من يقارن ظهوره وخروجه حلول أجل الساعة، وكان في التعبير بآ(بين) يدي الساعة إيماء الى ذلك.
الحديث الرابع: «لو كان بعدي نبي لكان عمر» قال: إنه لا يدل قطعا على أنه لا نبي بعده ، وكذلك لا يدل قوله (ص) لعلي (ع) «إلا أنه لا نبي بعدي ‏» زاعماً أن (بعد) في الحديثين بمعنى ( مع ) والمعنى ‏لو كان معي نبي لكان عمر، وإلا أنه لا نبي معي.
وفي نقض هذا الاستدلال وجوه:
1 - لم نفهم محصلا لقوله: انه لا يدل قطعا على انه لا نبي بعده، لان احتمال استعمال (بعد) بمعنى (مع) لايدفع على الأقل إحتمال إستعمالها بمعناها، وهو ضد قبل الذي هو أكثر دوراناً في الكلام إن لم نقل أنه‏حقيقة فيه ، بل هو المنصوص عليه في كلمات الأئمة، ففي القاموس: (وبعد ضد قبل ) ولم يذكر غيره، وفي‏المصباح للفيومي: (وبعد) ظرف مبهم لا يُفهم معناه إلا بالإضافة لغيره ، وهو لزمان تراخ عن السابق ‏وجاء زيد بعد عمرو متراخيا زمانه عن زمان مجي‏ء عمرو ، وتأتي بمعنى ( مع ) كقوله تعالى: (عُتل بعد ذلك زنيم) [القلم/13] أي مع ذلك ، وفي مختار الصحاح : وبعد ضد قبل ، وفي النهاية لابن الأثير: وبعد من ظروف المكان التي بابها الإضافة ، فإذا قطعت عنها وحذف المضاف إليه بُنيت على الضم ( كقبل ) ومثله قوله تعالى: (للّه الأمر من قبل ومن بعد) [الروم/4] أي من قبل الأشياء ومن بعدها ،وفي فقه اللغة للثعالبي في فصل مجمل وقوع حروف المعنى مواقع البعض : ( بعد ) بمعنى ( مع ) يُقال : فلان‏كريم وهو بعد أديب أي مع هذا، ويتناول قوله عز وجل :
(عُتل بعد ذلك زنيم) أي مع ذلك ، وفي‏المخصص لابن سيده:
( قبل ) أول ( بعد ) آخر، وفي مجمع البحرين للطريحي: ( وبعد ) خلاف قبل ، قال اللّه تعالى : (وللّه الامر من قبل ومن بعد) أي قبل الفتح وبعده، وقد يكون بمعنى ( مع ) مثل قوله تعالى:
( عُتل‏بعد ذلك زنيم ) أي مع ذلك، قوله : (والأرض بعد ذلك دحاها) [النازعات/30] أي مع ذلك، وقيل: ( بعد ) على أصلها لما روي عن ابن عباس قال : خلق اللّه الأرض قبل السماء فقدر فيها أقواتها ولم‏ يدحها ، ثم خلق السماء ثم دحا الأرض بعدها، وفي فقه اللغة (الصاحبي) لابن فارس: (بعد) يعدل على أن يعقب شي‏ء شيئا، تقول: جاء زيد بعد عمرو. ويقولون: أنها تكون بمعنى (مع) يُقال: هو كريم وهوبعد هذا فقيه، أي مع هذا فقيه ويتأولون قول اللّه جل ثناؤه: (والأرض بعد ذلك دحاها) [النازعات/30] على هذا . وفي الأساس للزمخشري: (أما بعد) فقد كان كذا وأتيته بعيدات بين إذا أتيته بعد، ولم يذكر إستعمالها بمعنى (مع).
فأنت ترى من مجموع هذه الأقوال أن (بعد) حقيقة هي ضد قبل ، وأنها أُستعملت بمعنى (مع) في مواضع‏محصورة عند من تأول ذلك.
1 - في آية (عُتل بعد ذلك زنيم) .
2 – وآية : (والأرض بعد ذلك دحاها).
3 - وقولهم فلان كريم وهو بعد أديب.
أما الآية الأولى: فإن صاحب الكشاف قد ذهب إلى استعمال (بعد) بمعناها الحقيقي ، حيث قال: (بعدذلك) بعد ما عد له من المثالب والنقائص ، وأيد ذلك صاحب الانتصاف بقوله:
وإنما أخذ كون‏ هذين (عتل وزنيم) أشد معايبه من قوله: بعد ذلك، فانه يعطي تراخي المرتبة فيما بين المذكور أولاً والمذكور بعده في الشر والخير، ونظيره في الخير قوله تعالى: والملائكة بعد ذلك ظهير، ومن ثم‏استعملت ثم لتراضي المراتب وإن أعطت عكس الترتيب الوجودي ، وقال الفخر الرازي: «قوله: بعد ذلك معناه أنه بعد ما عد له من المثالب والنقائص فهو عُتل زنيم ، وهذا يدل على أن هذين الوضعين‏ وهو كونه عُتلاً زنيماً أشد معايبةً، لأنه إذا كان جافيا غليظ الطبع قسا قلبه واجترأ على كل معصية، إلى‏ أن قال: وقوله ههنا (بعد ذلك) نظير ثم في قوله: (ثم كان من الذين آمنوا) [البلد/17]»
وأما الآية الثانية: ففي لسان العرب: « قال أبو حاتم: وقالوا: (قبل وبعد) من الأضداد. وقال في قوله عزوجل: (والأرض بعد ذلك دحاها) أي قبل ذلك، قال الأزهري: والذي قاله أبو حاتم عمن قاله خطأ (قبل وبعد) كل واحد منهما نقيض صاحبه، فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر وهو كلام فاسد. وأما قول‏اللّه عز وجل:
(والأرض بعد ذلك دحاها) فإن السائل يسأل عنه فيقول: كيف قال بعد ذلك والأرض ‏أنشأ خلقها قبل السماء ، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قل ائنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في‏يومين) فلما فرغ من ذكر الأرض وما خلق فيها قال: (ثم استوى إلى السماء) وثم لا يكون إلا بعد الأول ‏الذي ذكر قبله، ولم يختلف المفسرون أن خلق الأرض سبق خلق السماء.
والجواب فيما سأل عنه السائل‏ أن الدحو غير الخلق، وإنما هو البسط، والخلق هو الإنشاء الأول، فاللّه عز وجل خلق الأرض أولا غير مدحوة ، ثم خلق السماء ، ثم دحا الأرض أي بسطها، قال:
والآيات فيها متفقة ولا تناقض بحمد اللّه فيها عند من يفهمها، وإنما أتى الملحد الطاعن فيما شاكلها من الآيات من جهة غباوته وغلط فهمه وقلة علمه‏بكلام العرب‏» وفيما أورده الطريحي عن ابن عباس ما يؤيد استعمال (بعد) في هذه الآية في‏معناها الحقيقي .
بقي الكلام في تأويل (بعد) في قولهم فلان كريم وهو بعد أديب بمعنى (مع) وأنت خبير بأن ذلك ليس ممايحتج به ، أولا : إن زعم أنه منحصر في هذا الاستعمال، ثانيا: لجواز أن يكون مستعملاً في معناه الحقيقي ‏ويُراد منه أنه موصوف بالكرم، وبعد وصفه بهذه الصفة هو موصوف بالأدب ، على أن تجويز إستعمال‏ هذا الحرف (بعد) بمعنى (مع) في هذه المواضع إن سلمنا أنه لا مناص منه، فليس معنى هذا أنه يصلح‏ لمثل هذا الاستعمال في كل مورد، وإذا جاز للمستدل أن يؤول (بعد) بمعنى (مع) في الحديثين، فهلا جاز أن يُقال في قولنا: جاء زيد بعد عمرو أن (بعد) بمعنى (مع) ويكون المعنى مجي‏ء زيد مع عمرو، وهذا خلف من القول.
ثم إن إستعمال (بعد) بمعنى (مع) في مواضع محصورة مثل استعمال (مع) بمعنى (بعد) في بعض المواردالمحدودة، وإن لم يكن ذلك من المتفق عليه، ومستند الجواز.
1 - قراءة من قرأ (الآية 24 من سورة الأنبياء) (هذا ذكر من معي).
(2) حكاية سيبويه. ذهبت من‏معه. اي ذكر من بعدي، وذهبت من عنده.
قال ابن هشام في المغني في مبحث (مع): «والثالث (من معانيها) مرادفة عند وعليه القراءة وحكاية‏سيبويه السابقتان‏»
أما الآية فقد جاء في الكشاف في تفسيرها: «وقُرى‏ء (من معي) و (من قبلي) على من الإضافية في‏هذه القراءة وإدخال الجار على (مع) غريب ، والعذر فيه أنه إسم هو ظرف نحو قبل وبعد وعند ولدن ‏وما أشبه ذلك ، فدخل عليه (من) كما يدخل على أخواته، وقرى‏ء ذكر معي وذكر قبلي، كأنه قيل بل‏عندهم ما هو أصل الشر والفساد كله، وهو الجهل وفقد العلم وعدم التمييز بين الحق‏والباطل‏»
وفي مجمع البيان: «(هذا ذكر من معي وذكر من قبلي) أي وقل لهم يا محمد هذا القرآن ذكر من معي بمايلزمهم من الأحكام، وذكر من قبلي من الأمم ممن نجا بالإيمان أو هلك بالكفر عن قتادة، وقيل: هذا ذكر من معي بالحق في إخلاص الإلهية والتوحيد في القرآن، وعلى هذا ذكر من قبلي في التوراة والإنجيل‏ عن الجبائي. قال: لأن القرآن ذكر أتاه اللّه ومن معه، والتوراة والإنجيل ذكر تلك الأمم، وقال أبوعبداللّه (ع) يعني بذكر من معي من معه وما هو كائن. وبذكر من قبلي ما قد كان ، وقيل: إن معناه في‏القرآن خبر من معي على ديني ممن يتبعني إلى يوم القيامة بما لهم من الثواب على الطاعة والعقاب على‏المعصية وذكر ما أنزل اللّه من الكتب قبلي، فانظروا هل في واحد من الكتب أن اللّه أمر باتخاذ آله سواه، فبطل بهذا البيان جواز اتخاذ معبود سواه من حيث الامر به‏» إلى اقوال أخرى كلها تؤيداستعمال (مع) بمعناها وهو المصاحبة، فاستعمال كل من هذين الحرفين بمعنى الآخر في مواضع قليلة ‏شاذة لا يسوغ للمستدل تجاوز حدود الرخصة في صرف المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي بدون ‏اضطرار ولا اقتضاء، وليس بمثل هذه الأدلة الواهنة يثبت مطلوبه.
2- إن حمل (بعد) على معنى (مع) في الحديث مؤد إلى جمع عمر مزايا النبوة ، وإنما منع أن يكون نبيا أن‏النبي (ص) لا نبي بعده، ولكن هذا لا ينفي أن يكون نبيا بعده وهو يجمع مزايا النبوة، بل من المفروض‏عليه أن يدعيها، وكذلك الكلام في الحديث الثاني «إلا أنه لا نبي بعدي‏» ومؤدى الحديثين على هذا الحمل أشبه بالنص على نبوتهما، فهما لم يدعياها ولا ادعاها لهما أحد من المسلمين، ثم إن منصب النبوة ‏أعلى من منصب الخلافة، وجمع عمر لمزايا النبوة كان يفرض عليه أن يكون أحق بالخلافة وأن لايدعها لمن هو دونه في المزايا التي يساهم فيها الأنبياء.
3- آية حُكمه في العدول عن (مع) إلى (بعد) أن أُريد من (بعد) معنى المصاحبة في الحديثين، وما القرينة‏الحالية أو المقالية على هذا التجوز إذا كان مما يجوز وقوع مفهومه ، بل كان من الحكمة استعمال (مع) (لابعد) منعا للتضليل والافتتان.
4- تبين مما تقدم انحصار استعمال (بعد) بمعنى (مع) في موارد خاصة عند القائل بهذا الانحصار، وإذاكانت في هذين الحديثين أُستعملت بمعنى (مع) فلماذا لم يعرض له الأئمة ولم يذكروا الحديثين من شواهد هذا الاستعمال ؟ ولماذا لم يفهم منهما هذا المعنى أصحاب النبي (ص) وهم حاضرو الخطاب وأبصر بمواقعه ‏وهم أهل اللسن واللسان ؟ ولو كان ذلك مراداً من الحديثين وأنه مما يفهم منهما لنُقل عنهم مؤداه.
ثم إن حديث المنزلة وهو الحديث الثاني أُول على إستحقاق علي للنبوة ، لأنه لم يعلق على شرط تعليق‏ الحديث الأول وهو صريح بجمع علي مزايا ما جمع هارون ، فإذا لم يكن علي نبياً في عهد الرسول (ص) كما كان هارون (لأنه لا نبي معه) فهو على هذا الزعم نبي بعده ومفروض عليه إظهار النبوة، وذلك لم يكن ولا قال به مسلم ولا ادعاه له مدع، دع الغلاة الذين لا وزن لمقالاتهم ومزاعمهم وهم‏الذين عرجوا بعلي إلى مقام الالوهية.
الحديث الخامس: وهو ما رُوي من أنه (ص) قال لعمر (رض):
« لو لم أُبعث لبُعثت يا عمر » .قال صاحب التوضيح لا يدل هذا الحديث على أن باب النبوة مسدود بالكلية بعد رسول اللّه(ص) أقول: إذا لم يدل هذا الحديث على تقدير صحته على انسداد باب النبوة ودل بزعمه على جواز أو إمكان‏بقائها، فإن هناك أدلة لا تنقض وأحاديث لا ترد وإجماعا لا يدفع تدل على الانسداد، وماذا يجديه نفعا وتدليلا على زعمه مجرد ألفاظ الجواز والفرض والإمكان إذا كان الواقع يدحض ذلك كله ، هذا ولانرى فائدة في إطالة الكلام في هذا الحديث المشكوك في صدوره.
الحديث السادس: «أنا العاقب الذي ليس بعده نبي‏ » قال: فتفسير العاقب ليس من رسول‏اللّه (ص) إلى أن قال :
ويمكننا أن نقول في تأويل هذا الحديث: أن المراد من (بعد) بعد زمن نبوته، وبما أن ‏زمن رسالته ممتد إلى يوم القيامة، فلا يمكن وجود نبي مستقل صاحب شرع جديد، ولكن يجوز وجود نبي بعده في زمنه إذا كان تحت حكم شريعته ومن أمته مجدداً لدينه.
وفي التعليق على هذا الكلام وجوه:
1- نرى لزاماً علينا ذكر نص الحديث كما أورده البخاري في صحيحه بحذف الإسناد، قال : قال رسول‏اللّه(ص) « لي خمسة أسماء أنا محمد. وأحمد، وأنا الماحي الذي يمحو اللّه بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشرالناس على قدمي (أي على أثري) وأنا العاقب (لأنه جاء عقب الانبياء) ».
2- إن تفسير العاقب (بالذي ليس بعده نبي) ليس من ألفاظ الحديث كما يقول صاحب التوضيح ، ولكن‏صدوره ممن يوثق بفهمه لمعاني الكلام وأساليبه يدل على أنه هو المفهوم من لفظ (العاقب) وهو ما فهمته ‏صاحب التوضيح ولكن مقيدا بقيد عدم وجود نبي مستقل، بعده معلقا على هذا القيد جواز وجود نبي ‏بعده غير مستقل إذا كان عاملا بحكم شريعته، ولكن هذا القيد لا يُفهم من لفظ العاقب المطلق، فلايكون وهو غير مفهوم من اللفظ حجة حتى ولا على مجي‏ء المسيح الذي دلنا عليه الدليل الخاص.
3- إن هذا المعنى من لفظ العاقب هو ما نص عليه أئمة اللغة، ففي مختار الصحاح: «عاقبة كل شي‏ءآخره، والعاقب: من يخلف السيد، وفي الحديث: أنا السيد والعاقب ، يعني آخر الانبياء(ع)»
وفي المصباح: « ومنه، وعقبت زيدا عقبا من باب قتل وعقوبا جئت بعده، ومنه سمي رسول اللّه(ص)العاقب لأنه عقب من كان قبله من الأنبياء أي جاء بعدهم ‏».
وفي النهاية: «وفي أسماء النبي(ص) العاقب هو آخر الأنبياء، والعاقب والعقوب الذي يخلف من كان قبله ‏في الخير»
4- إن امتداد زمن رسالته(ص) إلى يوم القيامة معناه ومفهومه الصريح الاستغناء بها عن كل رسالة ‏وعن كل رسول ، سواء أكان مستقلاً بشريعة أم كان مقتفيا آثار تلك الرسالة العامة، ولو كان الاقتفاء رسالة والمقتفي رسولا لكان كل مقتف لها من علماء الأمة رسولاً ولا قائل به، والتعليق بالشرط وهو إذاكان تحت حكم شريعته مجددا لدينه لا يستلزم أن يكون الحاكم بها المجدد للدين رسولا، وإلا للزم أن‏يكون كل متصف بذلك الوصف نبيا كما عرفت، واللازم بين البطلان والتجديد المفهوم من الحديث‏المرفوع المروي عنه(ص) « إن اللّه يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يقرر لها دينها » وهو الذي حملته كل فرقة من فرق المسلمين التي لم تبتعد عن حظيرة الإسلام وعن أصوله وفروعه ‏الحقة على أعلام منها كان لهم فضل الذائد عن حياضه والحافظ لشرائعه أن التجديد المفهوم من‏الحديث هم أولئك العلماء الأعلام، ولم يدع أحد منهم النبوة، فكان كما قالوا: عمر بن عبد العزيز على ‏رأس المائة الأولى ، وكما قال أحمد بن حنبل وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الاخرى، وفي ‏معجم الأدباء لياقوت الحموي في ترجمة الإمام الشافعي قال: «الشيخ أبو الوليد حسان ابن محمد الفقيه‏يقول: كنا في مجلس القاضي أبي العباس بن سريج سنة ثلاث وثلاثمائة، فقام إليه شيخ من أهل العلم‏فقال له: أبشر أيها القاضي فإن اللّه يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها، وإنه تعالى بعث‏على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وتوفي سنة ثلاث ومائة، وبعث على رأس المائتين أباعبداللّه محمد بن إدريس الشافعي وتوفي سنة أربع ومائتين، وبعثك على رأس الثلاثمائة ثم أنشايقول :
إثنان قد مضيا فبُورك فيهما عمر الخليقة ثم حلف السؤدد الشافعي الألمعي محمد إرث النبوة وابن عم محمد أبشر أبا العباس إنك ثالث من بعدهم سقيا لنوبة أحمدقال: فصاح القاضي وبكى وقال: إن هذا الرجل قد نعى إلي نفسي. قال: فمات‏القاضي أبو العباس في تلك السنة‏ ».
وأما الإمامية فمع اعتقادهم بعدم خلو الارض من إمام ظاهر أو مستور مهيمن على الشريعة حافظ ‏لحدودها ورسومها عددا رجالا منهم مجددين للدين على رأس كل مائة سنة، ولكن كلا من الفريقين ‏السنة والإمامية لم يقر واحد منهما الرسالة والنبوة إلى مجدديهم وهل كانوا أخف في ميزانها من غلام‏احمد القادياني؟ ومن الطريف استدلاله على جواز وجود نبي غير مستقل بالنبوة بعده(ص) بالآية 30 الأحقاف (قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أُنزل من بعد موسى) وجه الإستدلال أن الجن المستمعين للقرآن لم يذكروا الأنبياء الذين بُعثوا بين موسى وبين رسول اللّه(ص) والصحف التي أُوتوها لأنهم كانوا تابعين لشريعة‏موسى (ع) وزمن شريعته كان ممتدا إلى بعثة رسول اللّه (ص) .
وفيه:
1- لم نجد في هذه الآية بعد إمعان النظر وإمعان الفكر ما يدل على زعم المستدل وآية ملازمة بين عدم ‏ذكر الجن المستمعين للقرآن للأنبياء الذين بُعثوا بين موسى ورسول اللّه (ص) والصحف التي أُوتوها بين‏ دعواه جواز وجود نبي بعده(ص).
2- كأنه يرى أمرا لزاماً وفرضا واجباً على الجن أن يحيطوا علماً بكل رسول أُرسل بعد موسى وكل‏كتاب أُنزل بعده ، وأن يُبينوا التفصيل ذلك لقومهم، أو يرى أن موقفهم موقف القاص المؤرخ، وأن مثل‏ذلك لم يكن مفروضا على الإنس من أمة محمد المؤمنين بدين محمد (ص) وكتاب محمد، بل فرض‏عليهم الإيمان الإجمالي بما أُرسل اللّه تعالى من رسل وأنزل من كتب.
3- إن موقف الجن من قومهم بعد استماعهم للقرآن كان موقف إنذار وتذكير، وأما تخصيصهم لموسى ‏وكتابه بالذكر فهو جار مجرى هذه الآيات. (قل فأتوا بكتاب من عند اللّه هو أهدى منهما اتبعه )[القصص/49]. ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ) [هود/17]. (قل من أنزل الكتاب الذي‏جاء به موسى ‘لى قوله وهذا كتاب أنزلناه مبارك مُصدق الذي بين يديه) [الأنعام/92]. والآية‏التي نحن بصددها: (إنا سمعنا كتابا أُنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق ‏مستقيم) [الأحقاف/30].
وفي معارج الوصول لابن تيمية : «وقال ورقة ابن نوفل: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرجان من‏مشكاة واحدة، وكذلك قال النجاشي: فالقرآن والتوراة هما كتابان جاءا من عند اللّه لم يأت من عنده‏كتاب أهدى منهما، كل منهما أصل مستقل ، والذي فيهما دين واحد، وكل منهما يتضمن إثبات صفات اللّه تعالى والأمر بعبادته وحده لا شريك له، ففيه التوحيد قولاً وعملاً كما في سورتي «الكافرون‏» و « الإخلاص ‏». (قل يا ايها الكافرون) و (قل هو اللّه احد) ».
وأما الزبور فإن داود لم يأت بغير شريعة التوراة، وإنما في الزبور ثناء على اللّه ودعاء وأمر ونهي بدينه ‏وطاعته وعبادته مطلقا، وأما المسيح فإنه قال: ( ولأُحل لكم بعض الذي حُرم عليكم) [آل‏عمران/50] فأحل لهم بعض المحرمات وهو في الأكثر متبع لشريعة التوراة ، ولهذا لم يكن بد لمن ‏إتبع المسيح من أن يقرأ التوراة ويتبع ما فيها إذ كان الإنجيل تبعاً لها.
وأما القرآن فإنه مستقل بنفسه لم يحوج أصحابه إلى كتاب آخر، بل اشتمل على جميع ما في الكتب، من‏المحاسن وعلى زيادات كثيرة لا توجد في الكتب فلهذا كان مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، يقرر ما فيها من الحق، ويُبطل ما صُرف منها، وينسخ ما نسخه اللّه، فيقر الدين الحق وهو جمهور ما فيها، ويُبطل الدين المبدل الذي لم يكن فيها والقليل الذي نُسخ فيها، فإن المنسوخ قليل جدا بالنسبة‏إلى المُحكم المقرر، والأنبياء كلهم دينهم واحد، وتصديق بعضهم مستلزم تصديق سائرهم، وطاعة بعضهم تستلزم طاعة سائرهم، وكذلك التكذيب والمعصية لا يجوز أن يكذب نبي نبيا، بل إن عرفه ‏صدقه ، وإلا فهو يصدق بكل ما أنزل اللّه مطلقا، وهو يأمر بطاعة من أمر اللّه بطاعته، إلى كلام طويل لايخرج عن هذا المضمون، وقد وضح بيان السر في تخصيص كتابي موسى ومحمد عليهما بالذكر دون ‏سواهما، ولكن ذلك لا ينفي أن يكون قد عمل مؤمنو الجن بشريعة عيسى مما نُسخ فيها من شريعة‏موسى، وكيف كان فإنه لا يُفهم من الآية ما يؤيد زعم القادياني.
الباب الرابع: في التعليق على ملخص في ختم النبوة
أطال صاحب التوضيح الكلام في هذا الموضوع إطالة مملة، وهو يتفرع عن إستمرار الوحي وبقاء النبوة، وقد أبطلناهما وأفسدنا ما تمسك به من الحجج الواهية ، ولم نجد مندوحة عن ترك التعليق على‏ هذا البحث الذي عرض فيه إلى أدلة أخرى يزعم أنها تثبت دعواه، ولئن كان فيه شي‏ء من التكرار فالذنب ذنبه، ولأن غرضنا إستقصاء الأهم فالأهم من حججه ونقضها حتى لا يبقى في قوس تمويهاته ‏منزع، والحق ضالتنا وهو ما ننشد واللّه من وراء القصد.
أبتدأ هذا البحث بتفسير آية خاتم النبيين على رأي صاحبه الحضي، فقال: لا يخفى أن الاية (ما كان‏محمد ابا احد من رجالكم) [الأحزاب/40] نزلت في السنة الخامسة من الهجرة حين تزوج بزينب، وفي السنة العاشرة حيث توفي ابنه ابراهيم، قال: لو عاش ابراهيم لكان صديقا نبيا فظهر من‏قوله(ص) أنه لم يُفهم من خاتم النبيين إنقطاع النبوة بالكلية، بل فُهم عكس ذلك بأن نوعا من النبوة‏ باق بعده، ولأجل هذا قال في حق إبنه: «لو عاش لكان نبيا».
ولنا في رد هذا الكلام وجوه:
1- الشك في ورود الحديث بهذا اللفظ ، ففي رواية أنه(ص) قال في حق ابراهيم: «إن له ظئرا تتم‏رضاعه‏» ، وفي رواية:
إن له ظئرين يكملان رضاعه في الجنة وقال: لو عاش لوضعت‏الجزية عن كل قبط‏ي. وفي لفظ لا عتقت القبط. وفي لفظ مارق له خال. قال بعضهم: معناه لو عاش‏فرآه أخواله القبط لأسلموا فرحا به وتكرمة له فوضعت الجزية عنهم ، لأنها لا توضع على مسلم ، ومعنى الثاني: إذا أسلموا وهم أحرار لم يجر عليم الرق، لأن الحر المسلم لا يجري عليه الرق.
فلم يعرض على هذه الروايات لذكر (لو عاش لكان صديقا نبيا) وإنما جاء ذلك في حديثين: الأول ‏رواه ابن ماجة عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: إن له مرضعة في الجنة، ولو عاش إبراهيم لكان‏صديقا نبيا ولا عتقت أخواله القبط وما استرق قبط‏ي، الثاني: في كنوز الدقائق للمناوي: لو عاش إبراهيم لكان صديقاً نبيا، رواه أحمد وابن ماجة وابن عساكر، هذا ما جاء في ينابيع المودة.
وأما البخاري فقد أخرج في صحيحه ما هذا نصه: حدثنا ابن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا اسماعيل‏ قلت: لابن أبي أوفى: رأيت إبراهيم ابن النبي(ص) قال: مات صغيرا ولو قضى أن يكون بعد محمد(ص) نبي عاش ابنه ولكن لا نبي بعده.
فظاهر هذا الحديث أن هذا القول لابن أبي أوفى وفيه كما ترى نفي لوجود نبي بعده (ص).
وأما النووي فقد قال كما في السيرة الحلبية: وأما ما روي عن بعض المتقدمين (لو عاش إبراهيم لكان‏نبيا) فباطل وجسارة على الكلام في المغيبات، ومجازفة وهجوم على بعض الزلات . فأنت ترى من كلام النووي أن هذا القول لبعض المتقدمين وأنه ليس وارداً عن النبي (ص).
2- على فرض التسليم بوروده عنه(ص) فإن له وجوهاً من التأويل، قال الحافظ ابن حجر تعليقا على‏قول النووي كما في السيرة الحلبية: وهو عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة، وكأنه لم يظهر له ‏وجه تأويله، وهو أن القضية الشرطية لا تستلزم الوقوع، أي وكان اللائق به أن يكون نبياً وإن لم يكن‏ذلك.
وفي حاشية السندي على صحيح البخاري في (باب من سمي بأسماء الأنبياء) تعليقاً على حديث ابن أبي ‏أوفى ما هذا لفظه: ولو قضي أن يكون بعد محمد (ص) نبي عاش الخ، يُحتمل أنه بيان لسبب موته، ومداره‏على أن إبراهيم قد علق نبوته بعيشه، وهذا مبني على أنه علم ذلك من جهته (ص) كما جاء عنه ذلك‏ ببعض الطرق الضعيفة ، وكذا جاء مثله عن الصحابة، ومعنى الحديث على هذا أنه لو قضي بالنبوة لأحدبعده (ص) لأمكن حياة ابراهيم ، لكن لما لم يقض لأحد تلك وقد قدر لإبراهيم أن يكون نبيا على تقديرحياته لزم أن لا يعيش، ويحتمل أنه بيان لفضل لإبراهيم، وحاصله لو قدر نبي بعده(ص) لكان إبراهيم ‏أحق بذلك، فتعين أن يعيش حينئذ إلى أن يُبعث نبيا، لكن ما قدر نبي بعده، فلذلك ما لزم أن يعيش، وعلى المعنيين فليس مبنى الحديث على أن ولد النبي يلزم أن يكون نبيا حتى يقال أنه غير لازم.
3- إن الحضي يعترف في بدء كلامه في تفسير آية خاتم النبيين بعموم النبيين الذين افتتحت نبواتهم‏ بنبوته، ويجعل الحديث المستفاد منه إمكان مجي‏ء نبي بعده(ص) مخصصا لذلك العموم، وقد عرفت أن‏الحديث قضية شرطية وهي لا تستلزم الوقوع واذا لم تستلزم الوقوع ، فلا تصلح إذن للتخصيص‏المزعوم.
4- إن هذا الحديث على فرض صحته هوكالحديثين السابقين (لو كان بعدي نبي لكان عمر) وأنت مني بمنزلة هارون من موسى ، وهما اللذان استدل بهما على جواز وجود نبي بعده(ص) وقد بينا هناك فساد إستدلاله بما لا مزيد عليه ، فلا نرى بعد ذلك مجالا للإسهاب في هذا الباب.
5 - إن دلالة الحديث على استحالة النبوة بعده بتعليق نبوة ولده الطفل على عيشه أولى من دلالة على‏فرض إمكانها وبقائها فضلا عن وقوعها، وأما قياسه على الحديث لو عاش زيد لكان نابغة لأنه يفيد التسليم بوجود النوابغ فإنه قياس مع الفارق ، فإن النبوغ ممكن وواقع والنبوة غير ممكنة ولا واقعة،وإلا لظهر نبي صحيح النبوة قبل القادياني.
وأما استدلاله على بقاء النبوة بقول عائشة والمغيرة بعد تصريح المغيرة بأنه سيكون نبي بعده وهو المسيح، فهو على عكس دعواه أول، ولا نطيل الكلام في نقض استبعاده ظهور المسيح بعد قيام الدليل‏عليه بما استفاض من رواية الفريقين السنة والإمامية، ولا يجديه نفعا إعترافه بانسداد باب نبوة ‏التشريع وفتحه لغيرها، وهو ما حاول أن يقيد به المطلق بلا دليل، فإن نفي وجود النبوة بعده (ص) مطلق وعليه الإجماع، وبه وردت النصوص والروايات المستفيضة، ولا عبرة بأقاويل من خالف ذلك‏ من الغلاة وأشباههم ممن ذهب إلى الخلاف عن عمد أو شبهة.
الخاتم وأقوال المفسرين واللغويين في معناه، رأينا أن نُبسط أقوال المفسرين واللغويين في معنى الخاتم في‏هذا البحث، ليتبين ما فهموه منه وما فهمه أتباع القادياني، وليتبع الشاك فهم من هو أولى منهما بفهم‏ معاني الألفاظ مفرداتها ومركباتها.
1- قال ابو إسحاق : معنى ختم وضع في اللغة واحد، وهو التغطية على الشي‏ء والإشتياق في أن‏ لا يدخله شي‏ء.
2- قال ابن سيده: ختم الشي‏ء بختمه بلغ آخره، وخاتمة السورة آخرها، وختام كل مشروب آخره، وفي التنزيل (ختامه مسك) أي آخره، وختام الوادي أقصاه، وختام القوم وخاتمهم آخرهم عن‏اللجاني، ومحمد(ص) خاتم الأنبياء، وفي التهذيب (ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين) [الأحزاب/40]وقد قرئ وخاتم وقال العجاج: (مبارك للأنبياء خاتم) إنما حمله على القراءة المشهورة فكسر، واصل‏الختم التغطية، كذا في لسان العرب و(ختم اللّه على قلوبهم) طبع اللّه على قلوبهم عن غريب القرآن ‏للسجستاني، وعنه خاتم النبيين آخر النبيين.
ولم يقرأ خاتم بفتح التاء غير عاصم، وقرأ الباقون بكسرها على أنها إسم فاعل من ختم، قالوا في‏الحجة: من كسر التاء من خاتم فإنهم ختمهم فهو خاتمهم، ومن فتح التاء فمعناه آخر النبيين لا نبي بعد ، قال الحسن: خاتم الذي ختم به، قال المبرد: خاتم فعل ماض على فاعل وهو في معنى ختم النبيين ‏ونصب النبيين على هذا الوجه بأنه مفعول به ، وفي صرف عبداللّه ولكن نبياً وختم النبيين.
3- وفي الكشاف: «وخاتم بفتح التاء بمعنى الطابع، وبكسرها بمعنى الطابع وفاعل الختم، وتقويه قراءة ‏ابن مسعود (ولكن نبيا ختم النبيين) » .
فإذا قلت: فكيف كان آخر الأنبياء وعيسى ينزل في آخر الزمان؟ قلت: معنى كونه آخر الأنبياء أنه لاينبأ أحد بعده، وعيسى ممن نُبى‏ء قبله، ومتى نزل ينزل عاملا على شريعة محمد (ص) مصليا إلى قبلتيه‏كأنه بعض أمته.
4- وفي مفاتيح الغيب للرازي: (ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين)، وذلك لأن النبي الذي يكون بعده نبي ‏إن ترك شيئا من النصيحة والبيان يستدركه من يأتي بعده، وأما من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته ‏وأهدى لهم وأجدى، إذ هو كوالد لولده الذي ليس له غيره من أحد، وقوله تعالى: (وكان اللّه بكل شي‏ءعليما) يعني علمه بكل شي‏ء دخل فيه أن لا نبي بعده، فعلم أن من الحكمة إكمال شرع محمد (ص) بتزوجه بزوجة دعيه تكميلا للشرع ، وذلك من حيث أن قول النبي (ص) يفيد شرعا، لكن إذا إمتنع هو عنه يبقى في بعض النفوس نفرة ‏» إلخ.
5- وفي أنوار التنزيل للبيضاوي: «(ولكن رسول اللّه) وكل رسول ابو أمته لا مطلقا، بل من حيث أنه ‏شفيق ناصح لهم، واجب التوقير والطاعة عليهم، وزيد منهم ليس بينه وبينه ولادة‏»، إلى أن قال: « ولكن رسول اللّه من عرفتم أنه لم يعش له ولد ذكر، (وخاتم النبيين) وآخرهم الذي ختمهم أو خُتموا به على قراءة عاصم بالفتح، ولو كان له ابن بالغ لاق بمنصبه أن يكون نبيا كما قال عليه الصلاة والسلام‏في ابراهيم حين توفي:
لو عاش لكان نبيا، ولا يُقدح فيه نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل كان على دينه ‏مع أن المراد أنه آخر من نبى‏ء »
6- وفي مجمع البيان (وخاتم النبيين) أي وآخر النبيين ختمت النبوة به، فشريعته باقية إلى يوم الدين ،وهذا فضيلة له صلوات اللّه عليه وآله اختص بها من بين سائر المرسلين، فإن قيل: إن اليهود يدعون في‏موسى مثل ذلك، فالجواب: أن بعض اليهود يدعون أن شريعته لا تنسخ، وهم مع ذلك يجوزون أن‏يكون بعده أنبياء، ونحن إذا أثبتنا نبوة نبينا(ص) بالمعجزات القاهرة وجب نسخ شريعته بذلك، ثم ‏أورد الحديث عن جابر بن عبداللّه عنه (ص) قال: «إنما مثلي في الأنبياء » الخ وقد سبق‏البحث عنه في الباب الثالث (ص 109).
وجاء في مجمع البيان «(وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن‏مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) عند تفسير قوله: (ومنك) يا محمد وإنما قدمه لفضله وشرفه (ومن‏نوح) إلى قوله: (وعيسى ابن مريم) [الأحزاب/7] خص هؤلاء بالذكر لأنهم أصحاب الشرائع (وأخذنا منهم ميثاقا غليظا) أي عهداً شديداً على الوفاء بما حملوا من أعباء الرسالة وتبليغ الشرائع،وقيل: على أن يعلنوا أن محمدا رسول اللّه(ص) ويعلن محمد(ص) أنه لا نبي بعده‏» .
فأنت ترى من مجموع ما نقلناه عن أئمة التفسير واللغة وهو غيض من فيض ومن قراءة القراء إلا عاصما خاتما بلفظ إسم الفاعل وقراءة بعضهم خاتم بلفظ الماضي وزان فاعل أن المراد خاتمتهم وآخرهم ، وأوضح من ذلك في الدلالة قراءة ابن مسعود ولكن نبيا وختم النبيين ، على أن قراءة عاصم بفتح التاء تفيد معنى خاتم النبيين أي آخرهم وأنه لا نبي بعده، فليس معنى الخاتم مختصا بمعنى الزينة أو بمعنى‏الأفضل كما قصره عليهما صاحب التوضيح وأتباع القادياني.
ثم إن إرادة أحد المعنيين الأفضلية أو الزينة من لفظ الخاتم لا يتسق مع ذكره تعالى نبيه(ص) موصوفا بأوصاف (ما كان أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين) بعد حادثة تطليق ربيبه زيد زوجه زينب وزواج النبي لها، وهي من الأهمية بمكان عظيم من حيث قيامه بنفسه في العمل بتشريع ‏زواج الأولياء بأزواج الادعياء المطلقات الذي كانت تأباه نفوس العرب في جاهليتهم وفي جدة‏ إسلامهم، يتنازعهم عاملان: عادة قديمة موروثة وتشريع اسلامي جديد يجتث أصولها غير آبه بهجرفريق منهم غير مستكمل الإيمان وباستنكار من يبطن النفاق ويظهر الاسلام، فمساق هذه الأوصاف في‏الآية وحكمة مثل هذا التشريع الذي يراد دوامه واستمراره وخلوده في الأمة يستلزمان أنه لا يُراد من‏لفظ الخاتم واحد من ذينك المعنيين، بل يراد منه معنى نهاية النبوات بنبوته، كما يراد نسخ الشرائع ‏بشريعته وإستمرارها إلى أن تقوم الساعة، وليس المقام مقام أن يُراد أنه أفضلهم أو أنه زينتهم كما يزين‏الخاتم الإصبع.
وإذا ضممنا إلى ذلك ما كان يفهمه المسلمون، سواء أكان ذلك في عهده(ص) أم في صدر الاسلام وهم‏ في طراوته أم في العصور المتعاقبة، من أن المراد بالخاتم خاتمتهم وآخرهم ونهايتهم، زادت الحجة ‏وضوحا وشبهة القاديانيين بطلانا وفسادا.
هذا العباس بن مرداس السلمي يخاطب النبي(ص) بقوله:
يا خاتم النباء إنك مرسل بالحق كل هدى السبيل هداكا والنباء جمع نبي‏ء مهموزا. سمع النبي(ص) منه هذا البيت وقد أقره على مضمون معناه من تخصيصه له‏بعموم هدى السبيل الذي هو هداه.
فلو كان بعده نبي له اختصاص ببعض هدى السبيل لما أقر عباساً على قوله، ولكان المقام مقام بيان أن‏بعده أنبياء مرسلين ترك لهم بعض الهدى.
وهذا الفرزدق ينشد علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب(ع) قصيدة سائرة في بيت اللّه الحرام ‏بمحضر من الألوف من حجاجه، منها هذا البيت:
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله بجده أنبياء اللّه قد خُتموا
فلا ينكر على الفرزدق منكر من الحجيج وفيهم الموالي والقالي، بل ومن أحفظه بقصيدته هذه، فلو لم‏ يكن من المسلمات ومن البداءة انتهاء النبوات واختتامها بنبوة محمد(ص) عند المسلمين، لانبرى من‏تلك الجموع ولو واحد من أعدائه إلى تكذيب الفرزدق وقال: إن باب النبوات ما زال مفتوحا وأنه لم‏يُسد بنبوة محمد(ص).
ولو حاولنا استقصاء كل ما قيل من منثور ومنظوم وفي خلال الخطب من على المنابر الإسلامية في‏مختلف العصور ومختلف الأمصار، وخاصة ما جاء في نهج البلاغة من وصف محمد (ص) بصفة خاتم‏النبيين وأن المراد به اختتام النبوات بنبوته، لاحتجنا إلى اخراج كتاب ضخم.
وليس لصاحب التوضيح ومن شايعه أن يعترض بشيوع استعمال الخاتم في منظوم الكلام ومنثوره، فيمايستبعد أن يكون مراداً منه النهاية، كقولهم خاتمة العلماء، وخاتم الأولياء، وافتتح الشعر بملك واختتم ‏بملك، وقول المتنبي: (إن الكرام باسخاهم يدا ختموا) وقول السيد ابراهيم الطباطبائي: ختمت به العلماء بعدكما ختمت بطه جده الرسل وقول القائل:
الشافعي إمام كل قبيلة أربت مناقبه على الآلاف ختم النبوة والولاية ربنا بمحمدين هما لعبد مناف فيقول وحيث يستبعد أن يُراد من الخاتم وما يشتق منه معنى النهاية، فلا مناص من حمله على معنى‏الفضيلة أو الزينة، وكذلك يُحمل في الآية وفيما ورد من خبر وأثر، لأنا نقول: قد تبين مما نقلناه من‏كلمات أئمة اللغة والتفسير في صدر هذا البحث الفرق أولا بين خاتم بفتح التاء المستعمل للزينة و آ(للطابع المخصوص) وللفضيلة وأنه يستعمل أيضاً بما يؤدي إلى النهاية، وبين خاتم بكسر التاء لمعنى ‏النهاية، وهو الذي قرأ به القراء إلا عاصماً، وبما يزيد قراءتهم وضوحا في إرادة هذا المعنى في من قراءة‏ عبداللّه بن مسعود.
ثانيا: إن حمل خاتم على معنى الزينة أو الفضيلة في هذه الشواهد وفيما لا يحصى أمثالها تحكم في فهم‏ اللغة وافتات في الاستعمال، ولا نبعد عن الصواب إن قلنا: إن النهاية مفهومة من الخاتم مكسور التاء ومفتوحها بالمطابقة والزينة والفضيلة بالالتزام، وإن قلنا بأنه مشترك بين هذه المعاني حقيقة فيها كلها،ففي الآية وما هو في معناها مما ورد من خبر وأثر مضافا إلى الإجماع قاض باستعماله في معنى‏النهاية.
ثالثا: إن استعمال الخاتم بمعنى النهاية فيما عدا ما يتعلق بالنبوة وانتهائها بنبوة محمد (ص) هو محمول على‏هذا المعنى بضرب من التجوز والادعاء، ولازمه أن من وصف بهذا الوصف جامع لمزايا الفضيلة، وهوما يفهمه كل من أوتي ذوقا في فهم أساليب الكلام.
ونرى فيما سبق ردا على هذا الزعم وقطعا لمادة الجدل غير المجدي ، اللهم إلا التطويل والترداد الذي هومن بضاعة القاديانيين ، فلا نتعب أنفسنا والقارى‏ء بتتبع كل أقاويلهم في هذا المعنى بالنقض على غير طائل، وما كان كل ما أطال به صاحب التوضيح الخطب من الاستشهاد بكلمات لا تدل تصريحا ولاتلويحا على مطلوبه بجواز مجي‏ء نبي بعده (ص)، مما يستحق أن نطبع على غراره في التطويل وفيما ذكرناه ‏غنية عن الإسهاب.
فصل رأينا مما يقطع شبهة القاديانيين ان نعقد هذا الفصل في الامام بما يتسع له المجال ويتضح به الحال‏ولا يبعث على السمة والملال من نقل أقوال لفريق من علماء المسلمين الإعلام في تعليل اختتام النبوات‏بنبوة سيد الانبياء والمرسلين(ص) وفلسفة الشريعة الاسلامية.
1- عقد الفيلسوف الاسلامي القاضي ابن رشد في كتابه (نهج الأدلة) فصلا نافعا جداً، ننقل منه موضع ‏الحاجة في موضوعنا، قال: « ولو ذهبنا لنبين فضل شريعة على شريعة، وفضل الشريعة المشروعة لنا معشر المسلمين على سائر الشرائع المشروعة لليهود والنصارى، وفضل التعليم الموضوع لنا في معرفة ‏اللّه ومعرفة المعاد ومعرفة ما بينهما، لاستدعى ذلك مجلدات كثيرة مع اعترافنا بالقصور عن استيفاءذلك، ولهذا قيل في هذه الشريعة: إنها خاتمة الشرائع، وقال (ع): «لو أدركني موسى ما وسعه إلا اتباعي‏». وصدق رسول اللّه(ص) ولعموم التعليم الذي في الكتاب العزيز وعموم الشرائع التي فيها، أعني كونها مستعدة للجميع كانت هذه الشريعة عامة لجميع الناس، ولذلك قال تعالى: (قل يا أيهاالناس إني رسول اللّه إليكم جميعا). وقال(ع): «بعثت إلى الأحمر والاسود».
2- قال ابن حزم في فصله: فكان كلامه(ص) وعهوده وما بلغ من كلام اللّه تعالى، حجة نافذة‏معصومة من كل آفة إلى من بحضرته وإلى كل من يأتي بعد موته (ص) إلى يوم القيامة من إنس وجن.وقال (في م 4، ص 180) بعد كلام في ادعاء من ادعى مجالسة الخضر وكلمه مرارا وغيره: هذا مع‏سماعهم قول اللّه تعالى: (ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين). وقول رسول اللّه(ص): «لا نبي بعدي‏». فكيف‏يستجيز مسلم أن يُثبت بعده نبيا في الأرض، حاشا ما استثناه رسول اللّه(ص) في الآثار المسندة الثابتة ‏في نزول المسيح ابن مريم (ع) في آخر الزمان.
3- قال سعد الدين التفتازاني في شرحه العقائد النسفية: وقد يستدل أرباب البصائر على نبوته(ص)بوجهين: أحدهما ما تواتر من أحواله قبل النبوة وبعد تمامها، وثانيهما أنه ادعى ذلك الأمر العظيم بين ‏أظهر قوم لا كتاب لهم ولا حكمة معهم، وبين لهم الكتاب والحكمة، وعلمهم الأحكام والشرائع، وأتم ‏مكارم الأخلاق، وأكمل كثيرا من الناس في الفضائل العلمية والعملية، ونور العالم بالإيمان والعمل‏الصالح، وأظهر اللّه تعالى دينه على الدين كله كما وعده، ولا معنى للنبوة والرسالة سوى ذلك، وإذا ثبتت‏نبوته وقد دل كلامه وكلام اللّه تعالى المنزل عليه أنه خاتم النبيين وأنه مبعوث إلى كافة الناس بل إلى‏الجنس والإنس، ثبت أنه آخر الأنبياء وأن نبوته لا يختص بها العرب، فإن قيل : قد ورد في الحديث ‏نزول عيسى بعده، قلنا: نعم لكنه يتابع محمدا (ع) لأن شريعته قد نسخت، فلا يكون إليه وحي ونصب‏الحكام بل يكون خليفة رسول اللّه (ص) ثم الأصح أنه يصلي بالناس ويؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه ‏أفضل فإمامته أولى.
4- قال المحقق الدواني في شرح العضدية: وأما كونه (ص) خاتم النبيين ولا نبي بعده، فلقوله تعالىولكن رسول اللّه وخاتم النبيين). ولقوله (ص) لعلي (رض): « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ‏لا نبي بعدي‏ » وقال أهل البصائر: لما كان فائدة الشرع دعوة الخلق إلى الحق وإرشادهم إلى مصالح ‏المعاش والمعاد، وإعلامهم الأمور التي تعجز عنها عقولهم ، وتقرير الحجج القاطعة، وإزالة الشبه الباطلة،وقد تكفلت هذه الشريعة الغراء جميع هذه الأمور على الوجه الأتم الأكمل بحيث لا يتصور عليه مزيدكما يفصح عنه قوله تعالى:
(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)فلم يبق بعده حاجة للخلق إلى بعث نبي بعده، فلذلك ختم به النبوة. وأما نزول المسيح (ع) ومتابعته ‏لشريعته، فهو مما يؤكد كونه خاتم الأنبياء.
5- قال الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده المصري في رسالة التوحيد : لم يدع الإسلام بعد ما قررنا أصلا من أصول الفضائل إلا أتى عليه، ولا أما من أمهات الأعمال الصالحات إلا أحياها، ولا قاعدة من‏قواعد النظام إلا قررها، فاستجمع للإنسان عند بلوغ رشده كما ذكرنا حرية الفكر واستقلال العقل ، ومابه صلاح السجايا واستقامة الطبع، وما فيه إنهاض العزائم إلى العمل وسوقها في سبل السعي، ومن يتلو القرآن حق تلاوته يجد فيه من ذلك كنزا لا ينفد وذخيرة لا تفنى، هو بعد الرشد وصاية، وبعد اكتمال‏العقل ولاية! كلا (قد تبين الرشد من الغي)، ولم يبق إلا إتباع الهدى ، والانتفاع بما ساقته أيدي الرحمة ‏لبلوغ الغاية من السعادتين، لهذا ختمت النبوات بنبوة محمد(ص) وانتهت الرسالات برسالة، كما صرح‏بذلك الكتاب وأيدته السنة الصحيحة، وبرهنت عليه خيبة مدعيها من بعده، واطمئنان العالم بما وصل ‏إليه من العلم إلى أن لا سبيل بعد لقبول دعوة يزعم القائم بها أنه يحدث عن اللّه بشرع، أو يصدع عن ‏وحيه بأمر، هكذا يصدق نبأ الغيب (33 4) (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين وكان اللّه بكل شي‏ء عليما).
6- من فصل طويل في مجلة المنار الاسلامي المجلد السابع:
القرآن بشر البشر بأن محمدا خاتم النبيين ،فلا حاجة بعده إلى تعليم سماوي ولا وحي جديد ، لأن تعليمه هو التعليم العالي الذي يرتقي به العقل ‏ويستقل، فلا يقبل الشي‏ء إلا ببرهانه، ولذلك استدل على العقائد وبين منافع الآداب والأحكام، وطالب بالدليل والبرهان، وجعله شرطا للاعراف بالصدق (قل هاتوا برهانكم ان كنتم‏صادقين).
القرآن جعل آية محمد الكبرى علمية أدبية، ولم يحتج على نبوته بالآيات الكونية لأنه دين العقل ‏والآيات الكونية، لا تعقل، ولأنه دين العلم وهي لا تعلم، ولأنه جعل ركن ارتقاء البشر الهداية إلى‏سننه تعالى في الخلق، وكونها لا تتبدل ولا تتحول وهي على غير السنن الكونية.
7- من كتاب حياة محمد للدكتور حسين هيكل المصري:
«بلغت هذه الحياة الإنسانية من السمو ومن‏القوة ما لم تبلغه حياة غيرها، وبلغت هذا السمو في نواحي الحياة جميعا، وما بالك بحياة إنسانية ‏اتصلت بحياة الكون من أزله إلى أبده، واتصلت بخالق الكون بفضل منه ومغفرة، ولولا هذا الاتصال ‏ولولا صدق محمد في تبليغ رسالة ربه لرأينا الحياة على كر الدهور تنفي مما قال شيئا، لكن ألفا وثلاثمائة ‏وخمسين سنة انقضت وما يزال بلاغ محمد عن ربه آية الحق والهدى، وبحسبنا على ذلك مثلا واحدا نضربه: ذلك ما أوحى اللّه إلى محمد أنه خاتم الأنبياء والمرسلين. انقضت أربعة عشر قرنا لم يقل أحد خلالها أنه نبي أو أنه رسول رب العالمين فصدقه الناس، قام في العالم أثناء هذه القرون رجال تسنموا ذروة العظمة في غير ناحية من نواحي الحياة، فلم يوهب أحدهم هبة النبوة والرسالة، ومن قبل محمدكانت النبوات تتواتر والرسل يتتابعون، فينذر كل قومه أنهم ضلوا ويردهم إلى الدين الحق ولا يقول ‏أحدهم: أنه أرسل للناس كافة أو أنه خاتم الأنبياء والمرسلين، أما محمد فيقولها فتصدق القرون كلامه(ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شي‏ء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) [يوسف/111] »
فصل فريق من فلاسفة الفرنج يقول باختتام النبوة بنبوة محمد(ص) رأينا بعدما أوردناه من الدلالة وهي غيض من فيض على اختتام النبوات بنبوة محمد (ص) ومن أقوال فريق من المسلمين في بيان‏ علله وأسبابه، أن نعززه بأقوال فريق من فلاسفة الفرنج أو أهم بحثهم العلمي المجرد ودرسهم حياة‏الرسول الأعظم وشريعته الجامعة ، لكل ما يصلح الجماعة البشرية وينتظم أمورها من حيث المبدأ والمعاد إلى تلك النتيجة، ولأقوالهم قيمتها لأنها صادرة عن محض الإخلاص لوجه العلم الحق، بعيدة‏عن كل مؤثر سوى الحقيقة التي هي ضالة كل حكيم مخلص، وللّه في محمد وشريعة محمد وكتاب محمد أسرار يرد مواردها الصافية القريب البعيد والمسلم وغير المسلم، وهي من متناول عقول العالمين. فمن ذلك قول (الأستاذ دافيد دي سانتيلانا): «إن محمدا قد ذكر المجتمع العربي بأشكاله الابتدائية، وشيد بنيانا اجتماعيا على الأسس التي كانت توافق أعمق غرائز ذلك المجتمع، فالذين يؤمنون باللّه الواحد وبنبوة محمد ويتمسكون بالتعاليم القليلة التي جاء بها محمد(ص) يصبح لهم حق الانتساب الى‏أمة محمد، ومحمد هو الشهيد بين العرب أمام اللّه، وقال:
ولا يمكن للّه أن يبعث أو يختار رسولا ومبشراً أو وكيلاً آخر بعد أن أرسل محمدا مبشرا للناس ونذيراً بكلمته النهائية‏».
ومن ذلك قول (أرنست رينان): «أما الأمة العربية التي أكرمها اللّه ورفع شأنها باصطفاء عبده الأكرم‏من بين أشرف أشرافها ليكون خاتم النبيين، فقد جعلت لغتها آلة تحمل شريعته التي ستدوم ما دامت‏الأفلاك، إذ لا نبي بعده ولا دين بعد هذا الدين ‏».







آخر تعديل المحامي عارف الشعَّال يوم 14-12-2009 في 06:34 PM.
رد مع اقتباس
قديم 12-01-2007, 01:21 AM رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
المحامي حازم زهور عدي
عضو أساسي ركن
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


المحامي حازم زهور عدي غير متواجد حالياً


افتراضي

[size=150]ومنه قول (لورا فكشيا فاليبري) الإيطالي في مقدمة كتابه المترجم إلى الفرنسية: « أنه مما لا شك فيه أن‏وصف محمد بتلك الأكاذيب التي كانوا يشيعونها في القرون الوسط‏ى عنه وعن ديانته قد خفت كثيراً في‏هذا العصر، وصاروا ينشدون الحقيقة التاريخية عن محمد وعن الإسلام الذي قلب وجه العالم ، وأن‏جماعة من المستشرقين يؤيدون رسالة محمد(ص) ويقولون: بأنه خاتم الرسل‏ ».
ومنه قول (الدكتور ماركس): « محمد هو أول رسول سجلت جميع أقواله وقيدت عقب انتقاله إلى الدارالآخرة مباشرة، ومن هنا يتبين الإنسان المركز الممتاز الذي يتمتع به محمد ، وما تتمتع به أحاديثه من‏الصحة والدقة والصدق والحقيقة الثابتة هي أنه قد بُعث رسولا ليجدد للعالم رسالة هي صفوة‏الرسالات السابقة، رسالته هي الدستور الثابت للعالم، فكل ما جاء به محمد تستسيغه الأفهام‏الحديثة ‏».
فأنت ترى من هذه الأقوال وهي نموذج من أقوال مئات من فلاسفة الفرنج، ما يدل على أن العقل إذاخلص من الشوائب أصاب الواقع ولم يُخطى‏ء الحقيقة، ولذلك كانت نتيجة ما أوصلهم إليه البحث‏الخالص هي النتيجة عينها التي قررها أئمة المسلمين من طريقي العقل والنقل ، ولا عبرة بشذوذ من شذ عن ذلك لشبهة أو لهوى في النفس.
وإليك وجوها أخرى في إبطال دعوى القادياني :
1 – أ ن القادياني لا يخالف ما أجمع عليه المسلمون من أن الشريعة التي جاء بها محمد بن عبداللّه (ص)جاءت مستكملة مستغنية عن كل تشريع، وافية بكل ما يحتاج إليه العالم الإنساني روحاً وجسداً،مبدءا ومعادا، منفردا ومجتمعاً، محددا الواجبات واجبات الفرد بالنسبة الى خالقه ، وإلى نفسه والى ‏أسرته وإلى مجتمعه، وإلى من يدين بدينه ومن يدين بغير دينه، بل وبالنسبة إلى الحيوان الذي يستخدمه‏في مرافق حياته، ففيه العبادات التي تسمو بروحه وتقوم بتهذيب نفسه وتصله بخالقه، وفيه المعاملات‏التي تنتظم جماعاته، وفيه العظات والعبر التي تقيه من مصارع السوء ، وفيه الإرشاد إلى إتباع وازعي‏العقل والشرع لتعديل ملكاته واجتنابه طرفي الإفراط والتفريط، وهو بعد كافل لسعادة الانسان من كل ‏نواحيها مبين لها أكمل بيان.
2 - أن هذه الشريعة السمحة الغراء تستمد مادتها التي لا ينضب معينها الصافي الفياض من القرآن ‏الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن السنة الجامعة التي لا تفترق عنه وهي المفصلة‏ لما أجمل، ومن العمل بمضمونها بما تلقي عن الرسول الأعظم تلقيا مؤدى إلى الأمة بمنتهى الامانة‏والإخلاص من رجال مخلصين صانوا الكتاب والسنة، بما استنبطوا لهما من علوم من كل زيغ وتحريف ‏في مبنى أو معنى ، ولم يخل منهم والحمد للّه عصر من الأعصار ومصر من الأمصار، لم تأخذهم في‏حفظهما والذود عن حياضهما لومة لائم، وهم بالمرصاد لكل من ناصبها العداء.
3 - أن حكمة اللّه اقتضت وقد نسخت بالشريعة الإسلامية الشرائع كافة صيانتها من الزيادة والنقصان،وبلغت بها الذروة في حكمة تشريعها التي لاءمت كل الأمزجة والطباع وجميع الأعصار وسوية البشرمن حيث إختلافهم في الرقي والانحطاط، كما أنها لم تقف بالمسلم موقف الجامد وللحياة شؤون لآفاق ‏ومتجددات لا مناص له من التكليف بكيفياتها، شرط أن لا تشذ عن قواعد دينه الخالد (دين اللّه الحق) فقد فتحت له بما فيها من المرونة بما جمعته من الأصول والقواعد التي لا يشذ عنها فرع من‏الفروع المتجددة طرقا للاستنباط معبدة وصوى للاجتهاد واضحة، بحيث لا يفارقان تلك الأصول‏ والقواعد، ولا يحيدان عنها قيد أنملة، بل جعلت لكل مجتهد نصيبه إن أخطا فله أجر واحد وإن اصاب ‏فأجران، ورفعت العسر والحرج عن المكلف، وما من حادث متجدد إلا وله حكمة.
إن الاستنباط والاجتهاد لا يتناولان إلا ما هو ظني وأما القطعي فليس من متناولهما، والترخيص فيهما من الشارع الأعظم منحصر فيما انسد به العلم وبمن استجمع شرائطهما والإختلاف فيهما يؤديان إليه من‏الحكم ، شرط أن لا يتجاوز المجتهد والمستنبط الإختلاف فيما يُفهم من الألفاظ الواردة عن الشارع‏ منطوقا أو مفهوما بإحدى الدلالات من المرخص به منه، وهو مما امتحنت به العقول، بل هو من تمام‏ لطفه تعالى، لأن به صيانة الأحكام وحماية دين الإسلام من أن يدخل فيه ما ليس منه.
5 - إن اللّه عز وجل أرجع في محكم كتابه وفي سنة نبيه الجاهلين إلى أولئك المستنبطين في فهم أسرارالشريعة وفي أخذ أحكامها منهم، ولم يدع الأمة فوضى تتحكم فيها بمحض الآراء، وهم ليسوا أنبياء موحى إليهم.
6 - إن الأمة الإسلامية كما جاء في الحديث المستفيض من افتراقها إلى ثلاث وسبعين فرقة لم‏تفارق بهذا الافتراق سنة اللّه في خلقه، وكانت فيه كما نص عليه الحديث كأمة موسى التي افترقت إلى ‏إحدى وسبعين فرقة، وأمة عيسى التي افترقت إلى اثنتين وسبعين فرقة، ولو كان من سنته تعالى الاكراه ‏والالجاء في التكليف ولم يدعه إلى اختيار المكلفين ، لما كان ذلك الافتراق في أمتي موسى وعيسى (ع)ولا في أمة محمد(ص) خاتم رسله.
على أن معنى عدم الإلجاء في التكليف ليس هو ترك حبل المكلف على الغارب وتخليته وشأنه يتخبط ‏في شكوكه وأوهامه، بل معناه ترك الاختيار له بعد أن هداه اللّه النجدين ونصب له الدلائل على دينه ‏الحق وأمده بلطفه، ولم يكتب البقاء لجل الفرق المتفرعة عن الاسلام، وقد ابتعدت إبتعاداً كليا عن‏روحه وتعاليمه الحقة، ومنها من لم يصدق عليه اسم الإسلام، وما بقي منها فمحاط بإطار من الأسرارمحجوب عن الأنظار، ولكنه تعالى كتب البقاء والدوام لفرقتي السنة والشيعة الإمامية اللتين مهما اختلفتا في بعض أمور اجتهادية سواء أكانت في العقائد أم في الأحكام، فإنهما من حيث روح الإسلام وجوهره ‏وحده، ولا غرو فإن من سنته تعالى بقاء الأنسب والأصح في كل شي‏ء (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) [الرعد/17].
وهاتان الفرقتان اللتان يتألف من مجموعهما الكيان الإسلامي متفقتان على انقطاع الوحي والنبوة بعدخاتم النبيين والمرسلين.
والنتيجة لهذه المقدمات أن الإسلام غير محتاج لنبي جديد يجي‏ء بشي‏ء غير معلوم، ويكشف عن سر مكتوم، ومن طاقته رفع الاختلاف في الآراء والاعتقادات والاجتهاد، أو يستطيع أن يوحد المتفرق من‏الفرق الإسلامية الباقية، أو ياتي بما لم تستطعه الأوائل، فيجمع أرباب الأديان كلها في دين واحد، وإذا لم‏يتفق مثل ذلك لأولياء العزم من الرسل ولا لمن خلفوهم من الأنبياء العاملين بشرائعهم بين الفترة ‏والفترة والحافظين لتلك الشرائع من التحريف والتبديل وهي مظنة لذلك، وقد تناول الكتب المنزلة ‏بها النقل من لغة إلى لغة والنقل غير مأمون الخطا، وأما الدين الإسلامي وله مرجعان، الكتاب المحفوظ ‏والمعصوم من التحريف والزيادة والنقصان، فكان في مأمن منها وأمده اللّه بحفظة أمناء على تنزيله‏ وتأويله والسنة والحديث ، وقد أُحيطا بما أُحيط به الكتاب من حيث ضبط ألفاظهما وحفظ معانيهما والتثبت من حيث صدورهما، فالدين الاسلامي وله هذان المرجعان الموصوفان بما ذكرنا محفوظ بما لم‏يحفظ به غيره من الكتب المنزلة السابقة التي تعاورها النقل إلى مختلف اللغات، فكان من حكمته تعالى ‏ولطفه بعباده صيانة لدينه وشريعته في البشر، أن يردهم إليه بواسطة أنبياء تابعين لا مشرعين استغنى‏ عنهم المسلمون بكتابهم المعصوم وحديثهم المحفوظ والقائمين على رعايتهما من ائمتهم وذوي الاجتهاد والاستنباط منهم.
وبعد، فقد تبين من تلك الوجوه ومن النتيجة اللازمة لها عدم الحاجة في الإسلام إلى نبي سواء أكان‏مستقلاً أم كان تابعاً، ومن زعم الحاجة إلى نبي تابع أو ادعى أنه هو ذلك النبي فقد ادعى أنه بلغ رتبة ‏النبوة، ولازم ذلك أنه ادرك من الفضل ما لم يدركه أصحاب النبي ولا أهل بيته ثقله الأصغر، ولا من‏نجم من أئمة المسلمين في مختلف الأعصار والأمصار، وكان وهو الأخير خيرا ممن قال فيهم النبي (ص)«خير القرون قرني‏» الحديث فهو في زعمه هذا في إحدى الحالين، إما مستقل مشرع وهو مانفاه عن نفسه، وإما متابع عامل بشرع النبي (ص) فهو كواحد من علماء المسلمين، فأي محصل لدعوى ‏النبوة ودعوى مجيئه بمعجزتها لو لم يكن وراء الأكمة ما وراءها، أما كتابه الذي زعم أنه أُوحي به إليه‏فقد قرأنا بعض فصوله فلم نره مما يرضى بإنشاء مثله الشادي، وأما خوارقه فلم تكن إلا مجرد دعاوى ‏إدعاها هو وأتباعه لا يؤيدها برهان ولا هي مما يروج في عصر الخوارق العلمية ومعجزات الصناعة ،فلو كان نبيا حقا لكان من مؤيدات نبوته أن يأتي بما لم يؤت بمثله ذوو الابتكار والاختراع من عصره.وأما معجزات النبي (ص) فهي تتلخص بالقرآن الموحى به إليه، المعجز ببلاغته التي تحدت بلغاء العصور إلى قيام الساعة، وبما حواه من أصول علوم، ومن حلول لمعاضل أخلاقية وإجتماعية ونظم إنسانية، وأنباء عن أمم داثرة، وأخبار عن غائبات، وبالسيرة النبوية الفاضلة التي هي بنفسها معجزة، فكتاب‏محمد وسيرة محمد وأمة محمد وهي خير الأمم والوسط من الأمم والشاهدة على الأمم، كل ذلك‏ معجزات محمد، وكلها ناطقة بلسان الحال والمقال أن دين محمد خاتمة الأديان، وأنه خاتم النبيين لا نبي‏بعده، اللهم إلا المسيح ابن مريم لا المسيح الهندي، وهو الحاكم بشرعه كما تواترت بذلك الروايات.
إنكار نزول المسيح(ع) وحصره معنى التوفي بالموت أما إنكار نزول المسيح فيلزمه منه أحد أمرين: إما انكار ما جاء في نزوله من حديث وخبر ولا سبيل‏له إلى ذلك وهو يبني نبوة صاحبه عليه ويمنحه لقبه، وإما إنكار أن يُراد منه عيسى ابن مريم ‏الاسرائيلي المعين شخصه والمبينة هويته في الحديث، بل يُراد منه غلام أحمد القادياني الهندي، ولكن‏الحديث الذي ينص على عيسى ابن مريم نصا صريحا لا يدع محلا لتأويله وحمله على المسيح الهندي‏المزعوم.
ثم إن إنكار ورود الحديث أو إنكار حمله على عيسى ابن مريم بعد الإعتراف بوروده لا تثبُت بهمادعواه:
أولا: لدلالات وعلامات نصت عليها الأحاديث لذلك المسيح المبعوث في آخر الزمان لم يحقق المسيح‏الهندي منها شيئا، اللهم إلا دعاوى إنزال كتاب وعلم بالغيب وأمور خارقة يعوزها البرهان، إلى أمور أخرى لا تخرج عن مجرى العادة يشاركه فيها، بل يزيد عليه فيها عدد لا يحصى من علماء أمة‏ محمد (ص) العاملين.
ثانيا: إن عمدة القادياني في إثبات نبوته ونفي أن يُراد في الحديث من المسيح عيسى ابن مريم هي وفاة‏المسيح المقطوع بها بزعمه، ولكن ذلك على تقدير تسليمه لا تثبت منه نبوته وأنه هو المسيح الموعود به، لأنه لم تجتمع فيه صفاته ولا علاماته ودلالالته، ولكن إنكاره ورود الحديث وما ورد في معناه ‏وادعاء نبوته مستندا إلى ما أشير إليه من أدلة تولينا نقضها، أسهل من تأييد دعواه بوفاة المسيح ‏المقطوع بها بزعمه لتنحصر المسيحية به، لأن ذلك يؤدي إلى نسبة التعجز للقدرة الإلهية، فإنه من‏الجائز على قدرته تعالى إحياء المسيح بعد وفاته لآداء رسالته التي هي العمل برسالة خاتم رسله في ‏آخر الزمان، والدلائل على وقوع مثل ذلك منه تعالى كثيرة، والقادر على الإنشاء قادر على إعادة ‏الأشياء بعد الفناء، هذا إذا سلمنا أنه لا يُراد من الوفاة والتوفي وما يشتق منه إلا معنى الموت.
وأما حصره معنى التوفي في الموت، فحسبنا نقضا له أن ننقل جملة من نصوص أئمة اللغة والتفسير ، وإليك منها ما يتسع له المجال.
1 - التوفي تفعل من الوفاء وهو التمام، ومنه درهم واف، وأوفيت الكيل والوزن.
2 - قال الراغب الأصفهاني بعد ذكر ما شاء ذكره من مادة الوفاء:
وتوفية الشي‏ء بذله وافيا، واستيفاؤه ‏تناوله وافيا، (وإنما توفون أجوركم) [آل عمران/185]، (ثم توفى كل نفس) [البقرة/281]، (إنما يوفى الصابرون أجورهم) [الزمر/10]، (ليوفيهم أعمالهم) [الأحقاف/19]، (يوف إليكم) [البقرة/272]، (فوفاه حسابه) [النور/39]. وقد عرف الموت والنوم بالتوفي ، قال اللّه تعالى:
(اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) [الزمر/42] (يتوفاكم بالليل) [الأنعام/60](يتوفاكم ملك الموت) [السجدة/11] (تتوفاهم الملائكة) [النحل/28] (توفته رسلنا)[الأنعام/61] أو (نتوفينك) [يونس/46] (توفنا مع الأبرار) [آل عمران/193] (وتوفنا مسلمين) [الأعراف/126] (توفني مسلما) [يوسف/12] (إني متوفيك ورافعك إلي) [آل‏عمران/55] وقد قيل: توفي رفعه واختصاص لا توفي موت. قال ابن عباس:
توفي موت لأنه أماته ثم ‏أحياه.
3 - وفي الأساس للزمخشري في مجاز التوفي توفي فلان، وتوفاه اللّه، وأدركته الوفاة، فالوفاة بمعنى التمام ‏هو المعنى الحقيقي، وبمعنى الموت مجاز.
4- وفي مجمع البيان للطبرسي: «(فلما توفيتني) [المائدة/117] أي قبضتني إليك وأمتني عن‏الجبائي، وقيل معناه وفاة الرفع إلى السماء عن الحسن. وفيه في (سورة الأنعام آية 60) (وهو الذي‏يتوفاكم بالليل) أي يقبض أرواحكم من التصرف عن ابن عباس وغيره واختاره علي بن عيسى،وقيل معناه: يقبضكم بالنوم كما يقبضكم بالموت، فيكون كقوله تعالى: (اللّه يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها) عن الزجاج والجبائي (الزمر آية 42) (اللّه يتوفى الانفس حين موتها) أي ‏يقبضها إليه وقت موتها وإنقضاء آجالها، والمعنى حين تموت أبدانها وأجسادها على حذف مضاف،والتي لم تمت في منامها أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها والتي تتوفى عند النوم هي النفس التي‏يكون بها العقل والتمييز، وهي التي تفارق النائم فلا يعقل‏»
فأنت ترى من هذه النصوص أن الوفاة والتوفي وما إليهما مأخوذة من مادة الوفاء وهو التمام حقيقة ‏والاستيفاء وإطلاقها على الموت مجاز وأن التوفي في الآية (فلما توفيتني) مختلف فيه بين أن يكون وفاة‏ موت أو وفاة رفع.
وأما تحدي صاحب التوضيح بأن التوفي إذا كان من باب التفعل، فليس معناه سوى الموت، فلم تلح لنا العلة باستئثار هذا المشتق من مادة الوفاء دون غيره من المشتقات بهذه المزية، وهل نص على ذلك ‏أحد من الائمة ؟ وقد عرفت أن لفظ التوفي في الآية (فلما توفيتني) يحتمل معنى الموت وغيره، ومما هو نص في غير معنى ‏الوفاة ما ورد في سورة آل عمران (آية 185) (وإنما توفون أجوركم). وفي سورة البقرة (آية 281)(توفى كل نفس). فهذا جواب التحدي باستعمال هذا الحرف في غير معنى الموت. وأما استعمال بقية‏ مشتقات الوفاة في غير الموت فنعد فيه ولا نعدد مما ورد في الذكر الحكيم 1 (ووفيت كل نفس) 2(وإبراهيم الذي وفى) 3 (فوفاه حسابه) 4 (نوف إليهم أعمالهم) 5 (فيوفيهم أجورهم) 6 (ليوفينهم ربك‏أعمالهم) 7 (إنما يوفى الصابرون) 8 (يوفى إليكم وأنتم لا تظلمون). وفي هذا كفاية.
فصل رأينا قبل سد هذا الباب عقد هذا الفصل لبيان ما يحتاج إلى البيان ولتفصيل بعض ما أجملناه في‏تضاعيف بحثنا في نقض مزاعم القادياني بعض التفصيل بقدر ما يتسع له المجال، وينحصر ذلك في‏أمرين:
الأول : في حياة المسيح وبقائه حياً إلى أن يؤدي راسلته التي هي عين رسالة محمد(ص) وفيه‏وجهان:
الوجه الأول: أن إطالة العمر وامتداد الحياة مما جوزه العقل والعلم وحسبك دليلا على اإمكانه وعدم‏ استحالته، أن الأطباء والحكماء لم يزالوا قديما وحديثا يولون شطره جانبا من اهتمامهم، علهم أن يظفروا بأسبابه فيقربوها وبموانعه فيُلاشوها، وقد عبر عنه بحجر الفلاسفة، ويرى كثير ان الكيمياء وحجرالفلاسفة رمز عن إطالة الحياة في عرفهم، وإليك ما جاء في أمالي الشريف المرتضى في هذا البحث بعد إيراده ما جاء في كتاب المعمرين.
أما من اأطل تطاول الأعمار من حيث الإحالة وأخرجه من باب الإمكان فقوله ظاهر الفساد، لأنه لوعلم ما العمر في الحقيقة وما المقتضى لدوامه إذا دام وانقطاعه إذا انقطع، علم من جواز امتداده ما علمنا،والعمر هو استمرار ركون من يجوز أن يكون حيا وغير حي حيا، وإن شئت أن تقول: هو استمرار الحي الذي لكونه على هذه الصفات ابتداء حيا، وإنما شرطنا الاستمرار لأنه يتعذر أن يُوصف من كان‏حاله واحدة حياً بأن له عمرا، بل لا بد من أن يُراعوا في ذلك ضربا من الامتداد والاستمرار وإن قل،وشرطنا أن يكون ممن يجوز أن يكون غير حي، أو يكون لكونه حيا ابتداء لئلا يلزم عليه القديم تعالى،لأنه تعالى جلت عظمته ممن لا يوصف بالعمر وإن استمر كونه حيا، وقد علمنا أن المختص بفعل الحياة‏ هو القديم تعالى، وفيما تحتاج إليه الحياة من البينة والمعاني، وما يختص به عز وجل، ولا يدخل إلا تحت‏مقدروه كالرطوبة وما يجري مجراها، فمتى فعل القديم تعالى الحياة وما يحتاج إليه من البينة، وهي مما يجوز عليه البقاء وكذلك ما تحتاج إليه، فليست تشفى إلا بضد يطرأ عليها أو بضد ينفي ما يحتاج إليه،والأقوى أنه لا ضد لها في الحقيقة، وإنما ادعى قوم بأنه لا يحتاج إليه ولو كان للحياة على الحقيقة لم تحل ‏بما قصدناه في هذا الباب، فمهما لم يفعل القديم تعالى ضدها أو ضد ما تحتاج إليه ولا نقض منا ناقض‏بينة، أي استمر كون الحي حيا، ولو كانت الحياة لا تبقى على مذهب من رأى ذلك لكان ما قصدناه ‏صحيحا، لأنه تعالى قادر على أن يفعلها حالا فحالا ويوالي بين فعلها وفعل ما تحتاج إليه فيستمر كون‏الحي حيا، فأما ما يعرض من الهرم بامتداد الزمان وعلو السن وتناقض بنية الانسان فليس مما لا بُد منه، وإنما أجرى اللّه تعالى العادة بأن يفعل ذلك عند تطاول الزمان، ولا إيجاب هناك ولا تأثير للزمان ‏على وجه من الوجوه وهو تعالى قادر على أن يفعل ما أجرى العادة بفعله، إذ أثبتت هذه الجملة ثبت ‏أن تطاول العمر ممكن غير مستحيل ، وإنما أتى من أحال ذلك من حيث اعتقد أن إستمرار كون الحي‏حياً موجب على طبيعة وقوة لهما مبلغ من المادة متى انتهت إليه انقطعتا واستحال أن تدوما، ولو أضافوا ذلك إلى فاعل مختار متصرف لخرج عندهم من باب الإحالة.
هذا إلى كلام يطول بنقله الكلام. وفي كنز الفوائد لتلميذ المرتضى أبي الفتح محمد بن علي الكراجكي‏ بحث طويل في ذكر المعمرين وإمكان إطالة العمر ووقوعه، وذكر المعمرين من الأنبياء ومنهم من نص‏عليه الذكر الحكيم، ونقصر من ذلك البحث كله على هذه الجملة «والعمر هو اتصال كون الحي المحدود حيا، فهذا الإتصال إنما يكون بدوام الحياة والحياة فعل اللّه تعالى فليس يستحيل منه إدامتها، وكلما جاز أن يفعله اللّه تعالى من طول العمر فإنه يجوز أن يفعله مثله في دوام الصحة والقوة وعدم الضعف ‏والهرم‏ ».
وحكماء هذا العصر بعد تسليمهم بإمكان إطالة العمر يبحثون في أسباب وقوعه وموانعه، فهل بعد ذلك من المستحيل أو المستبعد على من بيده أسباب الموت والحياة أن يُلهم عبدا من عباده لمصلحة ‏تخفى علينا معرفة أسباب إطالتها ؟ الوجه الثاني: أن إطالة الحياة خارجة عن العادة مما وقع، وحسبنا على ذلك دليلا ما ورد في القرآن‏الكريم من إطالة حياة نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ومن بقاء الخضر حيا كما استفاض ‏بذلك الخبر، ومن تعمير إبليس إلى يوم البعث والنشور، ، وقول آخرين من السنة والشيعة بحياة المسيح. أما حكمة بقاء المسيح حياً واستمرار حياة المهدي فإنا نكل أمرها إلى اللّه تعالى، وهي مما خفي علينا من أنباء الغيب،على أن ما نراه مخالف للعادة حسب مبلغنا من العلم وهو القليل في جنب ما هو مجهول لنا من‏المعلومات غير المتناهية، والتي هي من متناول العقول التي يمكن أن تصل إليها إذا اتجهت شطرها همات ‏أنظارها وعزائم قواها أن يُرينا العلم والعلماء (وفوق كل ذي علم عليم) ما كان مخالفا للعادة جاريا مجرى العادة.
أما استدلال صاحب التوضيح على موت المسيح وإنكار المهدي بفتوى شيخ جامع الازهر، فليست‏هذه الفتوى مما تغير إعتقاد من يعتقد عكسها ولهذا الإعتقاد دليله، وما كانت الأمور الإعتقادية التي‏تختلف فيها أنظار المعتقدين وأولتهم مما يزيل إعتقاد من يعتقد غير اعتقادهم المبني على دليله هذا أولا،وثانيا هب أن المسلمين جميعهم عملوا بهذه الفتوى، فهل يفيد ذلك التسليم بنبوة المسيح الهندي ؟ وهلا استفتوا شيخ جامع الأزهر إذا كان لفتواه وزن عندهم بزعم بقاء الوحي وبقاء النبوة ونبوة‏مسيحهم ؟ الثاني: أن القول بوفاة المسيح، سواء أكانت إلى وقت ما وردت إليه، الحياة ورفعه اللّه إليه أم كانت‏مستمرة إلى اليوم الموعود لرجوعه إلى الدار الدنيا وآدائه رسالة محمد (ص) لسر غيبي وحكمة خفيت‏ علينا، هو من الممكن في قدرته تعالى، بل ومن الواقع الذي أخبرنا به نص الكتاب المبين الذي لا يقبل‏ التأويل ولا يخرج عن سنن اللغة وأساليبها، ويصرف إلى رموز حمله عليها افتئات ومحض تحكم،كاحيائه تعالى الطير لابراهيم خليل اللّه (ع) لإرادته كيف يحيي الموتى، وإحياء قتيل بني اسرائيل، وإماتة ‏الذي مر على قرية وإحيائه وإحياء حماره ومبعثه إلى مائة ألف أو يزيدون، وإحيائه الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، وخلق الطير من الطين معجزة للمسيح(ع) فإذا كان ذلك وهو مما أخبر به الصادق ‏الذي لا يكذب ولا يُكذّب، واذا اعط‏ى اللّه مسيحه هاتيك المعجزات تأييدا لنبوته ورسالته وكانت ‏ولادته معجزة له وتكليمه وهو في المهد معجزة، فهل من المستبعد على قدرته تعالى أن يُحييه ليتم به ‏أمره وينجز وعده عاملا بشريعة خاتم أنبيائه ورسله صلوات اللّه عليه وعليهم أجمعين.
فصل أطال صاحب التوضيح الكلام في الاستدلال على نبوة صاحبه بما لا طائل تحته ولا يحصل منه‏على محصل، فلندع ذلك إلى المهم من نقض ما تمسك به من دليل، وهو أجدر من تلك المحاولات ‏بالنظر والبحث.
الدليل الاول:
استدل على صدق دعوى أحمد غلام النبوة، بأنه ما كان أفاكاً أثيماً بل كان صادقا أميناً.
وثانياً: أرشدونا إلى الطريق التي يُعرف بها الصادق من الكاذب وما كنا لها جاهلين. ثالثاً: إن دعوى ‏مبتنية على الوحي الذي أوحى إليه، وان هذا الوحي إما أن يكون من اللّه أو من الشياطين وأن‏الشياطين لا تتنزل إلا على كل أفاك أثيم ، والنتيجة من هاتين المقدمتين أن دعواه الوحي صحيحة لأنه‏لم يكن أفاكاً أثيماً.
والجواب: أما عن الأول ، فإن كون غلام أحمد غير أفاك أثيم وأنه صادق أمين، إن دل على صدقه فلا يدل على نبوته، والصدق شي‏ء والنبوة شي‏ء آخر، وليس كل صادق نبياً، ولقائل أن يقول:
إن الدليل ‏هو نفس الدعوى لابتنائها على صدقه في ادعائه النبوة، وقضيته تنحل إلى أنه نبي لأنه صادق أمين،وأنه صادق أمين غير أفاك أثيم لأنه نبي، ووجه آخر وهو أن للصدق حدودا وللكذب حدودا، وخبر مطلق المخبر محتمل للصدق والكذب بما هو ممكن الوقوع، وأما إخباره بالمستحيل أو بما هو كالمستحيل ‏عند إقامة الدليل القاطع على عدم وقوعه كالقطع باختتام النبوات بنبوة خاتم الأنبياء وإنقطاع الوحي،فالصادق والكاذب سيان في عدم الاعتداد بخبرهما المخالف للواقع.
وأما عن الثاني، إذا كان عارفا بالطرق التي يعرف بها الصادق من الكاذب، فأي معنى لطلبه الارشاد إليها، وهو يعلم أن الصدق هو الإخبار بما يمكن وقوعه والكذب بما لا يمكن وقوعه لا يتيسر له إنكار أن يُخبر الصادق بما لا يقع لشبهة أو لخطأ في الحدس أو الحس إذا صح نفي الكذب عنه عن عمد وقصد وتصميم، فلا ينتفي عنه الخطأ والاشتباه إن أحسن به الظن.
وأما عن الثالث، فإن التسليم بنتيجة شكله يتوقف على التسليم بصغراه، وهو دعواه الوحي الذي ‏أبطلناه كما أبطلنا بقاءه واستمراره في باب التعليق على الوحي، وبكبراه التي بناها على مانعة الخلو من ‏أن الوحي إما أن يكون من اللّه أو من الشياطين، فإن هذا الوحي وهو وحي النبوة مما أبطلناه، وأماالوحي بمعنى الالهام والهداية لمن جاهدوا في سبيله تعالى لا بمعنى وحي النبوة، فهو أجدر بان تصدق‏عليه مانعة الخلو وأحرى ان يكون جائزا، فنتيجة قياسه التي ادعى أنها صحيحة غيرصحيحة.
الدليل الثاني:
استدل على نبوته بصدقه في الاخبار عن المغيبات وأنها من طريق الوحي، كاخبار النبي(ص) وصدقه ‏في اخباره، وأنه قد تحدى الناس بآية من كتابه (تذكرة الشهادتين) وملخصها أنه لم يعرف في مدة‏حياته بالكذب وأنه لازم التقوى منذ نعومة أظفاره.
والجواب: أما عن صدقه في الاخبار عن المغيبات وأنها من طريق الوحي، فعلى فرض التسليم بهذاالادعاء فإنا لا نسلم أنه من طريق الوحي أي وحي النبوة وأنه من أدلة نبوته، فإنا نقرأ ونسمع عن‏فريق من الناس تنبأوا عن وقوع أمور بصحة حدسهم ولطف حسهم فوقعت كما تنبأوا، ونبوتهم هذه لم‏تكن عن وحي نبوة ولا كان من صحت نبوتهم ممن ادعى النبوة قط، وإنما كان يكون ذلك من‏مقاييس استنتجها كل واحد منهم مما في دائرة اختصاصه، كأخبار رجال الحرب بوقوع حرب بين‏دولة وأخرى، وأخبار رجال السياسة بنهوض أمة وسقوط امة، وتكهن علماء الاختراع بإمكان وقوع ‏إختراعات يعدها الجاهلون ضروبا من المستحيلات، وكلها لا تخرج عن الأسباب الطبيعية والسنن‏الكونية.
وقد أخبر الصحابة رضوان اللّه عليهم بأمور وقعت كما أخبروا، وقد يكون أخبارهم متلقى عن وحي‏صاحب الوحي، ولعلي أمير المؤمنين(ع) من ذلك الشي‏ء الكثير، وللصوفية أنباء عن المغيبات، وإيراداً لشواهد على وقوع ذلك مما يطول به الكلام، وما من أحد من هؤلاء المنبئين بالغيب ممن إدعى وحيا أو نبوة.
ثم إن دعوى علم الغيب في عصر كاد يكون السلطان فيه للمادة على الروح، والعلم والمعرفة على‏الفلسفة العقلية، وساور النفوس الشك في كل ما وراء المادة، واضطر المتألهون والمصدقون بالنبوات إلى‏تأويل معجزاتها التي نصت على وقوعها الكتب السماوية بما ينطبق على العلم ويقربها إلى الأذهان‏ وحملها على رموز وكنايات، ومنهم المسيح الهندي الذي يفسر كثيرا من آي القرآن المجيد بغير مافسرها به المفسرون لهذه الغاية.
إن هذه الدعوى ليست مما تثبت به النبوة وتحوم حولها شكوك كثيرة، الشك في صحتها، الشك في‏صدق كل ما أخبر به، الشك في أن التسليم بها هل هو ناشى‏ء عن مجرد الوثوق بالمخبر أو عن مشاهدة ‏ومعاينة، الشك في أن كل ما أخبر به وقع كما أخبر عن استقراء ، أم عن قياس ما لم يعلم على بعض ماعلم، ومما يمكن حصول مثله عن حدس وتجربة من المتنبى‏ء وغير المتنبى‏ء.
ووجه آخر وهو أن التسليم بنبوة الانبياء يتفاوت على نسبة ما بين من يسلم بها من علم وجهل وذكاءوفطنة وغباوة وبلاوة وما إلى ذلك، وبكل يفسر الأمور الحادثة والوقائع المتجددة على ما يؤديه إليه ‏فهمه، وهم بعد أصناف على نسبة التفاوت ما بينهم في الافهام، فمنهم من يقنعه الخطاب، ومنهم من يقنعه ‏الجدل، ومنهم من لا يقنع إلا بالبرهان والقياس المنطقي، ومنهم من تقنعه الظواهر، ومنهم من ينفذ ذهنه ‏إلى ما وراءها، وكمثل هذا التفاوت بين الأفراد التفاوت بين الأمم والجماعات، وكما أن للإنسان‏تطورات في حياته الجسيمة تلازمها تطورات في حياته العقلية والأدبية حتى يبلغ رشده، فللأمم مثل‏ذلك التطور في الحياة العقلية والأدبية، والشرائع الإلهية كانت تتنزل على الأنبياء المؤيدة نبواتهم‏بالمعجزات مراعية تطوراتهم في سلم الحياة الروحية، كانت أمة موسى(ع) منصرفة إلى الحياة المادية ‏الصرف وفي عصر رواج الشعوذات والسحر، فكانت شريعته أكثر مادية في تعاليمها منها روحية،وكانت معجزته إبطال سحرهم وتخيلاته وإذعانهم إلى نبوته، وكانت أمة عيسى في عصر الفلسفة ‏الروحية ورواج فلسفة سقراط وأفلاطون ومثله وجالينوس وبقراط وطبهما، فكانت معجزته من نوع ‏ما في ذلك العصر من روحية ومن طب ظهر ما عالج به المرضى وما جاء به من معجز لا يصل إليه‏الطب على ما يحسنونه منه وعجزوا عن مثله فاذعنوا لشريعته، وكانت الأمة العربية على بعدها عن‏الحضارات وتفرقها في الجزيرة أوزاعا وأشياعا وشعوبا وقبائل وعكوفها على عبادة الأصنام في عصر رواج الفصاحة والبلاغة والغاية بالخطابة والشعر، وهي على حال ليس فيه شي‏ء من النظام وفي حياة‏تتنازعها المادة والروح مملوءة بالخيالات والأوهام، فكانت رسالة محمد(ص) وسطا بين رسالات‏النبيين للمادة منها جانب وللروح جانب، وفيها النظام الكامل، وفيها ما يكفل صلاح الأمم البالغة‏ رشدها إلى قيام الساعة، والأمم كافة على ما بينها من التفاوت في الرقي العلمي والفكري، وكانت‏معجزته الخالدة القرآن المجيد الذي عجز بلغاء العرب في عصره ومختلف العصور عن أن يأتوا بمثل‏سورة من سوره وأقصرها، بل وعن آية واحدة من أيها، كما أعجز بلغاء كل الأمم إلى أن تقوم الساعة ‏عن الإتيان بمثله وبمثل آية من آياته.
إن إعجاز القرآن كما هو في بلاغته التي لا يُدرك أمدها، فهو معجز فيما قص من أخبار أمم دارسة جهلها التاريخ والمؤرخون وفي حكم وضرب أمثال لم يرو مثلها لحكماء اليونان وغيرهم من حكماء الأمم‏الأخرى ، وهو معجز في تشخيصه أدواء النفوس في الأمم والأفراد ووصف أدويتها، ومعجز في نظمه ‏وشرائعه التي بذت كل ما سنه متشرعو الأمم، ومعجز في أخباره عن كثير من الغائبات ووقوعها، وفيماحواه من أصول العلوم وفي ملاءمته لكل الطبائع والأمزجة، وتأليفه بين العقل والشرع، ومعجز في‏مناجاته النفوس ونفوذه من الأذان إلى مسامع القلوب وشعورها كلما تكررت تلاوته تجددت حلاوته ‏وطلاوته، معجز بكل ما في آي اللّه في اصلاح فطر البشر من إعجاز.
إن القرآن لا الإخبار عن المغيبات التي هي مظنة للشكوك هو معجزة محمد الخالدة ، وكما كان دليل‏نبوته وشاهد صدقه العدل وقت تنزيله فهو معجزته اليوم حيال معجزات اليوم، فهلا أتى المسيح ‏الهندي إن كان كما يزعم نبيا موحى إليه بمعجزة من نوع ما هو ملائم لروح عصره مستوحاة من علومه ‏وفنونه وإختراعاته ، بحيث يعجز أبناؤه عن الإتيان بمثلها، أو من نظمه بحيث يجي‏ء بتعاليم تنتظم أمورالجماعات انتظاما ما يقضي على أكثر ما في أنظمته من مفاسد، وبحيث تنزع ما في النفوس من مبادى‏ء ضارة أو من دساتير حكوماته، فتصلحها إصلاحا تذعن له الأمم وتدين كلها به.
إن ما في سيرة محمد وكتابه وسنته علاج لكل ما في الجماعات البشرية من أدواء إن طُبقت مبادؤها كلها على النوع الانساني، وهي زعيمة سعادته وخلاصه من كل ما يتعثر به من سمومها ونقائصها،وفيها الغناء عن نبي جديد وكتاب جديد، وعن معجزة الإخبار عن المغيبات التي تحط في هذا العصر عصر النور والعلم والحقائق من منزلة مدعي العلم بها، كما أنها لا تقع من نفوس الباحثين العارفين‏موقع الدليل على نبوته أو ما يصلح أن يكون دليلا عليها.
ووجه آخر في مسألة الإخبار عن المغيبات ذكره ابن خلدون في مقدمته ولا نتحمل عهدته، قال: ثم‏نجد في النوع الإنساني أشخاصا يخبرون بالكائنات قبل وقوعها بطبيعة فيهم يتميز بها صنفهم عن سائرالناس، ولا يرجعون في ذلك إلى صناعة، ولا يستدلون عليه بأثر من النجوم ولا من غيرها، إنما تجدمداركهم في ذلك بمقتضى فطرتهم التي فطروا عليها، وذلك مثل العرافين والناظرين في الأجسام‏الشفافة كالمرايا وطساس الماء، إلى أن قال: وهذه كلها موجودة في عالم الإنسان، لا يسع أحداً جحدها ولا إنكارها، وكذلك المجانين يلقى على ألسنتهم كلمات من الغيب فيخبرون بها، وكذلك النائم والميت‏لأول موته أو نومه يتكلم بالغيب، وكذلك أهل الرياضيات من المتصوفة لهم مدارك في الغيب على‏سبيل الكرامة معروفة.
ووجه آخر وهو أنه إذا صح ما يعزو أصحاب المسيح الهندي إليه من معجزة الإخبار عن الُمُغيبات ‏وجله مما وقع بزعمهم في الهند، فكيف انحصر العلم به فيهم، وإن وقوع مثل ذلك لمن الحوادث التي لايعقل أن يختص بعلمها فريق دون آخر، والعصر عصر إنكار للمعجزات وللعلم بالمغيبات وهو مظهرمن مظاهرها فكان على نبي الهند وقد قدم بين يدي دعواه النبوة معجزة الإخبار عن المغيبات، أن يمهدلهم أسباب الإطلاع عليها ليؤمنوا برسالته إن كانوا مما يرونها سببا للإعتراف بها وأن النبوة لاتستخلف عنها، ولو حصل ذلك لانتشر في الشرق والغرب، خبره ووسائل الانتشار لا تحصى وترصد الحوادث والأخبار حتى للتوافه دع جلائلها مل‏ء الشرق والغرب فكيف تذاع في الخافقين كهانة ‏متكهن قد تقع أو لا تقع، وتطوي أخبار المسيح الهندي عن المغيبات عن سكان الهند وهم مئات‏الملايين ، بل وعن من يبلغ خبرهم مبلغ التواتر من الهنديين، وعن سواهم ممن يتتبعون سير الحوادث‏ دقيقها وجليلها وغرائب الأنباء وتنحصر في القاديانيين.
ووجه آخر وهو ما نختم به هذا البحث، وهو أن الذين يصدقون بالمغيبات والكشف عن المخبئات‏ وينقلون حديثها إلى الناس، جلهم أو كلهم ينقل ما قد يصدق إتفاقا من طريق التخمين والحدس لا من‏طريق العلم بالغيوب المحجوب، إلا عمن اصطفاهم اللّه لرسالته لمصلحة أداء الرسالة ويطوي خبر ما لم‏يصدق وكثير من الناس ولوع بالغرائب والتحدث بالغرائب، وإذا كان للناقل تأثر بعقدة بالمنقول عنه أووثوق به، كان الإخبار عما يزعم من العلم بالمغيبات إدعى لترويجه بين الناس لحملهم على إتباع نحلته ‏وتصديق دعواه. ويروي البخاري عن عائشة (رض) سأل أناس النبي (ص) عن الكهان، فقال: «إنهم‏ليسوا بشي‏ء». فقالوا: يا رسول اللّه فإنهم يحدثون بالشي‏ء يكون حقا، قال: فقال النبي(ص) «تلك‏الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرقرها في أذن وليه كقرقرة الدجاجة فيخلطون فيه أكثر من مائة‏كذبة‏»
وجواب تحديه الناس بأنه لم يعرف في مدة حياته بالكذب وأنه لازم التقوى منذ نعومة أظفاره، إنا لانرى موجبا لهذا التحدي، فإن في الأمة ممن جمع هاتين الصفتين من يضيق بعدهم وحصرهم نطاق‏البيان، فهل وازن فيهما خيار الصحابة والعلية من التابعين وتابعيهم وأئمة أهل البيت، بل وهل جمع اليهما ما أوتوه من علم واسع وجرأة في نصرة الحق ومناهضة الظالمين مناهضة لم يرهبوا بها سلطانهم ولاتخوفوا صولتهم.
هل كان أصدق لهجة من أبي ذر الغفاري واتقى منه للّه، ومن عمرو بن الحمق، وحجر بن عدي ‏وأصحابه، ومن سعيد بن جبير، ومن أويس القرني، ومن عمرو بن عبيد، والأوزاعي ومن أشباههم ‏ونظرائهم، ومن لم تخل الأمة من أمثالهم قديماً وحديثاً، فإن كان ما اجتمع بهم من الصدق والتقوى‏والعلم والجرأة مما يبلغون به درجات النبوة، فهلا ادعوها وكانوا أنبياء، بل وكان عليهم لزاما أن‏يدعوها إن لم تكن أُختتمت بنبوة خاتم الأنبياء والمرسلين وكانوا أحق بها وأهلها إن كان بابها لم ينسد وكانت مما يجوز وقوعه، وهل كانت مذخورة لنبي الهند وحده؟ وهل كان أعظم أثراً في خدمة الإسلام‏وأحوط عليه منهم ؟ على أن الصدق والتقوى كما اجتمعا في كثير من أمة محمد (ص) وكانا وما زالا وكل ‏ما تصان به شريعته الخالدة متوفرة في الصادقين والمتقين من رجالها، ولم تكن حجرا على مسيح الهند ومن يطبع على غراره، فقد اجتمعا في كثير ممن يدين بغير دين محمد(ص) بل وبمن مرق عن دين محمد وهم الخوارج الذين ورد فيهم الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من طرق تعتصر منها على طريق مسند إلى أبي سعيد الخدري عنه(ص) أنه قال: «يخرج في هذه الأمة ولم يقل منها آقوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو حناجرهم ، يمرقون من الدين‏مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافة، فيتمارى في الفوقة هل علق بهامن الدم شي‏ء»
وبعد فأنت ترى أن الصدق والتقوى ليس مما يتعذر وجودهما أو مما لا يقع إلا من نبي أو مدعي النبوة،ليكونا معجزة على نبوة نبي الهند، أو ليتخذ منهما دليلا على صدق ما أخبر به عن المغيبات التي هي آية ‏نبوته المزعومة.
الدليل الثالث:
وهو أن أتباعه ليسوا من الغاوين، وأنهم على جانب عظيم من التقوى ومن الصالحين، وأنه بعث روحها في مئات من الألوف الذين بايعوه يغبط عليها، وأن من أتباعه ألوفا من الشبان خريجي أعظم كليات‏ وجامعات الهند وأوروبا وأميركا يؤدون الصلوات الخمس، وأن فيهم المرشدين والمبشرين في الإسلام،وأن جماعة كبيرة من أهالي أوربا وأميركا وإفريقية وغيرها من الأقطار اعتنقوا بواسطتهم‏الإسلام.
ولنا على هذا الدليل وجوه من النقض:
1 - أن دعوى أن أتباعه ليسوا من الغاوين وأنهم على جانب عظيم من التقوى إلخ، فإنها دعوى خطيرة‏جداً، فإذا لم يتم لموسى وعيسى ومحمد(ص) وهم أولو العزم من الرسل اتصاف أتباعهم جميعهم بما وُصف به أتباعه، وكان فيهم المؤمن حقا والمتزلزل إيمانه والمنافق، فكيف تم ذلك لمسيح الهند على‏أكمله ؟ وبلغ هو وأتباعه درجة الإنسان الكامل المنشود، وإذا كان مثل ذلك من أدلة النبوة فأحرى ‏بها أن تكون من أدلة نبوات أولئك الأنبياء الكرام.
2- أن بعث روح دعوته في مئات من الألوف ليس من المعجز الذي لا يقع مثله ليصلح دليلا على‏نبوته، فإنا نرى الملايين من الناس بل ومن أرقاهم بل وبعض الأمم بكاملها قد اعتنقت عقيدة اجتماعية ‏أو سياسية حتى أصبحت لها دينا تدين به وشريعة تبشر بها، فلو كانت كثرة الأتباع لمن يضع مبدءاجديدا أو فكرة جديدة أو دينا جديداً دليلاً على نبوة مبتدعها ومخترعها، لكان أولئك الذين دانت ‏لفكرتهم ونحلتهم مئات الملايين أجدر بإدعاء النبوة.
ثم إن عدد أتباعه مهما بلغوا من الكثرة، فهل يحسبون شيئا مذكورا في جنب من لا ينتحل نحلته ومن لايدين بنبوته من الفرق الاسلامية ؟ وأما قوله: غن من أتباعه ألوفاً من الشبان خريجي الكليات والجامعات يؤدون الصلوات الخمس، وإن ‏فيهم المرشدين والمبشرين في الإسلام، واعتناق جماعة كبيرة من أوروبا وأميركا وأفريقية الإسلام ‏بواسطتهم، فإن فيمن لم ينتحل نحلتهم ولا يدين بنبوة المسيح الهندي من خريجي الكليات والجامعات‏من فرق المسلمين من يؤدي فروضه الدينية ويقوم بقسط وافر من التبشير بالإسلام والذود عن‏حياض الإسلام وهم يبلغون مئات الألوف، ومنهم الجم الغفير من وطنه الهند ومن إيران والأفغان ‏وبخارى، وأما ما لأبناء الطريقة السنوسية من أثر بعيد وعمل مجيد في نشر الاسلام والتبشير بالرسالة‏ المحمدية ونشر المدارس وإقامة الم‏آوي في جميع البلاد الإفريقية الشمالية وتغلغلهم جنوبا في القارة‏الإفريقية بحيث تمكنوا من إدخال الملايين من الزنوج في دين الإسلام، فذلك ما لم يتسع له المقام وتجده ‏مبسوطا في تعليق أمير البيان على حاضر العالم الاسلامي.
فهل ادعى زعيم ديني من السنوسيين النبوة واتخذ ما جاء به من عمل عظيم معجزة لها؟
3 - إن كثرة من بعث فيهم دعوته، وهي لا تخرج كما يدعي وكما هو ظاهر الحال عن روح الاسلام ‏وعقائده المتصلة إتصالاً وثيقاً بالفطرة الإنسانية وتعاليمه الملائمة لكل مزاج، والذي اعترف الغريب ‏الباحث المدقق في الأديان بأنه دين العقل والعلم، ما كانت ولن تكون تلك الكثرة المزعومة مستندة‏ إلى وحي ونبوة غير وحي محمد ونبوة محمد(ص) وكتابه الخالد المبشر بنفسه لنفسه.
ثم إن مثل هذه الكثرة في الأتباع، بل وقد تزيد عليها الكثرة التي يدعيها أتباع الباب والبهاء الذين ‏ارتقوا بعدها إلى الملايين ومنهم المنورون وخريجوا الكليات والجامعات، لو كانت هذه الكثرة مما يتخذ دليلا وبرهانا ومعجزة على النبوة، لكانت تكون معجزة على صحة دعوى البابيين والبهائيين، على أن‏التفاوت عظيم بين دعوى القادياني التي لم تخرج عن روح الإسلام وتعاليمه الحقة لولا دعوى الوحي‏والنبوة، وبين دعوى البابية والبهائية التي هي في الواقع ونفس الأمر دعوة الى دين جديد، ذي كتاب‏جديد وأن من أتباعها ألوفاً ضحوا بأنفسهم في سبيلها، والدعوة القاديانية كما يصرح القاديانيون هي‏دعوة إلى الإصلاح الاسلامي لم ينفردوا به وقام بمثله العشرات بل المئات من أئمة المسلمين بدون ‏دعوى وحي ونبوة.
الدليل الرابع:
قول القاديانية: أن لديهم أدلة عديدة تجل عن الحصر بعدم بقاء النبي 23 سنة، وبعدم فلاحه وانتشاردعوته إذا كان كاذبا، وأطالوا الكلام في هذا المضمون.
وجوابه من طريقين:
الأول: بالنقض، فإنه لو صح على إطلاقه لما بقي كثير من النحل المتفرعة عن الدين الاسلامي بل ‏وغيرها إلى يومنا هذا، وقد قامت على أسس دعوى الإلهية أو النبوة وبين عقائدها وتعاليمها وبين‏عقائد الأديان السماوية الصحيحة وتعاليمها بون عظيم، ومنها من طوت القرن والقرنين، ومن طوت ‏مئات السنين، ومنها من طوت ألوف السنين.
والثاني: بالحل وهو من وجوه:
1 - أن الظاهر من تحديد عدم بقاء مدعي النبوة بثلاث وعشرين سنة من كانت دعواه النبوة العامة، وهي متحققة في دعوى محمد(ص) العامة الناسخة لكل دعوى نبوة، عامة ويدل على الخصوصية قوله‏تعالى: (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين) [الحاقة/46]والمفهوم من هذه الآية الكريمة أنه لم يؤخذ منه باليمين ولم يقطع منه الوتين، لأنه لم يتقول عليه تعالى‏بعض الأقاويل، ومثل هذا العقاب لازم في حكمته تعالى وفي لطفه بعباده لمن يدعي مثل هذه النبوة،وهو كاذب لما فيها من التضليل والاستغواء وعموم الفساد، لأن في مثل إبقاء مثل هذه النبوة الكاذبة في‏الأرض تبديلا لأديان الرسل ونسخ شرائعهم وحل نواميسهم، وليست الحال في دعوى النبوة‏الخاصة الكاذبة.
2 - يقول ابن القيم الجوزية في كتابه (التبيان في أقسام القرآن): ولا ينتقض هذا بمن ادعى النبوة من‏الكذابين، فإن حاله كانت ضد حال الرسول من كل وجه، بل حالهم من أظهر الأدلة على صدق ‏الرسول، ومن حكمة اللّه سبحانه أن أخرج مثل هؤلاء إلى الوجود ليعلم حال الكاذبين وحال ‏الصادقين، وكان ظهورهم من ابين الادلة على صدق الرسل والفرق بين هؤلاء وبينهم، فبضدها تتبين‏الأشياء، (والضد يظهر حسنه الضد)، فمعرفة أدلة الباطل وشبهه من أنواع أدلة الحق وبراهينه.
3 - على فرض نزول العقاب منه تعالى على كل من يدعي النبوة سواء أكانت عامة أم خاصة، فإن ‏ذلك إنما يكون فيمن يزعم أنه جاء بدين جديد غير دين محمد ناسخ الأديان، لا فيمن يكون تابعا له‏غير مبدل شيئا من اصوله وفروعه، وإنما كل ما في الأمر ادعاؤه عن شبهة بقاء الوحي واستمرار النبوة، وأنه ممن يوحى إليه، وأنه نبي متابع لنبوة محمد عامل بشرعه، وفتحه باب التأويل فيما يمكن أن تكون ‏فيه رخصة أو لا تكون ولا بعد مثله خروجا على الشريعة كما هو الظاهر من حال القادياني، فإنه مع‏ وجود المعارض له لا يكون ممن يستحق ذلك العقاب، وهو الأخذ منه باليمين، ثم القطع منه بالوتين ‏وعدم بقائه وبقاء دعوته مدة ثلاث وعشرين سنة.
الدليل الخامس:
مما استدل القاديانيون على نبوة صاحبهم دعوته منكري نبوته إلى (المباهلة) وإمتناعهم عن إجابته،وأن في الإمتناع عن الإجابة الدلالة على صدق دعواه وإلا لباهلوه.
ولا يخفى ما في هذا الدليل من التمويه والنف.. وقد نقضاه فيما سبق، فلا نعيد فيه الكلام ولا هو ممايستحق الإطالة.
الدليل السادس:
إدعاء أتباع المسيح الهندي أن آية كسوف القمر في أول ليلة من رمضان وكسوف الشمس في النصف‏منه وهي التي ورد فيها الحديث وأنها من علامات ظهور المهدي، قد تحققت لصاحبهم سنة‏1311.
وفيه إن دل هذا الحديث على شي‏ء فقد دل على عدم نبوة المسيح الهندي وأنه هو المسيح الموعود، فقد أبطل دعواه بنفسه، لأن المسيح الموعود بصريح الحديث هو من تحقق له تلك الآية كسوف القمر في ‏أول ليلة من رمضان وكسوف الشمس في النصف منه، وإذ لم تتحقق للمسيح الهندي فلم يكن هوالمسيح الموعود.
أما عدم تحقق هذه الظاهرة الفلكية العجيبة، وأن مثل ذلك كما قال الصبان في كتابه (إسعاف الراغبين)لم يوجد منذ خلق اللّه السماوات والأرض، فيكفي فيه أنه لم يدعها أحد سوى أتباع مسيح الهند، وهل‏من المعقول أن تقع مثل هذه الظاهرة الخارقة والمخالفة لناموس الكون ونظام الأفلاك، وأن وقوعها معجزة من معجزات نبي الهند، ويختص برؤيتها هو وتابعوه وتخفى على مئات الملايين من الهنود، إن كان ‏الكسوفان جزئيين وعلى ألفي ألف من البشر إن كانا كليين؟ وكيف غابت هذه الظاهرة عن عيون علماء الهيئة ؟ وكيف لم تحط بها علما قبل وقوعها آلات مراصدهم ؟ وهل الذين ينبئون عن الحوادث الفلكية ‏العادية والمنطبقة على نواميس قبل وقوعها، وخاصة حوادث الكسوف والخسوف بأشهر وسنين ‏وبمئات السنين بل وبألوفها، وفي حوادث الكسوفين اللذين يحدثان في افق دون أفق آخر يشدون ‏الرحال إلى بلد ذلك الافق لرصدهما، فكيف كانوا غافلين عن مراقبة ذلك الحادث الفلكي الخارق؟وكيف غاب عن أبصارهم مرآه وعن معارفهم حدوثه؟ وكيف عميت عنه عيون العالمين؟
إننا كنا في العام المزعوم وقوع تلك الحادثة الخارقة فيه في ميعة الشباب وفي عهد دراسة العلم وفي ‏نفوسنا نزوع إلى الوقوف على الحركة العلمية في ذلك الزمن، وكنا نطالع مجلة المقتطف التي كانت تعنى‏عناية خاصة بذكر كل حدث فلكي أو جوي ميثولوجي، وكان مثل هذا الحادث لو وقع او كان مما يمكن وقوعه من الحوادث التي لم تكن لتعرض عن تسجيلها وتدوينها وهي تعتني بتسجيل الحوادث‏العادية الفلكية والجوية ولم تسجله، لأنه لم يقع ولم نره ولم نسمع به إلا يوم ظهر غلام أحمد القادياني، أوظهرت دعوته ودعواه المسيحية مؤيدة بشهادته وشهادة تابعيه، وكفى وللّه حكمة باهرة في إستدلالهم‏على دعواهم بهذا الدليل المحقق عدم وقوع مضمونه، ومنه يتبين قدر الوثوق بما نسبوا لصاحبهم من‏خوارق وإنباء عن مغيبات، وفي هذا الجواب تقوية للجواب عن دليلهم الرابع.
ثم إن التسليم بهذا الحديث وفرض حدوث مضمونه كما يراه القاديانيون وإن لم يره غيرهم ممن لاينتحل نحلتهم معجزة على نبوة صاحبهم المزعوم أنه المسيح ، يلزم إن صحت مسيحيته أن يتحقق‏مضمون الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه مسندا إلى أبي هريرة عنه(ص) قال: قال رسول‏اللّه(ص): «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا، فيكسر الصليب، ويقتل‏الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنياوما فيها»
إن هذا الحديث أصح سندا من الحديث الأول، وهل تحقق مضمون الحديث الثاني الذي أخرجه‏البخاري أيضاً سندا إلى أبي هريرة ؟ قال: قال رسول اللّه(ص): «كيف أنتم اذا نزل ابن مريم فيكم‏وإمامكم منكم‏»
فإن كان احمد غلام القادياني هو ابن مريم، فأين الإمام؟ ولعله من أعقبه من خلفائه.
وإن كان الاستدلال على دعوى القادياني ملزما لاثباتها سواء أتحقق مضمون الدليل أم لم يتحقق ووقع‏ام لم يقع، فلم سكت عن هذين الدليلين ؟ وهما أمكن وقوعا من الدليل الأول.
الدليل السابع:
إدعاء الوحي بكتاب جديد إلى غلام أحمد القادياني في اللغة العربية مع جهله بهذه اللغة، وتلك معجزة ‏دالة على نبوته.
وفيه:
1 - إن صحت هذه الدعوى فقد أوتي من المعجز أعظم ما أوتي الرسول الاعظم(ص) فإن الكتاب الذي ‏أُنزل عليه(ص) أُنزل بلسانه ولسان أمته المرسل إليهم، ولكن المسيح الهندي أنزل عليه كتابه بزعمه بغير لسانه ولسان أمته.
2 - إن في هذه الدعوى مجالا متسعا للإرتياب في صحتها، والقادياني نشأ في محيط هندي إسلامي،ومسلمو الهند كما نعلم ويعلم كل مطلع على أحوالهم أنهم ذوو عناية عظيمة بتعلم اللغة العربية لغة الذكر الحكيم، وهي لغتهم الدينية وتدرس في مدارسهم الخاصة الدينية المحضة وغير الدينية، ولعلهم المسلمين ‏عناية بتعلم لغة دينهم، فكان تعلمها من الميسور له جدا، بل ويجوز أن يكون قد تلقاها عن أستاذ خاص أو تلقى مبادئها وأتم دراستها على نفسه كشأن كثير من أذكياء المستشرقين، ومنهم من درسهاكلها على نفسه واستطاع أن يكتب ويؤلف فيها، وأخفى ذلك عن قومه توصلا للفرض الذي ظهر به،وهو ادعاء المسيحية مقرونة بمعجزة كتابه في لغة غير لغة أمته.
هذا من حيث تجويز تعلمه اللغة، وأما من حيث محتويات ذلك الكتاب المدعى إعجازه، فلم نجد فيما وقفنا عليه من بعض فصوله أو آياته(؟) ما يقرن بمنشآت الشادي معنى ومبنى، ومن شرط المعجزالمتحدي به التفوق على أبلغ كلام من نوعه، فلم يكن إذن هذا الكتاب مما يعجز تحديه المبتدى‏ء فضلاً عن المنتهي، كما ان دعوى الايحاء به إليه مع جهله اللغة العربية لا يدل على مراده لتجويز تعلمه لها عن‏أستاذ أو درسه لها على نفسه، فقد بطلت إذن هذه الدعوى.
إن محمدا(ص) عربي من صميم العرب، تحدى بالقرآن المنزل عليه من لدن حكيم عليم بلغاء عصره ‏والعصر حافل برجال البلاغة، والتفاوت بينهم سواء في منظومهم أو منشورهم لا يبلغ درجة بعد المسافة في تساويهم في فضيلة السبق والمجاراة.
البلاغة في النظم والنثر هي جل ما برع العرب فيه في جزيرتهم، وبلغ ذروته في صدر الرسالة. وأما ماعبر عنه من معان فلا تكاد تخرج عن أوصاف بيئتهم، وهي بيئة الرسول الأعظم وما أوتوه من بسائط‏العيش فيها ومفاخرات قبلية وغزوات بين القبائل غير منقطعة، وما إلى ذلك مما كانوا يصورونه في‏شعرهم الذي لم يكن يخلو من حكمة عالية، ومثل سام كلاهما مستمد من وحي الفطرة والذكاء العربي‏الرائع. وأما ما وراء ذلك من علوم فلم يكونوا فيها لا في العير ولا في النفير، اللهم الا معارف بسيطة‏لها أشد مساس بحياتهم. ظهر محمد(ص) في مثل هذا المحيط وفي مثل هذه الأمة المتفرقة مؤيداً بمعجزة‏القرآن، وفيه من المعارف وأصول العلوم والتشريع والحكم العالية وكل ما لم يبلغه العلم ولم تصل إليه‏همة العلماء والحكماء، وما زال ولن يزال مادة لا ينضب معينها لمعارف لا تتناهى، وهو منزل بلسان‏العرب ولكن بأسلوب بهرهم وأعجزهم، وإن كان من جنس ما يعرفون من الكلام.
إن القرآن هو الآية العظمى والمعجزة التي تحدى بها العرب بل والبشر كافة بل والإنس والجن إلى قيام‏ الساعة، هذا هو أثر معجز النبي العظيم القرآن الكريم، فليدلنا القاديانيون على أثر لكتاب مسيحهم ،سواء أكان في بلاغة أسلوبه، أم كان في علم انطوى عليه لم يعرفه العلماء، أم كان في تفسير أي من آيات‏الكون التي لا تتناهى، أم في حل معضلة اجتماعية، أم في مزية واحدة لم يحوها القرآن.
3 - اقتضت حكمته تعالى إرسال الرسل إلى البشر لهدايتهم إلى الصراط المستقيم، فلم يكلهم إلى عقولهم ‏لتقدم لهم الحجة، وهل يتم غرض الإرسال ودفع الحجة إلا بأن يكون الرسول إليهم بلسانهم وذلك هوالمصرح به في (الاية 4: ابراهيم) (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) بطريق الحصر،فرسالة المسيح الهندي إن كانت خاصة لأمته الهندية، فكان من مقتضى ذلك أن يكون كتابه موحى به ‏إليه باللغة الهندية ليتم به البيان لأمته، وأن يكون بأسلوب أرقى من أسلوب بلغائهم بلسانهم، أو أن‏يكون محتويا من المعارف والعلوم وحل مشاكلهم الإجتماعية وسواها ما لم يصلوا إليه، وما يكون دليلاً على إعجازه دليل نبوة المسيح الهندي، وإن كانت رسالته عامة كرسالة محمد(ص) وكتابه المزعوم ‏الموحي به إليه معجزته كالقرآن معجزة محمد(ص) وأنه أوحي به إليه باللسان العربي كما أوحي إلى‏محمد(ص) بهذا اللسان فكان كتابه لو كان كما يزعم وحياً منه تعالى جاريا على عرق القرآن وأساليبه، ومشتملا على مثل خصائصه وما فيه من معارف وآيات بينات، لتتم له الحجة على العرب خاصة كماتمت حجة محمد(ص) عليهم وعلى الأمم كافة على اختلاف أجناسها ولغاتها، وشي‏ء من ذلك لم يكن ،فلم يكن كتابه معجزا، وإذا ابطل إعجازه أبطلت دعوى النبوة المترتبة عليه.
4 - رأينا من المفيد بعد هذا التعليق إيراد هذه الكلمة لابن مسكويه في كتابه (الفوز الأصغر) نختم بها هذا البحث، قال: إنما يبعث اللّه عز وجل إلى كل قوم بنبي يأتيهم من جنس ما يدعون، مع الفضل فيه ‏والبراعة والتبريز بالمعجز الذي لا يطيقونه ولا في منتهم مثله، ليكون أبهر لحجتهم وأوكد لدلالتهم ‏وأجدر أن لا يقول الناس جئتنا بما لا نعرف منه شيئا، ولو عرفنا منه شيئا لأتينا بمثله، فهذا المعنى الذي‏ ذهب إليه المتكلمون وإن كان صحيحا، فإنما هو الهام بما ذكرناه. وقال في الفرق بين النبي والمتنبي: وأماالمتنبي فهو بالضد منه (النبي) لأنه يلتمس الأمور التي زهد فيها ذلك، وليس يخلو من ظهور ذلك عليه‏ وافتضاحه به، لأنه إياه يطلب وحوله يدندن، فإن كان ما يلتمسه مالا وكرامة أو رغبة في منكح أومطعم أو غير ذلك، أوشك أن يظهر عليه ولم يلبث أن يعرف به ويتهتك فيه، وإلى ذلك يؤول أمره، وإن مبادى‏ء أمور بما أشكلت على الأغبياء لا سيما إن إنضاف إلى ذلك سمت وإخبات، وتزهد وإقلال، وفضل سماحة يتكلفها لقومه يستميلهم بها، ومخاريق من شعبذة ونارنجيات يستغل بها عقول أهل ‏الغفلة، إلى أن يسأل عن شي‏ء من الحقائق أو يبتدى‏ء بالكلام فيما تتطلعه النفوس وتنتظر الوقوف عليه‏من جهة الأنبياء صلوات اللّه عليهم من أمر المبدأ والمعاد، فإنه حينئذ يضطر إلى أحد أمرين: إما أن يعيد ألفاظا محفوظة مسطورة في كتب الأنبياء(ع) المنزلة وأخبارهم المتداولة، فلا يكون له فيها شرح ولاتفسير، وتلك إنما هي أمثال وتشبيهات موافقة للحقائق مطابقة لها، فإن اختلطت ألفاظها وضروب ‏الإشارات فيها، وإما أن يتكلف الكلام فيها من نفسه، فهو لا محالة يضطرب ولا يوافق بعضه بعضا للتناقض والمحالات التي تلزم من جهل تلك المعاني اللطيفة التي إذا كانت من غير اللّه وجد فيها إختلاف كثير.
هذا ولهم أدلة أخرى لا نطيل بنقضها الكلام، وهي مع تهافتها ووهنها لا تخرج عن مضمون أدلتهم التي‏ أوردناها، وكلها متماثلة متشابهة لا ترجع إلى محصل.
فصل وقد رأينا من المفيد ومما يزيل الشبهة عن نفوس فريق لم يؤتوا نصيبا من العلم وحظا من معرفة‏مذهبهم الحق، فوقعوا في أحابيل القاديانيين وأثرت فيهم دعاياتهم، أن نعقد هذا الفصل، نذكر فيه ماوقفنا عليه من كلمات فريق من أكابر العلماء لهم مكانتهم العلمية والدينية والإجتماعية في العالم‏الاسلامي حول القادياني ونحلته الجديدة وكتابه غعجاز المسيح وقصيدته المعجزة بزعمه.
1 - في المجلد الرابع من المنار الاسلامي للفيلسوف الاسلامي المرحوم السيد محمد رشيد رضا في باب‏الأسئلة الدينية الصفحة (465) قال:
«وأما كتاب إعجاز المسيح فقد تصفحته بعد الابتداء بكتابة هذا الجواب، فاذا هو قد سلك فيه مسلك‏الباطني والمتصوفة في التأويل، وليس فيه وهو (200) صفحة ورقة واحدة في حقيقة التفسير، وليس‏خلطه وهذيانه فيه بأكبر من الخلط والهذيان في التفسير المنسوب إلى الشيخ محي الدين بن عربي أحد أئمة الصوفية، ولو لم يدع هذا الرجل أنه هو المسيح ويحرف كلمات الفاتحة فيجعلها دليلا على دعواه‏ويجعل تفسيره معجزة يتحدى بها، لتلقى هذا التفسير بالقبول أكثر المسلمين ومنهم السائل المحترم ،ولأقاموا النكير على مثلي إذا هو انتقد عليه كما ينكرون علي الإنتقاد على من دونه في العلم والتأليف،وقد كان هذا الرجل شيخ طريق يفوق أكثر المشايخ بالعلم والفصاحة والصلاح، فغره كثرة اتباعه ‏وتفننه في أسجاعه على ما في ألفاظها من الغلط، وفي معانيها من الشطط، وقام عنده أن المسلمين‏ بالمهدي والمسيح قد انتشر على وجه غير صحيح، وأنه يجب أن يصلحه بذاته، ويؤيد دعواه بما يعتقد متبعوه من آياته.
وأما تحديه بالكتاب فهو إذا لم يعارض شبهة على المعجزة بالمعنى المعروف عند المتكلمين لا بالمعنى‏الذي حققناه في الجزء العاشر من المنار، وقال: إنه كتبه في سبعين يوما، ونقول إن كثيرا من أهل العلم ‏يستطيعون أن يكتبوا خيرا منه في سبعة ايام، ولو على طريق الشقاشق والأوهام، ولكن أين الحكم ‏الذي يرضاه تلامذته والمغترون به؟» 2 في المجلد عينه الصفحة (545) تحت عنوان المناظر وكتاب (إعجاز المسيح):
«هذا الكتاب مسجع من أوله إلى آخره، وفي سجعه التكليف والضعف، وفي كلامه ركاكة العجمة، وفي‏مفرداته وتراكيبه الغلط والخطأ، ومع هذا تقول جريدة المناظر الغراء إنه تقليد للقرآن في نسقه وعبارته، وهذا خطأ ما كنا ننتظر أن يصدر من صاحب تلك الجريدة البارع، وأين عبارة القرآن العالية ونسقه‏البديع من تلك الركاكة والعسلطة في كتاب إعجاز المسيح‏».
3 في المجلد الخامس الصفحة (789) تحت عنوان (إعجاز أحمدي) او سخافة جديدة لمسيح‏الهند:
«كل يوم تبدي صروف الليالي خلقا من أبي سعيد غريبا وأبو سعيد هذا الزمان هو غلام أحمد القادياني المفتون بنفسه المغلوب على عقله وحسه، فهو كل يوم ‏يأتينا بخلق غريب وخلق من إفكه عجيب، ففي الشهر الماضي أرسل إلينا قصيدة من المخزيات، ولكنه ‏نظمها في سلك ما يدعيه من المعجزات، وجعل لها مقدمة هذيانية ولكنها باللغة الأوردية، وأرسل لنا معها منشورا باللغة الانكليزية يقول فيه: إنه أُوتي من البلاغة في العربية ما لم يؤته أحد من العالمين، وأنه‏يتحدى بقصيدته هذه جميع المطلعين ومن يعارضها في الهند من شعراء العربية يعط‏ى عشرة آلاف‏روبية، ولم يذكر لنا الحاكم الناقد الذي تعرض عليه القصائد ليميز بين سحر البيان وبين اللغو والهذيان،وقد أخرنا الكتابة في هذه السخافة الجديدة لأننا كنا عازمين على قراءتها كلها وإظهار ما فيها من‏الأغلاط اللغوية والنحوية والصرفية والعروضية، والتنبيه على ما فيها من السرقات الشعرية التي‏سلخها من كلام فحول الرجال ومسخها، ولا غرو أن يظهر المسخ على يد المسيخ الدجال، ثم بدا لنا أن‏ هذه الانتقادات ليست بضرورية عند العارفين باللغة العربية، فإن عرض القصيدة عليهم يكفي لمعرفة ‏دركها في السخافة.
وأما المخدوعون به من الأعجميين في الهند فلا يفهمون إنتقادنا إذا هو وصل إليهم، لذلك نذكر هنا أبياتا من القصيدة ونترك للقراء الضحك منها ومن غرور المستدل بها على دعوى ‏المسيحية، قال:
أيا أرض مد قد دفاك مدمر وأرداك ضليل وأغراك موغر دعوت كذوبا مفسدا صيدي الذي كحوت غدير أخذه لا يعزر وجاءك صحبي ناصحين كاخوة يقولون لا تبغوا هوى وتصروا فظل أسارى كم أسارى تعصب تريدون من يعوي كذئب وينخر فجاؤوا بذئب بعد جهد إذا بهم ونعني ثناء اللّه منه ونظهر فلما أتاهم سرهم من تصلف وقال افرحوا أني كمي مظفر وقالوا استروا أمري واني أوردهم أخاف عليهم أن يفروا ويدبروا وأرض اللئام غذا دنا من أرضهم على النار مشاهم وقد كان يبطرو منها في هجو منكر عليه:
فلما اعتدى وأحس قومي أنه يصر على تكذيبه لا يقصر دعوه ليبتهلن لموت مزور مضل فلم يسكت ولم يتحسر وكذب إعجاز المسيح وآيه وغلطه كذبا وكان يزور ثم قال هذه الأبيات التي كتب بازائها في الهامش أنها وحي من اللّه تعالى:
فقد سرني في هذه الصور صورة ليدفع ربي كل من كان يحشر فالفت هذا النظم اعني قصيدة ليخزي ربي كلمن كان يهذر وهذا على إصراره في سؤاله فكيف بهذا السؤل اغضي وانهر وليس علينا في الجواب جريمة فنهدي له كالأكل ما كان يبذر فإن أك كذابا فيأتي بمثلها وإن اك من ربي فينعش ويثبر وهذا قضاء اللّه بيني وبينهم ليظهر آيته وما كان يخبر قطعنا بها دابر القوم كلهم وغادرهم ربي كغصن تجذر ارى أرض مد قد أريد تبارها وغادرهم ربي كغصن تجذر أيا محسني بالحمق والجهل والرغا رويدك لا تبطل صنيعك واحذر اتشتم بعد العون والمن والندى اتنسى ندى مد وما كنت تنصر ترى كيف أغبرت السماء ب‏آيها إذا القوم آذوني وعابوا وغبروا فلا تتخير سبل غبي وشقوة ولا تبخلن بعد النوال وفكر» 4 في هذا المجلد الصفحة (790) تحت عنوان سخافة أخرى لمسيخ الهند الدجال:
«قلنا: أنه أرسل إلينا في الشهر الماضي قصيدته الاعجازية، ونقول أيضا: أنه أرسل إلينا في هذا الشهر رسالة باللغة الانكليزية كتبها باسم ملك الانكليز لا باسم اللّه، وجعلها خدمة للدولة الانكليزية في‏زعمه ووهمه، ولكن لم يكتب في الحقيقة ما هو أضر منها على السياسة الانكليزية، وهذا شأن الصديق‏الأحمق يريد ان ينفع فيضر.
من سياسة هذا المسيخ الدجال أنه نسخ حكم الجهاد في الإسلام لكيلا تعارضه الدولة الانكليزية في‏دعوته، ظنا منها أنه يؤلف عصبية دينية للخروج عليها في الهند، كما يفعل أمثاله الدجالون الذين يدعي‏كل خارج منهم أنه المهدي المنتظر، وقد كتب في هذا المعنى كثيرا، وإنما كانت كتابته في هذه الرسالة ‏وأمثالها ضارة ومناقضة للسياسة الانكليزية، لأنه يقول فيها: إن جميع علماء المسلمين يقولون بوجوب‏الجهاد الديني وإنهم جهلاء مخطئون في هذه الدعوى، فإذا انتشرت هذه الرسالة وقرأها الناس فربماتتحرك نفوسهم إلى الأمر الذي تصرح الرسالة بأن العلماء مجمعون عليه، ولا تلتفت إلى تخطئة‏خارجي مثل غلام احمد القادياني لهم.
وأما الرأي الأفين الذي أشار به على الحكومة الانكليزية، وهو جمع مؤتمر من العلماء للنظر في مسألة‏الجهاد واستقراء أدلتها في الكتاب والسنة ليظهر لهم أنه غير واجب فيقرروه، فهو رأي لا ترضى به‏ سياسة حكيمة كالسياسة الانكليزية ولا هي محتاجة إليه، أما عدم رضاها به فلأنه إذا قرر العلماء خلاف ما يقول غلام أحمد الدجال فيخشى من وقوع فتنة عظيمة، وأما عدم حاجتها إليه فلأن أهل ‏الهند راضون من حكومتهم ولا يخطر في بالهم الخروج عليها وحسبها هذا منهم، ولو كان هذا الدجال‏يتجنب هذه الأوحال لكان أسلم له على كل حال‏».
5 المجلد نفسه الصفحة (317) تحت عنوان (مسيح الهند والمنار):
«سبق لنا رد على القائم في الهند المدعي أنه المسيح الموعود به وعلى كتابه الذي سماه إعجاز المسيح، وإن‏كان قوله كالريح، وسجعه دون سجع شق وسطيح، وقد ترجمت رد المنار عليه الجرائد الهندية واذاعته ‏في تلك الممالك القصية، فاستشاط الرجل غضبا وملا النواحي سبابا وصخبا، والمؤمن ليس بسباب‏ ولا بذي‏ء ولا صخاب، فهل يكون المرسلون والمسحاء من أهل السفه والبذاء؟ وهل ينزل الوحي على‏أهل الالهام، وتقام الحجة على الأنام بالسخرية والاستهزاء والقول الهراء، والانتصار للنفس ومكابرة‏الحس، والتنفج والتبجح، والتجرم والتذقح كما فعل هذا المدعي في الكتاب الذي لفقه في الرد على المنار،فكان مجلبة الخزي والعار، وقد سماه (الهدى والتبصرة لمن يرى) وما عهدت الهداية بشتم الورى؟ بعد أن أهدى إلينا كتابه وأرسل شتمه وسبابه، كتب إلينا أحد كبار علماء الهند من لاهور كتابا يشكوفيه من انتشار البدع في الهند، وقال فيه: الآفة التي لا تذكر والعاهة التي لا تسطر هي فتنة المسيح‏الدجال الهندي الشهير بميرزا غلام أحمد القادياني، فهي لا تنقطع كسير السواقي وهو في زعمه الباطل‏مجدد مهدي ملهم محدث مسيح مرسل إمام عند شرذمة قليلين ما لهم من دنيا ولا دين، والحق أنه ‏رجل ختال ختار بطال شطار، يدعي الوحي والنبوة، ويحرف آيات القرآن بتأويلات فاسدة، ويتنطع ‏في أحاديث النبي بخزعبلات كاسدة.
ثم ذكر هذا العالم مجادلته لعلماء الهند، وإفحامهم إياه وانصرافه ‏لدعوة العلماء في غير الهند ومنهم الفقير صاحب المنار، وانتقل من هنا إلى ذكر ردنا على كتابه (إعجازالمسيح) وذكر أن الجرائد الهندية نقلته عن المنار، وكان له شأن في تلك الديار، أثار من ذلك المدعي‏ أشجانه، وأطلق بالسب لسانه، ثم رغب إلينا في الرد عليه وقال: فإن لتحريركم وقعا في النفوس أشدمن حرب البسوس.
نعم إن من وظيفة المنار الرد على أمثال هذا المدعي، ولو لم يرغب إلينا فيه ذلك العالم الألمعي، ولكن‏الرد إنما يكون على الشبهات التي تساق مساق البينات، وليس لهذا المدعي شبهة يستند اليها ولا تكاة‏ يتوكأ عليها، إلا ذلك المؤلف الذي هو حجة عليه، بل سهام منه تصوب، إليه فقد إدعى أنه معجز للبشر لا تأتي بمثله القوى والقدر، فما هو وجه الاعجاز فيه، الذي جعله عمدة تحديه إن قال: إن العمدة‏هي قصر المدة، فإني ألفته في سبعين، ولايقدر على مثل ذلك أحد من العالمين، نقول: أولاً:
إننا لانصدقك في هذا التجديد على أنه طويل، فهل لك من بينة ودليل؟ وثانياً: إن كثيرا من العلماء ألفوا كتباً طويلة في مدة قليلة، ولم يدعوا أن ذلك من المعجزات، لأنه ليس من خوارق العادات. فالفيناري ألف‏شرحه على الاساغوجي في يوم من أقصر الأيام، ولم يتحد به أحدا من الأنام. وثالثاً : أننا نطلب منه‏ محكمين من أهل الإنصاف يرضى بهم كل منا ومنه للحكم في مواضع الخلاف، وعند ذلك نظهر له‏ أغاليط كتابه في اللفظ والفحوى، والعاقبة كما قال اللّه تعالى للتقوى. ليعلم الناس أن تحدي النبوة‏ والرسالة لا يكون بالخطأ والجهالة، وأن إدعاء إقامة الدين وتأييد الشريعة لا يكون بتقويض أركانهما الرفيعة وتشويه محاسنهما السنية الشيعية، وإن إصلاح نفوس المسلمين لا يكون بشتم العلماء والمرشدين، وسنعجل قبل تعيين المحكمين بإظهار بعض ما خالف فيه شريعة خاتم النبيين، وموعدناالجزء الآتي.
أما الآن فإننا نذكر بعض عباراته في الرد علينا وما وجه من الطعن إلينا، ليعلم القراء مبلغ آدابه ‏وعسلطته في خطابه، قال بعدما زعم أنه أثرنا بكتابه (إعجاز المسيح) على علماء الحرمين والشام والروم‏ ما نصه:
ثم لما بلغ كتابي صاحب المنار، وبلغه معه بعض المكاتيب للاستفسار، ما اجتنى ثمرة من ثمار ذلك ‏الكلام، وما انتفع بمعرفة من معارفه العظام، ومال إلى التكلم والايذاء بالأقلام، كما هو عادة الحاسدين ‏والمستكبرين من الأنام، وطفق يؤذي ويزري غير أن في الازراء والالتطام، ولا لا وإلى الكرم والإكرام،كما هو سيرة الكرام، وعمد أن يؤلمني في أعين الأعوام كالأنعام، فسقط من المنار الرفيع وألقى وجوده في‏الآلام، ووطئني كالحصى، واستوقد نار الفتن وحضى، وقال ما قال وما أمعن كأولي النهى، وأخلد إلى‏الارض وما استشرف كأولي التقى، وخر بعدما علا، وإن الخرور شي‏ء عظيم، فما بال الذي من المنار هوى، واشترى الضلالة وما اهتدى، أم له في البراعة يد طولى، سيهزم فلا يرى، نبأ من اللّه يعلم السر وأخفى.
ثم قال:
وكنت رجوت أن أجد عندك نصرتي، فقمت لتندد بهواني وذلتي، وتوقعت أن يصلني منك تكبير التصديق والتقديس، فاسمعتني أصوات النواقيس، وظننت أن أرضك أحسن المراكز، فجرحتني كاللاكزوالواكز، وذكرتني بالنوش والنهش والسبعية، نبذا من أيام الخصائل الفرعونية، ولست في هذا القول‏كالمتندم، فان الفضل للمتقدم، وكنت أتوقع أن يتسري بموآخاتك همي، ويرفض بجندك كتيبة غمي،فالأسف كل الأسف أن الفراسة أخطات (أي فلم يصدق عليه حديث اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه، لأنه ينظر بظلمة غروره) والروية ما تحققت، ووجدت بالمعنى المنعكس رياك (وهنا إشارة ‏قبيحة تليق بقائلها ولا تليق بنزاهة من يصطفيهم اللّه تعالى لهداية خلقه) فهذه نموذج بعض مزاياك،(أنت النموذج وكم أنت مذكرا) وعلمت أن تلك الأرض أرض لايفارقها اللظ‏ى، وتفور منهاإلى هذا الوقت نار الكبر والعلى، فعفى (كذا) اللّه عن موسى، لم تركها وما عفى، (وههنا أساء الأدب مع سيدنا موسى الكليم ونسب إليه الخطا والذنب والتقصير، على أن تعفية مصر وهلاكها بيد اللّه لا بيده).
ثم قال بعد مكابرة في ردنا على كتابه ونسبته للغلط والتكلف ما نصه: وحسبتك حبيبا يريحني كنسيم‏ الصباح، فرأيتك كعدو شاكي السلاح، وخلت أنك تهدر بصوت مبشر كالحمام، فأريت وجهك المنكركالحمام، وأعجبني حدتك وشدتك من غير التحقيق (كذا) فأخذني ما يأخذ الوحيد الحائر عند فقد الطريق، لكنني أسررت الأمر وقلت في نفسي لعله تصحيف في التحرير، وما عمد إلى التوهين والتحقير،وكيف قصد شرا لا يزول سواده بالمعاذير، وكيف يمكن الجهر بالسوء من مثل هذا النحرير (يذم‏ ويمدح)، ولما تحققت أنه منك تقلدت أسلحتي للجهاد، وقلت مكانك يا بن الفساد، وعلمت أنك ماتكلمت بهذه الكلمات، إلا حسدا من عند نفسك لا لإظهار الواقعات (إنني لا ادعي المسيحية ولا شي‏ءآخر يحسد عليه) فابتدرت قصدك، لئلا يصدق الناس حسدك، فان علماء ديارنا هذه يستقرون حيلة‏ للازراء، فيستفزهم ويجرؤهم علي كلما قلت للازدراء، ولولا خوف فسادهم لسكت، وما تفوهت وماتجلدت، ولكن الآن أخاف على الناس، وأخشى وسوسة الخناس، وإن بعض الشهادات أبلغ من‏الضرب بالمرهفات، فأخاف أن يتجدد الاشتعال من كلمات المنار وسقط ميمه ويبقى على صورة ‏النار.
ثم ادعى أنه كان غلب علماء الهند وسرق سجعات من كلام الحريري، وقال: فالآن أحيي اللئام بعدالممات، وشد المنار عضدهم بالخزعبلات ، فأرى انهم يتصلفون ويستأنفون القتال، ويبغون النضال،ويخدعون الجهال، ورجعوا إلى شرهم وزادوا ضدا، بما جاء المنار شيئاً إدا، وجاز عن القصد جدا، (كذابالزاي والحريري استعملها بالراء من الجور) فأكبر كلمة ضرب من العمين الخ..
ثم ذكر أنه كثيرا ما كان يغضي عن المعترضين والمزدرين، وقال: ولكن رأيت أن صاحب المنار، عظم في‏عين هذه الأشرار (كذا)، وأكبر شهادته بعض زاملة النار، وكانوا يذكرونها بالعشي والأسحار، فبلغني‏ما يتخافتون، وعثرت على ما يسرون ويأتمرون، وأخبرت أنهم يضحكون علي وفي كل يوم يزيدون.إلى أن قال في صاحب المنار: بل أصر على الازراء في الجريدة، فأكل الحاسدون حصيدة لسانه‏كالعصيدة، وتلقفوا قوله وخددوا الخصومة بعدما قطعوها كما هو من شيم القرائح البليدة، وحسبوا كلمةه كالأسلحة الحديدة، وأشاعوها في الأخبار (الجرائد) والجوائب الهندية، وكتبوا كلما يشق سماعها على‏الهمم البريئة المبرئة، وآذوا قلبي كما هي عادة الرذل والسفهاء وسيرة الارذال من الأعداء. ثم قال: وماتظني أن يكتب المنار من معارف كمعارف كتابي، ويرى بريقا كبريق ما في قرابي، ثم مع ذلك تناجيني‏نفسي في بعض الأوقات، أن من الممكن أن يكون مدير المنار بريئا من هذه الالزمات، ويمكن أنه ماعمد إلى الاحتقار والنطح كالعجماوات، بل أراد ان يعصم كلام اللّه من صغار المضاهات، وانما الاعمال‏بالنيات (وههنا حاشية في الأصل ذكر فيها أنه يظن أن سبب غيظ‏ي منه حكمه بمنع الجهاد) فان كان‏هذا هو الحق فلا شك أنه ادخر لنفسه بهذه المقالات، كثيرا من الدرجات، وأي ذنب على من سبني‏لحماية الفرقان، لا للاحتقار وكسر الشان. إلى أن قال:
ولكنني معتذر كمثل اعتذاره، فان الفتن قدانتشرت من أقواله واخباره‏» الخ..
6 المجلد عينه الصفحة (398) تحت عنوان (مسيح الهند):
«ملأ هذا الرجل المدعي المهدية والمسيحية الدنيا صراخا ونشر الكتب والرسائل الناطقة بدعواه في‏الهند، ثم في سائر الاقطار الإسلامية، ولكن لم يفهم احد حقيقة مراده والأصول التي يدعو إليها، كتبه‏ورسائله كلها سجع كسجع الكهان بل هو أقل واضعف، فإن صبر الانسان على قراءته ليفهم مراده‏يرجع الى ذهنه بعد القراءة، فلا يجد فيه الا اطراء هذا المدعي او الدعي نفسه والاغراق في الثناء عليهاوذم الذين لا يؤمنون به ولا يجيبون دعوته، وربما يجد في الكتاب الطويل كلمات في دينه الجديد، لايعقل احد لها فائدة الا تزلفه للانكليز ليتركوه وشانه يتمتع بلقبه الذي زعم ان اللّه منحه اياه (المسيح)كنسخه حكم الجهاد وتحريمه على المسلمين، وكمدحه الانكليز والدعاء لهم لانهم يحمونه.
ليخبرنا هذا الدجال اين المسلمون المشتغلون بالجهاد؟ فيجعل ركن دعوته واس اصلاحه ارجاعهم‏عنه، الم ير ان معظم بلادهم ذهبت من ايديهم لاهمالهم امر المدافعة عنها؟ الم ير ان الاجانب الذين‏يعيبونهم بانهم امة حربية قد سبقوهم في الفنون الحربية حتى سادوا عليهم؟ فهل نزل عليه الوحي من‏اوروبا بان الحرب عار على المسلمين وفضيلة للمسيحيين؟ فصدق الوحي الاوروبي وقام يدعو اليه‏قومه ليهديهم ويلم شعثهم ويراب صدعهم.
يزعم ان الاخبار الواردة في نزول المسيح كلها تصدق عليه، الاخبار ناطقة بنزول عيسى ابن مريم‏فاين عيسى(ع) من غلام احمد القادياني عليه الملام؟ الاخبار ناطقة بان المسيح ينزل من السماء بين‏ملكين، فاين الهند من السماء؟ واين الملائكة من اتباعه البلداء؟ الاخبار تصف المسيح بما لا ينطبق عليه‏مهما تنطح في التاويل وزخرف الاباطيل، يقول: ان ظاهر القرآن يدل على ان المسيح قد توفي وانهم‏اكتشفوا قبره، نقول: اذا سلمنا لك انه مات لانه هو ظاهر القرآن، فهل يدل موته على انك انت المرادبالاخبار الواردة في نزوله؟ كلا، فاما ان تاول الاحاديث تاويلا مقبولا واما ان تقول: انها غير صحيحة‏متنا وان صحت سندا، لان القرآن متواتر قطعي وهو كلام اللّه تعالى، فكل قول خالفه فهو باطل اذا كان‏لا يتفق معه بالتاويل.
يدعي هذا الدجال انه جاء بخوارق العادات لانه الف كتابا عظيما في عينه وحقيرا في اعين الناس لما فيه‏من الهذيان والوسواس، فاذا كان التاليف السخيف دليل المهدية والمسيحية، فهل يكون التاليف الذي‏يستحسنه جميع العقلاء دليلا على الالوهية؟ ايظن هذا الغافل ان القرآن كان معجزة للنبي(ص) لانه‏كتاب مؤلف؟ كلا انه معجزة لانه اشتمل على اعلى العلوم الالهية والاجتماعية التي اهتدى بها الناس‏وصلحت عقائدهم واخلاقهم، وقد ظهر مع ذلك بلسان امي لم يتعلم شيئا، فهذا هو الوجه الاعلى في‏اعجازه. ومن وجوهها انه وصل من البلاغة الى حد عجزت عن بلوغه البلغاء، مع ان الجائي به لم يكن‏معروفا بالبلاغة، ومن بلغ الاربعين ولم يعرف له امتياز بالشي‏ء فلا يعقل ان ينتقل مرة واحدة الى درجة‏يفوق بها جميع الناس بذلك الشي‏ء الا بامداد من بيده خرق العادات، والمؤيد من شاء بالايات‏البينات. واما زعمه ان الفادحة تدل على مسيحيته، وان لفظ الرحمن الرحيم يدل على محمد خاتم‏الانبياء وعلى مسيحه احمد القادياني، فهذا اقبح تلاعب بالقرآن، ويمكن ان يستدل صاحبه بكل كلام‏على كل شي‏ء، لانه لا يتقيد بلغة ولا عقل ولا فهم، فعسى ان يرجع هذا القادياني الى رشده، ونرى‏الجزر قلل من طغيانه ومده.
هذا ما حملنا انفسنا مشقة نقله من بعض مجلدات المنار الاسلامي دحضا لدعاوى القادياني الطويلة‏العريضة، وما كان صاحب المنار الضليع بالمباحث الاسلامية والمشهود له بالتخصص فيها من المخالف‏والموالف والقريب والغريب ممن لا يلقون الكلام على عواهنه، وهو قد عاصره ووقف على كل ما جعله‏دليلا على مسيحيته المزعومة ولم يفرط بشي‏ء منها، بل تتبعها تتبع الباحث المنصف ولم يطو عن قرائه‏حتى ما رماه به من المطاعن، ولعل فيها مقنعا للمخدوعين بزخارف اتباعه ممن اضلتهم او كادواينحرفون عن جادة الحق ويزيغون عن محجة الصواب.
فانت ترى العجب العجاب مما نقلناه، وترى انه مبتدع بنسخه حكما اسلاميا، الا وهو الجهاد في سبيل‏حماية بيضة الاسلام لا متبع شريعة الاسلام كما يزعم.
وبعد فاننا ننقل عن المجلد السادس من المنار الصفحة 607 قصيدة للمرحوم مصطفى صادق الرافعي‏تحت عنوان (مسيح الهند):
عثرت في سيرها الايام ام هو الدهر هكذا والانام اهله بين ذي هدى وضلال ولياليه ذو سنا وظلام وارانا بمدة العمر نشقى وعدو المسومات اللجام ليس كل الذين تبصر ناسا ان بعضا من الطيور الحمام ولكل الورى رؤوس فان لم يكن العقل كانت الاوهام ايه (يا هند) عن مسيحك ما زا لت وزالت ببيتك الاصنام كان في جسمك الوباء فقد د ب الى العقل بعد ذاك السقام ضلة للفتى ومن تبعوه اشرق الصبح والقبور نيام مسحته الجنان ام مسخته وتولاه جلجل أم عزا واتته الاقوام تترى ولا غر و على الجرح للذباب ازدحام واذا كان في الرؤوس ضلال وقفت عند قصدها الاقدام نسخ السيف ذلة ورياء وجدير بنا سخيه الحسام ايهذا المسيح ان الليالي في نبيها من الزمان سهام وارى الدهر كالوغى وقديما كان بين الانام هذا الخصام فارفع الارض فوق قرنيك وامر يملا الارض بعد ذاك السلام او فعد للسماء ان الشياط‏ى ن عليهم باب السماء حرام وتحد الورى بسخفك او سجعك ان الكرى له احلام وقد راينا ان نضم الى هذا الفصل هذه المناظرة، ليتبين للقارى‏ء مبلغ حجج القاديانيين على اعتقادهم‏نبيهم او مهديهم الجديد، وهي كما تراها اوهى من بين العنكبوت.
مناظرة اتباع المسيح المهدي
مناظرة اتباع المسيح المهدي غلام احمد قادياني الهندي مع العلامة السيد محسن الامين الحسيني العاملي‏بدمشق، طبعت على نفقة مكتبة الرشاد بالمسكية، وتطلب من المكتبة المذكورة 1343 ه مطبعة الترقي‏بدمشق 1924م.
بسم اللّه الرحمن الرحيم (المهدي المسيح القادياني) قد كان ظهر في بلدة قاديان من بلاد الهند رجل‏يسمى غلام احمد قادياني ادعى انه المسيح، ثم مات، وبهذه الايام جاء الى دمشق نحو من اثني عشررجلا من الهنود بينهم رجل يسمى بشير الدين ابن غلام احمد المذكور يدعي انه خليفة ابيه الذي هوالمهدي والمسيح معا، فزرناهم في فندق سنترال يوم الجمعة سابع المحرم سنة 1343 واجتمعنا بثلاثة‏منهم هم المشار اليهم، بينهم احدهم خليفة المهدي والمسيح، والاخر يقولون انه كان مجوسيا واسلم،وهما يلبسان عمامتين كبيرتين بيضاوين، والثالث مكفوف يرى باحدى عينيه قليلا يسمى روشن علي‏حافظ يلبس عمامة زرقاء، وهو معلم مدرسة الارشاد عندهم ويحفظ القرآن او اكثره عن ظهر القلب،وكان الخليفة يساله عن الاية التي تغيب عن حفظه فيجيبه، فاجتمعنا اولا بالذي قالوا انه كان مجوسياواسلم، وفي اثناء ذلك خرج وقال:
قد دعيت وهذا يقوم مقامي واشار الى الاعمى، واخيرا اجتمعنابالخليفة وهم يتكلمون بالعربية الفصحى بكل هدوء وسكون على نسق واحد لا يتغير، ولكنهم يطيلون‏المقدمات، واذا ظهرت عليهم الغلبة انتقلوا الى مطلب آخر، فلما حضرنا.
قال احدهم: ماذا سمعتم عنا؟ قلت: سمعنا انكم تدعون الى شي‏ء جديد، فجئنا لننظر ان كان حقا اتبعناكم عليه.
فقال: لسنا ندعو الى شي‏ء جديد انما ندعو الى دين الاسلام والعمل بالكتاب والسنة، والايمان بان‏ميرزا احمد قادياني هو المسيح والمهدي الموعود به في آخر الزمان، والمشار اليه بقوله(ص) «ان اللّهيبعث لهذه الامة في راس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»((162)) فالمجدد مرة يكون نبياكمحمد(ص) ومرة يكون عالما، ومرة يكون مهديا ومسيحا كاحمد قادياني، فلما كثر الاختلال في الدين‏الاسلامي وترك العمل بكثير من احكامه وتفرقت كلمة المسلمين بعثه اللّه لاصلاح ذلك، وهو يوحى‏اليه كما يوحى الى الانبياء، اما خليفته الحالي فكنا سمعنا ممن معهم في الفندق انهم يقولون يوحى اليه‏ايضا، فلما سالناهم انكروا ذلك وقالوا: لا يوحى اليه وانما الوحي الى احمد قادياني الذي هو المهدي‏والمسيح، وان تفسير القرآن والحديث هو كما يفسره مهديهم ومسيحهم لا كما يفسره الناس، وان عيسى‏قد مات ولم يرفع الى السماء، والا لصحت حجة النصارى بان عيسى افضل من محمد، لان عيسى رفع‏ولم يمت ومحمد مات ولم يرفع (فقلنا) له: الفضيلة لا تنحصر في هذا، مع ان مجرد طول العمر ليس‏فضيلة وان محمدا(ص) عرج به الى السماء، فانكر الخليفة ان يكون اسري به الى السماء وقال: ان القرآن‏لا يدل الا على الاسراء به من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى.
فقلنا له: قد ثبت ذلك بالسنة، (وقال) الخليفة: ان احياء الموتى في الدنيا لم يقع اصلا لنبي ولا لغيره،واحتج لذلك ببعض الايات كقوله تعالى: (قال رب ارجعوني الى قوله كلا) [المؤمنون/99]وغيرها وان مثل (اومن كان ميتا فاحييناه) [الانعام/122] وغيره يراد فيه من الموت الجهالة ومن‏الاحياء الهداية.
فقلنا له: يجب حمل اللفظ على حقيقته، ولا يجوز العدول الى المجاز بدون قرينة، فلم يقدر على اثبات‏القرينة.
قال: وكذلك ما ورد في القرآن في حق عيسى من احياء الموتى وابراء الاكمه والابرص يراد به ذلك،والا كان عبادة لعيسى كما قال تعالى: (ما نعبدهم الا ليقربونا) [الزمر/3] قال: ذلك خليفة المهدي،فبينا له الفرق بانا لا نقول ان عيسى هو احيى الموتى بل اللّه احياها كرامة له، واين هذا من السجودللاصنام لتقربهم الى اللّه.
واحتج الخليفة لذلك بقول عمر عند موت النبي(ص) ان محمدا لم يمت وانه رفع الى السماء وسينزل‏ويقتل المنافقين، وقول ابي بكر: من كان يعبد محمدا فان محمدا قد مات، ومن كان يعبد اللّه فان اللّه حي‏لا يموت، فبين ان ادعاء رفعه الى السماء عبادة له، والا فما كان عمر يعبد محمدا، ولذلك قال له ابو بكرما قال (فانظر واعجب) فبينا له خطاه في ذلك، وان المراد من كان يعبد محمدا على سبيل الفرض‏والتقدير (وقال):
ان قوله تعالى: (او كالذي مر على قرية) [البقرة/259] الاية لا يراد بالاحياء فيهاالاحياء الحقيقي، وانكر ان يكون عزير مات ثم احيي، وقال: ان كل احياء في القرآن يراد به الهداية بعدالضلال.
فاعترضه بعض الحاضرين بقول ابراهيم (رب أرني كيف تحيي الموتى) [البقرة/260] فقال ‏وكذلك هنا المراد الهداية (فقلت) له: وهل كان ابراهيم مبعوثا لهداية الطيور، فلم يحر جوابا (وقال) الخليفة: أن محمدا لم يكن خاتم الانبياء بمعنى آخرهم بل بمعنى زينتهم من الختم بمعنى الطبع، واحتج‏لذلك بحديث نقله عن بعض الكتب، ان عائشة قالت:
قولوا: خاتم النبيين ولا تقولوا لا نبي بعده، وفرق‏بين خاتم بفتح التاء وخاتم بكسرها، فاعترضنا عليه بقوله(ص) لعلي: «اما ترضى ان تكون مني بمنزلة‏هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي‏»((163)) فقال: معناه لا نبي في حياتي كما كان هارون نبيا في‏حياة موسى، وهذا حتى لا يتوهم الشيعة ان عليا نبي بعد محمد.
فقلنا لا يصح استعمال بعدي بمعنى في حياتي في لغة العرب، فلم يكن عنده جواب مرضي.
وسالناهم عن دليلهم على ما يدعونه من ان احمد قادياني هو المهدي المسيح، فاستدلوا باشياء (منها)انه كان من اول عمره صادقا لم يكذب، فحينما ادعى ما ادعى وجب تصديقه، كما ان محمدا(ص) لما بعث‏قال لقريش: «ارايتكم ان اخبرتكم ان العدو مصبحكم وممسيكم ما كنتم تصدقونني؟ قالوا بلى قال‏فاني نذير لكم بين يدي عذاب شديد»((164)).
فقلنا له: (اولا) من اين لنا العلم بان مهديكم كان صادقا في اول عمره؟ قال: نحن نخبركم بذلك الايكفي هذا لكم ونحن عدد كثير؟ فضحك الحاضرون (وقلنا): لا يجوز في قانون القضاء ان يكون‏الخصم شاهدا (وثانيا) هذا على فرض صحته لا يفيد الا الظن، وكم قد راينا من يكون في اول امره‏صالحا فيفسد في آخره او بالعكس (ومما استدلوا به) انه قد ظهرت المعجزة على يده، فانه كان لا يعرف‏العربية فدعا اللّه تعالى فعلمه اياها في ليلة واحدة، فصار يتكلم بالعربية الفصحى، فكان حال هذه‏الحجة حال ما تقدم.
وقال احدهم: بما تستدلون على نبوة محمد(ص)؟ فقلت له: بالمعجزات، فقال: وهل رايتموها؟ قلت: نعم، قال: ما هي؟ قلت: القرآن، قال: والمهدي قدجاء بكلام معجز من انشائه (فيكون اقدر من النبي(ص) لان القرآن المعجز من كلام اللّه تعالى لا من‏كلامه).
قلت: اسمعنا شيئا منه لننظر هل هو معجز، فتلا علينا من حفظه ما يلي (من الفتن العظمى والافات‏







التوقيع

hazem.jpg

رد مع اقتباس
قديم 12-01-2007, 01:26 AM رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
المحامي حازم زهور عدي
عضو أساسي ركن
إحصائية العضو







آخر مواضيعي


المحامي حازم زهور عدي غير متواجد حالياً


افتراضي

قلت: اسمعنا شيئا منه لننظر هل هو معجز، فتلا علينا من حفظه ما يلي (من الفتن العظمى والافات‏الكبرى، صول القسوس بقسي الهمز واللمز كالعسوس، وكل ما صنعوا لجرح ديننا من النبال والقياس‏بنوه على المكائد كالصائد لا على العقل والقياس، نبذوا الحق ظهريا وما كتبوا في ما دونوا الا امرا فريا،وقد اجتمعت هممهم على اعدام الاسلام، واتفقت آراؤهم لمحو آثار سيدنا خير الانام، ويدعون الناس‏الى اللظ‏ى والدرك ناصبين شرك الشرك، فما نالوا جهدا الا بذلوه، وما وجدوا كيدا الا استعملوه،واستحرت حربهم، وكثر طعنهم وضربهم، وجالت خيولهم وسالت سيولهم، حتى جمعوا عساكر الالحادورفعوا رايات الفساد، وصبت على المسلمين مصائب، وخربت تلك الربوع واهديت لسقياها الدموع،فحاصل الكلام ان الاسلام مل‏ء من الالام واحاطت به دائرة الظلام، وارى الزمان عجائب في نقض‏اسواره، واسالت (هكذا بالتاء) الدهر سيولا لتعفية آثاره، واكمل القدر امره لاطفاء انواره، ولما كان هذامن مشيئة ربانية مبنيا على المصالح الخفية، فما تطرق الى عزم العدى خلل، ولا الى ايديهم شلل، ولا الى‏السنتهم فلل، فكان من نتائجه ان الملة ضعفت، والشريعة اضمحلت، وكثر اللغو وذهب المعارف (وههنااراد الكتاب تصحيحها وذهبت بالتاء فقال لهم ليس فيها تاء) حتى انكرها العارف باخت اضوائها،وناءت انواؤها وديس الملة (وهنا ايضا ارادوا تصحيحها وديست بالتاء فابى عليهم) وطالت لاواؤها،فكان هذا جزاء قلوب مقفلة وآثام صدور مغلقة، ترى اكثر المسلمين فقدوا تقواهم، واغضبوا مولاهم،وملك فؤادهم حب الاملاك والعقار والنسوان).
وتلى علينا من الوحي الموحى الى المهدي المسيح ما يلي:
اني انا الرحمن ناصر حزبه ومن كان من حزبي فيعلو وينصركل بركة من محمد(ص) فتبارك من علم وتعلم، ياتيك من كل فج‏عميق ينصرك رجال نوحي اليهم من السماء، وحان ان تعان وتعرف بين الناس.
وقال: قد انزل عليه ايضا وحي بالفارسية والهندية (لسان اردو) وارونا مجموعة مطبوعة فيها اشعاراوحيت اليه بالفارسية.
وكان معنا اصحاب الجرائد وكلهم اخرجوا اقلامهم وجعلوا يكتبون الكلام المعجز والوحي‏المنزل.
فقلت له: ان هذا الكلام ركيك ولا يبلغ حد الفصاحة والبلاغة فضلا عن الاعجاز.
فقال: قد قالت قريش في حق القرآن لو نشاء لقلنا مثل هذا.
قلت: نحن عرب قد اتقنا العلوم العربية ومارسنا كلام فصحاء العرب، ونرى هذا الكلام ساقطا،وهؤلاء محررو الجرائد قادرون على ان يكتبوا اعلى منه بطبقات، فنحن الان ننشى‏ء لك ما هو احسن‏منه وقريش وان قالت ذلك فانها عجزت عن المعارضة وارادت ان تعارض (في القصاص حياة)فقالت: القتل انفى للقتل فكان بينهما تفاوت كثير.
فقال: ومن ذكر هذا.
قلت: ذكره علماء المسلمين ومنهم صاحب المطول.
ومن ادلتهم على انه المهدي المسيح قوله تعالى: (ولو تقول علينا بعض الاقاويل) [الحاقة/44] الاية‏دلت على ان من يتقول على اللّه يهلكه اللّه ولا يتم له مراده، وهذا لم يحصل له ذلك.
فقلت لهم: المذاهب الباطلة في الدنيا كثيرة وكلها تقول على اللّه، وقد دامت ولم يهلك اصحابها.
قالوا: هذا خاص بمدعي النبوة.
فقلت: لا تخصيص بل يعم كل متقول. (ومما استدلوا به) ما قالوا انه رواه ابن ماجه (لا مهدي الاعيسى) فيدل على ان عيسى والمهدي واحد وهو احمد القادياني.
فقلت لهم: ان صحت الرواية دلت على عدم وجود المهدي، لا على اتحاده مع عيسى، ولا انه احمدالقادياني.
وقلنا لهم: ان المهدي اذا ظهر يملا الارض قسطا وعدلا وانتم تقولون انه ظهر مهديكم على راس مائة‏سنة لاصلاح الاسلام، ونحن نرى انه من يوم ظهوره للان قد تاخر الاسلام ولم يتقدم، وكثر ترك‏العمل باحكامه ولم يقل.
قالوا: قد اهتدينا نحن بالمهدي وصلحت حالنا.
قلنا: فهل المهدي المسيح مبعوث اليكم خاصة، او انتم عبارة عن المسلمين، او عن العالم كله؟ وسالهم بعض الحاضرين ان من يتبعكم ما يجب ان يصنع، فتلوا علينا (صورة البيعة التي ياخذونها على‏من يتبعهم).
وهي الاقرار بالشهادتين والتوبة من كل ما سلف منه، وان يفدي نفسه وماله في سبيل الاسلام، وان‏يصدق بكل ما جاء به المسيح المهدي، ومعهم كتب من تاليف المسيح المهدي الذي قالوا انه الف ثمانين‏كتابا عرب منها احد عشر والباقي اردو (لسان الهند).
وقلنا لهم: ان عيسى ابن مريم اسمه عيسى وامه مريم وليس له اب، وهذا اسمه احمد وابوه فلان وامه‏فلانة من اهل قاديان.
قالوا: ان عيسى ابن مريم قد مات وهذا على قدم عيسى، كانهم يعنون انه قائم مقام عيسى وبمنزلته، اوان روح عيسى حلت فيه.
ومما قاله الخليفة احتجاجا على ان محمد(ص) خاتم النبيين وليس آخرهم قوله تعالى: (ما كان محمد ابااحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم النبيين) [الاحزاب/40] وقال في مقام آخر (ان شانئك‏هو الابتر) والابتر الذي ليس له عقب، فهذه دلت على ان رسول اللّه(ص) ليس بابتر اي ان له اولادا،وتلك دلت على انه ليس باب لاحد ولكن خاتم النبيين، فيكون المراد انه ليس باب لاحد بالولادة‏ولكنه خاتم النبيين الذين ياتون بعده فهو بمنزلة الاب لهم.
فقلنا له: هذه الاية نزلت في واقعة خاصة بالنسبة الى زيد بن حارثة الذي كانوا يقولون انه ابن‏محمد.
فقال: انتم لا تفهمون كلامي ثم تردون علي.
فقلنا له: قد فهمنا كلامك، ولكن انت حينما ترى انه لا جواب لك تراوغ.
والذي ظهر لنا انهم يضارعون البابية في تسويلاتهم، فالبابية يقولون بظهور المهدي وبظهور صاحب‏الزمان نظير قول هؤلاء بظهور المهدي المسيح، والبابية يتشبثون ببعض الاخبار والايات التي يؤولونهاوهؤلاء كذلك، سوى ان البابية يجاهرون بتغيير الشرع السابق محتجين بحديث ان المهدي اذا ظهر جاءبشرع جديد، وهؤلاء يقولون نحن على دين الاسلام وعلى الكتاب والسنة سوى انه يجب اخذ التفسيرمن المهدي، فيغيرون الشرع بهذه الحيلة مستترين بقولهم: اولا انا لم نات بدين جديد وانما نتبع شريعة‏الاسلام، والبابية يهولون على الناس بانه اتبعهم خلق كثير وملايين من امريكا، وهؤلاء قالوا:
أنه اتبعنا مليونان في امريكا وغيرها وكل ذلك تهويل، نسأله تعالى العصمة من تسويلات الشيطان ومن إتباع‏الاهواء المضلة وهو ولي التوفيق.
وهذا آخر ما أردنا اثباته في هذه العجالة مما جرى بيننا وبينهم، والحمد للّه وصلى اللّه على محمد وآله‏وصحبه وسلم.
فصل الاحمدية والقاديانية نذكر في هذا الفصل ردا لابي الفضل محمد منظور آلي معتمد الجمعية‏الاحمدية في بلدة لاهور على كلمة رد بها صاحبها على مقال كتب في محاسن الجمعية الاحمدية تحت‏عنوان (الاسلام في المانيا) نشر في الجزء الثالث من المجلد العشرين من مجلة العرفان، يفرق فيه بين‏الاحمدية والقاديانية.
قال بعد مقدمة وجيزة: «وها انا اصرح في هذا المقام، ان الجماعة الاحمدية التي مركزها بلدة (لاهور)عاصمة النبجاب، هي غير الجماعة الاحمدية التي مركزها (القاديان) وكلتا الجماعتين متخالفان في‏الاعمال المذهبية والسياسية، مراد الجماعة الاحمدية اللاهورية التعمير، ومقصد الجماعة القاديانية‏التخريب، وليس لهذه الجماعية (القاديانية) ارسالية في المانيا ولم يبنوا فيها مسجدا.
وبعد ذلك انصح لكم يا اخي المسلم، وعليكم بالاجتناب عن سوء الالقاب في عامة اخواننا المسلمين(ولا تنابزوا بالالقاب بئس الاسم الفسوق بعد الايمان) [الحجرات/11].
«ونحن نسلم ان جميع الفرق الناشئة في الاسلام كل واحدة منها غصن من غصون شجرة الاسلام، من‏قطع غصنا منها فقد قطع الاسلام، وانت تعلم ان حكم التكفير والالحاد بناء على اختلاف الراي ظلم‏عظيم، وايقاع الاختلاف والنفاق في عامة المسلمين اثم مبين وبهتان عظيم، وكذا صريح ما قيل:
ان‏المجدد حضرة الميرزا غلام احمد القادياني ياخذ جائزة من الحكومة كلا وحاشا تعالى شانه عن مثل‏هذه الهفوات‏» الى ان قال: «وايضا كذب صريح ما قيل ان المجدد الاعظم قد نسخ حكم الجهاد، لان‏المجدد قد قال غير مرة واكد على ذلك ان القرآن كله واجب العمل لكل مسلم ومسلمة، ولا شي‏ء من‏القرآن بمنسوخ، كتاب احكمت آياته كلها، والنسخ يبنى على وجود الاختلاف في القرآن وهو ليس‏بموجود، قال اللّه تعالى (ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) [النساء/82] فالقول‏بالنسخ باطل ببداهة‏».
«وحقيقة الحال ان بعض العلماء الذين ليس عندهم علم من الكتاب قالوا: ان كل من لا يتدين بديانة‏الاسلام فقتله واجب شرعا وان كان غير محارب، وذا صلح وامن عام، ففي جواب هذا القول قال‏حضرة المجدد: ان هذا القول غلط ليس بسديد ولا يسمى هذا جهادا، بل هذا القول يؤيد اعراض‏النصارى على الاسلام، بان الاسلام كان سببه اي سبب اشاعته في الاقطار الصمصام المسلول وهذا كماترى ليس له اصل صحيح في ديانة الاسلام‏».
«واما غير المسلم الذي يحارب المسلمين وينهب اموالهم ويسعى في الارض فسادا، فمقابلته واجبة على‏كل مسلم، وهذا يسمى جهادا في عرف الشرع‏».
وايضا كذب صريح ما يقال: ان الجماعة الاحمدية قائلون باستمرار وحي النبوة، نعم انا قائلون‏بالمبشرات كما تدل عليه الاحاديث (لم يبق من النبوة الا المبشرات)((165)).
«وايضا باطل ما يقال في حقنا انا اهل التاويل لاول كل واجب وفرض على ما يقتضيه راينا، وهذا كله‏باطل وفرية بلا مرية‏» الى كلام آخر لا غرض لنا بنقله.
الخاتمة نختم هذا الرد بما جاء في «كتاب وجهة الاسلام‏» ومنه نتبين اهدافهم لطائفة من علماء الفرنجة الباحثين‏ص 135 في من دينهم الجديد، الفصل المخصص للبحث عن اسلام الهند، وبموضوع المراة المسلمة ونبيهم‏الجديد.
«ولم يجعل مسلمو الهند دفاعهم هذا الذي يتعدى الى الهجوم قاصرا على تبرير معاملة المراة في الاسلام،فان منظمي فرقة الاحمدية قاموا منذ اكثر من ربع قرن بترقية هذه الوسيلة ترقية مستمرة بلغت اقصى‏الروعة، فاخذوا وسائل الغرب وحاكوه في نشر دعايتهم، ولفتت حركتهم الدينية نظر الكثيرين،وكسبت انصارا في كل انحاء العالم بفضل قوتها الذاتية، وتسمى فرقتهم تبعا لاسم مؤسسها (مرزا غلام‏احمد) من مدينة قاديان في البنجاب، اعلن المرزا رسالته الى العالم في 1889 وهو في الخمسين من العمر،وبعد ذلك بعامين ظهر بدعوى انه نبي ومجدد مهدي ومسيح، اعلن ان المسيح(ع) لم يمت على الصليب،ولم يرفع حيا الى السماء كما يقول القرآن، ولكنه شفي بعد الصلب وفر ومات اخيرا في كشمير، حيث‏اكتشف المرزا قبره، واعتقد المرزا ان موت المسيح(ع) موت طبيعي كما يزعم، يؤيده في دعواه انه هوالمسيح، وادعى انه المهدي المنتظر الذي ترقبه المسلمون جميعا، ولكي يعزز هذه المزاعم العريضة اذاع‏ثلاثة كسد مشابه وباتباعه في جدل مع اهل السنة ومع جمعية الار باسماج الهندوك المصلحين ومع‏المسيحيين جدل لا يزال قائما الى يومنا هذا، وادى بالمسلمين النبيين الى اخراجه من الحلة والى قتل‏اتباعه لما بلغ بهم الطيش ان يتجرؤوا على الاقتراب من ملك الافغان النبي المسلم.
ولما كان ان المرزا يزعم انه المهدي فقد جاء يدعو «الجهاد تراق فيه الدماء كما يعتقد اهل السنة بل‏لجهاد سلمي، ومع عدم تخفيفه من معاداة المسيحيين راى انه لا بد من البقاء على الولاء للحكومة‏القائمة في الهند»((166)) وجعل يؤكد رايه هذا مما ازعج بعض اهل السنة الذي يخالفونه في ذلك،معتبرين الولاء للحكومة البريطانية مدعاة للريبة، وسرعان ما اعلن المرزا الارباسماج انه كرشنا(مجدد) وان المسيح والمهدي والكرشنا شي‏ء واحد».
«أما عن أهل السنة فالظاهر ان المرزا اثار تشددهم وتقديسهم للاولياء، وكان المرزا في الوقت عينه‏شديد الخصام للعقليين الذين بداوا يعدلون آراءهم عن مبلغ سمو الوحي المحمدي على المالوف، والذين‏اشتد ميلهم الى التوفيق بين القوانين والعادات الاجتماعية الاسلامية وبين الافكار الحديثة‏». إلى ان قال:«واذا درس غير الاحمدي ما نشره المرزا من دعاوى وحجج لا بد ان يروعه ما في طبيعتها من سذاجة ‏وقلة نضج، حتى أمكن لكثير من خصومه أن يرموه بتهم شنيعة، ولكن نستطيع القول: ان نجاح المرزا لايبلغ هذا المبلغ العظيم دون ان تكون له قدرة على اجتذاب الناس، ودون ان يكون مخلصا لما زعم من‏وحي.
وفي سنة 1908 هلك غلام أحمد وصار حكيم نور الدين أول تلاميذه الخليفة الأول للمسيح،وسرعان ما بدأ انقسام قبل موت نور الدين، وذلك فيما يظهر لتدخل بعض اتباع المرزا في لاهوربرئاسة (خواجا كمال الدين) وفي مسألة سياسية، ثم افتضح الاقتسام عندما انتخب مرزا بشير الدين‏خليفة ثانية في 1914، ومن ذلك العهد نشات فرقتان مركز احداهما مدينة قاديان والاخرى لاهوربينهما فروق عظيمة في العقيدة، فتعتقد فرقة لاهور ان غلام احمد لا يزيد كثيرا عن مجدد الاسلام، وتنفرمما تقوله الفرقة الاخرى فرقة قاديان من تكفير اهل السنة، وتؤثر تقريب الشقة بينها (فرقة لاهور)وبينهم ان نشاط حركة الاحمدية وصبغتها التبشرية الحماسية اكثر طرافة عند العالم الخارجي من عقائدالفرقتين وعلاقاتهما باهل السنة، تظهر هذه الحركة في مظهر من العداوة والتعصب لم نعهدهما في مسلمي‏الهند، فالاستهزاء والازدراء سلاحان من الاسلحة تستخدم في الدعاية.
كتب الاحمدية كتبا كثيرة لم تنقطع، ومنذ سنة 1892 ظهرت مجلات وطنية كثيرة تنشر في (قاديان)وظهرت ايضا صحيفة بالانجليزية هي (مجلة الاديان) وتقوم هذه الصحف بدعاية قوية ضد المسيحية‏وضد حركة الاصلاح الهندوكية للارباسماج وضد ديانة السيخ، هناك مدارس منظمة تنظميا حسنا،وهناك ادارتان احداهما لتنظيم جماعة الاحمدية والاخرى لتوجيه حركة التبشير، وتقوم فرقة لاهوربحركة من هذا القبيل ولكن بنسبة اقل، لكل من الفريقين مبشرون خارج الهند واتباع ممن ارتدوا عن‏المسيحية مشتتون في بلاد كثيرة، واحسب ان مجموع ما للقاديانيين نصف مليون من الاتباع وان لفرقة‏لاهور اقل من ذلك كثيرا، ومن العسير ان نتكهن بمستقبل الاحمدية، ولكن يصعب ان نصدق ان عقيدة‏جامدة كهذه ستقدر على البقاء طويلا قادرة على اجتذاب انصار في عصرنا هذا او على حفظ العقيدة‏الحالية لانصارها من التفسير، واذا عرفنا ان زعماء أهل السنة يشعرون بحالة ملحة لتجديد عقائدهم،ويتأهبون للتنازل عن كثير مما يعدونه على الدوام كلمة اللّه الموحاة التي لا تتغير والتي وراءها إيمان‏ثلاثة عشر قرنا تؤيدها بذكرياتها المقدسة، إذا عرفنا هذا وجب ان نتساءل هل في وسع هذا الوحي‏المعقد الذي يرتكن إليه القاديانيون، والذي جاء في آخر الزمن، والذي يتطلب إيمانا قويا جدا، أن يقوى ‏على الثبات في هذه الأيام التي لم يبق فيها من الإيمان إلا النصف، والتي نجد فيها المتعلمين أما ممن‏يأخذون بالشك وأما ممن يحكمون بالعقل في المسائل الدينية؟».
«أحست فرقة لاهور أنها غير قادرة على قبول مزاعم غلام أحمد كاملة، ويظهر من المحتمل أن الفرع‏ الأكبر لفرقة قاديان سيرى من الضروري يوما قريبا ان ينقح عقائده‏».
إلى هنا نختم الكلام ونرى فيه مقنعا لمن يطلب الحق ولمن لم يكن له أهداف وراءه، فذلك لا يقنعه شي‏ءولا يرده عن محاولاته برهان، واللّه نسأل أن ينفع به الشاذين عن الصراط المستقيم ومن استهواهم‏زخرف القول، وهو وحده الدافع لنا إلى ما بذلنا من جهود ومراجعات في هذا الرد، وبيده تعالى أزمة‏الامور.







رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حقيقة صلب المسيح عليه السلام ماهر المعاني حوار مفتوح 10 23-12-2006 12:35 PM
وعد الله بزوال إسرائيل، والنبوءة الرقمية بزوال إسرائيل المحامي نشوان الحمو حوار مفتوح 1 06-12-2006 10:59 PM


الساعة الآن 02:52 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع