[align=justify]
بعض مما قيل في آفةالجهل
أينما اتجه المرء سمع شكوى وأنين ومعاناة الناس ومعاناته من الجهل والجهال والتجاهل.
وكل أمرؤ مهما حصل من الدرجات العلمية والمعارف والعلوم وعلو المقام يبقى في خضم هذه الحياة يجهل أمور كثيرة أخرى بنفس الوقت. والحرب الضروس التي مازالت قائمة وتشتعل أوارا هي الحرب بين العلم والجهل. رغم قناعة الجهل بأنه سيكون الخاسر والمهزوم في نهاية المطاف, وأن لا فائدة منه تؤمل ولا أمل منه يرتجى. وكلما تسلحنا بالعلم كنا أكثر وعيا وأشد مراسا وأكثر قدرة على دحر جهلنا وما نجهله ويجهله غيرنا ونجلي الجهل عن بعض مواقع سيطرته ونفوذه.
وقد جاء في محكم كتب الله عز وجل عدد من الآيات التي نبهت لمخاطر الجهل ومنها:
ـــ أمر الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم : خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين ( هود :199). وإن كبر عليك أعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكوننّ من الجاهلين
( الأنعام:35). قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون (الزمر:64). وكذلك قول الله القوي العزيز لسيدنا نوح : قال يا نوح أنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكوني من الجاهلين (هود:46)
ـــ أمر الله العلي القدير للمؤمنين وبعض من وصفه لهم في محكم كتابه : يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين( الحجرات:6). وإذا سمعوا اللغوا اعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا نبتغي الجاهلين( القصص:55)
ـــ وقبول الله العلي القدير توبة صنف من الجاهلين بقوله : أنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ) النساء:17) . وأمره للنبي صلوات الله عليه: وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كنب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم( الأنعام :54).
ـــ وذكر لبعض صفات ومواصفات الجاهلين : للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس ألحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم(البقرة :273). ووصف الله تعالى لبعض المشركين بقوله: ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا ان يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون (الأنعام :111).
ـــ وبينت بعض الآيات قول بعض الأنبياء كقول سيدنا نوح: ويا قوم لا أسئلكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا أنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون( هود:39). وقول سيدنا هود:قال أنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون (الأحقاف:23). وقول سيدنا لوط :أئنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم تجهلون(النمل:55) وقول سيدنا يوسف لأخوته: قل هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون( يوسف:89). وقول سيدنا موسى: وإذ قال موسى لقومه أن الله يأمركم ان تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين( البقرة :67). وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى أجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال أنكم قوم تجهلون( الأعراف :138)
و قيل في وصف للجهل:
ـــ ما من أمر أمر الله به إلا عارضه الشيطان بخصلتين لا يبالي أيهما أصاب : الغلو والتقصير. أما الغلو فهو مجاوزة الحد. ومن معاني الغلو الزيادة والمبالغة والتشدد والتصلب. وأسباب الغلو : الجهل والهوى والطمع.
ـــ تعلمت الحكمة من الجهلاء, فكلما رأيت فيهم عيبا تجنبته. (لقمان الحكيم)
ـــ كفى بالمرء جهلا أن لا يعرف قدر نفسه.( الامام علي كرم الله وجهه)
ـــ الجاهل صغير وإن كان شيخا , والعالم كبير وإن كان حدثا. (الامام علي كرم الله وجهه)
ـــ أن أعجب لشيء , فعجبي لرجال تنموا أجسامهم وتصغر عقولهم. ( الأحنف بن قيس)
ـــ الجاهل هو المهزار في كلامه,المنان بطعامه, الضنين بسلامه, المتطاول على أمامه, القاسي
على غلامه. ( الغضبان بن القبعثري)
ـــ الجاهل عدو نفسه,فكيف يكون صديق غيره. (بزر جمهر)
ـــ الجاهل من كان جهله في إغراء, ورأيه في ازدراء, فقوله سقيم وفعله ذميم. (حكيم)
ـــ الحكيم يناقش في الرأي , والجاهل يجادل في الحقائق. (حكيم)
ـــ لا غنى كالعقل , ولا ميراث كالأدب, ولا فقر كالجهل. (حكيم)
ـــ مسكين الجاهل,إن أعترف بجهله فقد انكشف أمره, وإن لم يعترف فهو ينكشف مرات ومرات. ـــ الضال هو الجاهل الذي يسير في طريق الضلال بغير علم. (حكيم)
ـــ الجاهل يؤكد, والعالم يشكك , والعاقل يتروى. (أرسطو)
ـــ كلما قلت معرفتك قوي اقتناعك بأنك من كبار العارفين, وكلما زادت معرفتك ضعف ذلك الاقتناع لديك. (سقراط)
ـــ أقل الناس قيمة أقلهم علما,فما أضعف الإنسان إذا لم يستطع أن يرفع من قيمة نفسه.
ـــ الجاهل اعز من أن يكتشف جهله, والعالم يمنعه التواضع من التباهي بعلمه.
ـــ لا فقر أعظم من الجهل .
ـــ الصخب والصياح ورفع الأصوات شأن الجهال.
ـــ ما من مصيبة تصيب الإنسان إلا الجهل, والمصيبة تثقل على قدر جهلنا مصدرها ومعناها,
وتخف على قدر فهمنا ومصدرها. ( ميخائيل نعيمة)
ـــ بعض الجهال يرون في العيد فرصة للمعصية يغبون فيها من الشهوات. وبعض الغافلين يرون في العيد فرصة للعبث ينفلتون فيها من قيود الحشمة والوقار.
والشعراء قالوا في الجهل الكثير ومنها بعض هذه الأبيات:
ـــ ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.
ـــ رب حليم أضاعه عدم المال وجهل غطى عليه النعيم.
ـــ أقول له زيدا فيسمع خالدا ويكتبه عمرا ويقرؤه بشرا.
ـــ ومن البلية عزل من لا برعوي عن جهله وخطاب من لا يفهم.
ـــ ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا تجاهلت حتى ظن إني جاهل. ( المعري)
ـــ رأيتك تطلب الإبحار جهلا وأنت تكاد تغرق في السواقي.
ـــ لا يبلغ الأعداء من جاهل ما يبلغ الجاهل من نفسه (صالح عبد القدوس)
ـــ المرء لو ربح البقاء مع الجهالة كان خاسر.
ـــ العلم درب العقل يزهو به شرفا والجهل قيد له يبليه بالتعب.
ـــ ويحذر شاعر من الجهل فيقول:
والبيت لا يبتنى إلا له عمد ولا عماد إذا لم ترسى أوتادا.
فإن تجمع أوتاد وأعمدة وساكن بلغوا الأمر الذي قادا.
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة إذا جهالهم سادا.
تهدى الأمور بأهل الرأي ما صلحت فإن تولت فبالأشرار تنقادا.
وإذا تولى سراة الناس أمرهم نما على ذلك أمر القوم فازدادا.
وحذروا من الجهل والجاهل فقال الحكماء والسابقين:
ــــــــ الجهل شر الأصحاب.
ــــــــ الجهل آفة كلها شر.
ــــــــ احذر من الجاهل إذا تملك.
ــــــــ لا تتهافت على الجاهل فتتهم في فطنتك ومروءتك.
ــــــــ الجاهل أجهل من عقرب وأجهل من فراشة.
ــــــــ لسان الجاهل مفتاح حتفه.
وأصناف الجاهل حددها حكيم بثلاث: جاهل يعلم أنه جاهل فذلك ساذج فعلموه, وصاحب معرفة وعلم ولكنه يجهل علمه ومعرفته فذلك نائم فأيقظوه, وجاهل ولا يعرف أنه جاهل فذلك مجنون أو أحمق فانبذوه. ولذلك قالوا: ما أجمل الجاهل الذي لا يستنكف أو يتكبر على العلم والتعلم.
ــــ وأتفق الكثير من الحكماء على تعريف الجهل فقالوا: الجهل مطية من ركبها ضل, ومن صحبها زل . وفي الجاهل عبرة للعاقل , والحلم مع الجاهل واجب, والسكوت عنه أوسع جواب وأرجح عقاب. لا تصحب الجاهل لأنه يردي الحكيم حين يلقاه, ومرافقة الجهال تقسي القلب وتغضب الرب, والجاهل يكسب المقت ويهدم بيوت الكرم. يشقى الوطن به وعلى يديه يلقى أعظم المصائب.
ــــ وقد حدد حكيم صفات الجاهل بالصفات التالية: إجابته قبل أن يسمع, ومعارضته قبل ان يفهم, وسرعة حكمه , وحكمه بما لا يعلم, ومجادلته في الحق والحقيقة, وكثرة الكلام بدون نفع,والعطاء في غير موضع العطاء, والشح والبخل في موضع العطاء,وحسن ظنه بمن لا عقل له ولا وفاء, وثقته بمن لم يجرب,وسرعة إفشائه السر, ووضعه السر في غير أهله,والغضب في غير معنى, وعدم معرفته صديقه من عدوه فيضل بذلك صحبته, وسرعة تكوينه لآرائه واعتبارها أمورا مطلقة ومسلمات,واعتماده على حسبه ونسبه في كل شيء, ولومه في خطئه لغيره, ويذم الدنيا ولا يسخوا بإخراج شيء منها, ولجوئه لمحاولات إبهار الآخرين كلما أزداد جهلا,يتمنى التوبة بطول الأمل ولا يعجلها خوف حلول الأجل, يرجوا ثواب عمل لم يعمله أو يعمل به, يمدح بالجود وهو بخيل, لا يحب ألا ينتهي من الثناء عليه,يفر من الناس أو يختفي قصدا كي يطلب ويشتهر, والمزاح في غير مناسبة دليل جهل عبر عنها شاعر بقوله:
وإن مزاح المرء في غير حينه دليل على فرط الحماقة والجهل
ـــــ وقال الحكماء : صغار النفوس جاهل يضلك وعدو يريد هلاكك, وحسود يتمنى زوال نعمتك, ومنافق يخادع الناس, وجبان همه الفرار, وبخيل همه جمع المال, وذو هوى أسير هواه.
ـــــ ومراتب الجهل : المائق والرقيع وا لأنوك والأحمق.
ـــــ ورأس الجهل معاداة الناس.
ـــــ وكفى الجهل صفة أن يتبرأ منه من هو فيه, ويغضب إذا نسب إليه.
ومع ذلك لجاهل سخي أحب إلى الله من عالم بخيل.
وما أوردته ليس سوى ما قيل ويقال عن الجهل حفظت بعضا مما ورد في القرآن الكريم بخصوص الجهل وبعض ما قاله الحكماء والعلماء بخصوصه, وليس لي من فضل في سرده في هذه السطور. راجيا من القراء الإسهام بالإضافة والتنقيح بهدف إشباع الموضوع لتحقيق الفائدة المرجوة للجميع.
الأحد 1/10/2006م العميد المتقاعد برهان إبراهيم كريم
البريد الإلكتروني: bkburhan@yahoo.com
[/align]