هل يتطور أسلوب القضاة في تأسيس الأحكام من أسلوب ملء الفراغات وتكليف الكتبة والمساعدين في إعدادها إلى اتباع الأتمتة في تأسيسها وإصدارها ؟
أدخلت الكليات العلمية أساليب التطور وخاصة في امتحاناتها وكانت هذه الأساليب مدار جدل طويل بين المؤيدين والرافضين لهذه الأساليب وخاصة اتباع أسلوب الأتمتة في الامتحانات....واستقر الرأي أخيرا على اعتماد هذا الأسلوب في امتحانات هذه الكليات .
ويبدو أن هذا الأسلوب قد أعطى ثماره في الكليات العلمية وذلك بسبب منطقية الإجابات وقطعيتها بناء على المعطيات والثوابت التي تعتمد على القوانين في الاختصاصات العلمية ...... ومع ذلك فإن هناك أصوات عدة من المهتمين بحقل التعليم الجامعي تعترض على هذا الأسلوب لتقدير قدرة الطالب وتقييمه من الناحية العلمية .
لكن من المستغرب وهذا ما يهمنا أن يخترق هذا الأسلوب كلية الحقوق التي تعتبر المنبع الذي يزود الوطن بالعناصر التي تحمل لواء القانون في المستقبل ، والغرابة بالأمر أن الدراسة القانونية تعتمد على المحاكات والاستنباط العقلي ،وقد يرتبط هذا الاستنباط إلى مجموعة من الحوادث ، وهذه الحوادث ذات تأثير سلبي وإيجابي على النتيجة المتوخاة من الاستنباط وبالتالي فان الاستنباط يحتاج إلى أفق فكري واسع ليستطيع الوصول إلى النتائج الصحيحة ، وهذا يعتمد على الملكة الفكرية التي يحملها كل من يعمل في الحقل القانوني ،ولا اعتقد أن أسلوب الأتمتة بالامتحانات تستطيع أن تولد لدى الطالب هذه الملكة الفكرية ، كما أنها لا تستطيع أن تزود الطالب بذاك الأفق الواسع للاستنباط . وذلك لان المبادئ الحقوقية مرتبطة ببعضها البعض ولا تقبل التجزئة واستخلاص النتائج يعتمد على هذه المبادئ فالاعتماد على أحدها دون الآخرين يعتبر جوابا منقوصا وخروجا عن القواعد الحقوقية وهذا الخروج يعطي نتيجة سلبية .
وكم من حافظ للقانون ومواده واجتهاداته ...... تخلف يوما ورسب في نفس هذه الكلية بسبب إخفاقه بربط أحد أجزاء المبادئ القانونية بباقي تلك الأجزاء.
وهذا وان كنا ننظر إليه يومها على انه من العناصر التعجيزية لدى المدرس إلا أننا اكتشفنا مؤخرا انه من أهم العناصر التي يجب التأكيد عليها في تدريس الحقوق في كافة مواده .
تماما كمسألة رياضية . فالخطأ بالربط في أول المسألة يعطي الجواب الخطأ في نهايتها وما أخطر الخطأ في أول المسألة في الأمور القانونية فهي تؤدي إلى هدر حقوق الناس سواء أكان اعامل في حقل القانون محاميا أ و قاضيا أو مستشارا أو ....
والآن وقد سارت كلية الحقوق على درب الأتمتة كأسلوب امتحاني في كل موادها , وأصبحت (الدوائر المطمسة ) على ورقة الإجابة دليلا على فهم الطالب وتقييما لنجاحه بغض النظر عن أسلوب هذا الطالب أو تفكيره أو الأرضية العلمية والفكرية التي يحملها .... أو حتى خطه وكتابته وسلامة أسلوبه .
والخوف كل الخوف ان يمتد هذا الأسلوب إلى أهم مرفق في الوطن .
وسؤالي بعد ذلك هل يتطور أسلوب القضاة في تأسيس الا حكام من أسلوب ملأ الفراغات وتكليف الكتبة والمساعدين في إعدادها إلى اتباع الأتمتة في تأسيسها وإصدارها ؟
لا شك ان الأسلوب المتبع في البداية سيؤدي إلى النهاية التي نخافها ....ا.
فكلية الحقوق التي حذفت من اجندتها الامتحانات الشفهية لتقدير فهم الطالب وقدرته وما يحمل من الفكر القانوني واكتفت بالامتحانات الكتابية لتقدير ذلك ..... فإن العزوف عن الامتحانات الكتابية إلى اتباع أسلوب الأتمتة ينسف بذور الفكر القانوني برمته في تخريج أجيال تحمل لواء الحق في وطن ينشد التطوير ورفع مستوى الجهاز القضائي كما ينشد رفع مستوى مهنة المحاماة ليس من الناحية العملية فحسب بل من الناحية الفكرية والعقلية ، وأسلوب الأتمتة سينسف كل ما هو مأمول لتحقيق هذا الهدف .
لذلك اسمح لنفسي ان ارفع توصية إلى كلية الحقوق .... والى نقابة المحامين ...لدراسة الجدوى ولاعادة النظر في هذا النهج في الامتحانات قبل ان يأتي يوما نبحث فيه عن فكر قانوني لا نجده الا في جداول الأتمتة .
مع فائق احترامي وتقديري لكلية الحقوق ولجهازها التدريسي ولكم تحياتي