محاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين

[المحامي عمار حاج علي]

محاكمة مجرمي الحرب الأمريكيين

منذ انطلق الصاروخ الأول في حرب الولايات المتحدة و حلفائها على العراق وحتى اليوم كان القانون الدولي الإنساني دائما هو الحاضر الغائب.
هو الحاضر دائما لكثرة ما تكرر الحديث عنه وعن أحكامه و موجباته.
وهو الغائب دائما لاستمرار إهمال قواعده و لحكامه و عدم التقيد بها آو احترامها .
ولأن القانون الدولي يعاني من ثغرة أساسية هي فقدانه للفعالية والإلزام فقد درجت العادة أن يكون هذا القانون دائما قانون المنتصر و قانون الطرف القوي يطبقه على الطرف الضعيف .
فإذا بالقادة الألمان يحاكمون لقصفهم لندن بالطائرات و لكن في المقابل لا يحاكم أي قائد أميركي حتى ولو كان من المتورطين في استعمال القنابل الذرية في هيروشيما و ناغازاكي .
وفي العراق لم تختلف المعادلة عن ما كانت عليه . فنسمع طوال الوقت عن محاكمة السيد صدام حسين و رموز النظام العراقي و عن الجرائم الدولية المرتكبة من قتل و مقابر جماعية وحيازة أسلحة دمار شامل واستعمال الأسلحة الكيماوية ....الخ .
أما على الجانب الأخر فلم نسمع سوى تقارير خجولة عن انتهاك هنا و انتهاك هناك مع مطالبة أو مناشدة بالكف عن هذه الانتهاكات. وحتى بعد نشر صور التعذيب الهمجي للعراقيين على يد قوى التحالف فان السيدة رئيسة المحكمة الجنائية الدولية لم تخرج علينا لتصرح بان محاكمة السيدين بوش أو رامسفيلد تقع ضمن صلاحيات المحكمة, على الرغم من إنها قامت بذلك فيما يختص بالرئيس العراقي .
ومما يزيد من هذا الاختلال اعتقاد سائد بأن الولايات المتحدة عصية على العدالة طالما إنها لم تصادق على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.و لهذا فقد يظن خطأ"انه لا يمكن ملاحقة المسؤلين الاميركيين و جلبهم أمام العدالة.
انطلاقا من هذا الواقع نجد أنفسنا أمام عدد من الأسئلة :
- هل ارتكبت قوات الاحتلال في العراق جرائم دولية تستوجب الملاحقة والعقاب ؟
- هل بالامكان ملاحقة مسؤولي الدول المشاركة في الحرب؟
- ما هي المحاكم التي بالامكان ملاحقتهم أمامها؟
- ما هي التحركات التي بالإمكان القيام بها لوضع هؤلاء أمام العدالة ؟
السؤال الأول يجد جوابه في العديد من تقارير المنظمات الدولية(راجع مواقع منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي و هيومان رايتس واتش و غيرها على الانترنت ) والدراسات القانونية و المتابعات الإخبارية. حيث تنسب العديد من الجرائم إلى هذه القوات , نذكر منها مثالا : جريمة حرب العدوان و جريمة الترويج لها , جريمة استعمال أسلحة محظورة دوليا , قتل المدنيين , الاغتصابات الجماعية , إساءة التعامل مع الأسرى و تعذيب المعتقلين , قصف المدن والمنشآت غير الحربية , إلحاق الدمار بالآثار التاريخية و الحضارية ... .
أما باقي الأسئلة فنعالجها على الشكل التالي:
أولا":
نصت ديباجة النظام الأساسي للمحكمة : " وإذ تؤكد أن المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب هذا النظام الأساسي ستكون مكملة للولايات القضائية الجنائية الوطنية ".
وبالتالي و حتى و لو كانت الولايات المتحدة عضوا في نظام روما الأساسي فانه و بموجب مبدأ التكامل هذا فان الاختصاص في نظر القضايا الناجمة عن ارتكاب مواطنين اميركيين لجرائم دولية سيعود لولا إلى القضاء الوطني في الولايات المتحدة ولن تتدخل المحكمة الجنائية الدولية إلا إذا رأت إن القضاء الاميركي غير راغب أو غير قادر على محاكمة هؤلاء المجرمين (المادة 17 من النظام الأساسي ).
فبغض النظر عن علاقة الولايات المتحدة بالمحكمة فان المرجع الأول الصالح لمحاكمة هؤلاء المجرمين هو القضاء الاميركي نفسه . وهذا موجب ملقى على عاتق القضاء الاميركي بمقتضى القانون الدولي . وتأكيدا لما سبق نورد ما نص عليه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في ديباجته : " وإذ تذكر بأن من واجب كل دولة أن تمارس ولايتها القضائية الجنائية على أولئك المسئولين عن ارتكاب جرائم دولية " .
ثانيا":
إن المحكمة الجنائية الدولية هي مؤسسة قائمة على معاهدة دولية لا تلزم سوى الدول الموقعة عليها وهي قد نصت في المادة العاشرة من نظامها الأساسي :
" ليس في هذا الباب ما يفسر على أنه يقيد أو يمس بأي شكل من الأشكال قواعد القانون الدولي القائمة أو المتطورة المتعلقة بأغراض أخرى غير هذا النظام الأساسي."
و بناء عليه فان بدء العمل بالنظام الأساسي للمحكمة لا يعني بأي شكل من الإشكال عدم قدرة الأمم المتحدة على إنشاء محاكم جنائية دولية مؤقتة مختصة بمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية في زمان و مكان معينين . و بالتالي فلا شيء يمنع من منظار القانون الدولي من إنشاء محكمة دولية خاصة للعراق تماما كمحاكم يوغوسلافيا و رواندا.
ثالثا":
إذا كان اختصاص المحكمة لا يشمل من حيث المبدأ سوى الدول الأعضاء في المحكمة , فان لهذا المبدأ بعض الاستثناءات و منها ما نصت عليه المادة 12 من النظام التي نصت على إن بامكان المحكمة إن تمارس اختصاصها في حال وافقت على الخضوع له الدولة غير العضو في نظام المحكمة . و عليه فان بالا مكان إخضاع مرتكبي الجرائم الدولية من الاميركيين إلى اختصاص المحكمة في حال تم الضغط على الإدارة الاميركية لقبول هذا الاختصاص . ورغم أن هذا الاقتراح الأخير قد يبدو للوهلة الأولى ساذجا" ألا أنه يتوجب متابعة جهود المنظمات الاميركية غير الحكومية التي تنشط في مجال القانون الدولي والتي تضغط بشكل كبير ليس فقط لتنفيذ هذا الاقتراح بل لحمل الإدارة الاميركية على التصديق على معاهدة روما والانضمام للمحكمة
وفي الأخير أود أن أنوه أنه يندرج في خانة محاكمة الأمريكيين محاكمة مسؤؤلي الكيان الصهيوني عن مسلسل إجرامهم ليس بحق الشعب الفلسطيني فحسب وإنما بحق الشعب اللبناني من خلال العدوان الهمجي الحالي للبنان ومن منا لم يلاحظ الإجرام المتعمد بحق الأطفال اللبنانيين وكان أخرها مجزرة قانا
وإلى متى سنظل ننتظر إلى أن يحين وقت محاكمة مجرمي البشرية
المرجع (موقع محامون لبنانيون )