نرجوكم أعيدوا النظر بطريقة استدعاء الناس للتحقيق

السادة المسؤولون: نرجوكم أعيدوا النظر بطريقة استدعاء الناس للتحقيق
المواطن فلان الفلاني.................. ‏ لحضورك إلى المكان الفلاني الساعة كذا من يوم كذا" ‏

حين يستلم مواطن تبليغاً كهذا يهتز كيانه جملة وتفصيلاً وترتعد فرائصه ويصبح "كالحية المشوبة" يحوص ويلوص ولا يدري ماذا يفعل.. ‏ ويزول كثير من هذا الاضطراب حين يكون لدى المواطن فكرة مسبقة بأنه سيستدعى من أجل الموافقة على وظيفة تقدم إليها أو عمل يريد إقامته أو ما شابه ذلك. ‏ أما إذا كان المواطن "يا غافل إلك الله" فيضرب أخماساً بأسداس وأول ما يفكر به هو تأمين واسطة لتحميه وتعينه وتساعده لكي لا يبقى وحيداً لا يدري ما الذي ينتظره.

ويبدأ بمراجعة نفسه: ماذا قال، وماذا فعل، ومع من تحدث، وهل فسر كلامه خطأ حين تكلم في المكان الفلاني؟ أم أن أحداً "نتره" تقريراً كيدياً؟ وهل يا ترى للمسألة علاقة بعمله؟ أم أنها قصة قديمة؟ وتطول تحليلاته وتفسيراته ويشرق ويغرب وما إن يحين وقت الاستدعاء حتى يكاد المرء ينجلط هو وعائلته لهذه المصيبة التي ألمت بهم. ‏

ثم يذهب المواطن في الموعد المحدد وقلبه بين رجليه، فكل النظرات والهمسات واللفتات توحي بأنه مستهدف، وكل ما يدور حوله يراه غير عادي، حتى لو رحب به وعومل بمنتهى الاحترام، فتفسيره بأن كل هذا تمويه للطامة التي ستنزل به.. ويضج رأسه بعشرات الأسئلة التي لا يعرف لها جواباً.. وبعد انتظار قد يطول أو يقصر يكون توتره قد بلغ مداه.. ‏

يبدأ التحقيق معه، وهنا أود أن أتحدث عن تجربة شخصية، فحين حصولي على موافقة أمنية من أجل صحيفة إعلانية كنت بصدد إصدارها، حضرت للتحقيق ولم يعرُني سوى اضطراب بسيط لأنني أعرف سبب استدعائي، وأعلم تماماً بأن ليس لدي ما أخفيه من قول أو عمل. وعلى مدى ما يقرب الساعة تم سؤالي عن الأموات أكثر من سؤالي عن الأحياء، كما سئلت عن أمور غابت عن ذاكرتي منذ عشرات السنين، وسئلت عن أشخاص ومسائل وحوادث لم أدرِ لها جواباً، وسئلت عن الجامعة والتي مضى على تخرجي فيها ما يقارب الأربعين سنة، بعدها قلت للمسؤول عن القسم: يا سيدي أكثر من تسعين بالمئة من هذه المعلومات ليست بذات فائدة والدنيا أصبح فيها كمبيوتر وشاشات وايميلات وانترنت.. وإلخ.. وكان متجاوباً ومتفهماً ووافقني على كل آرائي واقتراحاتي. ‏

وحين تقدمت للحصول على ترخيص لمجلة الدبور قلت لوزارة الإعلام بأن لديهم موافقة أمنية مسبقة لي، فقالوا لا بد من موافقة جديدة. ‏

فذهبت للمرة الثانية وسئلت كما سئلت في المرة الأولى، نفس الأسئلة ونفس الروتين. ووقتها قلت متعجباً لمسؤول آخر بأن كل الآلية التي تدار بها الأمور مزعجة للمواطن وخاطئة وعفا عليها الزمن وصدّق على رأيي. ‏

وبمناسبة ما جرى معي تذكرت حادثة رواها صديق لوالدي، رحمهما الله، وكان هذا الصديق عميداً لكلية الطب، أن شرطي مرور أوقفه طالباً أوراقه فسأله عن اسمه والأوراق بين يدي الشرطي، فقال له: أنا الدكتور فلان الفلاني، ثم سأله عن عمله، فقال له: طبيب وأعمل عميداً لكلية الطب في جامعة دمشق. وكان السؤال الثالث: هل تعرف القراءة والكتابة، فأجاب بنعم.. ‏

مضمون العملية بأسرها روتيني وبيرقراطي و"لا يودي ولا يجيب" سوى أنه يرعب المواطن الشريف وأعتقد بأنه لا يساعد على كشف المسيء. ‏

‏

السادة المسؤولون: ‏

لماذا لا يتم استدعاء الناس بطريقة أكثر ارتياحاً وأكثر حضارية , لماذا لا يعلم المواطن عن سبب استدعائه حتى لا يذهب بعيداً ولماذا لا يقال له نرجو حضورك في الوقت الفلاني فإن تعذر ذلك فأعلمنا عن الوقت المناسب لك على الهاتف الفلاني. لماذا لا يتم الافصاح عن الجهة المستدعية ولماذا لا تتم الأمور بمجملها عن طريق أقسام الشرطة بل نتمنى عليك أكثر من ذلك ما المانع أن يحضر المواطن معه في حال استدعائه محاميه. المهم في كل هذا أن يتم التعامل مع المواطن شكلاً ومضموناً على أنه بريء حتى يثبت العكس. ‏

‏

السادة المسؤولون: كثير جداً من الاستدعاءات تكون لأمور صغيرة وهامشية ويمكن حلها بمكالمة مع صاحب العلاقة لا تستغرق دقائق، وكثير من المعلومات التي يتم الحصول عليها لا تفيد ولا تنفع وبعضها ربما يضر بالمواطن ولا ينفع الوطن. ‏

السادة المسؤولون: ‏

لدينا ألوفاً مؤلفة من الخريجين وحاملي الشهادات الجامعية العاطلين عن العمل، فلماذا لا تكون أبواب المؤسسات الأمنية، مشرعة الأبواب ويكون العاملون عليها من المثقفين والمؤهلين، وبذلك ينظر الناس، في سرهم وعلانيتهم، إلى هذه المؤسسات وإلى العاملين فيها، نظرة الاحترام وليس نظرة الخوف وبذلك تتحول قناعات المواطنين تدريجياً بأن هذه المؤسسات لحمايتهم وحماية أمنهم وأمانهم ووطنهم وبلادهم وهي لهم وليست ضدهم. ‏

لماذا لا يكون في جامعاتنا ومعاهدنا أقساماً متخصصة تخرّج أكاديميين مؤهلين للعمل في المؤسسات الأمنية وخلال دورتين أو أكثر من الخريجين يصبح لدينا كادراً أمنياً مثقفاً ومؤهلاً تأهيلاً عالياً ويصبح الأمن مثله مثل الصحة والتعليم وغيرها. ‏

نحن لا نتكلم هنا من منطلق أن العالم تغير وهو بعد 11 أيلول غيره قبل 11 أيلول، وأن عالم القطب الواحد هو غير عالم القطبين، ولا نتكلم من منطلق أن العلوج يقفون على حدودنا وأن علينا تحصين الداخل لمواجهة الخارج، ولا علاقة لحديثنا هذا بالسياسة ولا بالعولمة ولا بالمنتمي ولا باللا منتمي، فكل ما سبق له ناسه ومنظروه ومحللوه ومخللوه (فليبتعوا به ما شاؤوا أن يبتعوا). ‏

نحن نطالب بإعادة النظر في المسألة برمتها بدافع حبنا لوطننا وحرصنا على استمرار أمنه وأمانه وبدافع التخفيف عن الناس لما فيه خيرهم وخير الوطن ‏

منقول عن ‏مجلة الدبور ‏ - بسام طالب
نقله للمنتدى عمر الفاروق