لنتفق بداية على أن كل مواطن سوري في المغترب يملك الحق في أن يسهم في رفد بلده بالإمكانات التطويرية التي عرفها أو اكتشفها في بلاد الغربة، وبالتالي فلا منّة لأحد عليه إذا حاول أن يفعل ذلك..
القصة التي سأوردها هنا هي قصة المهندس السوري أحمد طاهر بهلول المغترب في أوروبا ـ رئيس مجلس الإدارة في مؤسسة (BSG AG) السويسرية، الذي تقدم منذ أشهر بطلب للحصول على براءة اختراع في موضوع: الرابط اللامتناهي في مجال الأقمار الصناعية والاتصالات والاستشعار عن بعد والإنترنت و البث الإذاعي والتلفزيوني:Unlimited Connective System، فأحالت مديرية حماية الملكية الفكرية الموضوع إلى أحدى الكليات المتخصصة في جامعة البعث، للبت في هذا الموضوع، فماذا كان الجواب؟
جواب الدكتور )المراجع( للبحث، الذي جاء بكتاب صادر عن عميد الكلية برقم 14401 تاريخ 7/12/2004 خرج برفض إعطاء براءة الاختراع للأسباب التالية:
1ـ لم يأت الموضوع بما هو جديد من جهة، ولا يمكن تطبيقه من جهة أخرى.
2 ـ إن المجال اللاسلكي أصبح مشبعاً بالتطبيقات.
وجاء في التفاصيل التي ذكرها الدكتور )المراجع( أن الباحث لم يوضح علاقة شاشة البلازما اللمسية بالجهاز المقترح، ولم يوضح أية آلية لعمل المخطط الصندوقي المقترح، ويضيف: إن المخطط الصندوقي يتضمن العديد من الأخطاء الكبيرة التي تجعل من المستحيل تنفيذه.
ولا داعي هنا لسرد تفاصيل أخرى شغلت صفحة ونيفاً من الآراء التي أقل مايقال عنها انها متناقضة أحياناً، حيث تشجع طريقة سردها لكتابة موضوع خاص عن هذا الرد العلمي المتميز!!!
الاختراع:
في تبسيط للفكرة المطروحة نشير إلى أن المهندس بهلول يلغي في بحثه الحاجة إلى الوسائط التقليدية للاتصال، ويعتمد على محطات أرضية تتخاطب فيما بينها بطريقة البث العام، الذي يتم تعريف المتصل من خلاله بالهوائي الخاص به، تماماً كما في البث التلفزيوني الأرضي، وفي هذا النوع من الاتصال، لسنا بحاجة إلى تجهيزات متخصصة في أنواع الاتصال، فالساعة والنظارات تكفي لكل ذلك، حيث لاحاجة للقرص الصلب ولا للهاتف الخلوي أو غيره في الاتصالات التقليدية والحاسوبية واتصالات الإنترنت، والأهم من ذلك كله أن الكلفة السنوية لاتتعدى 200 دولار لكل مشترك، ولن تتعدى أسعار التجهيزات الأرقام المالية التي تتوفر لدى المواطن ذي الدخل المحدود في سورية.
من الميزات المثيرة للانتباه في هذا الاختراع، قدرة النظارات على التحول إلى مجال رؤية يصل إلى 17 بوصة، أما لوحة المفاتيح فهي عبارة عن لوحة مرنة يمكن الاحتفاظ بها في حمالة النظارات.
بالطبع يمثل هذا الإنجاز ثورة بحد ذاته، تنعكس على الكثير من جوانب حياتنا اليومية، ويكفي هنا أن نذكر أن هذا الاختراع يختزل أجور الهاتف الثابت والخلوي والإنترنت إلى مبلغ لايزيد على عشرة آلاف ليرة سورية في العام، حتى لو تضمنت اتصالات هاتفية دولية، مع كل ضمانات الحماية والسرية وغيرها من متطلبات الاتصال.
انطباعات:
لاأزال اذكر ذلك الحماس الدافق الذي كان يسيطر على المهندس طاهر بهلول عندما تقدم بطلب الحصول على براءة الاختراع السورية ـ متنازلاً عن كل المغريات التي تعرضها الدول المتقدمة لمن يتقدم بمثل هذا الطلب، في أوروبا وغيرها ـ هادفاً الاسهام في الارتقاء بسمعة بلده العلمية في مجالات متقدمة كمجال الاتصالات.
ولا أزال أذكر توقعاته بأن يحظى برعاية خاصة، وأن يصل إلى وثيقة البراءة خلال أيام قليلة، ليفخر بها أمام عظماء تقانة المعلومات والاتصالات في العالم بمن فيهم بيل غيتس...
لكن الحماس تحول فجأة إلى صدمة، انعكست على محورين، الأول هذا الجهل العلمي الذي يتمتع به بعض الخبراء المعتمدين في مديرية حقوق الملكية، واللامسؤولية التي تتوفر بشكل جيد بين أروقتها، وترخي بثقلها على الآليات والمعايير التي تتعامل بها، والتي لاتنتمي أبداً إلى عصرنا الحاضر.
قد تبرئ مديرية حقوق الملكية نفسها وتلقي باللوم على جامعة البعث أو كلية (.....)، ولكن المهم هنا ليس مصدر الخطأ، إنما وقوع الخطأ ، الذي شكل بصمة مؤذية لايمكننا تجاوزها بسهولة.
رسالة إلى مديرية حماية الملكية:
المهندس بهلول لم يتمالك نفسه عندما تلقى خبر رفض منحه براءة الاختراع، تساءل بينه وبين نفسه إن كان القضاء قادراً على التدخل في هذا الموضوع؟ وهل القوانين والأنظمة تسمح له أن يشتكي؟.. لكنه اكتفى بتوجيه رسالة إلى مديرية حماية الملكية عبر (تشرين)، لعلها تسهم في إعادة صياغة آليات العمل في مديرية حقوق الملكية لتتيح له أو لغيره مستقبلاً العودة من جديد، وتقديم براءة اختراع في بلده.
أوضح بهلول في رسالته أنه لم يطرح اقتراحاً ـ كما سماه الدكتور المراجع ـ وانما حصيلة تجارب لعدة سنوات مع عدة شركات أوروبية متخصصة في مجال الاتصالات ونقل المعلومات.
وأشار إلى أن ما تقدم به هو نظام جديد لنقل المعلومات، وتقنية جديدة في الإرسال والاستقبال وتخزين المعلومات.
وتساءل عن طريقة الحكم على المشروع بأنه غير قابل للتنفيذ مطالباً بمعلومات عن التجارب التي أثبتت ذلك.
وقال: دهشنا علمياً من ردكم بان المجال اللاسلكي اصبح مشبعاً بالتطبيقات بحيث لايمكن إيجاد منطقة غير مستخدمة أو مستثمرة، لكننا نحيطكم علماً بان كل التطبيقات في العالم قاطبة لم تستطع حتى الآن استثمار ما يعادل 10% من حيز الحزم المعروفة؟؟!! وأؤكد هنا أن لاعلاقة لتطبيقات شركة ايريديوم ونظم الاتصالات الخلوية أو مثيلاتهما بتطبيقاتنا وفق ماتزعمون، كما أننا لم نعتمد نظام استخدام الأقمار أو التوابع الصنعية، متسائلاً عن حقيقة القيام بالتجارب التي أثبتت عدم جدوى المشروع.
وقال: توقعنا استدعاءنا لمناقشة هذه الفكرة وتوضيحها، كما يحدث في لجان حماية الملكية في العالم، لكن ذلك لم يحدث وهي المرة الأولى التي نسمع فيها أن موضوعاً كهذا تتم مناقشته والبت به دون وجود صاحب العلاقة.
وختم بهلول رسالته بالقول: نود أن نحيطكم علما أننا انتهينا من التجارب العلمية والعملية لهذا النظام وبدأنا مرحلة التصنيع التجاري وسنقوم بعقد مؤتمر في سويسرا ويشرفنا دعوتكم لحضوره، لاسيما أن 176 جهة علمية ودولية ستشارك فيه.
وإذ تنتهي رسالة بهلول، نسأل نحن عن توجهات مديرية حقوق الملكية، وعن وعيها لمسؤولياتها في الحاضر والمستقبل، في عالم يقاس فيه التطور بعدد براءات الاختراع، وفي عصر تقدم فيه الدول الدعم المالي والمعنوي والإداري والسياسي لكل من يعمل في مجال الاختراع.
ونسأل أيضاً عن السبب في الاكتفاء برأي أحادي لإعطاء براءة الاختراع، أليس من الأفضل أن يسهم في ذلك عدد من الباحثين المتخصصين في مجال البحث؟
في أسئلتنا إجابات متشائمة، إلا أن الأمل يحذونا أن تتحول متفائلة في المستقبل القريب...
لقد دفعنا احترامنا للقيم العلمية للابتعاد عن ذكر الأسماء، وأملنا أن نوجه في ذلك رسالة تقول ان الاحترام لايعني السكوت عن الحقائق حتى لو أدى ذلك إلى ذكر الأسماء مستقبلاً؟
حسين الإبراهيم صحيفة تشرين
الخميس 30 كانون الاول 2004
نقله للمنتدى عمر الفاروق