العوامل السياسية و القانونية الممهدة لاتفاقيات جنيف الأربع

[المحامي ابراهيم جبر]

العوامل السياسية و القانونية الممهدة لاتفاقيات جنيف الأربع

أ‌- اتفاقية جنيف بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان 1864 :
لم يكن هناك أية مبادئ عسكرية دولية متفق عليها متعلقة بإسعاف و رعاية المصابين في الحروب حتى منتصف القرن التاسع عشر , كما أنه و حتى ذلك التاريخ لم يوجد أية مؤسسات ذات حصانة معترف بها تسمح لهم بتأمين سكن و علاج المصابين في ساحات المعارك .
و في 24 حزيران 1859 شهد رجل الأعمال السويسري هنري دونانت الذي كان متوجهاً إلى إيطاليا لمقابلة الإمبراطورِ الفرنسيِ نابليون الثّالث معركة سولفرينو والتي كانت ضد القوات النمساوية و التي قتل و جرح بها حوالي 40000 شخص حيث تركت المعركة أثر عميق في نفس هنري لمدة طويلة فكرّس نفسه منذ ذلك الوقت لمساعدة الجرحى و نجح في تحفيز السكان المحليين على مساعدة الجرحى من الطرفين دون أي تمييز.
و في عام 1862 قام بتأليف كتاب (ذكريات سولفرينو) الذي نَشرَه بمالِه الخاصِ و أرسلَ نسخَ الكتابِ إلى الشخصيات السياسيةِ والعسكريةِ القياديةِ في كافة أنحاء أوروبا .
و قد طرح هنري دونانت من خلال كتابه هذا فكرتين هما:
- الدعوة لتشكيلِ منظماتِ الإغاثة الطوعيةِ الوطنيةِ في كل دولة للمُسَاعَدَة على رِعاية الجنود المجروحينِ في حالة الحربِ .
- الدعوة لتطويرِ المعاهداتِ الدوليةِ لضمان الحيادِ وحمايةِ المجروحين في ساحات المعارك مهما كانت هويتهم بالإضافة إلى حماية الأطباء والمستشفيات الميدانية.
و قد مهد هذا الكتاب لتأسيس منظمة الصليب الأحمر عام 1863و من ثم التوصل لمعاهدة جنيف لسنة 1864 و التي تمثل نقطة الانطلاق للقانون الدولي الإنساني.
وتحتوي هذه الاتفاقية على عشر مواد تتضمن حياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية ووسائل النقل الصحي وأعوان الخدمات الصحية، واحترام المتطوعين المدنيين الذين يساهمون في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدة الصحية دون تمييز وحمل شارة خاصة هي الصليب الأحمر على رقعة بيضاء، وتقتصر هذه الاتفاقية على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط .
تمّ تطبيق هذه الاتفاقية في الحرب النمساوية الروسية سنة 1866 .

ب-اتفاقية لاهاي 1899 بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف لملاءمة النزاع المسلح في البحار:
نظرا لكون الاتفاقية الأولى كانت تقتصر على العسكريين الجرحى في الميدان البري فقط فإنه تم تعديل هذه الاتفاقية في المؤتمر الأول بلاهاي للسلام سنة 1899 لتشمل الاتفاقية أيضا المجال البحري.

ج-اتفاقية جنيف لسنة 1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
بلغ عدد بنود هذه الاتفاقية 33 مادة وقد وقعت في 6 يوليو 1906 حيث وسعت نطاق الاتفاقية الأولى لتشمل "المرضى" كما نصت على شرط له آثار قانونية هامة وهو شرط المعاملة بالمثل أو المشاركة الجماعية ، وبمقتضاه فإن الاتفاقية لا تطبق إلا بين الأطراف إذا نشبت الحرب بين طرفين أو أكثر.
ثم انعقد مؤتمر "جنيف" الديبلوماسي بدعوة من الحكومة السويسرية سنة 1929 وأثمر عن إتفاقيتين و هما

د-اتفاقية جنيف في 27 تموز 1929 المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:
وتضم هذه الاتفاقية 39 مادة وقد اهتمت بالطيران الصحي والإسعاف وأقرت استخدام شارتين إلى جانب الصليب الأحمر وهما الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين.

هـ -اتفاقية جنيف لمعاملة أسرى الحرب بتاريخ 27 تموز 1929:
تناولت هذه الاتفاقية أهم ما يتصل بحياة الأسير وضمنت له التمتع بخدمات الدولة الحامية والاستفادة من خدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالتها المتخصصة بجمع المعلومات عن الأسرى وتبادل الأخبار مع أهليهم وذويهم، وتعتبر هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي يتعلق بأسرى الحرب.
لعبت هذه الاتفاقية دورا كبيرا في معالجة أسرى الحرب العالمية الثانية
و بعد الحرب العالمية الثانية دعت الحكومة السويسرية المجتمع الدولي إلى عقد مؤتمر بمدينة جنيف سنة 1949 والذي أسفر عن إبرام أربع اتفاقيات هي المعمول بها حاليا في النزاعات المسلحة تهدف إلى مراجعة وتطوير اتفاقيتي "جنيف لعام 1929 وقانون لاهاي واقتراح اتفاقية ثانية لحماية وتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، وتوسيع مجالات القانون الإنساني لضحايا النزاعات والفتن الداخلية للدول، وأخيرا الاتفاقية الرابعة لجنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب والاحتلال .