أنقذوا قلب دمشق..
م.وعد المهنا (كلنا شركاء )29/5/2006
ما يحدث لقلب دمشق أخطر من اجتياح المغول؟!
اليونسكو سوف تقرع الأجراس!
حسناً إنه قلب دمشق المثخن بالجراح ومن يكترث!
سيأتي جيل الحق القادم، وسيفتح دفاتر الحساب، مع كل مسؤول حُمِّل أمانة المحافظة على دمشق، وأساء لها، ولقلبها ،دمشق القديمة، حتى لو اضطر،هذا الجيل، إلى نبش قبره ورمي عظامه للكلاب الداشرة.
قلب دمشق، القائم قيام الدهر، تتقاذفه النائبات وتتسكع في شوارعه الساقطات.
وأهله الطيبون تتقاذفهم القرارات والتوصيات و اللجان الرئيسية والفرعية والكارثية إلى الشوارع ولكن من يكترث!
قلب دمشق يتهالك، يتناثر، يتطاير إرباً إربا
قلب دمشق عجوز لا يحترمون شيبتها
قلب دمشق طفل لا يحترمون طفولته
قلب دمشق امرأة مفجوعة تصيح كل يوم "وين راحوا"!
قلب دمشق جنة وطأها الزعران ولوثتها الكروش بفضلاتها وآثامها المستعصية!
قلب دمشق يريدونه للدولار فقط و للزيارة العابرة وللأكل والعهر واللغو وكراج للسيارات ولأشباه رجال يتلقطون الدراويش للوجبة والنارجيلة وللجحيم ناسها الطيبون وللجحيم الأخلاق والقيم والحجارة التي حملتْ الدهر وجاءها مغول يدك الإسمنت والحقد والقرف من أجل عبودية الليرة.
لا أعرف من أين ستأتي تلك الليرة عندما تسقط المدينة في صرفها غير الصحي وصرف أصحاب المطاعم للناس المحترمين عندما يمنعونهم من الدخول.
قالها صديق جزائري مقيم في فرنسا أثناء حضوره لمؤتمر ICCTA'6 منذ مدة قريبة " زرت كل بلدان العالم ولم يمنعني أحد من دخول مطعم إلا في دمشق القديمة " أستاذ الجامعة قالها وغادر هذه المرة دمشق الذي سبق أن قال فيها أثناء زيارته الأولى لحضور ذات المؤتمر في 2004 " دمشق تسكن خيال كل جزائري منذ الصغر " ولهذا دعا هذه المرة الأصدقاء والأشقاء للقدوم إلى سوريا وبكل بساطة منعوهم من الدخول وبكل قلة الأدب!
أشقاء من الأردن كذلك يررد السيد رجائي الذي أنهكه المسير في شوارعها " لا أشعر بأني عربي إلا وأنا أسير في دمشق القديمة " وأبو عمر يساجله " دمشق التاريخ لكنهم يمنعوننا من الدخول إلى مطاعمها وإن أدخلونا يجلسوننا وكأننا منبوذين "! ومدير مكتب الـ BBC في عمان أبو سعود " جئنا لنستمع للعود وأغانٍ دمشقية لا لأغاني المراهقين " ويختتم " والله نحن ناس محترمين وولاد عيل كمان"!
ربما لأنهم عرب وربما لأن أصحاب المطاعم لم يعتادوا على أستاذ الجامعة يرتدي الجينز بل على كل من قلب الخزانة على خيبته ومضى إليهم!
حسناً كثيرون سيعتبرونني صحفياً متجنياً وأرجو فقط متابعة أصحاب العلم والاختصاص والشأن.
معاون وزير الثقافة لشؤون الآثار د. عبد الرزاق معاذ:
طالما هناك روح التغيير مع شخصيات متخشبة أو غير متفهمة لموقعنا من التراث هذا يعزز روح التعاون بين الآثار والمحافظة لمصلحة دمشق القديمة..
ومن جانب آخر هناك شخصيات إيجابية تحاول أن تقوم بمبادرات إيجابية لصالح المدينة داخل مبنى المحافظة..
كتاب اليونسكو يعود ليوضح لما سجلت دمشق القديمة كدمشق داخل السور وأيضاً الأحياء التي تقع خارج السور
اليونسكو تساعد في التكية السليمانية التي تبعد عن سور دمشق حوالي 2 كم وهي تعتبرها جزءاً من تراثها..
حمام القرماني في السوق العتيق هو جزء من ذاكرة المدينة يعود للعهد المملوكي والمنطقة ذات طابع تراثي وشعبي أيضاً واليونسكو سوف تقرع الأجراس في حال بناء أبراج..
"نحن بحاجة لانتظار جيل 2020 م حتى نتجاوز هذه الإشكاليات في رؤية التراث عند جهات مختلفة"؟!
لابد لنا أن نتكلم بشيء من الإيجابية عن مكتب عنبر (مديرية دمشق القديمة) حيث هناك محاولات لوضع الأمور في نصابها والقيام بمشاريع هامة للمدينة القديمة وخاصةً بالمقارنة مع تراكمات سابقة..
حكمت شطا معماري اختصاصي في التصميم من الوحدة التربوية للعمارة في غرونوبل – فرنسا واستشاري في شؤون ترميم المنازل الدمشقية القديمة
الذي يعتبر كل منزل مباع في دمشق القديمة يمكن اعتباره منزلاً مستباحاً يضيف:
لست بالضرورة ضد فكرة تحويل بعض المنازل إلى فنادق ومطاعم، لكن بشرط ألا يخل ذلك بتوازن معماري اجتماعي بيئي لمدينة لا تزال قائمة لحسن الحظ بكل خواصها وخصوصيتها. هناك فارق كبير بين التخطيط العلمي والمدروس من قبل فريق عمل متعدد الاختصاصات يمتلك الكفايات ويكرس بأمانة كل جهوده للتفكير بمستقبل دمشق القديمة، وبين الممارسات الاعتباطية لإدارة، من الواضح في وضعها الحالي وآليات عملها، أنها غير قادرة على تأمين الحماية لهذه المدينة البائسة. فتتحول سريعاً موضة تحويل المساكن لمطاعم من ظاهرة إلى وباء فتاك، في مجتمع يبدو أنه يميل أكثر للتقليد منه للابتكار.
يوجد فارق بين الترخيص لبعض المطاعم وبين تحويل دمشق القديمة كلها إلى مطعم كبير أو مدينة للأكل. وبذلك يتحول التراث المعماري لسلعة استثمارية تنهشها رؤوس الأموال لا رأفة لديها ولا ضمير.
المصيبة في كون هؤلاء المستثمرين الذين يرغبون في الإفادة من أي سنتيمتر مربع متوافر أو غير متوافر! تصل بهم الوقاحة حد وضع الطاولات والكراسي على الأسطح أمام أعين الجيران وعلى حساب راحتهم، والتطاول على الأملاك العامة من خلال حجز أجزاء من الحارة أمام المطعم لسياراتهم وتوظيف الحراس المتخصصين بالتحرش وتلقيط الزبائن، وتثبيت عشرات أجهزة الإنارة المتنوعة القوة، وتركيب التوربينات والشفاطات، ونشر اللوحات الدعائية الثابتة والمتحركة، وكل ذلك من دون محاسب أو رقيب. إنه تلوث بصري سمعي رئوي لا يحتمل. همجية لا تصدق.
النظام المديني لدمشق القديمة قائم على الفصل بين الأحياء السكنية والأحياء التجارية (الأسواق) بين المحاور التجارية الخارجية والحارات السكنية الداخلية.
النسيج السكني مكّون من منازل متلاصقة عضوياً وشبكة من الحارات الضيقة والمغلقة على ذاتها، ما يجعلنا نصنّف هذه الكتل اجتماعياً بنصف عامة. لذلك فإن تحويل أي منزل متواجد ضمن هذا النسيج من سكني إلى تجاري سيسبب خللاً يؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى موت المحيط السكني بأكمله وبالتالي إلى اندثار النظام المديني القائم.
ما يحدث اليوم هو أخطر من اجتياح المغول لأن دمشق استعادت عافيتها من بعدهم، ولكن من بعد اجتياح المطاعم لن تعود كما كانت أبداً.
لنكن صريحين.. عندما ننظر لما يحدث على أرض الواقع لا نستطيع الكلام عن حماية. تراث دمشق القديمة غير محمي. أين دفاتر شروط الحماية؟ ما هي قواعد الحماية المطبقة؟ وهل هي كافية؟ وهل تطبق فعلاً؟ وعلى من تطبّق؟
أنقذوا قلب دمشق
جوزفين عنتابي: (كلنا شركاء )29/5/2006
دمشق ترحل
بهدوء العَالِم وعزة كبير النفس ترحل!
دون ضجة، في صمت الليل المطبق، وصمت المسؤولين المخجل أيضاً .... ترحل
القانون لم يحمِ نفسه فكيف يحميها؟!والعدل مصلوب على أعتاب تجار الحضارات والشعوب
ودمشق ترحل ولا خيار ولا أمل يرجى من الانتظار.
ونحن.......... عذراً دمشق
لسنا أولادك ولا أهلك ولا أصحابك ولا أحبابك وبكل بساطة نحن جلادوك وقاتلوك ولاعنوك وناكرون عهودك ولا شربنا من نهرك ورمينا فيه آثامنا وخطايانا وسكنا بيوتك وبدل أن نشرّع أبوابها للحرية شرّعناها للدعارة.ولا بادلنا روحك بالمال وقلبك بالمحال ورائحتك بوجع البال. ولما سكتنا أمام ما يحدث؟!!
سياسة قتلك مستمرة وإذلالك أمرٌ نفاخر به، والقائمون على سياحتك يهللون لسفك دمك ويتباهون كلما أمعنوا في تعذيبك.أما كل محافظ والمقصود طبعا من "يحفظ" دمشق فيا ليت تلك المسؤولية، وتلك الصفة تستطيع الكلام لقالت له: (تبت يداك) ولتبرأت منه!
فأين المحافظة من التفريط؟ وأين الأمانة من خيانتها؟ وأين المسؤول من مسؤوليته؟
لقد حولوا دمشق إلى سوبر ماركيت كبير، يعرض كل شيء، ويبيع كل شيء بحجة الاستثمار والسياحة والحرية.
فهنا جسدٌ يعرض للبيع لمن يدفع أكثر أمام مرأى وسمع العائلات في هذه المدينة وعلى الناصية الأخرى أشخاص سكيرون يفرغون معدتهم في أي مكان حتى لو كان باب بيت دمشقي. وأسراب من الشبان الطائش يجولون في أحياء دمشق المقدسة يصرخون هنا وهناك يزرعون الخوف في قلب كل من يشاهدهم.
الآن أصبحت دمشق عارية فقدت الأمن والأمان تنزف الأهل والجيران والخلان. فهي لبوه مثخنة بالجراح وأنينها يسمعه كل من يصغي إلى صوت ضميره.
استغاثتك يا دمشق صحتنا .............متأخرين لكن صحونا
وقفنا للدفاع عنك، تظلمنا لسوء معاملتك، اشتكينا واشتكينا... وشكوانا بقيت حبيسة أدراجهم.
قصدنا صحفنا العامة، وعن أي صحف نتكلم فهي شبكات مترابطة تخشى أن تزعج أصحاب الأموال وابتساماتهم المسمومة لتبقى وعودهم كاذبة وذواتهم عارية.
وقلنا الصحف الخاصة ؟ فليكن.. كتبنا لكل ضمير مسؤول
حاكموا كتّابنا يا دمشق وصوت يعلو لمحاميهم في ردهات العدل "إقامة دعوى على مظلوم حتى وبثلاثين ليرة سورية"؟!
طالبنا بتنفيذ القانون فأرسلوا الشرطة تطاردنا
كل طريق للمساعدة مقطوع، كل دواء لإسكات الألم ممنوع، وسيف التهديد والوعيد على رقابنا مرفوع، وأنا أسأل المسؤولين وغير المسؤولين: ما الغاية من تدمير أقدم عاصمة في التاريخ؟ ما الفائدة التي ستجنونها من محي ذاكرتنا؟ والى أي مصير تدفعوننا؟ وما المعلومات الجديدة المفبركة لنا كوجبة الهوت دوغ؟
إنه تهجين مفضوح تخجل ان تستره اساليبكم الهزيلة
من أنتم؟ أجهلة؟ والذي تعلمتموه طوال عمركم اين ذهبتم به؟ أغبياء؟ لا يحترم الوطن المسؤولين السذج. تجار؟ وحسب علمنا وتربيتنا ومدارسنا وجامعاتنا ووزاراتنا وأخلاقنا التي تربينا عليها و... الوطن ليس للبيع!
أسكتم اليونيسكو لتتكلموا أنتم وهنا على هذه الارض لن نسمع ترهاتكم ولغتكم الغريبة ولهجتكم العوجاء، لن نفهمها!
هنا دمشق وأهل دمشق مارد أصيل لو تعلمون............ لن يسمح بتحويل التاريخ الى بار نبيذ، والحضارة لمطعم لملء البطون، والثقافة لفحمة على أركيلة مراهق..
متى ترحلون؟!
من أجل سورية حصينة
هشام الدجاني: الحياة 29/5/2006
أضحى الحديث عن الاصلاح والتغيير الشغل الشاغل لوسائل اعلامنا وفي أوساط المثقفين والمحللين في السنوات الخمس الأخيرة ويكاد لا يمر يوم واحد إلا ويطالعنا تصريح رسمي حول الاصلاح والتغيير.
وأصبح هذا الموضوع موضع اهتمام كثير من المثقفين والباحثين السوريين الذين يكتبون لوسائل الاعلام المحلية والعربية.
وتظهر هذه الكتابات أو المحاضرات أو المقابلات حالة من عدم التوافق مابين الحماسة للتغير وبين ما يقرب من اليأس من امكانية تحقيقه.
إذا كانت الحماسة نابعة من شعور ملح بضرورة التغيير، بعد سنوات من الركود، فإن اليأس ناجم عن البطء الشديد في اتخاذ خطوات الاصلاح والتغيير.
ويرى بعض المتابعين لتطور الأوضاع في سورية ان ما تم حتى الآن لا يعدو أن يكون مجرد خطوات محدودة لا تحدث انعطافاً جدياً في اتجاه التطوير والتغيير. كما يرى هؤلاء أن استبدال شعار الاصلاح والتغيير بشعار التحديث والتطوير الذي يتردد في وسائل الاعلام السورية، يدل على تواضع برنامج الاصلاح.
ويرى هؤلاء أن ما يحبط الآمال أن من يتحدثون عن التغيير أو حتى التطوير ليست لديهم مطامح تتجاوز خدمة مصالحهم والمحافظة على امتيازاتهم. إنهم أدوات تنفيذية لا تفكر بمنطق ينسجم مع مطامح الجمهور.
اما المواطن العادي فلا يزال يرى أن شعارت محاربة الفساد ما تزال مجرد شعارات. واذا طبقت فلا تطبق إلا على فئة محدودة من الفاسدين.
بينما علاقات النفوذ والمحسوبية والزبائنية الحزبية والعشائرية ما تزال قائمة في مناخ الانسداد الاقتصادي وتضاؤل فرص العمل، وتدني مستوى المعيشة بالنسبة إلى قطاع واسع من الشعب.
هذا القطاع عانى منذ شهرين أو اكثر، وما يزال، من هبوط مفاجئ في مستوى المعيشة بعد الارتفاع المفاجئ لأسعار العملات الصعبة بالنسبة إلى الليرة السورية. صحيح ان الحكومة استطاعت ان تلجم ارتفاع معدلات العملة الصعبة، وتعيد التوازن ما بين الليرة السورية والعملات الأجنبية، إلا أن ذلك لم يؤثر على الاسعار كما ارتفعت أسعار العقارات بنسبة تتراوح ما بين 30 و40 في المئة.
وفي ظل الظروف العسيرة اقتصادياً بالنسبة إلى السواد الأعظم من السوريين نجد أن الثقة بالتغيير والاصلاح بدأت تتراجع أمام ما يبدو من جمود مقلق في بعض الأوضاع وتقهقر في كثير من شروط الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية, وتراجع نسبي عن مناخ الانفتاح، اضافة الى الخشية من عودة الكثير من التقاليد الشمولية القديمة، بما في ذلك قمع المثقفين، وتوقف الحديث عن حملة مكافحة الفساد.
يحاول بعض معارضي التغيير أو حتى التطوير أن يوظف بعض الضغوط التي تتعرض لها سورية من اجل عدم احداث تغييرات جذرية لأن من شأنها، حسب تقديرهم، أن تؤدي إلى قلقلة الوضع الأمني. وبالتالي ينبغي الا نتوقع في الظروف الراهنة حدوث أي تغيير جوهري. وفي حقيقة الامر ان استمرار سيطرة أشخاص نافذين ورجال حكم سابقين، وعدم حصول أي تغيير في دور المؤسسات والأجهزة المختلفة التي يعتمد عليها النظام، يؤكدان استبعاد أي تغيير جوهري في الوقت الحاضر على الصعيدين السياسي والاقتصادي.
أما على الصعيد الاداري فإن شعارات محاربة الفساد لم تر بعد أي تطبيق عملي فعال، بمعنى أنها لم تتخذ طابع حملة شمولية تطال كل الأجهزة، وتضع ضوابط صارمة تحول دون استشراء الفساد.
ما نكاد نلمسه هو تزايد علاقات النفوذ والمحسوبية والتنافس على ملء المناصب الرفيعة الشاغرة في مناخ من الانسداد الاقتصادي، وتضاؤل فرص العمل، وتعاظم ضغط شبكات المصالح الجزئية على المصالح العامة.
لقد أصبح النظام البيروقراطي اليوم يعمل لصالح الجيل الجديد من رجال المال والاعمال بالدرجة الاولى بعد أن كان يعمل لصالح بيروقراطية الدولة. وهذه الشريحة من رجال المال والاعمال هي التي تستخدم هذا النظام لتحقيق أقصى ماتستطيع من التراكم البدائي. وبالتالي فإن المضمون الجوهري للتحول الجاري اليوم هو انتقال مركز الثقل إلى الطبقة الخاصة الجديدة التي تمتص بشكل مكثف موارد الدولة لصالح ملكيتها الخاصة.
يرافق هذا التحول تراجع مكانة الاقتصاد المخطط الناجم عن ترك شركات القطاع العام تعيش على حافة الافلاس والموت البطيء، وتراجع هيبة مؤسسات البلاد السياسية والمدنية والاقتصادية والفكرية وتفككها، وانكفاء المجتمع على نفسه.
إن الغاء الحياة السياسية والفكرية الى جانب العوامل الاقتصادية التي أشرت إليها، من شأنها جميعاً أن تضعف النظام لا ان تقويه. وهذا ما ينبغي أن تتنبه إليه الكوادر والشخصيات المخلصة في الحزب والمؤسسات العسكرية والمدنية، أي كل الدوائر الفاعلة في الدولة، حتى تتحصن سورية من الداخل وتظل منيعة أمام جميع الأخطار
داروين والمسؤول الذي فقد لسانه!
د. عمار سليمان علي :نشرة النزاهة29 /5/2006
لا يخفى على كل ذي بصيرة أن غالبية المسؤولين في العديد من البلدان, ومنها بلدنا الحبيب, هم أكثر من يقومون بمخالفة القوانين, بدءاً بقوانين السير, وانتهاءً بقوانين البورصة والاستثمار, لأن هناك, في مكان ما, من يتغاضى عن كل مخالفاتهم, ويغض النظر عنهم, لغاية في نفسه, أو في جيبه, أو من أجل المصلحة الوطنية العليا!
ولكن الأمر الذي يلفت النظر, ويدعو للعجب والتأمل, هو أن المسؤولين في بلدنا يتمتعون بموهبة مخالفة القوانين, ككل مسؤولي الدنيا, وينفردون عنهم بأمر عجيب غريب, لم يسبقوا إليه, وهو مخالفة القوانين الطبيعية للحياة, وأهمها قانون التطور الطبيعي لداروين! وسوف نرى كيف...
* * *
من مبادئ داروين الأساسية أن العضو الذي يحتاج إليه الكائن بكثرة, يستعمله بكثرة, فينمو ويتطور ويزداد حجمه وأهميته.
وفي كل بلاد الدنيا كلما ترقى المسؤول في المناصب أصبح أكثر حاجة, وأكثر استعمالاً للسانه, ليشرح السياسات, ويطرح الأفكار, ويروج للمشاريع, ويدافع عن نفسه تجاه الانتقادات, فترى المسؤول, عندهم, كلما زادت الانتقادات الموجهة إليه كثف من حضوره الإعلامي, وندواته الجماهيرية, وطلاته التلفزيونية, وأحاديثه الصحفية.
أما عندنا فالمسؤول الذي يتعرض للانتقادات يلجأ إلى الصمت التام والسكوت المطبق, ويحبس لسانه في فمه, فيضمر مع مرور الأيام, وربما يختفي تماماً, فينطبق عليه الوصف: المسؤول الذي فقد لسانه! بما يتناقض تماماً مع مبادئ داروين!
* * *
سيقال: أنت تظلم الكثير من مسؤولينا الذين يتكلمون أحياناً لساعات وساعات, بلا كلل ولا ملل!
نعم إنهم يفعلون, ولكن ألا تلاحظون معي أن ألسنتهم اصطناعية لا حس فيها, وأن تعبيراتهم خشبية لا روح لها؟؟!!
وسيقال كذلك: إنهم لا يسكتون على الانتقادات, فهم وإن كانوا "يترفعون" عن الرد بأنفسهم, إلا أنهم على الأقل يكلفون مكاتبهم الإعلامية, أو أحد (أصدقائهم) الإعلاميين بذلك!
إذا كان الأمر كذلك فيا ليتهم لا يفعلون! لأن الألسنة المستعارة كالثياب المستعارة لا تدفئ!!
فما معنى أن يتعرض محافظ, مثلاً, على مدى أسابيع, عبر وسائل الإعلام, الالكترونية خصوصاً, لانتقادات واسعة النطاق بخصوص أحداث ومخالفات ومآخذ وتجاوزات محددة ومثبتة بالوقائع والشهادات والوثائق والمستندات, ثم يكون رده بالواسطة عبر أحد الكتاب المخضرمين من نوع "ما كان العشم يا أهل المحافظة", أو ينتظر, بمنطق شيوخ القبائل, أن تبرد الأمور قليلاً لكي يدعو من انتقدوه إلى جلسة لفتح "صفحة جديدة", لعله ينجح في أن يطويهم تحت جناحه؟؟!!
وما معنى أن تنتقد مديرية ما, لأنها ترمي ملايين الليرات على قارعة الطريق, على شكل جهاز غالي الثمن يحرم المواطنون من الاستفادة من خدماته الضرورية, على مدى أشهر, فلا يحرك مسؤول تلك المديرية ساكناً, ولا يرف له جفن, ولا ينبس ببنت شفة؟؟!!
والأمثلة على هذه الشاكلة لا تعد ولا تحصى...
فما هو المطلوب؟!
* * *
بعيداً عن كل المطولات التنظيرية والنقدية, الساخرة والجدية, التي أغرقونا بها على مدى السنوات الأخيرة, أعتقد أن أهم نقطة في تطور إعلامنا السوري وتحديثه وتفعيله ومواكبته للعصر, وجعله سلطة رابعة حقيقية, تكمن في استرجاع المسؤولين لألسنتهم الحقيقية والفعالة والصادقة!. ولتكن قدوتهم الكبرى في هذا المجال السيد الرئيس بشار الأسد الذي لا يختلف اثنان على أنه يمتلك خطاباً إعلامياً صادقاً وذكياً وشفافاً ومتطوراً وعصرياً ومنفتحاً, ويتمتع بقدرة هائلة على مخاطبة الآخر ومحاورته, سواء كان هذا الآخر يثني أو ينتقد.
فهل يتعلمون منه؟! يا ليتهم يفعلون!!