بث الخوف في قلوب الرعية أسهل من زرع الحب
يروي " مكيافيلي " في كتاب الأمير حادثة تستحق التأمل فعلاً ، عن المدى الذي بلغ من محبة شعب لحاكمه ، و ماذا فعل بمن اعتدى على هذا الحاكم ، و كيف بحث عن شخص من سلالته لويليه من بعده ، فيقول :
(( قتل متآمرون من أسرة " كانيتشي " أمير بولونا " هانيبال بنتفوغلي " و كان هذا الأمير محبوباً و ذا شعبية ,,, و لم يكن للأمير المقتول أي أقارب سوى " جيوفاني " الذي كان طفلاً .
ثار شعب بولونا عن بكرة أبيه ، و قتل جميع أفراد أسرة " كانيتشي " بسبب ما تتمتع به أسرة بنتفوغلي من حب الشعب و تأييده .
و قام شعب بولونا بالبحث عن إنسان من أسرته يتولى الحكم ، فعثروا على شخص يعيش في فلورنسا كان والده حداداً ، يمت إلى الأسرة بصلة قرابة ، فجاء به الشعب إلى المدينة و ولاه حكمها حتى يبلغ الطفل " جيوفاني " سن الرشد و يتولى حكم المدينة ))
هذه الحادثة تلفت النظر لسابقة تاريخية تؤكد إمكانية حكم الرعية بطريقة تجعلهم يحبون الحاكم لدرجة مذهلة تجعلهم يفعلون ما يشبه المعجزة من أجله و من أجل سلالته .
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، ما هو السبب الذي يجعل معظم الحكام يعزفون عن الحكم بهذه الطريقة و يلجأون للنقيض من ذلك و هو الحكم بالخوف ، لدرجة إنشاء أجهزة كاملة مهمتها بث الخوف و الرعب في قلوب الرعية إذا ما سولت لهم أنفسهم مجرد التفكير بالانقلاب على الحاكم أو تغييره أو مخالفته الرأي ، على غرار جهاز " السافاك " الذي أحدثه الشاه الإيراني ، أو جهاز " الغستابو " النازي .
لقد وصل الأمر في المعسكر السوفيتي بعد الحرب العالمية الثانية و حتى سقوط جدار برلين لإعداد أبحاث و دراسات و إحداث معاهد لهذا الغرض بالذات .
الجواب على هذا السؤال ببساطة :
أن بث الخوف و الذعر في قلوب الناس أسهل بكثير من إضاعة الوقت بكسب ودهم و رضاهم الذي يحتاج وقت طويل من السياسة الرحيمة النزيهة العادلة .
تجدر الإشارة أن مكيافيلي نفسه في كتاب الأمير الذي وضع به دليل للحكم بطريقة براغماتية ، تفضل الجمع بين الخوف من الحاكم و محبته ، مع الانحياز لخيار الخوف منه إذا لم يستطع الجمع بينهما ، يحذر الحاكم في تعقيبه على ذات الحادثة قائلاً :
{ على الأمير ألا يخشى كثيراً من المؤامرات إذا كان الشعب راضياً عنه ، أما إذا كان مكروهاً ، و يحس بعداء الشعب له ، فعليه أن يخشى من كل إنسان و من كل شيء }