![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||||
|
![]() أن يكون المحامي أديباً كان المرحوم المحامي " فؤاد صنيج " له باع طويل في المحاماة و ذاع صيته بقضايا الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية التي تنظر أمام المحاكم الروحية . في العام 1993 و بعدما أمضى في مهنة المحاماة اثنان و أربعون عاماً ، وضع كتاباَ أسماه ( شرح أحكام الزواج للطوائف المسيحية ) ضمنه حصيلة خبرته الطويلة في هذا النوع من القضايا . ذكر في كتابه إحدى القضايا التي تولاها أثناء مسيرته المهنية ، و كيف عالجها بمهارة المحامي البارع المتمكن من صنعته ، و رغم أن الحالة موضوع القضية قد تكون مألوفة في مجتمعنا ، و لكن طريقة سردها بلغة أدبية رفيعة و ما رافقها من تحليل نفسي و اجتماعي دقيق جعلت المرحوم " صنيج " يتجاوز وظيفة المحامي المخضرم ، و يلامس درجة الأديب البارع ، و الطبيب النفسي الحاذق ، و عالم الاجتماع المتمرس ، فيبدع قائلاً : (( رجل سوري ينتمي إلى طائفة الروم الكاثوليك تزوج من فتاة فرنسية تنتمي هي أيضاً إلى الطائفة نفسها ، و أجري عقد الزواج بينهما لدى السلطة المدنية المختصة في فرنسا وفقاً للقانون المدني فيها ، و جرى تدوين هذا الزواج في سجلات النفوس في فرنسا باعتباره تم وفقاً لقانونها ، ثم جرى تدوينه في سجلات النفوس في سورية باعتباره تم وفقاً لأحكام المادة 25 من القرار 60 ل ر لعام 1936 ، أي وفقاً لأحكام التشريع السوري . بعد شهر العسل عاد الزوج مصطحباً زوجته إلى وطنه سورية و عاشا في وئام مدة أنجبا خلالها ولدين ذكرين . و لكن عوامل الفرقة كانت متربصة تترقب السنوات لتجلو فارق السن بين الزوجين و لتطفو النفرة بينهما . الزوج كان عند زواجه كان في الخامسة و الأربعين و الزوجة صبية في العشرين ، غير أن الزوج رغم كهولته كانت تبدو عليه سمات الشباب بالنظر لما كان عليه من رشاقة و وسامة فلم تشعر العروس بفارق السنّ الذي يتجاوز ربع قرن من الزمن ، كما كان على جانب كبير من الثراء و الثقافة ، و محدثاً في غاية اللباقة ، عرف كيف يستعمل هذه الميزات في كسب ود زوجته و إرضائها . أغدق عليها الكثير من حبه و ماله و جاهه ، فانبهرت الصبية كما تنبهر معظم الفتيات بذلك في مطلع الصبا ، و ملأت جو القصر الزوجي صباً و حباً و حيوية ، و سارت الحياة الزوجية المشتركة بينهما طبيعية هادئة لسنوات عديدة لاسيما و أنه لم يدخر وسعاً في تلبية رغباتها في الحياة الاجتماعية الحرة التي اعتادت عليها بنات جلدتها ، فكانا يقضيان معظم الليالي في سهرات يسودها الطرب و الرقص في مرابع دمشق و لبنان ، و أنست الزوجة في هذه العيشة الرغيدة و زاد في أنسها الطفلان اللذان كانا يملآن البيت حبوراً و أملاً . مرت السنوات و إذا بالزوجة قد بلغت ذروة الصبا و الأنوثة و النضوج بإدراكها الخامسة و الثلاثين من العمر ، و لكنها رأت نفسها أمام زوج تجاوز الستين بدت عليه أعراض الشيخوخة ، و اشتعل الشيب في رأسه ، و تغضّن وجهه ، فبانت لها الفجوة التي تفصل بينها و بينه ، فلعنت حظها العاثر ، و لم يعد يرضيها مال و لا بنون . نفرت الزوجة من العيش في كنف رجل أطل على الشيخوخة و بانت عليه أعراضها في الوقت الذي بدأت هي تتدفق أنوثة و حيوية و جمالاً ، و تاقت نفسها إلى حياة الشباب و مراتعه . و ما عتمت أن ألقت نفسها في أحضان شاب في مثل سنها . ضلت السبيل و خانت الأمانة الزوجية ، و بدأت ترشف كؤوس الغرام المحرمة إلى أن استحوذت عليها فكرة العيش مع خليلها ، بدلاً من العيش مع حليلها ، ففرت من منزل الزوجية إلى عشيقها . لا جدال في أن ما أقدمت عليه الزوجة يعتبر جريمة من أخطر الجرائم في المجتمع ، و لكن لا مندوحة من تقرير أن هذه الجريمة كانت حصيلة الجريمة التي ارتكبها الزوج نفسه حينما اختار ، و هو في سن الكهولة ، زوجة في ريعان الصبا ، و تأبى الطبيعة أن تقبل مثل هذا الزواج ، أو أن تباركه فهو مكتوب عليه بالفشل بسبب التفاوت الكبير في العمر بين الزوجين تفاوتاً بلغ أكثر من خمسة و عشرين عاماً . بعد فرار الزوجة لم يجد الزوج بداً من الخلاص من الرابطة الزوجية ، و سرعان ما وجد تجاوباً لدى الزوجة لتحقيق هذه الرغبة ليتاح لها الزواج من عشيقها الشاب ، و لكن كيف السبيل إلى تحقيق رغبتهما المشتركة ، و ما هي المحكمة المختصة بالنظر في هذه القضية ، و إصدار الحكم فيها ، و ما هو النص القانوني الواجب التطبيق فيها ؟. تردد محامو الطرفين الكاثوليكيين المعقود زواجهما مدنياً بفرنسا في القانون الذي يمكن تطبيقه في قضية فسخ زواجهما ، و بالتالي في المحكمة التي تتولى النظر و الحكم فيها . أفتى بعضهم أن القانون الواجب التطبيق هو نظام سر الزواج للطوائف الكاثوليكية الشرقية ، فاصطدموا في هذه الحالة بعدم وجود نص يمكن تطبيقه ، لأن زنى الزوجة لا يشكل مبرراً في القانون الكاثوليكي لفسخ أو إبطال الزواج ، و إنما يشكل مبرراً للهجر فقط ، لأن الطلاق غير معترف به لدى الكاثوليك ، فلا يمكن فصم عرى الرباط الزوجي لديهم إلا لأسباب تعود إلى ما قبل عقد الزواج كالإكراه . و هكذا دخلت القضية في طريق مسدود ، و لما عرضت عليّ ، وجدت أن الفتوى المذكورة خاطئة ، و أن الحل القانوني كامن في أحكام الفقرة الثانية المشوشة من المادة25 من القرار 60 ل ر ، و التي تنص على أنه في حالة زواج المدني ، تكون المحاكم المدنية هي المختصة ، و بالتالي فإنها تطبق القانون المدني . و هكذا أقمت الدعوى لدى القضاء المدني السوري الذي قرر اختصاصه و فسخ الزواج سنداً لثبوت الخيانة الزوجية ، و هو ما ينطوي تحت مفهوم إخلال الزوجة في أهم واجباتها و التزاماتها الناجمة عن عقد الزواج تجاه زوجها ، و ذلك عملاً بأحكام القانون المدني السوري التي سوغت فسخ العقد ، أي عقد ، عند إخلال أحد المتعاقدين بالالتزامات الجوهرية المترتبة عليه نحو المتعاقد الآخر . و هكذا نرى أن الزواج المدني معترف به في كل من سوريا و لبنان ، على أن يجري ضمن الشروط المنصوص عليها بالمادة 35 من نظام الطوائف الدينية رقم 60 ل ر لعام 1936 ، رغم عدم اعتراف الكنسية به ، و تعلق ذلك بالمسيحيين فقط ، و يطبق عليهم لأن نظام الطوائف الدينية اقتصر مفعوله على غير المسلمين ))
|
|||||
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
مقترحات زميل أردنى فى مشروع قانون المحاماة الأردنى الجديد | الشحات مرزوق المحامي | أدبيات وقوانين مهنة المحاماة | 1 | 10-12-2007 07:50 PM |
أفكار حول تعديل قانون المهنة | أمير تريسي | أدبيات وقوانين مهنة المحاماة | 0 | 21-01-2007 12:44 AM |
المحكمة الجنائية الدولية - أركان الجرائم | المحامي ناهل المصري | الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية | 1 | 25-12-2006 04:31 PM |
قانون المحاماة والوظائف القانونية المصري | المحامي ناهل المصري | قوانين جمهورية مصر العربية | 0 | 26-07-2006 11:16 AM |
أركان الجرائم في نظام المحكمة الجنائية الدولية | المحامي ناهل المصري | الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية | 0 | 27-05-2006 11:24 PM |
![]() |