مواقف مررت بها

[وسيم حمادة الخياط]

نتعرض نحن المحامون لكثيرٍ من المواقف المحرجة خلال عملنا يترك أغلبها تأثيراً في نفوسنا ،لكنها في الواقع تتحول إلى ذكرى جميلة يتعلم منها الواحد منا دروساً للمستقبل....
- من هذه المواقف ماقد يتسبب بها الموكل نفسه.. وهي حالات كثيرة على ماأخبرنا أساتذتنا القدامى بالمهنة ،وبرغم أنها قد تضر الموكل أكثر من وكيله ،إلا أنها تضرنا بضياع المجهود الذي بُذل فيها والذي ربما استغرق سنين..
ومن هذه المواقف ماحصل معي في دعوى نفقة زوجية وصلت لمرحلتها الأخيرة وغدت جاهزة للفصل ،لأتفاجأ بوالدة الموكلة تتصل بي وتكف يدي عن الدعوى بحجة أني لم أحرك بها ساكناً عبر شهور!!!! طبعاً أخبرتها على الفور بأني لاأمانع بذلك شريطة أن تسدد لي ما بذمتها علي ،فإذا بأحد أصدقائي المقيمين خارج القطر –وهو من كان قد دلها علي- يتصل بي ويرجوني من كل قلبه أن أنهي علاقتي بها حبياً ودون مقابل مادي نتيجة ماسببته له من إحراج باتصالها الدائم به وبأهله في دمشق ..والغريب أنه بعد أن أعطيتها ورقة لامانع تفاجأت حين أخبرني كاتب المحكمة بأن القاضي غاضبٌ جداً لأننا لا أنا ولا الموكلة حضرنا جلسة الفصل مااضطرهم لشطبها!!!!!!
- ومن هذه المواقف مايتسبب به بعض كتاب المحاكم الذين يحاولون إظهار فهمهم بالقانون أكثر من القضاة أنفسهم ..
ومن هؤلاء كاتب إحدى محاكم استئناف الجنح بدمشق الذي رفض تسجيل طلبي بسماع الشهود على محضر الضبط وأصر على أن أقدم له مذكرة خطية بذلك!!!!وهو ماسبب لي إحراجاً أمام موكلي -الحاضر بطبيعة الحال- حيث كان قد طلب مني قبل ذلك أن أقدم للقضاة مذكرة خطية أشرح فيها مالم يوضحه زميلي السابق الذي قام بعزله بعد تقديمه للاستدعاء مما لم يتضح لقاضي بداية الجزاء!!!!!!!
- أما الموقف المحرج الذي يحزّ بالنفس كثيراً فهو ما يكون سببه مستخدم المحكمة خاصةً إذا ماكان معك الموكل والمفترض أن تتمالك أعصابك أمامه..
وهو ماحصل معي مع مستخدم إحدى محاكم البداية المدنية حين رفض البحث عن السجل والذهاب به معنا -أنا وموكلي- للديوان لإتمام المعاملة واستخراج الحكم بحجة أنه مشغول .رغم أن كل ما كان يفعله هو شرب القهوة مع صديقه!!!!! وطبعاً بحكم كبر سنه ووجود الموكل معي تعاملت بدبلوماسية مع الموقف وأقنعته بأن أبحث عن السجل بنفسي وأحمله -على ضخامته- للديوان .فوافق بمعجزة لكن ليس بدون إكرامية!!!!!
- لكن أكثر ما يؤثر فينا بالتأكيد حين تصدر مثل تلك المواقف من القضاة الذين يفترض بهم بأنهم أكثر العالمين بالذوق والأخلاق والأصول قبل معرفتهم بالقانون..
وهو كان ماقام به ًمعي أحد قضاة البداية المدنية بدمشق -جزاه الله خيراً- حين طلب سماع الشهود في دعوى تثبيت بيع أقر بها الطرفان أصولاً (وهو مايغني من الناحية النظرية عن أي دليل آخر بما فيه الشهادة حسب معلوماتي المتواضعة) ودون أن يعطيني أي سبب واضح لهذا القرار الخنفشاري!!!!
لكن المشكلة ليست هنا ..فعندما أحضرت الشهود الذين تم تجميعهم بالكاد وبعد جهودٍ حثيثة من طرفي الدعوى ،وإحجام بعض الأشخاص عن الإدلاء بشهادتهم (ورعاً؟؟؟؟؟) .اعتذر القاضي عن سماعهم وحدد لي موعداً آخر نظراً لتعكر مزاجه حينها (على ماأخبرني الكاتب)!!!!!!
والمفاجأة في الجلسة التالية حين أحضرت الشهود بعد نفس المغامرة لتجميعهم ،فإذا به وبعد أن انتظرناه حتى نهاية الدوام ينظر نحو الكاتب ويقول له : (ليش جبت الشهود؟؟الدعوى مفصولة)!!!!!! وحين أخبره بأنه هو من طلب ذلك سأله: (شو نعمل هلأ؟؟) فأشار له الكاتب بأن يسمعهم على سبيل الاستئناس!!!!!
- غير أنكم إذا ماسألتموني عن آخر موقفٍ تعرضت له -ولعله الأغرب بلا منازع- هو ماحصل معي مؤخراً وقبل نهاية السنة مع أحد الموقوفين بواحدة من محاكم الجنايات بريف دمشق حيث لم أستطع النوم وقت القيلولة لأيام من شدة ماألح علي والد الموقوف ،ثم عمه،ثم أخوه،ثم والدته، كي أخلي لهم سبيل ابنهم .مع علمهم بأن الجرم الموكل إليه -جرم اختلاس أموال عامة- يندر أن يخلى سبيل الموقوف به دون كفالة مادية على الأقل لدى المحكمة التي نحن بصددها (حسب معرفتي بهيئتها)..
وهكذا قمت بالتواصل مع رئيس المحكمة الذي تفهم مشكوراً الوضع ووافق على ذلك شرط الكفالة والحضور -حسبما توقعت وأخبرت أهل الموقوف- وقمت بالاتصال بهم على أن يحضروا باليوم التالي لمحكمة الزبلطاني لتلقي القرار .ووافقوا بعد أن شكروني وأغدقوا لي الدعوات ....
وفي اليوم التالي استدعى سيادة القاضي الموقوف وأخبره بحضور أهله بإخلاء سبيله لقاء كفالة نقدية 300000ل.س (حيث أن المبلغ المتهم به يفوق المليون ونصف المليون) فما كان من الموقوف إلا أن رفض الإخلاء وقال للقاضي: (أنا مبسوط بالقعدة مع الشباب وفيك تحاكمني إذا حبيت)؟؟؟ وماكان من أهله إلا أن اختفوا بلمحة عين من مكتب القاضي ولم أعثر لهم على أثر خارجه ،ولا بالطوابق الأخرى ،ولا حتى على الهاتف!!!!!!!!
ذكرياتٌ أليمة في البداية ،لكنها أكسبتني بصراحة مجموعةً من الخبرات ..وتتحول بعد مرور فترةٍ من الزمن عليها لذكريات جميلة .........