ذهنية التخوين ولزوم مالا يلزم .. بقلم: عدنان عبد الرزاق
"كم قبضتم ياخوّنة" "هل اشتروكم" "أموال البترودولار" وإن شئتم يقول البعض "عملاء للامبريالية والصهيونية" أيعقل أن كل من يقف إلى جانب انتفاضة الشعب السوري يتحول إلى خائن أو مرتش أو عميل، حتى وإن كان في اليوم السابق رئيس وزراء مؤتمن على سلطة البلد التنفيذية، أو حتى لو ضحى بموقع وعائد وقبل أن يعيش في مخيمات تفتقر لأدنى شروط العيش الإنساني على الحدود.
بل وإن تعذر على بعضهم الرشق باتهامات معلبة فقد لا يتوانى بالقول "لوطي" أو "زير نساء" أو حتى "أصلع وأسنانه كبار".
بداية القول: ثمة ذهنية تكرست عبر سنين من الشعاراتية والنضال عبر الحكي والخطابات، مفادها تعدى من ليس معنا فهو ضدنا و وصل إلى من ليس معنا فهو خائن، بصرف النظر عن مكانه وموقفه السابقين وأيضاً بغض الطرف عما كنا نقول عنه وقتذاك، فمن عراق صدام حسين إلى ياسر عرفات مشوار طويل، ومن الخليج وصولا لحركة حماس تتمة المشوار الذي لم ينته بأولاد البلد المشهود لهم بالعصامية والنبل والوطنية.
لئلا أقع في فخ غيري أقول، قد ثمة من يقبض ويخون على كلا الضفتين، وليس لي أن أحلف على أو عن أحدا، لكني غير ميال للاتهام دونما دليل لأنه أعتبره كما التعميم قتل،وأخص في تباينات غدت خلالها الوطنية وجهة نظر في هذا الزمان الرخو، ولعل الاختلاط وتبدل المواقف يزيد من وضع المبدئيات وحتى الحقائق العلمية في موقع وجهات النظر التي تحتمل الرأي والرأي الآخر.
فأن تشارك سوريا التصدي إلى جانب الأمريكان لتحرير الكويت، فلهذه الحالة وجهان، وجه قومي يتأتى من تحرير بلد عربي، وآخر خيانوي يمكن أن يندرج في التضامن مع "الامبريالية " لمقاتلة جيش شقيق ، وكذا لجهة المفاوضات التي خاضتها سوريا مطلع تسعينيات القرن المنصرم مع العدو الصهيوني في مدريد، فهي مناورة تدخل في خانة الفعل السياسي وفق الأمر الممكن، وتدخل في خانة معاكسة إذا انطلقنا من مبادئ حزب البعث الحاكم الذي يرى صراعنا مع العدو الصهيوني هو "صراع وجود لا صراع حدود".
إذا، ولطالما وجدنا مخارج لمسائل بحجم مقاتلة جيش عربي وتفاوض مع عدو مغتصب، لماذا لا نتفهم رغبات وحقوق الآخرين في الميل أو الوقوف إلى جانب قضية محقة كتلك التي يعيشها الشعب السوري الآن.
أما إن أردت أن أضيف من الشعر بيتاً لأؤلئك المسكونون بنظرية المؤامرة ولا يمكن أن يخرجوا عن عباءة "لا حياة في هذا القطر إلا للتقدم والإشتراكية" فسأقول: أتعلمون أن دول الخليج العربي - أو معظمها – أغلقت حدودها في وجه السوري، حتى على صعيد الزيارة لفترة محددة من الزمن، وهل تعملون أن "المحطات المغرضة" تتدلل على السوري وربما يحتاج وساطة كي يظهر على شاشاتها في واقع توفر ساعات بث عبر شبكات التواصل الاجتماعي تفي بالغرض وتتناسب – ربما – أكثر مع سياساتها التحريرية، وهل تعملون أيضاً أن السوريين - أو معظمهم – آثروا العمل بعيداً عن تخصصاتهم، وأحياناً أعمالاً عضلية في الدول التي تتهمونهم أنها تغدق عليهم العطاء، عن العيش في بلد منهوب ومستلب وخال من الكرامة... ويفيض عن حاجة أعداء من القصف والقتل والدم.
خلاصة القول: أعتقد أن ما يعتري سوريتنا جميعاً الآن هو فترة تحول ومخاض، قصرت أم طالت، لذا قد لا يكون من الحكمة أو الوطنية، أو حتى من النفعية، الاستمالة العمياء لطرف صار من الواضح خياره تجاه أهليها، كل أهليها، حتى وإن تحصن ببعضهم لفترة قد لا يتوانى في رميهم بوجه العاصفة إن اقتضى البقاء أو الأمر... والأمر يومئذ لله.