منتدى محامي سوريا

العودة   منتدى محامي سوريا > المنتدى الفقهي > أبحاث قانونية مختارة > أبحاث في الفقه الإسلامي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 25-04-2006, 04:32 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
المحامي ناهل المصري
مدير عام

الصورة الرمزية المحامي ناهل المصري

إحصائية العضو








آخر مواضيعي


المحامي ناهل المصري متواجد حالياً


افتراضي حرية الرأي في الفقه السياسي الاسلامي

تعد هذه الحرية العمود الفقري للحريات الفكرية .. حيث تحمل في طياتها عدة أنواع من الحريات مثل:
- حرية الصحافة
- حرية وسائل النشر والإعلام من إذاعة وتلفزيون ومسرح وإنترنت وخلافه من أدوات التعبير عن الرأي
- وهي كذلك تشمل حرية التعليم والتعلم مما تشمله من حريات نشر الكتب والآراء فهذه الحريات الجزئية تأخذ حجمها ومداها الطبيعي في مدى وحجم حرية الرأي .

1- مفهوم حرية الرأي :
هذه الحرية تعد بلا شك من المسائل الجوهرية التي تدخل في نطاق حقوق الإنسان في الإسلام والمقصود بها حرية الجهر بالحق وإسداء النصح في كل ما يمس الأخلاق والمصالح العامة والنظام العام في كل ما تعتبره الشريعة الإسلامية فكراً .

وقد كفل الإسلام هذه الحرية منذ فجر الدعوة بل وجعلها من أوجب واجبات المسلم في ممارسة حقه في إبداء الرأي والوقوف بصلابة إلى جانب العدالة والمساواة (مرتكزات الاسلام الأولى) وما يقصد أنه الحق .

2- هناك العديد من الأدلة النقلية من الكتاب الكريم والسنة والنبوية ما يدل على ذلك منها :
أ- فمن الكتاب : قوله تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)(2). وقوله عز وعلا : (الذين إن مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)(3) .
ب- ومن السنة : دلت أقوال وأفعال وتقريرات النبي صلى الله عليه وسلم عليها ومنها:
1- (ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان)(4) .
2- قوله صلى الله عليه وسلم : (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) .
3- سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله .
4- ويقول (....... والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرأ ولتقصرنه على الحق قصراً)
ولم يكتف الرسول عليه الصلاة والسلام بهذه الدعوة العامة لحرية الرأي بل كان يحث أصحابه على ممارسة حرية الرأي معه فكان يستطلع آراءهم في الشؤون العامة بل وفي المسائل الخاصة وكان يأخذ بآرائهم وإن خالفت رأيه أحياناً .

ومن هنا تتضح أهمية هذه الحرية من كون الإسلام دعوة إسلامية عالمية يجب إبلاغها إلى كل عقل إنساني فمجال عمل الإسلام هو الجنس البشري كله وبدون حرية الرأي لا يمكن أن تتخذ الدعوة سبيلها إلى العالم فإعلان الدعوة الإسلامية وطرح أفكارها ومبادئها الرئيسة يقتضي بداهة حرية الرأي عند الطرفين عند الداعية المسلم وعند الطرف الثاني مهما كان فكره واعتقاده .

3- أغراض حرية الرأي :
تحقق حرية الرأي العديد من الأغراض الأخرى للأمة فهي وسيلة لتحقيق التقدم والعدل ورفع الطغيان والظلم وسوف نعرض لذلك بالتفصيل على البيان أدناه .
أ- حرية الرأي وسيلة للتقدم :
وذلك أن إعلاء كلمة الله يتأتى من التقدم العقلي والفكري للإنسان فكلما استنارت الإنسانية وزاد تقدمها كانت كلمة الله ورسالته قائمة وماضية ونافذة فلقد خلق الله ما خلق من أجل الإنسان ومن أجل تقدمه لذا فقد سخر الله الكون ليعمره وعلى ذلك يجب أن تهدف جميع التصرفات الإنسانية إلى البناء والوصول بالإنسان إلى حياة أفضل وحظ من السعادة.. ولكي يضمن المجتمع مشاركة أفراده في تحقيق هذا الهدف – يجب عليه أن يمنحهم الحق في أن يعبروا عن أفكارهم تحقيقاً لهذه الغاية .
ب- حرية الرأي في الميدان السياسي أداة لإصلاح الحكم :
وهنا تظهر الأهمية القصوى لحرية الرأي عندما توجه السلطة العامة باعتبارها أداة المجتمع في تحقيق آماله وأهدافه والحكم الصالح يفترض قيام السلطة على تحقيق مصالح العباد وإحراز التقدم في كافة المجالات ولا تستطيع السلطة القيام بهذه المهمة دون أن تتعرف على رغبات المواطنين وآراءهم ومقترحاتهم في هذه الأهداف وفي سبل تحقيقها .

لهذا أباح الاسلام حرية الرأي وحض عليها ولا أجد في هذا المقام أدق من تعبيره عليه الصلاة والسلام حيث قال (قل الحق ولو كان مراً) وقد كتب علي بن أبي طالب في عهده إلى أحد عماله في مصر يقول (....... وليكن آثر أعوانك أقولهم بمر الحق لك)(8) .

كل ما سلف ذكره يؤكد ويدعم حق النقد وإبداء الرأي وإعطاء صاحبه مكانة عظيمة في مواجهة الحكام وما اكتسب الرأي (ولو كان نقداً) هذه المكانة العظيمة إلا لأنه وسيلة لإصلاح الحكم أياً كان في أي قطاع كان ولا يقتصر فقط على الحاكم السياسي .

ومن أجل ذلك فإن الإسلام لا يعترف بذات مصونة لا تمس.. بل إن الجميع أمام الشرع سواء.. إذاً فلا يملك أحد الحجر على ما يقول غيره بل يجب تمحيص ما يقول ..
وهذه بيئة ينبغي أن تسود فيها حرية الرأي ويعظم فيها النقد
بيئة تسود فيها المساواة التامة بين الراعي والرعية ويسود فيها التسامح الحر .

وعلى ذلك فإن اضطهاد الآراء منشؤه سقوط هذه المساواة بين الناس وأن يعتقد الراعي في نفسه النزاهة عن الخطأ أو يزين له من حوله من الحواريين ذلك أو يجعلونه أساساً من أسس العلاقة بينه وبين الناس حينئذ يكون التضييق على الآراء والأفكار ويضطر الناس إلى إعلان ما لا يؤمنون بصحته ويتظاهرون بقبولها ويكون من نتاج ما تقدم انقسام وجدان الأمة فتؤمن بآراء وتعلن غيرها أمام السلطة خشية بطشها فإذا استقر في وجدانها هذا الانقسام أدى ذلك إلى إنمائه في نفوسهم وإقبالهم على الكذب والنفاق والتظاهر بطاعة الحاكم خلاصاً من عسفه.. جاء في الحديث الصحيح عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (شر الناس من وادعه الناس لاتقاء شره) .

ويقول ابن خلدون (إن الملك إذا كان قاهراً باطشاً بالعقوبات منقباً عن عورات الناس تسلمهم الخوف والذل ولاذوا بالكذب والمكر والخديعة فتخلفوا بها وفسدت بصائرهم وأخلاقهم وربما خذلوه في مواطن المدافعات .. ففسدت الحماية بفساد النيات)(10) .

ج- حرية الرأي وسيلة لرد الظلم والطغيان :
وهي وفقاً لهذا المفهوم تأتي في مقدمة الوسائل المتاحة لرد الظلم فإن للرعية أن تقدر تصرفات راعيها فحيث كانت صحيحة أجازها وحيث كانت باطلة حمل الراعي على العدول عنها بما هو مشروع له من مقاومة من جانب الراعي.
حتى وإن لم يكن الحاكم طاغياً فإن الاسلام أباح للمسلمين الرد عليهم إذا خرجوا عن الحدود التي رسمها لهم الشرع في ممارسة أحكامهم وتصرفاتهم .

ومن الأمور اللافتة للنظر أن الخلفاء الراشدين أنفسهم كانوا يسعدون بممارسة الرعية لنقدهم وتقويمهم إن هم جنحوا عن جادة الصواب مهما وصلت هذه المقاومة وهذا النقد من إفراط (11).
فلقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يخطب في الناس قائلاً (.... إن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني .... أطيعوني ما أطعت الله فيكم ...)
وهذا عمر بن الخطاب يوصي رعيته بقوله "إن رأيتم في اعوجاجاً فقوموني فيرد عليه أحد الرعية شاهراً سيفه : والله يا عمر لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا .. فيقول : الحمد لله الذي جعل في أمة عمر من يقوم اعوجاجه بسيفه"
وبالمثل كان عثمان بن عفان رضي الله عنه حيث يقول إني أتوب وأنزع ... والله لئن ردني إلى الحق عبد أسود لأذلن ذل العبيد )(12)

هذه الأمثلة وغيرها كثير تعطي الإنطباع الأكيد في مدى امتثال رجال السلطة الأوائل في أول عهد الإسلام للأوامر الواردة في المصادر النقلية حول وجوب احترام وتقدير حرية الرأي قولا وفعلا والاحتذاء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تطبيق هذه الحرية وتقديره لها من خلال أفعاله وأقواله سالفة الذكر .

فحرية الرأي إذا مكانها بين الاحكام الشرعية في الشريعة الاسلامية باعتبارها أساساً ونقطة ارتكاز لمبادئ شرعية رئيسة مقررة مثل الشورى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبيعة وخلافها من أحكام السياسة الشرعية فبدون وجود حرية رأي حقيقية لا يمكن أن تقوم شورى صحيحة ويصبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مسألة شكلية مفرغة من المضمون والمحتوى وتصبح البيعة عملية نفاق أو إذلال لأن الامور تتطلب إبداء الآراء وإن اختلفت الأساليب بين الشورى والبيعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

وعليه فإن أهمية هذه الحرية تتضاعف لاتصالها الوثيق بكل ما يمس الأفراد والسلطات على تعددها في الدولة فحرية الرأي تكفل تبادل الأفكار والآراء وهذا ما يؤدي إلى تلافي الأخطاء والسلبيات إلى أقل قدر ممكن من قبل الأفراد والسلطات على حد سواء .
4- القيود المفروضة على حرية الرأي:
الأهمية الكبرى المفروضة على هذه الحرية تفرض وجود قدر من الضوابط التى تسهل ممارستها وتتلخص أهم هذه القيود فى الآتي :
أ- أن يكون المقصود منها هو النصيحة لله ولرسولة ولأئمة المسلمين .. كما صحت بذلك السنة .. ففي الحديث الشريف "الدين النصيحة ، قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسولة ولأئمة المسلمين وعامتهم " (13) .
أما أن يكون الرأي لمجرد التشهير بالحكام والإساءة إليهم والانتقام منهم وحمل الناس على التجرؤ عليهم ونحو ذلك من الأغراض غير المشروعة التى لا يراد بها وجه الله تعالى ولا خير المنصوح ولا تحقيق المصلحة العامة فذلك ليس من الدين فى شىء بل هو وقوع فى أعراض الناس وقد حرمه الدين وحذر منه (14) .
ب – يجب باستمرار التماس الأعذار للمخالف فيها وهو مجال للاختلاف .. لأن رأينا ليس آولى من رأيه مادامت المسألة اجتهادية. وبناء عليه فليس في الإسلام أيضاً حمل الناس وقسرهم على اتباع الآراء ، والمعتقدات الشخصية .. فلا إلزام إلا بحكم الشرع .
إن حرية المعارضة ماهى إلا نتيجة طبيعية لحرية الرأي وبالتالى إذا استقامت حرية الرأي فى أمة وسادت حرية الكلمة فلابد أن يتبع ذلك وجود نوع من المعارضة ما دامت تمثل قواعد ومبادىء أساسية لنظام الحكم الإسلامي .. والمعارضة في الإسلام لا تعنى رفض كل شىء لمجرد المعارضة أو حباً في المخالفة أو مجرد الانتساب إلى فرقة من الفرق أو حزب بحيث يصبح الفرد مخالفاً ومعارضاً للرأي الآخر مهما كان صواباً ومستقيماً وإنما المعارضة في الاسلام تعني تصحيح الخطأ وطرح البديل وتكاتف الأيدي من أجل الصالح العام في حدود الأصول العامة للشريعة الإسلامية (15) .

حيث يقول صلى الله عليه وسلم (يكون أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)(16)

ومما تجدر الإشارة إليه أن المعارضة في الإسلام هي معارضة مواقف وجزئيات وليست معارضة مبادئ وأصول فهي لا تهدف أصلاً إلى إزاحة السلطة الحاكمة للحلول محلها .. وإنما تهدف إلى كشف الخطأ وبيان وجه الصواب باعتبار أن إبداء الرأي حق وواجب حرض الاسلام عليه بقوله صلى الله عليه وسلم (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) دون الخروج على مبدأ المشروعية لأن الحكم يستمد وجوده الشرعي من البيعة من عامة المسلمين باعتبارها عقداً بين الطرفين .
ج- يجب على المرء وهو يبدي رأيه أن يكون متخلقاً بأخلاق الإسلام وآدابه فلا يخوض في أعراضهم ولا يسبهم أو يلصق بهم النقائض بحجة حريته في إبداء رأيه.. فالإنسان حر دائماً ما لم تتحول حريته إلى فساد وإضرار.. وحتى تكون الحرية بناءة وليترتب على تبليغها أثرها ولا تنقلب إلى فوضى هدامة.

وهكذا تبدو منافع حرية الرأي التي هي بحق معيار القول بالتقدم والتخلف لأمة من الأمم باعتبار أن المناقشة هي شرط لا ريب فيه لإحداث أي نهضة سياسية وعلمية واقتصادية وفنية وإن اعتبارات المنفعة ودرء المفسدة ينبغي أن تعلو على أي اعتبار يعارضها وفق الأسس والضوابط التي سلفت الإشارة إليها .

5- حرية الرأي والأحزاب السياسية :
قد يكون التعبير عن الرأي في صورة فردية وذلك بأن يعبر كل شخص عن رأيه دونما ارتباط بالآخرين وقد كانت هذه الصورة معروفة على الأقل في بداية البعثة النبوية وامتدت لتشمل الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم .. كما يمكن التعبير عن الرأي من خلال جماعة منظمة أو هيئة يتعاون أفرادها معاً بصفة مستمرة.. خاصة وأن نزعة حب الانضمام أو الإنضواء أو الانتماء تحت لواء إحدى الأحزاب أو الجماعات هي إحدى نزعات النفس البشرية وفي هذا يقول عليه الصلاه والسلام (عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) فتلك الغريزة هي التي جعلت من الإنسان مخلوقاً اجتماعياً .
وبالتالي فإن التعددية السياسية وفي مفهومها العام هي تنوع مؤسس على تمييز وخصوصية ولذلك فهي لا يمكن أن توجد وتأتى إلا في مقابلة كل ذلك في إطار من الوحدة.
وبهذا المنهاج يكون طريق النظر الإسلامي إلى قضية التعددية التي يراها قانون التنوع الإسلامي في إطار الوحدة الاسلامية (18) وفي هذا الإطار يمكن أن توجد المعارضة الفعالة الناصحة للحاكم أو المعينة له والداعمة والطامحة في ذات الوقت إلى الوصول إلى السلطة وبالصورة المشروعة لتحقيق رسالة الله إلى البشر وفق المبادئ سالفة الذكر.
إلا أن المعارضة الفعالة تستدعي التنظيم والتنظيم يستدعي وجود جماعة مختارة من المسلمين تراقب الأفراد والجماعة والحاكم لتحاسبهم على الخطأ .

وقد اتفق الفقه على أن المقصود بهذه الجماعة هم أهل الحل والعقد الذين يجب أن تتوافر فيهم صفات العلم والعدل حتى يكونوا قادرين على تحليل كافة النظم والعلاقات القائمة بين الحاكم والمحكوم وبالتالي تتسم معارضتها بعمق التحليل وبعد النظر وسداد الرأي.
وقد اختلف الفقه في شرعية نظام الأحزاب وانقسم إلى رأيين ما بين مؤيد ومعارض وذلك على التفصيل الآتي :
أ- الرأي المعارض لفكرة الأحزاب :
يذهب هذا الجانب إلى أن إبداء الرأي أو المعارضة لا بد أن يتم في صورة فردية في مجلس الشورى الإسلامي حيث لا يمكن أن ينقسم أعضاؤه إلى جماعات وأحزاب بل يبدي كل فرد رأيه بصفته الذاتية.. فإن الإسلام يأبى أن يتحزب أهل الشورى ويكونوا مع أجزائهم سواء كانت على حق أم على باطل (19) .

ويستند هذا الفريق في رفضه لنظام الأحزاب إلى أدلة أهمها :
1- نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية التي تؤكد وحدة الامة وتحذر من الفرقة والشتات .
ومن هذه النصوص قوله تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) (20) (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)(21) (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم (22) وقوله صلى الله عليه وسلم (يد الله مع الجماعة) .
2- الإسلام يأبى الأحزاب لأنها تؤدي إلى التنازع والانقسام .
واعتبر بعض الفقهاء الاسلام ممن حمل على تكوين الأحزاب واعتبره مؤدياً إلى الإنقسام ما حدث من أحزاب الخوارج والشيعة وكذلك مثل أحزاب السنة والمعتزلة .
2- الأساس النفسي والتاريخي تعطي كلمة الأحزاب وقعاً غير مستحب فهي عند المسلم:
أولاً : تذكره بالموقف التاريخي للأحزاب التي تحالفت لحرب رسول الله وكذلك فإن القرآن ذكر هذه الأحزاب بصورة غير محببة .
ثانياً : الملابسات السيئة التي لازمت النظام الحزبي في بعض الدول الإسلامية التي هدف بعضها إلى تمزيق وحدتها والسيطرة على مقدرات الشعوب .
ب- الرأي المؤيد للأحزاب: ويستند هذا الرأي على الحجج الآتية :
1- الاحزاب من سنن البشر :
حيث يقول الله تعالى (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين) ويقول عليه الصلاة والسلام (افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة) .
ولما كان الأمر كذلك كان الأجدر بالأمة الإسلامية أن تقوم هذا الخلاف وتنظمه للاستفادة منه في صلاح المسلمين فلا شك أن الجهد الجماعي يعطي أكثر من الجهد الفردي وبالتالي إذا كان الصالح العام في ظل الشريعة الإسلامية هو هدف الجماعات وأن افتراق الأمة لا يؤدي في كل الأحوال إلى التنازع المنهي عنه وعلى سبيل المثال كان ابن حنبل يقول عن الإمام مالك (إذا ذكر العلماء فما بالك النجم الثاقب وما أجد أعلى من مالك) وبالتالي ليس صحيحاً أن كل خلاف يؤدي إلى تمزق وفوضى بدلاً عن الاستقرار فكم كانت الخلافات أسباباً في الوصول إلى الحقيقة وكشف الأخطاء وعاملاً من عوامل البناء.
2- الأحزاب تقوم بعدة وظائف :
أهمها عملية الترشيح لمختلف المناصب السياسية والإدارية الكبرى بل والقضائية في بعض النظم السياسية وهذا يتناسب مع عدم تزكية النفس قال تعالى (فلا تزكوا انفسكم) (26) ويقول صلى الله عليه وسلم (إنه لا يولي أحداً سأله أو حرص عليه) .
فإذا كانت مشروعية الحاكم تستمد أساساً من البيعة التي هي صورة من صور الانتخاب فإنه يصعب إتمام هذه البيعة إذا لم ترشحه الأحزاب وتعرف به لعامة المسلمين وللتأكد من توافر شروط الإمامة فيه .
3- من التجربة الواقعية :
إن المبادئ الدستورية العامة التي تبناها الإسلام وهي الشورى والحرية والعدالة والمساواة تصعب حمايتها والحفاظ عليها في نظم تحرم الأحزاب .. بل إن وجود الأحزاب يضمن لها هذه المبادئ من خلال ممارستها لنشاطها في حدود الصالح العام وأحكام الإسلام .
وإذا كان الحاكم في صدر الإسلام قادراً على الإلمام بكل مشاكل عصره الفقهية والسياسية والإدارية فإن الوضع قد تغير في العصر الحالي فالحاكم الآن في حاجة إلى من يسترشد به ويعضده والأحزاب تقوم بهذا الأمر فالشورى والمعارضة وجهان لعملة واحدة هدفها تبادل الآراء بين الحاكم والمحكوم من أجل الصالح العام .

وأرى أن هذا هو الرأي المناسب .. ذلك أن الحديث عن تكوين الأحزاب في الإسلام لا يتم الا بعد الاتفاق على معنى حزب نفسها فالحكم على جواز الأمر من عدمه يستند على تحديد معنى الكلمة .
فالحزب يعني الطائفة من الناس (28) واذا أضيف الحزب لشخص ما أو لجهة فهذا يعني الطائفة التي تحمل آراء ذلك الشخص أو تعاليم تلك الجهة .
وقد وردت كلمة حزب في القرآن الكريم مضافة تارة الى الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى (ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون) (29) وقوله (رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم الغالبون) (30) وتارة تجد كلمة حزب مضافة إلى شيطان كما في قوله تعالى (أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ) الأمر الذي يعني أنها كلمة لا تحمل الحسن والقبح في ذاتها ولكنها تتلون بما أضيفت إليه .
فإذا تبين معنى كلمة حزب فإن الأحزاب إن كانت هي حزب الله في مقابلة حزب الشيطان فإنه لا يجوز للمسلم إلا الإنضواء تحت راية حزب الله إما بافتراض تكوين جماعات وطوائف تنتمي كلها لحزب الله مع اختلافات في أمور ظنية جزئية فهذا لا يعني أكثر من صورة المذاهب الفقهية التي اتفق الفقه على جوازها بشرط أن لا يعتقد كل حزب ضلال الحزب الآخر أو أن تتحكم الفتن بين هذه الأحزاب .. هذا مع التسليم بوجود بعض الخلافات التي تنشأ بين المسلمين والمعني بالخلافات هنا (الآراء المتعارضة في الفروع والكيفيات والوسائل لا الكليات) .
أما التنازع والشقاق المنهي عنه وتضارب الآراء في صلب العقيدة والأصول القطعية ولهذا فإنه إذا التزم الحزب الخطوط المرسومة له كان ذا فائدة للناس خاصة اذا كان منظماً وقادراً على إيقاف الظلم وأكثر هيبة لدى الحاكم .. ومهما افترضنا العدالة في الحكام وإمكانية تقبلهم للنصيحة والنقد والمعارضة فلا يجوز الارتكاز على ذلك فلا بد من مراعاة ضعف البشرية ولا ضمان دون الاعتراف بحق تكوين الأحزاب المعارضة .
كما أن النظام الحزبي يحقق الحل لمشكلة مزمنة وهي كيفية التوفيق بين النهي عن الخروج على الحاكم خوف الفتنة وبين وجوب قول كلمة الحق مصداقاً للأمر بالمعروف وبين إمكانية التغيير وعدم الوقوع في التهلكة وذلك عن طريق ضمان الانتقال والتداول السلمي للسلطة من الحزب الحاكم إلى الحزب المعارض دون إراقة دم ولا وقوع في الفتنة .
كما أن للأحزاب في الدول في الدول المتقدمة أجهزتها الفنية اللازمة لتقديم المشورة العلمية بعد دراسة المشاكل المعقدة في كافة ضروب الحياة الأمر الذي لا يستطيع الفرد القيام به .
أما مسألة التنافس بين الأحزاب فقد تنافس الأحزاب يوم السقيفة (31) على أحقية كل منها في الخلافة وقد كان لكل فريق حجته وقد انتهى الأمر كما هو معروف بترشيح سيدنا أبي بكر الصديق ومبايعته .
وعليه يمكن للأحزاب إذا وظفت التوظيف الصحيح آنف الذكر أن تحقق المقاصد الشرعية للأمة الضرورية والحاجية والتحسينية .

خاتمة
الثابت أنه لم تتبلور حتى الآن مفاهيم عامة ومحددة للحقوق وللحريات بصفة عامة ولحرية الرأى بصفة خاصة باعتبار الأخيرة جزءاً لايتجزأ من مفهوم السلطة إلا من خلال أحكام الشريعة الإسلامية نظراً لكون الإسلام عقيدة وشريعة يعطى مفهوماً كلياً أو شمولياً ليتفرق بعدئذ فى كافة النواحي الإنسانية متدخلاً فيها بالتنظيم . لذا كان من الطبيعى أن يكون سباقاً فى ميدان حقوق الانسان باعتبارها متناسقة مع العبارة بين الفرد والسلطة (مع حاشية هنا لابد من ايرادها وتتخلص فى أن أوربا لم تعرف هذه المبادئ إلا فى بداية القرن السابع عشر إبان حرب التحرير الأمريكية ومن بعدها الثورة الفرنسية في حين أن الرسالة النبوية التي حملت مبادىء حقوق الإنسان ظهرت إلى الوجود قبل ذلك بقرون عديدة .
وما ينبغى لفت النظر إليه كذلك أن كافة القواعد الدستورية المتعلقة بالسياسة الشرعية ومن ضمنها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان لم توضع موضع التطبيق العملي بشكلها الوافي في عهد الإسلام الأول . حيث كانت عملية التكامل فى مختلف نواحي المجتمع الإسلامي واضحة بشكل بارز . وبعد ذلك ساد السلطان المطلق تحت مبررات مختلفة .. فنظرة سطحية إلى ما عاناه أئمة الفقه الإسلامى والمذاهب الإسلامية من تعذيب واضطهاد تعتبر كافية لتعطى صورة بذلك .
لذلك فإن التوجه الفكرى الحالى في العالمين العربي والإسلامي يتعين عليه محاولة إعادة تعيين هذا الموضوع وبحثه بصورة تتلائم مع أهميتة الحقيقية لتحقق التكامل بين أحكام الشريعة الإسلامية فى حلها للمشكل الإقتصادي والإجتماعى والسياسي فى إطار العقيدة الدينية حتى تأخذ حرية الرأى محلها الصحيح واقعاً ونصاً .. ولتؤدي دورها فى خلق المواطن وتكوين الإنسان الذى يتمتع بقدراتة الذهنية والجسدية بشكل سليم خال من العقد بعيد عن التأثير النفسي والفكري والعاطفي المضاد .
هذا مع ملاحظة أن الاختلاف فى الاجتهادات داخل الإطار الشرعي وفقاً للأدلة التوجيهية ليست عيباً لأنها لا تمس جوهر الشريعة الاسلامية ومبادئها العامة والقطعية .


الهوامش :
1- د. محمد محمد اسماعيل فرحات (مبادىء النظام السياسي) دار الشروق ط3 ، 1991 ، ص 62
2- سورة آل عمران آية 104 .
3- سورة الحج آية 41 .
4- رواة الترمذي علي بن عيسى محمد بن عيسى المتوفى سنة 295 هـ تحقيق ابراهيم عطوة عوض مصطفى البابي الحلبي و أولاده ، ط1 ، 1385 هـ 1965 م ، في الفتن ورواه مسلم في باب الإيمان حديث رقم 87 .
5- سنن ابن ماجه كتاب الفتن ، المجلد الثاني ، 1329 حديث رقم 4011 .
6- جامع الترمذي كتاب بر الوالدين حديث رقم 2075 شرحه الأحوذي بشرح جامع الترمذي 6/145
7- جامع الترمذي ، كتاب الفتن حديث رقم 2259 شرح الأحوذي 6/390
8- تفسير الطبراني عن ابي ذر وحسنة السيوطي في الصغير ، وأنظر في نفس المعنى قوله عليه الصلاة والسلام ( ألا لا يمنعن رجلا هيبته الناس أن يقول الحق إذا علمه ) راجع سنن ابن ماجة حديث رقم 4007 كتاب الفتن المجلد الثاني ط دار الفكر ص 1328 .
9- من بحث للشيخ محمد أبو زهرة تحت عنوان المجتمع الإسلامي ( منشورات بأبحاث علماء المسلمين . المؤتمر الثالث ، مجمع البحوث الاسلامي ص 446 ).
10- المقدمة ط دار الشعب . تحقيق د. علي عبد الواحد ص 169 .
11- عبد الحكمي حسن العيلي (الحريات العامة في النظام السياسي الاسلامي) دار الفكر 1974 ص147
12- أبي جعفر محمد بن درير الطبري (تاريخ الرسل والملوك بتحقيق أبو الفضل ابراهيم) ط 2 ، 1387 هـ - 1967 م دار المعارف بمصر 3/210 .
13- سنن الدرامي لأبي محمد بن عبدالله بن عبد الرحمن المتوفى سنة 552 هـ بتحقيق السيد عبدلله هاشم يماني ط شركة الطباعة الفنية بالقاهرة ص 220 انظر كذلك فتح الباري رقم 42 باب الإيمان .
14- محمد فرحات مبادئ النظام السياسي المرجع السابق ص 65 .
15- نعمان الخطيب (موقف الفكر السياسي الإسلامي من الأحزاب السياسية) مقال بمجلة الإسلام اليوم عدد أبريل 1986 م تصدرها المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ص 15 .
16- الترمذي 4/3640 حديث رقم 3007
17- صحيح مسلم ، كتاب الإيمان المرجع السابق 1/69
18- د. محمد عمارة (التعددية والرؤية الإسلامية) دار نهضة مصر 1997 ص1-3 بتصرف .
19- د. عبد الحميد الأنصاري (الشورى وأثرها في الديمقراطية) المكتبة المصرية للطباعة و النشر ط 3 ص 326 وما بعدها
20- سورة آل عمران آية 103 .
21- سورة الانعام آية 159 .
22- سورة الأنفال آية 46 .
23- سنن الترمذي 4/466 وقوله عليه الصلاة و السلام (لا تجتمع أمتي على ضلالة).
24- سورة هود آية 118 .
25- الترمذي باب افتراق الأمة ، حديث رقم 2778 .
26- سورة النجم آية 23 .
27- صحيح البخاري باب الأحكام 8/107 .
28- مختار الصحاح ، للرازي ص 133 .
29- سورة المائدة آية 56 .
30- سورة المجادلة آية 22
31- هي سقيفة بني ساعدة وهي بطن من بطون الخزرج في المدينة وكانت بمثابة دار الندوة، عادة الأنصار أن يجتمعوا فيها للتشاور وقد امتدح الله مسلك الأنصار في ذلك راجع تفسير الآية 38 من سورة الشورى في الكشاف للزمخشري 3/407 .







التوقيع


يعجبني الصدق في القول والإخلاص في العمل وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون
آخر تعديل المحامي ناهل المصري يوم 04-06-2012 في 02:55 PM.
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مجموعة منوعة من اجتهادات الهيئة العامة لمحكمة النقض لعام 2007 - 2008 جزائي - مدني المحامي منير صافي أهم الاجتهادات القضائية السورية 0 04-04-2011 01:43 PM
مفهوم الحريات والحقوق الأساسية د. هايل نصر أبحاث في حقوق الإنسان 0 03-09-2007 06:38 AM
دراسة في الخطورة الإجرامية الدكتور محمد سعيد نمور أبحاث في القانون الجنائي 1 19-10-2006 01:19 PM
الفاعل المعنوي للجريمة د.محمد سعيد نمور أبحاث في القانون الجنائي 0 20-04-2006 10:15 AM
محكمة طريق الحقيقة............ للفكر السياسي والثقافي في... محمد تومة - أبو إلياس مقالات قانونية منوعة 0 03-12-2004 09:10 AM


الساعة الآن 12:32 PM.


Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd
Translation by Nahel
يسمح بالاقتباس مع ذكر المصدر>>>جميع المواضيع والردود والتعليقات تعبر عن رأي كاتيبها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إدارة المنتدى أو الموقع