[align=justify]هل يمكن أن يكتب النجاح للمشاريع المعلوماتية دون الاهتمام بالشق الاستشاري؟ وما هي القيمة المضافة التي يقدمها العمل الاستشاري لهذه المشاريع؟ وكيف نضمن قدرة العمل الاستشاري على إنجاح المشاريع المعلوماتية؟[/align][align=justify]
غياب التشخيص:
ربما يمكننا تشبيه واقع المعلوماتية اليوم على المستوى الفردي بوجود مجموعة من الأفراد المرضى الذين يظهرون يومياً للحديث عن أمراضهم، ويعقدون الاجتماعات المتكررة بين بعضهم للتداول والتشاور في هذه الأمراض، ويتابعون عبر وسائل الإعلان كافة الإعلانات الصادرة عن شركات الأدوية، ثم يتخذون قرارات ( فردية أو جماعية) لشراء بعض الأدوية، ومن ثم يشكلون لجاناً ( منهم) لتحديد طريقة استخدام الأدوية، وتتكرر هذه الاجتماعات قبل كل عملية شراء جديدة.
هذا الواقع الطريف ( والمؤلم) لا يعني أن المرضى غير قادرين على تحديد مشكلاتهم، أو أن الجهات المصنعة للأدوية لا تقوم بعملها بشكل جيد، إلا أنها تعني أنه هناك حلقة مفقودة تتمثل في ( تشخيص المرض واقتراح أسلوب المعالجة)، وإذا كان من الممكن عكس هذه الصورة على الواقع المعلوماتي، فإننا نرى من جهة مؤسسات تعاني من أمراض إدارية مزمنة، ومن خلل في طرق عملها، ونرى شركات تبيع منتجات وبرمجيات وشبكات، ولكننا أيضاً نلاحظ غياب آلية تشخيص الشركات لمشكلاتها واقتراح الحلول لها.
خبرة الاستهلاك المعلوماتي:
من المعلوم أن تعدد الخيارات تجعل عملية اتخاذ القرار أكثر صعوبة، وفي مجال تحليل واقع المؤسسات يلعب العامل الزمني والمؤثرات الخارجية دوراً في جعل القرارات أكثر تعقيداً، ولهذا فإن التعامل مع مشاريع المعلوماتية وفق آليات مماثلة لآليات توريد أجهزة التكييف أو السيارات هو أمر غير ملائم، فبالرغم من أن استخدام المعلوماتية لتطوير طرق العمل يدخل ضمن عملية استهلاك الأنظمة المعلوماتية، إلا أن هذا النوع من الاستهلاك يحتاج لخبرة كبيرة ربما لا تقل عند الجهات المستهلكة عن الخبرة المفترض تواجدها عند الجهات المنتجة، وأعتقد أن هذا المفهوم ربما مازال مفقوداً في عدد كبير من المؤسسات لدينا. ومن هنا فإننا نرى أن مؤسساتنا ( العامة والخاصة)، مازالت غير ممتلكة لدرجة من النضج المؤسساتي تمكنها من استخدام الآليات المناسبة المتعلقة باستخدام المعلوماتية لتطوير واقع العمل في هذه المؤسسات. وفي هذا المجال فإننا نرى أن تشكيل اللجان وتكليفها بتغطية عمليات التشخيص المذكورة سابقاً هو أمر غير مجد، وقد بينت التجارب المتعددة ذلك.
أهمية العمل الاستشاري:
رغم الاستخدام الواسع لمصطلح العمل الاستشاري، إلا أن هذه الكلمة لا تعبر عن اختصاص بحد ذاته، وإنما مجموعة اختصاصات يلعب فيها المختص ( ضمن اختصاصه) دوراً استشارياً، وبالتالي فهو إما أن يلعب هذا الدور الاستشاري لصالح الزبون النهائي أو لصالح شركة منتجة للبرمجيات أو لصالح شركة منتجة للتجهيزات أو لصالح شركة مقدمة للحلول وغيرها ، وفي كل من هذه الحالات هناك خبرات يجب توافرها في الجهة التي ستقدم هذه الاستشارات. وهذ الخبرة لا يمكن أن تنجم إلا عن تجارب سابقة ناجحة، وإلا فلا تملك الجهة الاستشارية ما تقدمه، وفي هذا السياق أود الإشارة إلى أن عدم الاعتماد على جهات استشارية تمتلك الخبرة المناسبة، وقادرة على اتخاذ القرارات السليمة في الوقت المناسب، سيؤدي لهدر كبير من قبل الجهة المستفيدة، و ربما يؤدي ذلك لحرف مشاريعها من مشاريع لتطوير عمل المؤسسة إلى مشاريع لتطوير الخبرات ( وفقاً لأسلوب المحاولة والخطأ)، وقد يكون هذا الأسلوب مقبولاً في الجامعات ومراكز الأبحاث التي تتصدى دوماً لمفاهيم ومواضيع جديدة، أما في مجال الصناعة ومنها الصناعة المعلوماتية ، فهذا الأسلوب يعتبر هدراً غير مبرر، ولن يعود بالنفع على الجهة المستفيدة.
الإدارات المعلوماتية والقرار المعلوماتي:
لقد اجتمعت خلا ل السنوات السابقة بعدد كبير من مديري الإدارات المعلوماتية في المؤسسات الحكومية، وقد لاحظت وجود مشكلة مشتركة بينهم، وهي عدم تمتعهم بالصلاحيات المناسبة للقيام بعملهم، فالقرارات الهامة تتخذ من قبل الإداريين، و العمل الفني ( والاهتمامات الفنية) تأتي في المرتبة الثانية، وهذا الأمر يدل على فهم مقلوب للأولويات، فقد يكون من المفهوم أن تكون الأولوية لأهداف العمل ( Business objectives ) ، ولكن بعد ذلك مباشرة يجب أن تأتي الأولويات المتعلقة بأهداف المعلوماتية (IT objectives) ، وليس أولويات المحاسبين والقانونيين ومسؤولي شؤون الموظفين، فهذه المتاهة من الأولويات لا يمكن أن تصنع مشروعاً معلوماتياً ناجحاً، ولا تؤدي إلا لدوران المؤسسات في حلقات روتينية مفرغة، و هذا الأمر قد جعل من معظم المشاريع المعلوماتية مشاريع تبدأ ولا تنتهي وإن انتهت فهي لا تستخدم، وفي هذا السياق فإن اعتماد المؤسسات الحكومية على لجان للإشراف على المشاريع هو أمر عديم الجدوى، ولابد من اعتماد هذه الجهات على جهات استشارية، وأن تكون هذه الجهات هي المرجع ( لدى الزبون) في اتخاذ القرارات، وإلا فسيتم إفراغ العمل الاستشاري من مضمونه، إن كانت وجهة النظر الاستشارية ( لا يؤخذ بها)، ومن ناحية أخرى فيجب أن يكون دور الجهة الاستشارية واضحاً ، فدور هذه الجهة وصلاحياتها يستمد من دور الجهة التي تعمل لصالحها، ولا يمكن توسيع هذا الدور خارج هذا الإطار.
ارحموا الحكومة الالكترونية:
فكرة أخيرة أود الإشارة لها ، وهي ضرورة عدم استخدام مصطلح الحكومة الالكترونية بشكل كبير كما استخدم سابقاً مصطلح الأتمتة، فبالرغم من أن مؤسساتنا الحكومية لم تنجز مشاريع الأتمتة حتى الآن، فإن أي مدير معلوماتي لم يعد يجرؤ على طرح مشروع ( أتمتة)، وذلك كونها كلمة ( مستهلكة إعلامياً)، ولن يرضى بها أي مدير( خشية اتهامه بالتخلف)، وإنني أخشى أن الاستخدام المتكرر لمصطلح الحكومة الالكترونية ( دون أن يكون هناك مشروع حكومة الكترونية فعلي) سيؤدي خلال بضعة سنوات إلى ( استهلاك) هذا المصطلح أيضاً، وبالتالي أرجو من الجهات المعنية أن تستخدم العبارات الأكثر قرباً لواقع مشاريعها، وذلك لضمان قدرتها على التنفيذ، ولن أخوض أكثر من ذلك في ما نسمعه حتى الآن عن مبادرات متعددة للحكومة الالكترونية، إذ أنني أرى أن هذه المبادرات مازالت غير موجودة، وإن منح اسم الحكومة الالكترونية لأي مشروع معلوماتي حكومي يمتلك واجهة للعمل عبر الإنترنت هو أمر غير مقبول، ويقع في سياق التهويل الإعلامي، وعلى أية حال فالمستوى الحالي من التفويض لا يسمح بإطلاق مبادرة حكومة الكترونية تتجاوز البعد الإعلامي، وعلينا أن نتعلم من أخطاء الدول الأخرى بدلاً من تكرارها.[/align]
منقول