صحوة الناس "عزيز نيسين"
” أيامه الأخيرة في السجن كانت جحيما لا يطاق..هجرته زوجته وهومسجون..بعد خروجه كادت الوحدة تقتله..كان في شوارع العاصمة.. غريبا يائسا..لم يجد نفسه فيها ..حالته المادية كانت سيئة للغاية..لا تساعده على دفع إيجار شقته الضيقة الصغيرة.. قرر أن يتركها ويبحث عن غرفة صغيرة خارج المدينة يقدر على دفع كلفتها..
لقد كان فيما مضي ناشطا سياسيا.. يطالب بالعدالة الاجتماعية.. وبحقوق الفقراء والمعدمين.. لقد افني حياته وزهرة شبابه ..مطالبا بحقوقهم.. لكنه الآن بعد خروجه من السجن صار أكثر بؤسا منهم.. بعد بحث طويل عثر على بغيته.. منزل شعبي مؤلف من غرفة صغيرة.. يبعد عن المدينة مسافة ساعتين سيرا على الأقدام .. كتب قديمة.. ملابس باليه.. كل ما يملك.. قبالة المنزل بنيت بقاله صغيرة.. من بقايا الأخشاب والتنك المهترئ..
و الى يسارها كوخ لبيع الخضار.. كان البائعان يشتكيان من قلة عدد الزبائن في المنطقة.. ومن فقرهم المدقع .. توطدت عرى الصداقة بينه و بينهم.. بعد فترة قصيرة من استقراره في مسكنه الشعبي حضر إلى الحي بائع الكعك و بائع الذرة.. ثم بائع حلوى الغريبة.. ثم بائع المياه الغازية وأخيرا الاسكافي.. واستقروا جميعا مع عائلاتهم في الحي.. تحول المكان بمرور الوقت إلى سوق تجاري بسيط.. بدأ عامل النظافة يكنس الشوارع… و كثر الباعة المتجولون.. و شيد هناك مقهى..
كان يشعر بالسعادة الغامرة لهذا الجو الرحب الباعث للفرح والبهجة.. لكنه مع الأسف ما زال عاطلا عن العمل.. ولم يبق أمامه سوى الاستدانة من أصدقائه .. لكنهم للأسف جميعا مفلسون..عرض عليه احد معارفه العودة إلى المدينة والسكن معه في غرفة واحدة مجانا.. أعجبته الفكرة كثيرا.. لكن يستحيل عليه إخلاء منزله..فهو مدين للبقال وبائع الخضار وآخرين.. و في ليلة من الليالي وبينما هو يفكر في مخرج لما هو فيه.. إذا بالباب يقرع .. كان الحاضرون البقال وبائع الخضار.. وصاحب المقهى .. اعتذر لهم انه لا يملك شيء ليقدمه لهم.. فقالوا له .. لا بأس فقد أحضرنا معنا الشاي والسكر.. لقد كان يعتقد أنهم حضروا للمطالبة بديونهم.. قالوا له.. لقد سمعنا انك تنوي أن تغادر.. قال لهم اطمئنوا لن أغادر المنزل قبل أن ادفع لكم ديونكم.. قالوا له .. عيب يا سيد.. ديون ماذا .. وهل بيننا ديون.. هل طالبناك بشيء..؟
نحن نعرف ما فعلت من اجل الفقراء والمساكين .. لقد حضرنا لمنزلك لنطلب منك البقاء وعدم الانتقال.. فأنت رجل بركه.. ومنذ أتيت لهذا الحي.. والحركة التجارية في ازدياد مستمر.. ونحن من سيدفع لك إيجارك وأيضا سندفع لك أجرة لكي تبقي.. فأنت كما قلنا لك رجل بركه و أي بركه..! شكرهم على عرضهم.. واعتذر عن قبوله.. لكنهم أصروا عليه.. كان على وشك أن يجهش بالبكاء.. ثمة تغيير في هذا البلد يحدث.. وكأن صحوة بدأت توقظ الناس من سباتهم.. فهو لم يعمل مع رفاقه كل تلك السنين لأمور تافهة.. وهؤلاء الأشخاص الواقفون أمامه كانوا يشيحون بوجوههم عنه ويحتقرونه فيما مضى..!
أدامكم الله .. شكرا جزيل الشكر .. ولكن اسمحوا لي فأنا لا يمكن أن اقبل معونتكم..!..عرضوا عليه أن يستأجروا له منزلا أفضل.. وان يضعوا خادما يخدمه.. وان يبعثوا له بالطعام كل يوم مجانا.. لكنه أصر على الرفض..حينها..
نظرالثلاثة في وجوه بعضهم وقرروا انه لابد من إخباره بالحقيقة.. اسمع يا أستاذنا الكبير.. أدامك الله لنا ذخرا وعزا.. عندما حضرت إلي حينا.. بدأت الشرطة السرية تجوب أزقته بمظاهر متعددة ( زبال ماسح أحذية الخ )..... لمراقبتك ووضعك باستمرار تحت أنظارهم.. وعلى هؤلاء الشرطة جاءت شرطة آخرون لمراقبتهم.. وعلى الآخرون جاء آخرون لمراقبتهم.. حتى استقر اغلبهم.. في هذا الحي.. فازدهرت تجارتنا.. وأصبحت حالتنا المادية ممتازة.. فإذا انتقلت أنت من هنا.. ستعود المنطقة إلى حالها من الفقر والعوز لأن جميع أفراد الشرطة سيرحلون ليقتفوا أثرك.. فلا ترحل الله يخليلنا اياك يا سيدنا لا ترحل.. وأجهشوا بالبكاء.. وأجهش معهم بالبكاء.. ولكن لأمر آخر..! “
نقله للمنتدى
نزار حيدر