سيادة الأمة والسلطة الحاكمة
تشير معظم الدراسات في القانون الدستوري أن أساس فكرةالدستور كانت لحماية الحقوق العامة والخاصة للأفراد تجاه تغول واستبداد سلطةالحاكم، إذ كان يرى بعض من منظري هؤلاء الحكام إلى إن الدولة تعني السلطة وإنهاالوسيلة التي تميز بين الحاكم والمحكوم فمن يملك السلطة ويبسط نفوذه يكون حاكمبعنوان دولة ويبرر له ما يرتكب من أفعال، ويشرع لانعدام إرادة الإفراد، والحاكماخذ أوصاف وعناوين متعددة منها التفرد الشخصي والاستحواذ الجمعي والتحكم الفئويوكان وعاظهم يسوغون لهم أفعالهم بمسميات شتى منها القواعد العرفية أو المشروعيةالثورية وغيرها ، ونتيجة لنضال الشعوب وسعيها للتحرر وتقديمها للتضحيات، ظهرت فكرةالدستور الذي ينظم السلطة وكيفية ممارستها والحقوق الأساسية للأفراد، وعدت هذهالقواعد ذات علوية على جميع القواعد القانونية حتى إن بعض فقهاء القانون الدستوريجعلوا من فكرة جمود الدستور وسيلة لحمايته من الخضوع للإرادة السياسية المتغيرةللحاكمين في الدولة ، ثم تطور الأمر إلى وضع آليات حماية الدستور من الخرق ويرىبعض الفقهاء إن فكرة الحماية تلك أساسها حمايته من السلطة التشريعية لأنها تملك أدواتتشرع فيها قوانين فاعلة على الأرض والتي تنظم العمل اليومي للأفراد، لان القواعدالدستورية مبادئ عامة يدور في فلكها القانون الذي يشرع وأي خروج له يعد خرقومخالفة دستورية ، ومن ذلك انطلقت فكرة الرقابة الدستورية على القوانين التي تعددتصورها بين الرقابة اللاحقة والرقابة السابقة او الرقابة السياسية والرقابةالقضائية وهناك مسمى بالرقابة الشعبية ، وجميعها تهدف الى حماية الدستور من الخرقوالانقلاب عليه من القائمين على السلطة وليس الخوف من الأفراد لان مصالح هؤلاء معوجوده لا مع نقضه وخرقه ، ومثلما أشرت سلفا إن الحماية الدستورية وجدت لحمايةالدستور من المشرع الاعتيادي الذي يشرع القانون وليس من التنفيذي لان المشرع(السلطة التشريعية) اذا ما شرع قانون فيه مخالفة لمبدأ دستوري ستوفر غطاءالمشروعية القانونية لفعل السلطة التنفيذية ويكون التنفيذي بمنأى عن المساءلةالقانونية عند اعتدائه على الحقوق الأساسية للأفراد ، أما التخوف من السلطةالتنفيذية في هذا الباب يكاد يكون منعدم لان أي فعل تنفيذي فيه مخالفة لحكمالقانون بإمكان صاحب المصلحة من الطعن فيه أمام القضاء العادي أو الإداري لنقضه أوإلغائه واغلب الدعاوى التي تقام على الدوائر والمؤسسات الحكومية تعد طعن في عدممشروعية أداء السلطة التنفيذية تجاه المواطن ، وصدرت آلاف القرارات القضائية التيقضت بإلغاء او إبطال او تعديل قرارات وأوامر وزارية او إدارية صدرت من السلطةالتنفيذية، ولهذا السبب يرى البعض ان الرقابة الدستورية (القضائية والسياسية )توجه ضد السلطة التشريعية دون السلطة التنفيذية ويدعي بعض من لا يملك المعرفة تجاهالعمل الرقابي للمحاكم الدستورية إن تلك المحاكم تساير العمل الحكومي دون التشريعي، لان قصور المعرفة عنده خلق صورة غير حقيقية في ذهنه، إذ لو جال فكره في عالمالقانون الدستوري لوجد ان القوانين التي حكم بعدم دستوريتها اقل بكثير من القوانينالتي شرعت ونفَذَت لان عمل الرقابة الدستورية استثنائي ويكون عند الحاجة من أصحابالمصلحة ، وفي العراق لو اعددنا إحصائية لعدد القوانين التي شرعها مجلس النواببجميع دوراته منذ فترة ما بعد عام 2003 ولغاية الآن لوجدنا نسبة القوانين المطعونفي عدم دستوريتها لا تشكل إلا نسبة ضئيلة تكاد لا تذكر ، إلا ان أثرها وصداها يكونمدوي حينما توظف لمصالح حزبية او فئوية من المتصارعين في السلطة ، وفات على هؤلاءالمتقولين ،إنهم إن كانوا في السلطة التشريعية التي تملك الرقابة على العملوالنشاط التنفيذي، قد قصروا في عملهم تجاه حماية سيادة الأمة من تغول السلطةالتنفيذية لأنهم لم يمارسوا أدوارهم التي رسمها الدستور ومنها أهم وسيلة من وسائلالعمل البرلماني وهو سحب وحجب الثقة عن الحكومة اجمعها او عن بعض إفرادها، اذ لميبادر البرلمان ولو لمرة واحدة على اتخاذ مثل هذه الخطوة والجميع يظهر للإعلامويبرر ان ذلك بسبب التوافقات السياسية وينسى دوره الذي أدى عليه القسم العظيم بانيحمي ويصون الدستور والحقوق ، لان القرار يتخذ منهم لا من سواهم وعليهم ان يبادرواالى مثل هذا الإجراء ان توفرت أسبابه، لكن سياسة الحفاظ على المكاسب والمصالح هيالسائدة في لغة الصراع بين أطراف اللعبة السياسية ، فلا يجرؤ احد منهم على تلكالخطوة لان الآخر سيحل البرلمان وبالتالي سيفقدون الامتيازات التي سطروها لأنفسهم، وبذلك قد ساهموا في خرق الدستور مما يبرر وجود الرقابة الدستورية على القوانين التي تمثل وسيلة الأمة في تعزيز سيادتهاتجاه الحاكم على السلطة باي عنوان كان مشرع او تنفيذي أو كلاهما .