معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
آخر
مواضيعي |
|
|
صباح حسن !
صباح حسن !
عاد صباح أدراجه ليلقى أحبابه وخلانه , بعد غياب أشهر ستة قضاها في بعض الأقبية , كانت فرحته وأسرته عارمة , فهاهو ولد من جديد بعد أن كادوا يطلقون عليه لقب فقيد !
كان همه ابتداءاً سلامة زوجه وأولاده , والاطمئنان أنهم لم يكن ينقصهم شيء في غيابه , مع ظنه بأن من حوله لا يمكن لهم بحال من الأحوال أن يتاركوهم , وبالفعل فقد قام رب عمله الخاص الذي خدمه صباح طيلة سنوات دون الحصول على تأمين صحي أو اجتماعي , ودون طلبه إجازة مرضية ولو لمرة واحدة , بتقديم بضعة آلاف من الليرات مطالع الشهرين الأوليين حفظاً لماء الوجه ثم غاب .
في حين قدم بعض الجوار بضعة طبخات وعدة كيلات ومجموعة خدمات صغيرات , ثم .. تُركت عائلة صباح لقدرها , وكان القدر بهم أرحم !
لم يستطع فرح صباح بحريته وبلقاء أحبته أن يطغى على حنقه , ولكن ما فات قد مات , والقادم سيعوض على الجميع بأحسن , وستعود الفرحة لتحوم تملأ الدار !
شهران حتى الآن وما تحقق لصباح مراده , فرب عمله الذي كان يمنحه ما يقارب المئتي دولار حين كانت تلك المئتين تشتري شيئاً , استبدله بآخر حين غيبت صباح القضبان , واعتبر رب العمل الرحيم هذا أن ما قدمه للعائلة المنكوبة منّة كان يفوق ما يقدمه السوق عرفاً تعويضاً لإنهاء خدمة أمثاله !
وصار المستحيل أقرب للتحقيق من فرصة عمل في وقت أشهرت فيه الشركات إفلاسها , وصرفت المؤسسات عمالها , وقصرت المحال ميزانها , خاصة إن كان طالب العمل في حال قد يطلبه من طلبه في المرة الأولى بسبب أو دونه !
كان صباح يعمل نادلاً في مقهى , علماً أنه يحمل الماجستير في الاقتصاد السياسي , وكان راضياً كل الرضا بقدره الذي أقنعه به شيخه وأبوه وإخوته الأكبر , فلا اعتراض على حكم الله , ولعله كان يقهر المعادلات الرياضية السياسية المتفجرة التي صاغها في كتبه بمعادلات زوجه المتأنية المسايسة !
حين سمع صباح صداح الحرية قرب مقهاه نسي الإرث الثقيل الجاثم فوق صدره .. شيخه , والداه , أبناؤه الأربعة , فقره , خوفه , جبنه , وكل ما حازه خلال دراسته من تاريخ وجغرافية وقومية , ليتبع إحساسه وفطرته هاتفاً ومطالباً بحريته وكرامته !
لم يخسر ستة أشهر من حياته فحسب , بل خسر أمنه وماله واطمئنانه وأحلامه , ليستبدل بها كوابيسه التي لن يكون آخرها فقدان عمله وقوت يومه !
صباح يشكو همومه وأحزانه لا لأحد منا , لا إلى النظام والمعارضة , لا إلى المثقفين والنخب , بل إلى الله وحده , ويتمنى أن يستيقظ في يوم قريب ويجد لنفسه من اسمه حظ .. صباحكم حسن !
التوقيع |
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً
إن الـــــــــحياة عقـــيدة وجـــهاد
المحامي محمد عصام زغلول
|
|