![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]() هو بحث منقول من كتاب الدكتور كمال الغالي عن شرح القانون الدستوري طبعة 1987 نقلته من الحيز الورقي للالكتروني للفائدة والله من وراء القصد ------------------------------------------------ –النظم السياسية المعاصرة تمهيد 387 – استخدمنا حتى الآن تعبير (( النظم )) على نحو معين ، فتحدثنا عن نظام الحكم المباشر والنظام التمثيلي والنظام المجلسي والنظام النيابي ، أي أننا اعتبرنا النظم مرادفة لأشكال الحكومات 0 ولم يكن هذا إلا من قبيل إطلاق اسم الجزء على الكل ، والتفرقة بين النظم بأحد مميزاتها الأساسية من حيث إسناد الحكم أو أسلوب ممارسة السيادة ، أي وفقاً لضوابط ومعايير دستورية شكلية 0 وهذا الاستعمال كان مبرراً منذ نصف قرن ، في عهد الدولة الليبرالية ، فمجال السلطة وغاياتها كانت متشابهة إلى حد كبير 0 388- إلا أن الأمور تغيرت منذ ذلك الحين 0 ولم يعد من الممكن الاكتفاء بوصف شكل الحكومة لتعريف النظام السياسي 0 وأصبح من المحتم أخذ عوامل أخرى في نظر الاعتبار ، وبصورة خاصة معرفة البنيان الاجتماعي منظوراً إليه في حاضره ، وفي مستقبله من حيث الشكل الذي تطمح السلطة إلى تشكيله به 0 فالأحكام الدستورية التي تحكم تنظيم السلطات وعملها أصبحت قاصرة على تحديد معالم النظام السياسي في مجمله 0 ولا بد بالإضافة إليها من معرفة مضمون فكرة القانون في المجتمع : ما هو دور الفرد وقيمته في التطور المرغوب للمجتمع ، وما هي الغايات التي تضعها السلطة نصب عينها ، وتحرك نشاطها وتوجهه 0 وبعبارة موجزة لا بد من الإحاطة بالفلسفة الاجتماعية التي يدين بها الحكام 0 ولهذا فإننا سنستعمل في هذا الباب تعبير ((النظم السياسية)) بمعنى أوسع وأشمل ، ونقصد بها مجموعة متكاملة من المؤسسات والأجهزة المتناسقة المترابطة تقوم على أساس مذهب متعلق بأساس السلطة وأسلوب انتقاء الحكام وتركيب السلطة وممارستها وتقييدها 0 وبعبارة أخرى فإن النظم هي المجموعات أما المؤسسات فهي الكواكب إذا صح هذا التعبير0 389 – وما من تصنيف مرض للنظم السياسية يسلم به الفقهاء 0 ومرد ذلك إلى سببن رئيسين : ، أولهما ذاتي : إن الشراح أنفسهم كثيراً ما يلتزمون خطاً معيناً أو يتبنون مذهباً معيناً يعتبرونه أساساً لتصنيف بقية النظم في ضوئه ، والثاني موضوعي : هو أن النظم السياسية ليست إلا محصلة تاريخية لعوامل عديدة معقدة ومتداخلة من أهمها البنيان الاقتصادي – الاجتماعي تسهم كلها في صب المؤسسات ، تسهم كلها في صب المؤسسات والنظم على نحو معين ، وكل نظام سياسي فريد في بابه ، على نحو ما 0 390 – وبالرغم من هذه الحقيقة الأساسية فإنه يلاحظ وجود شبه وتقارب بين بعض النظم أكثر من غيرها ،كما أن النظم يمكن اقتباسها وتقليدها ، عن وعي وتصميم أحياناً وبصورة لا إرادية أحياناً أخرى 0 وإذا تأملنا النظم المعاصرة نلاحظ أنها تتوزع بين طائفتين رئيسيتين ، النظم الديموقراطية والنظم الدكتاتورية 0 ويجمع النظم الديموقراطية أنها تقوم على مبدأ ممارسة الشعب لسيادته 0 ونبادر منذ الآن إلى القول أن ثمة مفهومين مختلفين للديموقراطية : الديموقراطية التقليدية (السياسية) والديموقراطية الاجتماعية 0 وقد يبدو غريباً أن نعترف بوجود مفهومين للديموقراطية 0 والحقيقة ألا غرابة في ذلك فالنظم السياسية تقيمها السلطات الحاكمة بالضرورة طبقاً لمصالحها ن وهذه السلطات إنما تمثل الطبقات ذات السيطرة الاقتصادية والفكرية 0 ومن هنا كان طبيعياً أن تتلون الديموقراطية في المجتمع بلون الطبقة أو الطبقات الحاكمة أو المسيطرة 0 391- وعلى هذا فإننا سنستعرض في فصول متوالية صور النظم السياسية النموذجية في الديموقراطيات التقليدية ، ثم الديموقراطيات الشعبية ، وننتقل بعد ذلك إلى دراسة النظام السياسي السوري فنفرد له الباب الأخير من هذا الكتاب 0((1)0 ((1) انها النظامان النازي في ألمانيا الهتلرية والفاشي في ايطاليا في نهاية الحرب العالمية الثانية 0 وفي 25/4/1974 وقع انقلاب عسكري أطاح بالنظام الدكتاتوري في البرتغال ، وأقامت (حركة القوات المسلحة ) مجلساً للثورة وما يزال الحكم الجديد يبحث عن هويته تحت ضغوط مختلفة الاتجاهات ((وقد انتهى نظام فرانكو في اسبانيا وطوي بوفاته 0 وبذلك تعتبر النظم الفاشية جزءاً من التاريخ السياسي ن أكثر منها نظماً سياسية معاصرة 0 ولذلك سنهمل دراستها لا سيما وأن البلدين انتهيا حالياً إلى الأخذ بالنظام النيابي 0))0 الفصل الأول نظم الديموقراطيات الشعبية 392 – تمهيد : نشأت نظم الديموقراطية السياسية أو التقليدية في أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر 0 وكانت في جوهرها ثورة البورجوازية الصناعية والتجارية والمثقفة ضد استبداد الملوك وضد رواسب عهد الإقطاع ، لتحرير الإنسان من عبودية الأرض وفتح السبيل أمامه للهجرة إلى المدن والانتقال من العمل في الحقل إلى العمل في المعامل ، وتوفير الحرية للأفراد في استثمار الأموال والقوى البشرية والتطور التقني بدون قيود 0 393 – وقد نشأت أسس هذه النظم وتكاملت بشكل رئيسي في انجلترة والولايات المتحدة وفرنسا 0 ففي انجلترة ظهر أول نظام محكم يكفل حفظ الذات والحريات الشخصية ، وفيها نشأ النظام التمثيلي ، واقتباس الولايات المتحدة نظمها السياسية جزئياً عن انجلترة في مرحلة معينة من تاريخها أنتج النظام الرئاسي ، وفيها نشأ النظام النيابي 0 أما الولايات المتحدة فقد أبدعت شكل الدولة الإتحادية والنظام الرئاسي ومنحت ، ومنحت القضاة دوراً رئيسياً في الحياة القومية لمصلحة المواطنين وحماية التوازن بين السلطات 0 وأسهمت فرنسا في صياغة القوالب القانونية وإقامة هذه الأسس على مبادئ نظرية وعقلانية ، بدأت مع مونتسكيو ، واستمرت عن طريق روسو ، ورجال الثورة الفرنسية ، فعملت على تأكيد الحريات الفردية كما وردت في إعلان حقوق الإنسان ، وبلورت مبدأ فصل السلطات لتقييد استبداد الملوك وطغيانهم ، وأبدعت نظرية السيادة القومية لتكون أساس الديموقراطية 0 394- ولهذا فلا عجب ، مهما اختلف النظم السياسية في هذه البلاد من حيث الشكل أو التفاصيل ، أن نجدها تشكل وحدة متمايزة بما تقوم عليه من وحدة الايديولوجية والأسس 0 وتتميز الديموقراطية الغربية بالخصائص التالية : 1- الفردية :فهي تؤمن بالفرد ، وأنه لم يوجد من أجل الجماعة أو الدولة ، بل أن الدولة وجدت من أجله 0 فواجب الدولة يقتصر على أن تهيىء المجال وتمنحه الفرصة لانماء خير ما فيه وتمكينه من إظهار مواهبه وقدراته 0 وهي تقصد بالفرد الانسان مجرداً عن المصالح التي يمثلها أو الحرف والمهن والطبقات التي ينتمي إليها 0 2- الحرية : وما دام الفرد غاية النظام السياسي ، فحقوقه وحرياته العامة مقدسة ، وبصورة خاصة الحريات السياسية، أي المشاركة في الحكم عن طريق الاقتراع ، والحريات الاقتصادية في صورها المختلفة 0 3- المساواة : وما دام الأفراد أحراراً فهم متساوون 0 ولكن الديموقراطية لا تقصد بالمساواة المساواة الفعلية ، بل المساواة القانونية أي مجرد إعلان مبدأ تكافؤ الفرص ، ولا سيما في الحقوق السياسية 0 4- سيادة الشعب : وتؤمن الديموقراطية بان السيادة للشعب ، ولكنها تستبعد صور الحكم المباشر وتأخذ بالنظام التمثيلي ، أي أن الشعب يفوض ممارسة السيادة إلى مجلس يتكون بالاقتراع العام 0 ويشترط في المجلس أن يكون انتخابه لمدة محدودة منعاً للطغيان والاستبداد 0 5 – نظام فصل السلطات : وتأخذ الديموقراطية الغربية بمبدأ الفصل بين السلطات حماية للحريات العامة وضماناً لها 0 6- نظام سياسي مقيد : ويترتب على ذلك كله أن الديموقراطية – كما تأخذ بها الأنظمة السياسية الغربية – نظام مقيد ، لأن مجال نشاط الدولة محدود بحريات الأفراد العامة ، لا سيما في المجال الاقتصادي 0 وكثيراً ما يطلق عليها الديموقراطية السياسية تمييزاً لها عن الديموقراطية الاجتماعية ، لأنها تعنى بالمساواة السياسية بصرف النظر عما تؤدي إليه الحرية ، لاسيما في المجال الاقتصادي ، من تفاوت بين الأفراد والجماعات يفضي في النهاية إلى تعطيل الحرية نفسها والقضاء على مفهوم المساواة 0 395 – ولذلك فإن التطور الاقتصادي والاجتماعي الذي تم في القرن التاسع عشر وتبلور فيتركز المشروعات ونمو المصالح الجماعية ، وبشكل خاص نقابات العمال ، وبروز دور الموظفين الفنيين في المجتمع نتيجة تركز المشروعات وانتشار الشركات المساهمة وتوسع وظائف الدولة ، والسير نحو الاقتصاد الموجه ، كل هذه العوامل كان لا بد لها أن تنعكس على هذه النظم ، وظهر ما يسمى بأزمة الديموقراطية 0 وذلك أن الأساس الاقتصادي والاجتماعي الذي قامت عليه الديموقراطيات السياسية ، أي النظام الرأسمالي ، تطور بشكل كبير ، وبدا جلياً أن النظم السياسية التقليدية قد اختل التوازن الذي قامت عليه 0 وظهر هذا الاختلال واضحاً بشكل خاص في العلاقة بين السلطة وحريات المواطنين ، وبين السلطة المركزية والسلطات المحلية ،وداخل السلطة المركزية نفسها في العلاقات بين الهيئة التنفيذية والتشريعية : وفي كل الأنظمة الديموقراطية على السواء لوحظ اتجاه إلى نمو سلطة الدولة ، وتمركزها ، ودعم مركز الهيئة التنفيذية على حساب الهيئة التشريعية 0 وزاد في استفحال الأزمة قيام دول تنكر الديموقراطية أصلاً (كالنظام القفاشي والنازي) ودول اشتراكية (الاتحاد السوفييتي ) تنكر الصفة الديموقراطية الحقيقية على الدول الغربية (1)0 ((1) راجع فيما يتعلق بالديموقراطيات الغربية ، بالإضافة إلى المراجع العامة سالفة الذكر ، محاضرات فيديل في معهد العلوم السياسية بباريس لعام 1963-1964 ((مقدمة للدراسات السياسية)) ، محاضرات A.hauriou في المعهد نفسه ((المؤسسات والحياة السياسية في المجتمعات الصناعية الحديثة )) ، وكتابه (( القانون الدستوري والنظم السياسية )) باريس ،1966 وبوردو المطول في علم السياسة ، الجزء السابع ، عام 1957 و A.Tunc الولايات المتحدة ، باريس 1959 ، وبوردو ، الوجيز ، ص202-245 ، وبصورة خاصة ديفرجيه 0 ص237-238 0 ومذكراتنا لطلبة دبلوم القانون العام (( نشوء الدولة الاتحادية وتطورها – الولايات المتحدة الأمريكية))0 396 – وسنعمد فيما يلي إلى دراسة الأنظمة السياسية للولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها نموذجاً للنظام الرئاسي ، ثم ننتقل إلى دراسة النظام النيابي الانجليزي ، ونتبعه بدراسة النظام الفرنسي ، فهو وإن كان نيابياً في الأساس إلا أن تعدد الأحزاب في فرنسا يجعل له طابعاً خاصاً 0 المبحث الأول النظام الرئاسي الولايات المتحدة الأمريكية لمحة تاريخية : مر نظام الولايات المتحدة الأمريكية ، إثر إعلان استقلالها عن المملكة البريطانية ، بثلاث مراحل : 397 – المرحلة الأولى (1776 -1781): مرحلة الاستقلال التام عن بريطانيا من جهة ، والواحدة عن الأخرى من جهة ثانية 0 فقد كانت قبل الاستقلال تتألف من ثلاث عشرة مستعمرة ، تخضع في جميع شؤونها إلى التاج البريطاني ، إلا أنها كانت تتمتع ، مع ذلك ، بشيء من الاستقلال الذاتي في أمورها الداخلية 0 ولم يكن يتجاوز عدد سكان هذه المستعمرات المليوني نسمة ، تتألف أكثريتهم الساحقة من أصل بريطاني أو من شمال أوربا ، وكان بينهم بصورة خاصة في المستعمرات الجنوبية ما يقارب السبعماية وخمسين ألفاً من الزنوج الأرقاء 0 وقد نشب النزاع مع بريطانيا في عام 1765 لأسباب اقتصادية بحتة 0 كتشديد العبء الضريبي على هذه المستعمرات وتقييد حريتها التجارية ، إذ حرصت بريطانيا على تطبيق أحكام ((قانون الملاحة )) ، ويمتنع بقتضاه على المستعمرات أن تتاجر مع غير بريطانيا لاعتبارها سوقاً خاصة بها تستورد منها المواد الأولية وتصرف فيها منتجاتها المصنوعة 0 واندفعت المستعمرات إلى الثورة المسلحة 0 وأعلنت في مدينة فيلادلفيا عام 1776 استقلالها ، وأصبحت كل مستعمرة ((دولة حرة ومستقلة))0 398 – المرحلة الثانية (1781-1787 ): ولمتابعة الحرب ضد بريطانيا تحالفت المستعمرات فيما بينها ، وتحت ضغط الحوادث أقامت في عام 1777 اتحاداً دولياً يجمعها ، صدقت معاهدته آخر دولة عام 1781 فأصبح نافذاً 0 وبعد انقضاء أقل من عشر سنوات تبين أن النظام لا يصلح للبقاء 0 فالسيادة التي احتفظت بها الدول الأعضاء كانت تعرقل في الواقع مصالح الطبقة البورجوازية الصاعدة 0 399- المرحلة الثالثة (الدستور الاتحادي ): وفي عام 1787 عقد مؤتمر يضم مندوبين من مختلف دول الاتحاد ، وضع مشروع دستور للاتحاد صدقته مجالس منتخبة في الدول الأعضاء 0 وفي عام 1789 اعتبر الدستور نافذاً ، وقامت دولة اتحادية باسم ((الولايات المتحدة الأمريكية ))0 ولا يزال هذا الدستور قائماً حتى الآن ، ويعتبر لهذا السبب أقدم الدساتير المدونة في العصور الحديثة على الإطلاق 0 وقد أدخل عليه عشر تعديلات في عام 1891 (استجابة لرغبات حكومات الدول الأعضاء التي صدقت على الدستور الإتحادي بعد أن نالت الوعد بالحصول على هذه التعديلات ) وتتعلق بضمانة الحقوق الشخصية والملكية الفردية وحماية الحكم الذاتي للدويلات الأعضاء 0 كما عدل خمس عشر مرة بين 1798و1968 (2) ((2) ما يزال التعديل الأخير قيد التصديق لدى الدويلات الأعضاء ، ويتعلق بتنظيم حالة عجز الرئيس عن ممارسة مهامه ))0 استجابة لاعتبارات مختلفة ن يتعلق معظمها بتوكيد الديموقراطية كإلغاء الرق ، وإقرار مبدأ المساواة في الانتخابات بين البيض والملونين ، وأخيراً منع تجديد انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من مرة واحدة 0 400 – خصائص الدستور الأمريكي : حرص واضعو الدستور على تحقيق ثلاثة أغراض رئيسية : تأمين حد أقصى ، وضع حواجز تحول دون جموح الديموقراطية نحو التطرف ن وأخيراً تقييد وسائل العمل المتاحة للسلطة إلى أقصى الدرجات وتأمين أوسع الحريات للأفراد 0 أ – والحرص على حماية الحكم الذاتي للدويلات دفع بواضعي الدستور إلى الأخذ بمبدأ فصل السلطات على صورة متطرفة 0 وقد كان عليهم أن يفرقوا بين اتجاهين متعارضين : تقييد السلطة الاتحادية لتطين النزعات الانفصالية من جهة والحرص على معالجة العيوب ومواطن الضعف التي تكشف عنها نظم الاتحاد الدولي 0 فأخذ بمبدأ فصل السلطات ، لا على نحو ما قال به مونتسكيو من تقسيم وظيفي مع التعاون بين الهيئات المختلفة بل تقسيمها بتفتيتها ، ويصف جيفرسون هذا النظام بقوله (( إن السلطات موزعة بين الهيئات المختلفة على نحو لا يملك أي منها أن يتجاوز الحدود المرسومة له بالدستور بدون أن يوقف عند حده على نحو فعال من قبل السلطات الأخرى 00 لا لأنها تتعاون مع بعضها بل لأنها يراقب بعضها بعضاً ))0 ب- أما أخطار الديموقراطية وجموح الإرادة الشعبية ( وذكرى تطرف المجالس الشعبية في الدول الأعضاء عندما كانت مستقلة ، وكذلك الاضطرابات الاجتماعية التي رافقت حرب الاستقلال كانت ماثلة في الأذهان ) فقد رؤي الحد منها عن طريق مبدأ فصل السلطات نفسه من جهة ، ومواجهة المجالس بسلطة تنفيذية قوية تقف معها على قدم المساواة فتقرر أن يعين رئيس الجمهورية بانتخاب شعبي – شأنه شأن المجالس- كما قسم الكونغرس إلى مجلسين بقصد تمكين مجلس الشيوخ من الحد من تطرف المجلس الشعبي 0 جـ - وقام الدستور على أساس فلسفة ليبرالية متطرفة : ضمان أعظم حد من الحرية للأفراد وأدنى نصيب من السلطة 0 وانعكست مصالح الطبقة البورجوازية في الدستور بمجمله ، وقد صرح موريس من واضعي الدستور)) إن المهمة الأساسية للحكومة هي حماية الملكية ))ولم يكن ضعف اختصاصات السلطة عيباً في نظرهم : فأن تكون الحكومة لا تملك الوسائل اللازمة لتحكم بقوة ، فهذا ليس شراً ))0 401- وقد تجاوزت الظروف الاعتبارات التي قام عليها الدستور 0 فنمو المركزية الاقتصادية وتركز المشروعات جعل من الحدود بين الدويلات أثراً وهمياً ، ووحدة السلطة الصناعية على مستوى الاتحاد يجب أن يقابلها وحدة التشريع الاجتماعي ، والدور الذي تضطلع به الولايات المتحدة على المستوى الدولي لم يعد يتفق مع العقبات التي يمكن أن يقيمها الحكم الذاتي الحكم الذاتي 0 أما الحركة الديموقراطية فقد كان نموها بطيئاً بسبب الازدهار الاقتصادي 0 فما دام ثمة سبيل أمام الرواد لفتح غربي البلاد واستغلال خيراته بعد استئصال الهنود الحمر أو طردهم فلا حاجة ماسة بالمواطن إلى تدخل الدولة 0 ولكن ما أن بلغ التوسع الجغرافي حدوده الطبيعية ، وبلغت المنافسة حدها الأقصى ، حتى اكتشف الأمريكيون ضرورة تدخل الدولة 0 وتحول مفهوم الدولة من مجرد حارس للأمن إلى مسؤول عن وفاة المواطنين 0 وتم التحول اعتباراً من الأزمة الاقتصادية الكبرى عام 1929 ، بدون تعديل أحكام الدستور رسمياً ، وبعد أن تغلب الرئيس روزفلت على مقاومة المحكمة الاتحادية العليا 0 ويمكن القول عملياً أن مبدأ فصل السلطات قد حل محل تعاونها ، مع سيطرة الرئيس أحياناً ومجلس الشيوخ أحياناً أخرى ( كما هو الحال في الوقت الراهن ) 0 402- تنظيم السلطة العامة : أولاً – الكونغرس : يطلق على برلمان الولايات المتحدة اسم ((الكونغرس )) ، وهو يتكون من مجلسين : مجلس النواب ، ومجلس الشيوخ 0 أ – تكوين المجالس : يتألف مجلس النواب من 437 نائباً ينتخبون لمدة سنتين ، بنسبة عدد السكان ، أما مجلس الشيوخ فينتخب أعضاؤه لمدة ستة سنوات ويتجدد ثلث المجلس كل عامين ، عند إجراء انتخاب النواب 0 وترسل كل دويلة مندوبين اثنين إلى مجلس الشيوخ ، بصرف النظر عن عدد سكانها واتساع رقعتها 0 ويشترط في المرشح للنيابة أن يكون سنه خمسة وعشرين عاماً ، أما الشيخ فيجب أن يكون في الثلاثين 0 ويتمتع النواب والشيوخ بالحصانة أثناء انعقاد الدورات ، ولمناسبة خطبهم وآرائهم التي يبدونها في المجلس 0 403 – ب – سير المجالس : يعقد الكونغرس دورة عادية سنوية تبدأ في مطلع العام وتنتهي بنهاية شهر تموز (إلا في حالتي الحرب أو إعلان الرئيس وجود حالة الطوارئ أو قرار مخالف يتخذه الكونغرس نفسه ) 0 ولا يملك أي مجلس أن يؤجل جلساته إلا بموافقة المجلس الآخر منعاً لتعطيل الكونغرس 0 ويرأس الشيوخ نائب رئيس الجمهورية ، المنتخب معه 0 ويوجد في المجلسين لجان دائمة ، أو تؤلف لأغراض معينة وتملك لجان الكونغرس حق التحقيق وتملك أن تأمر أياً كان بالمثول أمامها للإدلاء بمعلوماته التي تثير المجلس ، وفي حالة الرفض يمكنها أن تأمر بتوقيفه وإحضاره رغم إرادته وفرض عقوبات عليه 0 وخلافاً لأحكام الدستور ولمبدأ فصل السلطات فإن المجالس كثيراً ما تستغل هذه السلطة التي قصد بها مجرد تنوير المجلس لمراقبة السلطة التنفيذية وانتقادها 0 كما أخذت تتجه في السنوات الأخيرة إلى اتخاذ صفة قضائية بل وبوليسية 0 404 – جـ - سلطات الكونغرس : الكونغرس سلطة تشريعية في الأساس 0 وهو يملك حرية التشريع ضمن الحدود المقررة في الدستور، الذي يكفل الحقوق الفردية واختصاص الدويلات الأعضاء 0 وقبل صدور حكم المحكمة العليا في قضية السياسة الاقتصادية الجديدة للرئيس روزفلت new deal عام 1937 كان من المسلم به أن من حق الكونغرس أن يفرض جزئياً ممارسة سلطته التشريعية 0 ولكن هذا الإجراء أصبح منذ ذلك التاريخ يعتبر مخالفاً للدستور (ولم يعد بالتالي من حق السلطة التنفيذية إصدار مراسيم تشريعية )0 ويمارس المجلسان مشتركين السلطة التشريعية :وهما على قدم المساواة ، إلا في المسائل المتعلقة بالضرائب فيملك مجلس النواب وحده حق اقتراحها 0 وفي الواقع قلما يتخذ مجلس الشيوخ موقف المبادرة ، ومعظم القوانين التي يقرها هي من اقتراح مجلس النواب وإذا لم يتفق المجلسان بشأن قانون معين تؤلف لجنة للتوفيق بين أعضاء المجلسين ، فإذا لم تتوصل اللجنة إلى حل يعتبر القانون مرفوضاً0 405 – وبالإضافة إلى السلطة التشريعية يملك الكونغرس اختصاصات على جانب من الأهمية 0 فهو يملك السلطة المؤسسة : ويمكن تعديل الدستور إذا أقر التعديل كل من المجلسين بأغلبية الثلثين 0 ويعتبر التعديل نافذاً إذا أقرته المجالس التشريعية للدويلات 0 كما أن مجلس النواب يملك إذا لم يحصل المرشح للرئاسة على الأغلبية المطلوبة انتخاب رئيس الجمهورية ،بينما ينتخب مجلس الشيوخ نائب الرئيس (ولم يطبق حكم هذا النص إطلاقاً بفضل نظام الحزبين )0 ويملك الكونغرس سلطة إشراف ، ورقابة على المصالح العامة : فهو يقرر إحداثها ويحدد امتيازاتها وسيرها ويراقب إدارتها 0 كما أنه يمارس نوعاً من السلطة القضائية بطريق الاتهام بحيث يحال أمامه الموظفون الاتحاديون المتهمون بالخيانة أو الرشوة أو الجرائم الأخرى المرتكبة ضد الدولة 0 ويملك مجلس النواب حق الاتهام بعد سماع تقرير لجنة التحقيق التي يؤلفها ، ويتحول مجلس الشيوخ إلى محكمة تنظر في القضية في جلسات سرية 0 ويمكن للمجلس أن يتخذ بأغلبية الثلثين قراراً بعزل الموظف المحال 0 406 – ويملك مجلس الشيوخ دون مجلس النواب صلاحيات هامة في شؤون التعيين والسياسة الخارجية 0 فرئيس مجلس الشيوخ هو نائب رئيس الجمهورية 0 ويترتب على رئيس الجمهورية أن يحصل على موافقة مجلس الشيوخ على تعيين السفراء والقناصل ، وأعضاء المحكمة العليا والموظفين الاتحاديين الذين لم تقرر أحكام الدستور أو القوانين أسلوباً آخر لتعيينهم 0 (يتراوح عدد الموظفين بين عشرة آلاف وأربعة عشر ألف موظف تعيينهم رهن بموافقة المجلس )0 ويعقد رئيس الجمهورية المعاهدات الدولية ، غير أنه يتعين لتصديقها من مجلس الشيوخ بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين 0 ومن الحوادث المأثورة رفض مجلس الشيوخ تصديق معاهدة فرساي بعد الحرب العالمية الأولى 0 ويحاول الرؤساء التجاوز على هذا التصديق بعقد ((اتفاقات تنفيذية)) إذ ترتب عليها المحكمة العليا نفس القوة التي تقترن بالمعاهدات 0 وبمقتضى سلطة الرئيس هذه تم عقد اتفاقات طهران ويالطا خلال الحرب العالمية الأخيرة ، وكذلك انضمام الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة 0 407 – تعاظم اختصاصات مجلس الشيوخ : خلافاً للاتجاه العام الذي يسجل ميل اختصاصات المجلس الثاني إلى التقلص في معظم الدول ، فإن مجلس الشيوخ الأمريكي احتفظ باختصاصاته ، بل إنها تطرد نمواً مع الزمن 0 ومرد ذلك إلى عاملين رئيسيين : تكوين المجلس من جهة ووضعه السياسي من جهة أخرى 0 فقلة عدد الممثلين عن كل دويلة (إثنان) تقضي أن يكونا زعماء للحزب في منطقة واسعة الأرجاء ، فيكون نفوذهما بالتالي أقوى أثراً من نفوذ النواب الكثيري العدد 0 كما أن المدة التي ينتخب الشيوخ من أجلها أطول من مدة نيابة النواب ، مما يزيد في استقلالهم 0 فضلاً عن أن قلة عددهم تلعب دوراً في جعل مناقشاتهم ومداولاتهم أكثر جدية مما يجري في مجلس النواب 0 ومجلس الشيوخ من جهة أخرى أقرب إلى العقلية السياسية الأمريكية 0 فهو يمثل عقلية محافظة ، والمصالح الاقليمية المحلية ، كما أنه يميل إلى المحافظة على الطرق الديموقراطية كما يفهمها المواطن الأمريكي 0 408 – ثانياً – يحتل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية مركزاً فريداً في الدستور ، ومركزه هذا هو الذي يميز النظام السياسي الأمريكي من الأنظمة الديموقراطية الغربية الأخرى ، ويطلق عليه تبعاً لذلك النظام الرئاسي 0 أ- انتخاب الرئيس : ينتخب الرئيس ونائبه عملياً بالاقتراع العام ، أما إذا لم تتوفر الأغلبية المطلقة للناخبين فإن مجلس النواب (على نحو ما رأينا ) ينتخب الرئيس من بين المرشحين الثلاثة الأوائل الذين حصلوا بالتصويت الشعبي على العدد الأكبر من الأصوات ، وينتخب مجلس الشيوخ نائب الرئيس من بين المرشحين اللذين حصلا على العدد الأكبر من الأصوات (0 ولم يعمل بهذا النص إطلاقاً )0 وقد قصد واضعو الدستور أن يتم انتخاب الرئيس بالاقتراع غير المباشر ليتم الاصطفاء ولكن هذا القصد لم يتحقق (1) 0 ((1) راجع فيما يتعلق بتفاصيل معركة انتخابات رئيس الجمهورية كتاب ((انتخابات الرئاسة في أمريكا)) تأليف نلسون ولبي وآرون ولدافسكي ، ترجمة أحمد حمودة ، مطبعة المعرفة القاهرة ))0 409 – ويتم انتخاب الرئيس على ثلاث مراحل : الأولى هي تحديد المرشحين 0 وتشمل على طورين ، في الأول يسمى مندوبو كل حزب في الدويلات ومن ثم يجتمع هؤلاء بشكل مباشر ((مؤتمر)) لاختيار مرشح الحزب للرئاسة – (تجري المناورات عملياً وراء الكواليس وتفضي إلى تعيين المرشحين الرسميين لكل حزب للرئاسة ونيابتها )0 ويجب أن تتوفر فيهم شرطا الجنسية بالولادة ، وسن خمسة وثلاثين على الأقل وإقامة في الولايات المتحدة لا تقل عن أربعة عشر عاماً 0 ثم يلي بعد ذلك المرحلة الثانية من الانتخابات 0 ففي يوم الاثنين الثاني من تشرين الثاني يختار الناخبون الأمريكيون الأول ، بنظام القائمة على مستوى الدويلات ((المرشحين للرئاسة) 0 وهم بذلك ينتخبون الرئيس ونائبه ، لأن المندوبين لانتخابات الرئاسة يلزمون التصويت لمرشحي حزبهم ، وهم ((مقيدون بتعليمات ناخبيهم في قوانين ست ولايات))0 وفي المرحلة الثالثة والأخيرة ، التي تجري يوم الاثنين الثاني من كانون الثاني ، يصوت المندوبون (الناخبون الثانويون) لانتخاب الرئيس ونائبه 0 وقد تبلور أسلوب الانتخاب على هذا النحو واستقر تدريجياً 0 فأحكام الدستور تقتصر على النص بأن كل دويلة تختار (على هواها ) عدداً من المندوبين يعادل عدد نوابها وشيوخها ( ويشترط فيهم ألا يكونوا من النواب أو الشيوخ) وجرت مجالس الولايات في البداية على تعيين المندوبين بنفسها 0 ومعنى ذلك أن الرئيس كان ينتخب في البداية ((بصورة غير مباشرة ) من المجالس لا من الشعب 0 ومن ثم اتجهت المجالس تدريجياً إلى التخلي عن هذا الحق للناخبين وتم التطور عام 1860 0 وينتخب الرئيس لمدة أربع سنوات 0 ولم يكن في أحكام الدستور ما يمنع تجديد انتخابه بصورة دائمة 0 غير أن العرف جرى على أن يكون انتخابه لمرة واحدة فقط ، وكرس هذا العرف بحكم دستوري عام 1947 0 410 – ب – تنظيم الرئاسة – ينهض الرئيس بمهام جسيمة ، يمارسها عن طريق هيئات عديدة ملحقة به أهمها الوزارة والمكتب 0 وهو يجمع بين منصب رئيس الدولة ورئيس الوزارة ، وتتألف الوزارة من مجموع الوزراء ، الذين يطلق عليهم أمناء سر الدولة ويسميهم الرئيس ، بالاتفاق مع مجلس الشيوخ مبدئياً ، وجرى العرف على أن يمنح هذا موافقته باستمرار 0 فالوزراء يرتبطون بالرئيس ، ويملك أن يقيلهم عندما يريد 0 وليس لهم سياسة شخصية فهم مساعدون للرئيس الذي يقرر وحده 0 ولا يمنع هذا أن يكون لبعض الوزراء من ذوي الشخصيات القوية نفوذ كبير 0 ولا يكون الوزراء هيئة جماعية لها سلطة البت واتخاذ القرار 0 فالرئيس يدعوهم إلى اجتماع أسبوعي ليطلع على رأيهم ولكنه وحده الذي يبت ، وقد لا يكون قراره متفقاً مع رأي هيئة الوزارة (1) ((1) من الأقوال المأثورة عن الريس لنكولن في هذا الصدد ، وقد خالفه الوزراء في الرأي ، سبعة أصوات تقول لا ، وواحد يقول نعم ، أن نعم ترجح غيرها ))0 وتتخذ القرارات الهامة عادة من الرئيس بعد أخذ رأي الوزير المختص 0 ومعظم الوزراء من الفنيين ، وليسوا من السياسيين الهواة وهم ليسوا من أعضاء الكونغرس ولا يحق لهم الحضور فيه ( وإن كان يملك هذا دعوتهم أمام لجانه ، أسوة بسائر الناس )0 411 - أما المكتب التنفيذي للرئيس فقد أحدثه الرئيس روزفلت عام 1939 ، وتوسع كثيراً في عهد الرئيس ترومان 0 وهو يضم المساعدين المباشرين للرئيس (مكتب الرئيس ) ومكتب الميزانية الذي يعاون الرئيس في إعداد الميزانية والبرنامج المالي 0 ومجلس المشاورين الاقتصاديين يتألف من ثلاثة خبراء ، يتولون إعداد التقرير الاقتصادي الذي يرسله الرئيس كل ستة اشهر إلى الكونغرس ، والجزء الاقتصادي من رسالة الرئيس إلى المجلس عن وضع الاتحاد ومكتب للذاتية (شؤون الموظفين ) ويرتبط بمكتب الرئيس أيضاً مجلس الأمن القومي ولجنة موارد الأمن القومي : وهي هيئات استشارية 0 412- جـ اختصاصات الرئيس : يملك الرئيس اختصاصات واسعة 0 فهو يسهر على تنفيذ القوانين ، ويملك بالتالي السلطة التنظيمية (المراسيم التنظيمية ) ويمارسها بإصدار ((أوامر تنفيذية)) ويملك الوزراء وبعض المكاتب هذه السلطة في حدود ضيقة بشكل أنظمة وبلاغات 0 والرئيس يرأس الوزارة الاتحادية 0 فهو يعين كل الموظفين ( وبعضهم كما رأينا يجب أن يقترن تعيينهم بموافقة مجلس الشيوخ ) ويستطيع تسريحهم دون موافقة مجلس الشيوخ (ضمن القواعد المقررة في قانون الخدمة الوطنية )0 بالرغم من أن توسع الضمانات الممنوحة للموظفين قيد إلى حد كبير نظام ((اقتسام الأسلاب )) المتبع منذ عهد الرئيس جاكسون ، الذي جعل من الوظائف الإدارية سبيلاً لمكافأة أنصاره وأعضاء حزبه الذين أسهموا في نجاح معركته الانتخابية ، وبالرغم من هذه الضمانات فإن الإدارة الأمريكية لا تزال ذات صبغة سياسية أكثر من الإدارة الفرنسية أو الانكليزية مثلاً 0 ويملك الرئيس إضافة إلى حق التعيين والتسريح حق الرقابة العليا على كل المصالح ، التي تعمل تحت إشرافه ، وهو الرئيس الأعلى لها 0 413 – ويمارس الرئيس اختصاصات واسعة في الشؤون الخارجية 0 فهو يشرف على توجيه العلاقات الدبلوماسية ، ويعين السفراء والقناصل ، ويقرر الاعتراف بالدول الأخرى ، ويجري المفاوضات ويعقد المعاهدات ، ويمارس بعض سلطاته هذه بالتعاون مع مجلس الشيوخ (فيما يتعلق بالتعيين وتصديق المعاهدات) 0 والرئيس في المجال العسكري هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، وهو يملك الإدارة العليا للعمليات 0 والرئيس هو الذي أمر بصناعة القنبلتين الذرية والهيدروجينية 0 وهو الذي أمر بإرسال القوات المسلحة إلى كوريا عام 1950 (بالرغم من أن الكونغرس وحده يملك إعلان حالة الحرب ) كما أنه هو الذي أمر بفرض الحصار على كوريا عام 1962 وبقصف فيتنام من الجو عام 1965 0وسلطات الحرب في حالة الحرب شبه ديكتاتورية على شخص المواطنين وأموالهم على حد سواء 0 ويملك الرئيس حق العفو ، كسائر رؤساء الدول 0 وتزداد صلاحياته في حالة الطوارىء 0 ومع ان أحكام الدستور سكتت عن هذه الحالة فإن السوابق مستقرة : على الرئيس أن يقوم بكل ما من شأنه حفظ النظام وتأمين حياة الأمة واستقرارها 0 414- علاقة الرئيس بالكونغرس : يقوم الدستور الأمريكي على فصل السلطات : فلا الكونغرس يملك حمل الرئيس على الاستقالة ولا الرئيس يملك حل الكونغرس 0 ولكن الفصل ليس تاماً مطلقاً بينهما ، ففي الواقع نجد أن الفصل نسبي ن ويملك كل من الرئيس والمجلس وسائل تأثير متبادلة 0 وأهم هذه الوسائل يملكها الرئيس تجاه الكونغرس 0 فهو يتمتع بحق رفض القوانين التي يقرها هذا 0 ولا يمكن للكونغرس أن يتغلب على هذا إلا بأغلبية الثلثين في كل من المجلسين 0 وإذا كان الرؤساء الأول قلما استعملوا هذا الحق ، فإن الرئيس روزفلت استخدمه في اثني عشر عاماً 631 مرة 0 ويندر أن يتجاوز المجلس رفض الرئيس 0 كما أن الرئيس يشارك من جهة أخرى في اقتراح القوانين 0 وقد جرى العمل في البداية أن يمارس مباشرة هذا الحق عن طريق التقدم مشروعات قوانين كاملة ، وفيما بعد جرى الرؤساء على الاكتفاء باقتراح المبدأ 0 ويتجه العمل في السنين الأخيرة إلى العودة إلى النظام القديم فتلحق برسالة الرئيس عن وضع الاتحاد ، التي يفترض الدستور تقديمها ، مشروعات قوانين جاهزة 0 وتتلى الرسالة في مطلع كل دورة سنوية ، وتتجه لتكون برنامجاً حقيقياً للعمل التشريعي يوجه نشاط الكونجرس 0 كما يمكن للرئيس من جهة أخرى أن يتقدم بمشاريع ، بوساطة أحد النواب في الكونغرس من أعضاء حزبه 0 وبذلك يتم جزء كبير من العمل التشريعي بتوجيه الرئيس المباشر أو غير المباشر 0 415- وإلى جانب هذه الوسائل الرسمية ، يملك الرئيس وسائل أخرى للضغط على المجلس 0 من ذلك سلطاته في في تعيين الموظفين ، إذ يمكن استخدامها لتعيين أصدقاء الشيوخ أو النواب وكسب أصواتهم بالنتيجة 0 والرئيس فضلاً عن ذلك زعيم حزبه ، وبالرغم من قلة انضباط الأحزاب الأمريكية ، فإن هذه الصفة تمنحه نفوذا على نواب الحزب وشيوخه 0 وإلى ذلك كله يتمتع الرئيس بإجلال وتقدير كبيرين لدى الشعب الأمريكي ويمكنه بالتالي بسهولة كسب تأييد الرأي العام لوجهة نظره ، والضغط على الكونغرس بصورة غير مباشرة 0 416- أما الوسائل التي يملكها الكونجرس للضغط على الرئيس فأقل أهمية 0 والدستور يمنح الكونغرس ، سلطة اتهام الرئيس ومحاكمته ، وقد حاول الكونغرس مرة واحدة استعمال هذا الحق عام 1868 للتخلص من الرئيس جونسون ،إلا أن الرئيس بريء ، ومنذ ذلك الحين لم يلجأ الكونجرس إلى استخدامه 0 وقد أدى تلويح الكونغرس باستخدام هذا الحق عام 1973 إلى إكراه الرئيس نيكسون على الاستقالة (1) 0 ((1) دارت فضيحة وات رغيت حول اتهام نيكسون رئيس الجمهورية (الجمهوري) بالتجسس أثناء الانتخابات على مكتب الحزب الديموقراطي ، وقد اتخذت الأحداث شكلاً مأساوياً : ففي 10 تشرين الثاني 1973 أعلن نائب الرئيس الأمريكي (غينيو) استقالته من منصبه ، وبعد يومين أصدرت محكمة الاستئناف حكماً يقضي بان يسلم الرئيس الأمريكي التسجيلات الصوتية للمحادثات التي دارت في البيض الأبيض حول قضية واترغيت إلى النائب العام المختص بالقضية ، فأصدر الرئيس قراراً بعزل المدعي العام ونائب وزير العدل ، وقدم وزير العدل استقالته 0 وفي 23 تشرين الأول وافق نيكسون على تسليم أشرطة التسجيل ، وفي 27 طالبت اللجنة القومية للحزب الديموقراطي الكونغرس ببحث دور نيكسون في قضية واترغيت واتخاذ الإجراءات اللازمة لتوجيه الاتهام الجنائي ضده ومحاكمته إذا اقتضى الأمر ، ونظمت حملة من البرقيات والمظاهرات تطالب باستقالة نيكسون ن انضم إليها الاتحاد العام للعمال الأمريكيين 0 وفي أول آذار 1974 قررت هيئة المحلفين العليا التي تتولى التحقيق في القضية تقديم سبعة من كبار مساعدي الرئيس نيكسون إلى المحكمة ، وفي 10 نيسان دعت بعض الشخصيات القيادية في الحزب الجمهوري إلى استقالة نيكسون بينما بدأت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي تبحث ما إذا كان نيكسون بريئاً من الفضيحة أو أنه ينبغي تقديمه للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ وإقصائه عن منصبه ، وانتهت القضية باستقالة الرئيس الأمريكي للمرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة ))0 ويملك المجلس وسيلة وحيدة فعالة للضغط وهي سلطته المالية : فهو الذي يقر اعتمادات الميزانية ، ويمكنه بالتالي ممارسة ضغط مباشر على الرئيس والإدارة العامة 0 417- ينطوي النظام الرئاسي الأمريكي على مزايا هامة ، فهو يؤمن وحدة الرأي واستقرار السلطة وسرعة الحركة 0 وإذا كانت السلطة التشريعية تتعثر في سيرها فإن التنفيذية تنهض بعملها على نحو مرض 0 غير أن الصعوبة تكمن في جسامة المهام الملقاة على عاتق الرئيس وتنوعها 0 فكل القرارات الهامة في جميع المجالات يتعين عليها البت فيها ، وهو أمر متعذر عملياً 0 ويحمل عنه وزراؤه نصيباً محسوساً من العبء ، إلا أن عدم وجود التضامن الوزاري واستقلال الوزارات يحولان دون تنسيق وجوه النشاط الحكومي 0 ويترتب على ذلك أن كل وزارة تتجه إلى الانفراد برأيها والاستقلال فيه بحيث أن الأمور المتعلقة بأكثر من وزارة يتعذر عادة حلها ، مالم تكن على درجة من الأهمية تبرر عرضها على الرئيس للبت فيها 0 418 – ثالثاً – المحكمة العليا ورقابة دستورية القوانين : تتمتع جميع المحاكم الأمريكية ، الاتحادية والمحلية على حد سواء ، بحق مراقبة دستورية القوانين 0 غير أن المحكمة العليا تلعب الدور الأخطر شأناً في هذا المجال باعتبارها تنظر في هذه الطعون بصورة مبرمة 0 وهي وحدها دون سائر المحاكم تلعب دوراً سياسياً 0 419 – أ – تنظيم المحكمة العليا : تتألف المحكمة من رئيس وثمانية قضاة يعينهم الرئيس بموافقة مجلس الشيوخ لمدى الحياة (يمكن اشتراط الاتفاق بين المجلس والرئيس مبدأ فصل السلطات ، بحيث لا يكون ثمة تفوق لسلطة على أخرى في هذا المجال ويتحقق استقلال المحكمة )0 ويمكن للعضو في سن السبعين أن ينسحب براتب كامل (1) 0 والتعيينات في المحكمة ترتدي طابعاً سياسياً 0 إلا أن الرؤساء يحرصون على تقاليد معينة من حيث إقامة المحكمة على أساس من التوازن السياسي (بين الجمهوريين والديموقراطيين)، وتمثيل الأقليات الدينية ( في المحكمة عنصر يهودي وآخر كاثوليكي ) ، أما السود فلا يمثلون رغم أن عددهم يقارب العشرين مليون نسمة (2)0 ((2)يبلغ عدد سكان الولايات المتحدة 216 مليون نسمة ، ويشكل السود عشر السكان 0 وبالرغم من الجهود المبذولة لتحقيق المساواة بينهم وبين البيض فإن الواقع يدل على أنهم في مرتبة أدنى من جميع الوجوه ، خلافاً للمبادئ الديموقراطية والإنسانية 0 فالتمييز في المعاملة وتحريم الاختلاط قائم في جميع مجالات الحياة لا سيما في الجنوب (السكن – والزواج ووسائل النقل والتعليم والفنادق والمطاعم والمسارح والسينمات والمخازن ومحلات الاستخدام والعمل ) ويقدر أن متوسط دخل الزنجي لا يتجاوز 55% من دخل الأبيض في ظروف متماثلة 0 كما أن الزنوج قلما يصلون إلى المراكز العليا في مجال الوظائف العامة ، فما من وزير زنجي ويقتصر عددهم في الكونجرس على أربعة أعضاء فقط من أصل 531 عضواً 0 ولا نجد في عام 1958 إلا ثلاثة قضاة من الزنوج بين ثلاثماية قاض اتحادي ، وعدد من يمارس منهم حق التصويت (حيث يجول دونه اشتراط درجة من التعليم أو دفع رسم انتخابي ) ضئيل خشية الاضطهاد والتسريح من العمل 0 أما اليهود ويتراوح عددهم بين 5و6 مليون يقيم أربعة ملايين منهم في منطقة نيويورك وحدها فيتمتعون بنفوذ سياسي عظيم الشأن لا يتناسب مع عددهم الفعلي ن بل مع قوتهم الاقتصادية والمالية وسيطرتهم على أجهزة الإعلام وتنظيمهم الدقيق الذي لهم تأثيراً بعيد الشأن في توجيه الانتخابات الأمريكية 0 (راجع توتك المرجه السالف الذكر )0 ويعتبر رئيس المحكمة الشخص الثاني في الدولة ، بعد الرئيس ، ويتقدم نائب الرئيس 0 وهو يشرف منذ العام 1922 على السلطة القضائية الاتحادية 0 420 – سلطات المحكمة العليا : تنظر المحكمة العليا في نوعين من القضايا 0 يتعلق الأول بالقضايا التي يكون أحد السفراء أو القناصل طرفاً فيها 0 وتنظر المحكمة في هذه القضايا مباشرة 0 أما النوع الثاني فهو رقابة دستورية القوانين ، وتنظر المحكمة فيها بطريق الدفع الفرعي استئنافاً 0 ولم ينص الدستور صراحة على حق المحكمة في رقابة دستورية القوانين ، بل كان يعنى بشكل خاص بالتنازع بين القوانين الاتحادية والقوانين الإقليمية 0 ولكن هذا الحق تأكد عام 1803 في حكم شهير 0 وقد تطور استخدام المحكمة هذا الحق تدريجياً 0 وحتى عام 1865 لم تصدر المحكمة إلا قرارين بعدم دستورية قانون ما 0 واتجهت الأحكام إلى التزايد بعد ذلك باطراد 0 وفي عام 1921 أطلق الكتاب الفرنسيون على النظام السياسي الأمريكي (حكومة القضاة) للدلالة على الدور السياسي الكبير الذي تلعبه المحكمة 0 وحتى عام 1937 لعبت المحكمة أسوا الأدوار في هذا المجال 0 فاتجاهها السياسي المحافظ المطبوع بطابع رجعي واضح دفع بها إلى مناهضة السياسة الحكومية : فعارضت القوانين الاجتماعية في مطلع القرن العشرين ، وقاومت تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية وبشكل خاص قوانين الساسة التدخلية الجديدة (new deal) التي انتهجها الرئيس روزفلت 0 ولم تكن أحكامها مبنية على اعتبارات قانونية متينة وجدية، فكانت في واقعها سياسية بحتة 0 وكان لهذا الصراع العنيف بينها وبين الرئيس عام 1937 أثره الحاسم وتراجعت المحكمة عن موقفها 0 ومنذ ذلك الحين والأحكام القاضية بعدم دستورية القوانين لا تصدر إلا لأسباب قانونية جدية 0 وقد أيدت المحكمة منذ 1954 منع التمييز العنصري في المدارس بين البيض والملونين 0 421 – رابعاً – المؤسسات السياسية الإقليمية : لكل من الدويلات الخمس دستورها الخاص تضعه وتعدله بحرية ، ضمن القواعد المقررة في الدستور الاتحادي 0 والدساتير الإقليمية تشبه عادة الدستور الاتحادي 0 فالسلطة التشريعية الاقليمية يمارسها في كل الدويلات (باستثناء واحدة هي نبراسكا ) مجلسان ، مجلس النواب ومجلس الشيوخ 0 ويلاحظ بعض الكتاب أنه ما من مبرر في الدويلات للأخذ بنظام المجلسين ، وثمة اتجاه إلى إلغاء مجلس الشيوخ 0 ونظام الانتخابات شيبيه بالنظام الاتحادي 0 وكثيراً ما تتم الانتخابات الاتحادية والإقليمية في يوم واحد (بالإضافة إلى الاقتراع على عدد من الموظفين يعينون بالانتخاب )0 ويوجد تفاوت كبير في التمثيل بين القطاعين الريفي والمدني 0ودورات المجلس متباعدة ، إذ تعقد دورة كل سنتين لمدة قصيرة 0 أما السلطة التنفيذية فيمارسها حاكم يعتبر رئيس الدويلة 0 وينتخب عادة بالاقتراع الشعبي المباشر ، وأحياناً بصورة غير مباشرة 0 ويتمتع الحاكم تجاه المجالس بسلطات هامة (تفوق سلطات رئيس الجمهورية على الكونغرس )0 ونجد في بعض الدويلات مظاهر الديموقراطية شبه المباشرة 0 ففي عشرين دويلة يؤخذ بحق الاقتراع الشعبي (وتبلغ نسبة الناخبين المطلوبة 10%تقريباً ) وتدل التجربة على فشل هذا الأسلوب ، لأنه أسفر ، لاسيما في حالة عرض المشروع مباشرة على الشعب ، عن نتائج مطبوعة بطابع رجعي عنيف 0 كما يؤخذ بالاستفتاء الشعبي 0 وفي بعض الدول بحق عزل النائب أو الموظف بإرادة الناخبين 0 وهذا الحق قلما يمارس 0 ويلاحظ أن الحكم الذاتي يفقد تدريجياً من الناحية الواقعية مضمونه السياسي ، ويتجه نشاط الحكومات المحلية إلى أن يغلب عليه الطابع الإداري ، وتكاد حرية الدويلات التشريعية تقتصر على الأحوال على الأحوال الشخصية 0 422- خامساً – الأحزاب السياسية : نجد في الولايات المتحدة حزبين كبيرين يتصارعان في الحلبة 0 ولكن نظام الحزبين هذا فريد في بنيانه ودوره ودلالته 0 فالأحزاب السياسية تتميز عادة بمذهب عقائدي تدين به ، وبنيان اجتماعي تقوم عليه :إذ تعبر غالباً عن التباين بين فئات اجتماعية أو تناقض بين مصالح طبقية 0 ولا شيء من ذلك في أحزاب الولايات المتحدة 0 وإذا كان يصح إلى حد ما القول بشكل عام أن الحزب الجمهوري أكثر محافظة من الديموقراطي ، واشد تمسكاً بالحرية الاقتصادية ، وأقوى تعصباً للاعتبارات القومية في السياسة الخارجية ن فإننا نلاحظ أن هذه الفروق أكثر ظهوراً في داخل كل من الحزبين 0 فأنصار الحزب الديموقراطي في الجنوب أكثر رجعية من كثير من الجمهوريين في الشمال 0 وعدم وجود حزب اشتراكي في البلاد (1) ((1)) يحرم على الحزب الشيوعي النشاط منذ العام 1954 ويلاحظ أن اكثر الناس حماساً لحرية التعبير وانتصاراً لها يستثنون الشيوعيين 0 ويبدو لهم هذا الموقف طبيعياً وعادياً 0 فالشيوعي في نظرهم ، بطموحه إلى تغيير شكل الحكم ، إتما يضع نفسه مختاراً خارج حماية القانون 0 وليس أبعد عن الديموقراطية من هذه النظرة لأن الديموقراطية هي حكم الشعب ، ومن حق الشعب ، ومن حق الشعب أن يغير نظام حكمه عندما يشاء 0 إذا كان الماركسيون يتبنون صراحة شعار روبسبير (لا حرية لأعداء الشعب )) فإن المجتمع الأمريكي يتبنى الشعار نفساً ضمناً ))0 يضفي على الصراع السياسي طابعاً بدائياً إلى حد ما ، أشبه ما يكون بالوضع السياسي في اوربا قبل خمسين عاماً 0 423- أ – تنظيم الأحزاب : لا تقوم الأحزاب الأمريكية على الانتماء الفردي لأكبر عدد ممكن من الأعضاء ، وبالتالي فهي ليست أحزاباً قيادية (1) ((1)راجع الفرق بين الأحزاب الجماهيرية والقيادية ، المدخل إلى علم السياسة ، ص148 وما بعدها ))0 تقوم على لجان محلية تتشكل في كل دائرة انتخابية وتضم شخصيات ذات نفوذ (من الوجهاء )0 وهذه الأحزاب تقزم على اللامركزية 0 فما من سلطة حقيقية للأجهزة المركزية على اللجان المحلية 0 وبالتالي فإن ((اللجنة القومية )) التي تتزعم الحزب على المستوى الاتحادي لا تتمتع بأي سلطان فعلي 0 ورئيس الولايات المتحدة وحده يعتبر ((زعيم حزب الأغلبية ))(وغالبا ما يكون هو أيضاً بدون سلطة حقيقية على أعضاء الحزب ) 0 ولذلك يحسن بدلاً من الحديث عن (الحزبين أمريكيين )أن نتحدث عن 100 حزب أمريكي ، لوجود خمسين حزباً ديموقراطياً ومثلهم من الجمهوريين ، واحد منها في كل دويلة 0 وتنظيم هذه الأحزاب ضعيف على مستوى الدويلة نفسها 0 أما قوة تنظيمها فتظهر في إطار المدن والتنظيمات الريفية 0 ففي كل دائرة انتخابية (تضم متوسط 400 ناخب ) ويطلق عليها اسم ((precinct)) يوجد قائد حزبي ((captain)) يترتب عليه أن يعرف كل الناخبين شخصياً ويحافظ على الاتصال المستمر بهم ويقدم لهم الخدمات اللازمة 0 وهؤلاء القادة محترفون لا سيما في المدن 0 ونفوذ كل حزب رهن بمدى نفوذ هؤلاء القادة على ناخبيهم ، ومدى ولائهم للحزب 0 424- ويعتمد استقطاب الحزب لهؤلاء القادة من جهة ، واستقطاب هؤلاء للناخبين من جهة أخرى ، على نظام ((اقتسام الأسلاب )) 0 فثمة عدد كبير من الوظائف العامة في الولايات المتحدة لا سيما في الدويلات والبلديات ، لا يجري إشغالها على أساس الكفاءة كما تعبر عنه نتائج مسابقة أو حيازة درجة علمية ، بل تمنح مكافأة للأصدقاء السياسيين ن ولذلك يقترن تحول الأغلبية من حزب على آخر بانقلاب في الإدارة ، وتوزع الوظائف على أنصار الحزب الفائز 0 ويساعد على ذلك أن كثيراً من الوظائف على المستوى الإقليمي ، كوظائف القضاة ورؤساء الشرطة 00 الخ تسند بالانتخاب (1)0 ((1)وكان عدد الوظائف التي تشغل بالانتخاب في عام 1958 حوالي 800 ألف (راجع الجماعات والسلطة السياسية في الولايات المتحدة ، ليون ديون ،الناشر كولان ، باريس 1965 ، ص44 حاشية رقم 1)0 425- ب – دور الأحزاب : تلعب الأحزاب دوراً علنياً ورسمياً تنظمه القوانين الانتخابية في تعيين المرشحين للانتخابات حتى ليطلق على الأحزاب الأمريكية أنها ((أجهزة)) لإجراء الانتخابات وحسب ، ويعني ذلك أن الترشيح ليس حراً في الولايات المتحدة : ففي معظم الدويلات يقتصر حق تقديم المرشحين على الأحزاب نفسها ، وتنظم القوانين الانتخابية القواعد التي تسير عليها في هذا الشأن 0 وكانت اللجان الحزبية المحلية تتولى في الماضي تحديد المرشحين (وهو ما يطلق عليه نظام (caucus) ، أي أن الترشيح كان بيد الوجهاء المحليين وذوي النفوذ 0 ورؤي فيما بعد ، رغبة في إضعاف نفوذ هذه اللجان ، أن يتولى الترشيح ((مؤتمر)) يضم مندوبي أحياء المدينة أو المناطق المجاورة 0 ولم يقض هذا الأسلوب على نفوذ اللجان ، التي فرضت نفسها عن طريق التأثير في اختيار المندوبين إلى المؤتمر ، فحل محله نظام الانتخابات التمهيدية 0 426 – ومضمون هذا النظام أن يجري تحديد المرشحين من قبل مجموع الناخبين بالاقتراع المباشر 0 وثمة ثلاثة تطبيقات متنوعة لهذا النظام 0 فهو نظام مغلق عندما يطلب إلى الناخبين أن يصرحوا رسمياً عن الحزب الذي ينتمون إليه ويسجل ذلك ويعلن 0 ثم يتلقى كل ناخب بطاقة الحزب الذي ينتمي إليه وقد أثبت فيها أسماء المقترح ترشيحهم لكل وظيفة شاغرة ، فيؤشر الناخب على من يود ترشيحه عن الحزب في الانتخاب القادم (الذي يتم في وقت لاحق )0 وهو نظام مفتوح عندما لا يطلب إلى الناخب بيان اتجاهه الحزبي ، فترسل إلى كل ناخب بطاقتان ، واحدة للحزب الديموقراطي والأخرى للجمهوري ، فيستخدم تلك التي يختارها 0 أما النظام المحايد (وهو مطبق في دويلتين فقط ) فينطوي على إرسال قائمة واحدة للناخب ، يثبت فيها أمام كل وظيفة أسماء كل المرشحين ، بدون إشارة إلى الحزب الذي ينتمون إليه 0 في هذه الصورة يختفي دور الأحزاب ، وإن كان تأثيرها يمارس في الخفاء ، ويشبه نظام الانتخاب في جولتين 0 وقد تبين من الناحية العملية أن هذا النظام نفسه لم يحقق الغاية المرجوة منه ، ولا تزال اللجان الانتخابية الحزبية تلعب فعلياً الدور الأساسي في تحديد المرشحين وانتخابهم 0 427- والأحزاب الأمريكية لا تتقيد كثيراً بقواعد الانضباط الحزبي 0 ولو أنها كانت كذلك لتغير طابع النظام السياسي كله ، إذ لو كانت على درجة من الانضباط التي تتمتع به الأحزاب البريطانية لترتب على ذلك أن يحصل اندماج بين السلطات عندما يكون الرئيس والكونغرس من حزب واحد ، أما إذا كان كل منهما من حزب غير الآخر (وكثيراً ما يتحقق ذلك بسبب تفاوت المدد المحددة لكل من الرئيس ومجلس الشيوخ ومجلس النواب ))فإن فصل السلطات يصبح تاماً بحيث يتعذر سير الحكم 0 غير أن انعدام الانضباط يغير الموقف كلياً 0 ففي القرارات الهامة والخطيرة لا يصوت قط جميع أعضاء الحزب بشكل موحد (1)0 ((1)لا يعرف النظام الأمريكي مبدأ المسؤولية الوزارية أمام الكونجرس ، ولذلك فإن تصويت أعضاء من الحزب ضد أغلبية حزبهم في المجلس لا خطر منهم ، وهذا التصويت المخالف لا يعتبر تحرراً من وصاية الحزب أو الخروج عليه ، بل يكشف تبعية النائب للمنظمة الحزبية على نطاق الدويلة أو المستوى المحلي 0 راجع ليون ديون ، المرجع سالف الذكر ،ص48)0 وتكون النتيجة ماثلة لحالة تعدد الأحزاب 0 وفي الفترة الواقعة بينم 1954 و1960 كان الرئيس من الحزب الجمهوري ، واستند إلى تأييد يجمع الليبراليين من كلا الحزبين 0 وكانت هذه الأغلبية أكثر استقراراً من فترة 1952 -1954 حين كان الرئيس وأغلبية الكونجرس من حزب واحد 0 428- جـ جماعات الضغط : وتتأثر الحياة السياسية ، كما تتأثر الأحزاب نفسها إلى درجة كبيرة بوجود ما يسمونه ((جماعات الضغط ((2)) 0 ((2)راجع المدخل إلى علم السياسة ،ص161 وما بعدها )0 فالأحزاب تهدف إلى الاستيلاء على الحكم وممارسة السلطة 0 أما جماعات الضغط فلا تشارك في تقلد السلطة ولا تمارسها مباشرة ، ومع ذلك فإنها تؤثر في السلطة فتوجهها وهي خارجة عنها 0 وهذه الجماعات توجد في جميع أنظمة الحكم وفي جميع العصور وهي ليست محددة المعالم ، كما هو شأن الأحزاب ، ودور هذه الجماعات عظيم الشأن في الولايات المتحدة بالذات 0 ويبلغ عددها ، على المستوى الاتحادي فقط حوالي (2000) منظمة تتخذ واشنطن مقراً لها 0وأقوى هذه الجماعات وأعرضها ثروة الاتحادات المهنية ، وجمعية المنتجين في الزراعة ، وغرف التجارة واتحادات الصلب والسيارات والمصارف والتأمين في مجال الصناعة والتجارة ثم يلي ذلك النقابات العمالية 0 وفوق كل هذه الجماعات كلها يقوم تحالف العسكريين وقادة الصناعة بفرض توجيه متزايد الأهمية على سياسة الدولة (1)0 ((1)يتجه التركيز في المشروعات إلى التزايد بمعدل متسارع بفعل الثورة الصناعية الثالثة – عصر الذرة والإلكترون – وما تقتضيه من تغيير في أساليب الإنتاج ، فتركز الإنتاج أصلاً ووجود المنشآت العملاقة أتاح ترسيخ التقنيات الجديدة بسرعة ، ونمو هذه التقنيات يقتضي بدوره تركيزاً أكبر في الإنتاج ،لما تتطلبه من توظيفات جسيمة ، وأدى ذلك إلى توثيق العلاقات بين المصارف والصناعة ، وإلى اندماج شبه تام بين رأس المال الصناعي ، في أوليغريشية مالية – صناعية ضيقة 0 وتركز السلطة الاقتصادية على هذا النحو يمكن تحقيقه والحفاظ عليه ودعمه عندما يكون الممسكون بهذه السلطة قادرين على السيطرة على البيئة التي يمارسون فيها عملهم ، داخل الحدود القومية وخارجها 0 فالتحالف بين الصناعة ورأس المال يفترض سيادة الأمن والاستقرار 0 ومن هنا علاقة عضوية لا انفكاك لها بين السلطة الاقتصادية والسلطة السياسية والعسكرية ، وكل منها يحفز الآخر ويغذيه ، والملاحظ فعلاً أن الاندماج بين الحكام السياسيين والاولغريشية الاقتصادية في الولايات المتحدة أصبح كبيراً جداً ، وحسبنا أن نشير إلى أننا لو استعرضنا أسماء الوزراء الذين توالوا على وزارة الدفاع الأمريكية منذ خمسة وعشرين عاماً لوجدناهم جميعا من أقطاب الصناعة ورأس المال ، كما أن من الأمور المعروفة أن كبار ضباط الجيش والأسطول وكبار الموظفين ينتقلون بعد إحالتهم إلى التقاعد ن بصورة شبه آلية على القطاع الخاص ، ليشغلوا مراكز هامة في الاحتكارات الكبرى 0 فالأوليغريشية المالية – الصناعية أصبحت في الواقع ثالوثاً صناعياً – مالياً عسكرياً 0 وهذا الترابط بين المصالح الاقتصادية والنشاط السياسي والعسكري هو ما سماه الرئيس ايزنهاور ((المركب الصناعي العسكري )) الذي يسيطر فعلياً على الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية (راجع محاضراتنا ((أضواء على الاستعمار الجديد ))، منشورة في مجلة المعرفة العدد 114، آب 1971 ))0ولهذا لاغرابة أن ((تكمن قوة تماسك الأحزاب السياسية الأمريكية في شهوة الحصول على مناصب ، ومناصب مربحة ))، كما يقول جيمس برايس ، ونجد أن العلاقة متينة بين قادة الأحزاب والأوليغريشية الاقتصادية ، وتعقد فيما بين الطرفين اتفاقات يتعهد رجال الصناعة بمقتضاها بتمويل أحد الحزبين على مستوى الدويلة أو المستوى الاتحادي مقابل تأييد الحزب لبرنامج سياسي يحقق أو يحمي المصالح الاقتصادية ، ويؤدي تزايد تكاليف الانتخابات ، التي تستخدم فيها على نطاق واسع وسائل الاعلام الجماهيري وتقنيات العلاقات العامة ، إلى زيادة تبعية الأحزاب للشركات والنقابات 0 ومن الثابت أن موجة المكارثية ((التي عملت على قمع الشيوعية ) في الفترة بين 1950-1954 غذيت إلى حد كبير من الأوليغريشية المالية – الصناعية 0 ومن الملاحظ أن اللجان القيادية للحزبين على المستوى الاتحادي تتألف في غالبيتها من المحامين ومديري الشركات والناشرين وأصحاب الصحف ومحطات الإذاعة والتلفزيون والوسطاء العقاريين ومديري المصارف وممثلي الاحتكارات المالية 0 كما أن الشركات الصناعية والمالية الكبرى تمسك سجلات لمواقف النواب في المناقشات التي تجري في المجالس وتهم مصالحها 0 ومن أن تأثير ((اللوبيز)) يتناول جميع وجوه النشاط الحكومي ، على مختلف المستويات ((المحلي والإقليمي والإتحادي)) ، بما فيها رئاسة الجمهورية ، وبخاصة مجلس الشيوخ ((راجع في كل ذلك ليون ديون ، المرجع السالف الذكر )) ولعل الرغبة في امتصاص النقمة الشعبية التي خلفتها فضيحة وات رغيت ، ورد شيء من الاعتبار إلى الحزبين السياسيين والنظام السياسي بكامله بعد التجريح واتشهير الذي لحق به تكمن وراء الخطوة التي اتخذها الكونغرس الأمريكي في 28 تشرين الثاني 1973 بموافقة مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية 57 صوتاً ضد 34 على تشريع يقضي بأن تتولى الحكومة الأمريكية تمويل الحملات الانتخابية لاختيار الرئيس وأعضاء الكونغرس ، بدلاً من تمويلها عن طريق الأفراد والهيئات والأوليغريشية الصناعية – المالية (مجلة السياسة الدولية ، مؤسسة الأهرام ، القاهرة ، العدد 35 ، يناير 1974 ، شهريات ، ص254 ))0 429- وهذه الجماعات منها ما هو منصرف للسياسة كجمعية الاقتصاد الحر ،أو يهمه مصالح جماعته كنقابات العمال ، ومنها ما يجمع الدفاع عن المصالح إلى وجهة نظر سياسية و اجتماعية كالاتحادات المهنية للأطباء والمهندسين ورجال القانون 0 وهذه الجماعات تؤثر في الرأي العام والأحزاب والحكام ، وتستخدم كل الوسائل المتاحة لها ن بما فيها أحدث وسائل الدعاية وتتصرف بأموال ضخمة 0 وأخطر من هذه الجماعات كلها تلك التي يطلق عليها اسم lobbies فهذه لا تجد طائفة معينة من المصالح ، وإنما هي نوع من المكاتب تتخصص في الضغط والتأثير ، وتؤجر خدماتها لمن يطلبها ، كما يفعل مكتب محاماة أو كما تفعل دار من دور الرعاية 0 ومما يزيد من خطورة تأثير جماعات الضغط هذه انعدام الإيديولوجية لدى الأحزاب ، وما يكنه ذلك من عدم احترام للدولة والحياة السياسية وتقديس المال 0 المبحث الثاني النظم النيابية ثنائية الأحزاب النظام السياسي في المملكة المتحدة 430 – إن النظم النيابية في العالم كلها مقتبسة عن النظام البريطاني 0 ولكن بعضها قام على تعدد الأحزاب ، مما أفضى به إلى نظام يختلف كثيراً عن الأصل الذي اقتبس عنه ، رغم بقاء المظاهر الخارجية 0 والنظم النيابية ثنائية الأحزاب تتميز عن تلك التي تتعدد فيها الأحزاب بظاهرتين : أ- الحزبان يتميزان بالانضباط ، وعلى رأس كل منهما زعيم معترف به ، فيستطيع الناخبون أن يختاروا بالاقتراع فعلاً وعن إدراك تام رئيس الحكومة والاتجاه الذي سيسير فيه0 ب – الأغلبية في مجلس النواب يملكها بالضرورة حزب واحد ، وانضباط الحزب يضمن على وجه الدوام تأييده المستمر للحكومة التي يؤلفها زعيمه 0 وبذلك تكون الحكومة مستقرة وقوية 0 ونحن في غنى عن تكرار ما ذكرناه سابقاً من أن النظام النيابي نشأ في إنجلترة ثمرة تطور تاريخي طويل أدى إلى انتقال السلطة ((من التاج إلى البرلمان ومن البرلمان إلى الوزارة ))0 431- ويقوم الدستور البريطاني في معظم قواعده على العرف غير المدون ، وهو دستور مرن ، إذ يملك البرلمان أن يعدل قواعده بحرية ، حتى قيل أن البرلمان الانجليزي قادر على كل شيء ((إلا أن يقلب الرجل إلى امرأة )) 0 غير أن ميل الشعب البريطاني إلى المحافظة على التقاليد يجعل من هذه الأعراف والسوابق أقوى شأناً وأكثر قدسية من الحكام التي تتضمنها الدساتير المدونة الجامدة 0 ويتألف النظام البريطاني من ثلاثة أنواع من الهيئات : التاج والبرلمان والوزارة 0 وهذه الهيئة الأخيرة وإن كانت الأخيرة في ترتيب ظهورها فهي اليوم أخطر الهيئات شأناً 0 432- أولاً – الوزارة – تختار الملكة الوزير الأول 0 وهذا الاختيار وهمي في الحقيقة لأن المفروض أن تختار حزب الأغلبية 0 ويختار الوزير الأول سائر الوزراء وتسميهم الملكة من الناحية القانونية بدون أن يكون لها حق التدخل في انتقائهم 0 والوزراء أعضاء في البرلمان (ولو أنه يمكن أن تضم الوزارة عدد من الشخصيات غير البرلمانية ، وكثيراً ما يتحقق هذا الفرض )0 ويكون معظمهم من مجلس العموم 0 ويجب أن تضم الوزارة عدداً من اللوردات 0 لأن الوزراء لا يسمح لهم بحضور جلسات المجلس والمناقشة فيه إلا إذا كانوا أعضاء فيه ، فوزير عضو في مجلس اللوردات لا يجوز له الدافع عن سياسة الوزارة أمام مجلس النواب 0 ولما كان الدور السياسي الهام يلعبه مجلس العموم فمعنى ذلك اختصاص اللوردات بالمناصب الوزارية الثانوية 0 ولا يجوز تبعاً لذلك أن يكون الوزير الأول من اعضاء مجلس اللوردات 0 والوزراء مسؤولون بالتضامن أمام البرلمان 0 كما توجد مسؤولية فردية 0 ويمكن لمجلس الوزراء أن يطلب إلى الوزير الاستقالة في هذه الحالة 0 ولكن دور المسؤولية الفردية قليل الشأن 0 والوزارة تشكل وحدة ، وهذه الهيئة هي المسؤولة عن توجيه السياسة العامة بالاتفاق مع البرلمان ، الذي يستطيع أن يضطرها إلى الاستقالة 0 433 – فئات الوزراء : الوزارة البريطانية معقدة نوعاً 0 فنجد على رأسها الوزير الأول 0 وقد ينهض أحياناً بإدارة وزارة من الوزارات (كان تشرشل وزيراً للدفاع وماكدونالد وزيراً للخارجية) 0 ويتمتع الوزير الأول بنفوذ على الوزراء ، ونفوذه هذا مستمد من مركزه الحزبي بوصفه زعيم الأغلبية ، لا من مركزه القانوني ، إذ من وجهة النظر هذه لا يعدو أن يكون ((الأول بين متساوين )) – كما يدل على ذلك لقبه – 0 ونجد بين الوزراء فئات مختلفة : 1- فئة تشغل مناصب تقليدية فخرية (من رواسب الماضي) كاللورد حامل الختم الخاص ، وأخرى فنية بحتة لا صفة سياسية لها كالنائب العام (solicitor general&((attorney general)))) يختار لها قضاة يقومون عملياً بدور المشاورين القانونيين للحكومة ويمثلونها أمام القضاء ، أما اللورد المستشار (L.chancellor) فيرأس مجلس اللوردات وينهض بمنصب وزير العدل 0 2- فئة الوزراء بالمعنى الدقيق ، وتشمل سكرتيري الدولة والوزراء ، ولا فرق بينهما إلا من حيث التسمية ، إذ أن الوزراء من الفئة الأولى يرأسون إدارة قديمة يطلق عليها ((OFFICE)) 0 أما الوزارات المحدثة بتاريخ لاحق فيطلق عليها ((ministry)) 0 3- وزراء دولة بدون حقائب وزارية ، وتكون مهمتهم عادة تنسيق العمل بين الوزارات المختلفة ، وقد يطلق عليهم أحياناً اسم وزير مقيم إذا كان مقر عملهم خارج العاصمة (( جرى تعيين عدد منهم خلال الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط وواشنطن وأفريقيا ))0 4- وإلى جانب كل وزير يوجد سكرتير برلماني ((وهو غير الأمين العام للوزارة ، أو ما يطلق عليه في جمهورية مصر العربية وكيل الوزارة ، وفي سورية معاون الوزير ))يمكن اعتباره بمثابة نائب الوزير، ويسمي رئيس الوزراء السكرتير البرلماني بالاتفاق مع الوزير المختص ، ومهمته تأمين الارتباط بين الوزير والبرلمان ، والإجابة نيابة عنه على أسئلة النواب الشفوية ، وكثيراً ما يعهد إلى السكرتير البرلماني بالإشراف على قطاع معين من اختصاص الوزارة ، بتفويض من الوزير 0 434- تركيب الوزارة : ثمة تمييز أساسي في إنكلترة بين الوزارة ( أي مجموع الوزراء ) ومجلس الوزراء (cabinet) بمعناه الضيق 0 فالوزارة ، بما فيها السكرتيرون البرلمانيون : تعد بين 60 و80 عضواً 0 أما مجلس الوزراء فيقتصر عدد أعضائه على حوالي عشرين شخصاً ، ولا يشترك الوزراء غير الأعضاء في مجلس الوزراء في اجتماعاته 0 ويتألف مجلس الوزراء من الوزراء الذين يختارهم الوزير الأول 0 وقد جرى العرف على اعتبار بعض أعضاء طبيعيين فيه بحكم مناصبهم ، كوزير العدل ووزير المالية وسكرتيري الدولة (لاسيما وزير الخارجية ووزير الدفاع ووزراء التربية والعمل والخدمة الوطنية والزراعة )0 ومجلس الوزراء المحدود هذا هو قلب الحكومة النابض ، ويتولى دور القيادة الرئيسية في الحكم ، وهو يجتمع في مقر الوزير الأول في جلسات أسبوعية 0 ومنذ عام 1945 ظهر اتجاه مستقر إلى تأليف لجان وزارية ، بعضها دائم كلجنة الدفاع ولجنة السياسة الاقتصادية ولجنة الإنتاج واللجنة التشريعية ، وبعضها الآخر مؤلف يؤلف لغرض محدد 0 435 – ثانياً - التاج : احتفظت انكلترة بالنظام الملكي الوراثي ، مع تجريد الملك تدريجياً من كل سلطة ، وإن كان يتمتع بنفوذ أدبي كبير 0 أ- انتقال التاج : يفرق الانكليز بين الملك (أو الملكة ) كشخص طبيعي ، والتاج crown ، فالتاج مؤسسة قانونية ومقر السلطات 0 وتنتقل ولاية العرش طبقاً لقوانين الإرث العادية ، فينتقل التاج كما تنتقل الأموال الخاصة ولا يستبعد الإناث من الإرث ، غير أنه فيحال تساوي درجة القرابة يقدم الذكور عليهم في الترتيب 0 ويطلق على الملكة التي تعتلي العرض بحكم الإرث الملكة المالكة Queen regnant- كما هو شأن الملكة الحالية – تمييزاً لها من الملكة بحكم زواجها من الملك (Queen consort) غير أن هذا رهن بإرادتها ، ويشترط لولاية العرش أن يكون المرشح منتمياً إلى الكنيسة الانجليكانية ، ويعتبر الملك رئيساً لها 00 ويتم التتويج في احتفال ديني 0 ويحق للبرلمان أن يعدل قواعد توارث العرش ، وقد قام بذلك في فتات مختلفة لاستبعاد بعض فروع الأسرة المالكة ، ويجب أن يقترن قرار البرلمان بهذا الشأن بموافقة برلمانات الدومينيونات ، نظراً لأن ملك انجلترا يعتبر في الوقت نفسه ملكاً لسكوتلندة و ايرلندة الشمالية و كندا واستراليا وزيلندة الجديدة ، ، وتعترف الهند بالملك ((رئيساً لرابطة الشعوب البريطانية ))0وتتقرر ألقاب كل ملك عند اعتلائه العرش ، من قبل برلمان انجلترة وبرلمانات الدومنيونات الأعضاء في الرابطة (1) 0 ((1)انسحب اتحاد جنوب أفريقيا من رابطة الشعوب البريطانية عام 1961 بعد الحملات التي تعرض لها بسبب سياسة التمييز العنصري التي ينتهجها ))0 436 – ب – سلطات التاج : كانت السلطات كلها في الأصل تنحصر في التاج وجرد منها تدريجياً ، وانتقلت إلى البرلمان ومجلس الوزراء ومحاكم القضاء والهيئات المحلية 000 ولا يزال التاج يملك من الناحية القانونية سلطات واسعة ، يطلق عليها الامتيازات الملكية royal prerogatives)) 0 ويمكن للبرلمان أن يضيق حدود هذه الامتيازات بكل حرية 0 وتعتبر ممارسة هذه الامتيازات سلطة تقديرية للملك ، أي أن المحاكم لا تملك مراقبتها ، وهي بالتالي أشبه بما يطلق عليه في الفقه الفرنسي ((أعمال السيادة)) وهذه الحصانة نتيجة للمبدأ القائل ((الملك لا يخطىء )0 وتنطوي هذه الامتيازات ، فيما تنطوي عليه ، في السياسة الداخلية على التعيين لوظائف مدنية وعسكرية ، ومنح لقب اللورد ، ومنح الألقاب والأوسمة ،وقيادة الجيش ودعوة البرلمان إلى الانعقاد وحله وتصديق القوانين وإصدارها وحق التشريع لبعض المستعمرات ومنح دساتير للأقاليم المستعمرة وحق اتخاذ قرارات ذات صفة تشريعية في الحالات الاضطرارية في غياب البرلمان 0 وفي الشؤون الدبلوماسية تشمل حق إعلان الحرب وعقد السلم وعقد المعاهدات والاعتراف بالحكومات الأجنبية ، كما تشمل في الشؤون القضائية حق العفو وإجازة الاستئناف (التظلم) لدى اللجنة القضائية في المجلس الخاص 0 هذه الامتيازات الملكية منوطة بالتاج قانوناً ، أما في الواقع فيمارسها كلها مجلس الوزراء والوزير الأول 0 فهذا الأخير هو المختص بالتعيين مثلاً 0 ذلك أن مبدأ عدم مسؤولية التاج استتبع انتقال ممارسة هذه السلطات إلى مجلس الوزراء المسؤول أمام البرلمان 0 وعلى هذا فإن الملكة تختم بتوقيعها قرارات لم تتخذها 0 وحرية عمل الملك محدودة بحيث أن ادوار الثامن لم يستطع أن يختار زوجته بحرية واضطر إلى التنازل عن العرش بسبب إصراره على موقفه 0 437- جـ - المجلس الخاص : لا يجتمع الوزراء كلهم برئاسة الملك قط 0 ويتم الاتصال بين الملك والوزراء عن طريق الوزير الأول ، وإن كان ليس ما يمنع اجتماع الملك إلى الوزير المختص 0 وفي إنجلترة هيئة خاصة منفصلة عن مجلس الوزراء ، إلا أنها ذات صلة به ، وهي ما يسمى بالمجلس الخاص 0 وهذا المجلس كان يضم في الأصل المستشارين الشخصيين للملك ((1))0 ((1)) يعتبر هذا المجلس أصل مجلس الوزراء وكان من نتيجة انفراد بعض المستشارين وأكثرهم نفوذا بالاجتماع في غرفة صغيرة (cabinet) أن أطلق عليهم هذا الاسم 0وبقي يدل على الوزارة عند تبلورها نهائياً))0 وهو يضم الآن إلى جانب الوزراء ، عدداً من الساسة وكبار الموظفين وكبار الأساقفة ، وكل من تريد الحكومة تكريمه لخدمات باهرة قدمها للبلاد، ويسمى أعضاء المجلس لمدى الحياة 0 وكان يبلغ عددهم في 1952 حوالي ثلاثمائة عضو 0 ويجوز تعيين أبناء الممتلكات البريطانية الحرة فيه 0 ويجتمع المجلس الخاص بهيئته العامة في حالات استثنائية : كالموافقة على زواج الملك ،وسماع البيان الذي يلقيه لمناسبة اعتلائه العرش 0 أما وظيفته الأساسية فسياسية وإدارية وقضائية 0 فدعوة البرلمان وحله تتم بإرادة ملكية proclamation تستند إلى موافقة المجلس الخاص ، كما تمارس الحكومة السلطة التنظيمية بأنظمة تتخذ في المجلس الخاص المنعقد برئاسة الملك orders in council وثمة اتجاه ملموس إلى نمو السلطة التنظيمية على حساب السلطة التشريعية 0 ويصدر سنوياً حوالي ستماية نظام 0 ومن الناحية الفعلية يقتصر دور المجلس الخاص على إقرار اقتراحات الوزراء الذين يتحملون وحدهم مسؤوليتها أمام البرلمان 0 أما باعتباره هيئة إدارية فيضم المجلس لجاناً لا يحضر المجلس اجتماعاتها ، ويرتبط نشاطها بالوزارات المختلفة 0 وباعتباره هيئة قضائية تعتبر اللجنة القضائية في المجلس الخاص نوعاً من محاكم الاستئناف العليا للمستعمرات والممتلكات الحرة 0 438- ثالثاً – البرلمان : يطلق تعبير البرلمان نظرياً على مجلس العموم ومجلس اللوردات مع الملك بحيث يتطلب صدور القوانين واستكمالها مقوماتها القانونية اتفاق الأطراف الثلاثة 0 فالمجلسان يقران مشروع القانون ويصدقه الملك 0 أما من الناحية العملية فإن الملك لم يرفض تصديق أي قانون منذ 1707 ، وبذلك يكون دوره في الشؤون التشريعية شكلياً بحتاً 0 كما أن مجلس اللوردات جرد منذ عام 1911 من سلطة معارضة مجلس العموم ، وبذلك يصبح هذا الأخير عملياً هو السلطة التشريعية 0 439 – مجلس العموم : يضم مجلس العموم 635 عضواً((1)) ((1)) توزع المقاعد النيابية على النحو التالي : 516 لانجلترة و 36 لبلاد الغال و71 لايقوسيا ، و12 لأيرلندا الشمالية ))0 ((نائباً)) ينتخبون لمدة خمس سنوات ((وقلما يتم النائب المدة المحددة بسبب كثرة استخدام حق الحل)) ويتم الانتخاب بالاقتراع العام المباشر السري ، وفق نظام الانتخاب الفردي القائم على مبدأ الأغلبية في جولة واحدة 0 وتتمتع الإناث بحق الاقتراع والنيابة بشروط متساوية مع الذكور 0 ويشترط في الناخب أن يكون قد أتم الثامنة عشر من عمره ((1)) ، ((1))اعتباراً من عام 1970 ، وقد كان سن الرشد الانتخابي قبل ذلك 21عاماً))0 وفي المرشح أن يكون قد أتم الواحدة والعشرين من عمره 0 وفي الماضي كان يجوز للناخب التصويت أكثر من مرة ، وقد ألغي هذا الأسلوب في عام 1928 0 ويختص المجلس نظرياً بحق النظر في الطعون الانتخابية ، غير أن هذا الحق فوضت ممارسته إلى المحاكم القضائية اعتباراً من عام 1686 0 ومنذ عام 1911 خصصت مكافأة من الخزينة العامة للنواب ، وهم يتمتعون بالحصانة 0 وينتخب المجلس رئيسه ، ويسمى speaker ((2)) ((2)) أي الناطق ، إذ كانت وظيفته في الأصل نقل مناقشات المجلس وآرائه إلى الملك))0 وهو يتمتع بقدر عظيم من الاحترام ، وصلاحيات واسعة في تنظيم مناقشات المجلس 0 ويتوفر النصاب القانوني لتكون الجلسات شرعية بحضور أربعين عضواً ، وتخضع المناقشات لقواعد تحول دون تعطيل المجلس أو التسويف 0 وليس للنواب حق اقتراح قوانين تفضي إلى نفقات عامة جديدة ، وفي هذا ضمانة ضد الغوغائية ، وثمة اتجاه جديد إلى تقييد حق النواب في اقتراح القوانين ،ويلاحظ عملياً أن 90% من مجموع القوانين التي يقرها المجلس هي من اقتراح الحكومة 0 وتفتتح الملكة الدورة التشريعية السنوية بخطاب العرش ((الذي يعده مجلس الوزراء))وتحدد فيه برنامج الحكومة ، ويقر المجلس رداً على خطاب العرش ، وهذا الحوار بين الحكومة والمجلس يقرر التوجيه السياسي للبلاد 0 440 – مجلس اللوردات : ومجلس اللوردات من مخلفات عهد الإقطاع والملكية المطلقة 0 ومنذ مدة لم يعد المجلس يمثل الارستقراطية الإقطاعية ،إذ يمنح لقب اللورد منذ القرن التاسع عشر تقديراً للنوابغ وعظماء الرجال في مختلف وجوه الحياة القومية ،ويبلغ عددهم حوالي مائة وخمسون عضواً0 ويتألف المجلس من حوالي ألف عضو ، منهم 800 بالوراثة و26 من كبار الأساقفة وتسعة من كبار القضاة يسمون لمدى الحياة 0 ومن هذا المجموع لا يحضر الجلسات أكثر من خمسين عضواً ، وفي الحالات شديدة الأهمية لا يتجاوز عددهم المئة 0 ومنذ عام 1958 أجيز دخول الإناث في المجلس ، وفيه حالياً أربع سيدات 0 ويتسم المجلس بطابع محافظ في أغلبيته الساحقة ، ولذلك فهو نصير لحزب المحافظين ، ومنذ سنوات قليلة عين فيه عدد من الأعضاء السابقين ، وينعقد مجلس اللوردات بحضور ثلاثة أعضاء في المناقشات وثلاثين عضواً عند التصويت 0 441 – وكانت اختصاصات المجلسين متساوية في الماضي ، فكان اتفاقهما ضرورياً لصدور القوانين 0 غير أن مجلس العموم اعتبر منذ أواخر القرن السابع عشر أنه لا يجوز لمجلس اللوردات تعطيل مشروعات القوانين التي تتضمن أحكاماً مالية ، لأن الضرائب لا تفرض إلا برضى الشعب ، ومجلس اللوردات لا يعتبر ممثلاً له أما مجلس اللوردات فكان يعتبر أن من حقه رفض مثل هذه المشروعات جملة دون تعديل أحكامها 0 وفي عام 1911 نشبت أزمة حادة بشأن قانون الضريبة على الدخل ،فصدر قانون جرد مجلس اللوردات بمقتضاه من حق النظر في المشروعات ذات الطابع المالي money bill 0 أما القوانين الأخرى فيحق لمجلس اللوردات رفضها (حق الفيتو) ، ولكن أثر الرفض يقتصر أثره على تأجيل نفاذ القانون ، ويحق لمجلس العموم بعد سنتين كحد أقصى أن يقر مشروع القانون وحده ، ويصبح بذلك قانوناً رغم معارضة مجلس اللوردات 0 وفي عام 1949 عارض مجلس اللوردات في تأميم صناعة الصلب ، فاستصدرت الحكومة العمالية قانوناً جديداً يقيد سلطة مجلس اللوردات ، فيقتصر أثر رفضه على تأجيل نفاذ القانون لدورتين متتابعتين أو سنة واحدة 0 وحتى عام 1948 كان يحق لعضو مجلس اللوردات أن يطلب محاكمته أمام أقرانه ، أي مجلس اللوردات ، عملاً بمبدأ إقطاعي قديم 0 وقد ألغت حكومة العمال هذا الامتياز ، ويتمتع المجلس باختصاص قضائي ، إذ يعتبر بشكل تقليدي محكمة استئناف عليا ، وتنظر في الشؤون التي ترفع إليه لجنة مؤلفة من اللوردات القضاة التسعة 0 وقد جرت محاولة عام 1949 لتحويل مجلس اللوردات إلى مجلس شعبي ولكن الحكومة لم تلبث أن تراجعت عن المشروع 0 442 – تطور السلطة التنفيذية : لا تتمتع السلطة التنفيذية مبدئياً بسلطة تنظيمية 0 فمهمة وضع القواعد القانونية العامة غير الشخصية وقف على البرلمان 0 ولكن نظراً للسلطان المطلق الذي يتمتع به البرلمان الانجليزي فإنه يستطيع تفويض سلطته في التشريع (إذ يجمع بين المجلس التأسيسي والمجلس النيابي ، وبالتالي فلا مخالفة للمبدأ القائل أن الصلاحية المفوضة لا تقبل التفويض )0 وقد أفضى تعقد الحياة إلى لجوء الحكومة إلى ممارسة السلطة التنظيمية على نطاق واسع عن طريق إصدار أنظمة تتخذ في المجلس الخاص وأحياناً بقرارات وزارية 0 وقد أجازت بعض القوانين لهذه الأنظمة تعديل القواعد القانونية التشريعية ،وبذلك تصبح هذه الأنظمة نوعاً من ((المراسيم التشريعية ))0 وقد كونت لجنة برلمانية في عام 1944 لفحص هذه الأنظمة ومراقبة ممارسة الحكومة للسلطة التنظيمية 0 443- السير العملي للنظام الانجليزي :يعرف فقهاء القانون الدستوري الفرنسي (ويتابعهم في ذلك المؤلفون العرب )النظام الانجليزي بأنه نظام يقوم على توازن السلطات 0 وإن الحكومة والمجلس يملكان وسيلتين متعادلتين ليؤثر الواحد في الآخر هما حق الحل وحجب الثقة ، وهما بالتالي هيئتان متساويتان ، ويدعم هذا التوازن تقسيم الهيئة التشريعية إلى مجلسين ،ووجود الملك في قمة البناء ، ناظماً لحسن سير العمل 0 ويلاحظ ديفرجيه بحق أن التوازن المزعوم لا أثر له في المؤسسات السياسية الانجليزية ،وأنه قائم في ذهن الفقهاء ومن ابتكارهم 0 فنظام المجلسين لم يعد أكثر من واجهة شفافة ، ومجلس العموم وحده يملك عملياً السلطة التشريعية 0 أما حجب الثقة فلا العموم وحده يملك عملياً السلطة التشريعية 0 أما حجب الثقة فلا تخشاه الحكومة لأنها تمثل حزب الأغلبية ولا يتصور أن يجرب ضدها ، ولا يمكن أن يلجأ المجلس إلى حجب الثقة إلا ضد حكومات ائتلافية ، وهو أمر نادر في إنجلترة 0 وفكرة وقوع خلاف بين المجلسين (بأغلبيته ) أمر لا يتصور 0 444- أما حق الحل فتلجأ إليه الحكومة لا خشية أن يحجب المجلس الثقة عنها أو رداً على حجب الثقة ،بل تلجأ إليه وهي مطمئنة إلى أن الأغلبية تؤيدها ، وفي حالتين فقط 0 أ – فأما أن تجد أن الظروف السياسية مواتية لها وتلقى سياستها تأييداً ظاهراً من الشعب فتلجأ إلى حل المجلس وسيلة لزيادة أنصارها من النواب ودعن الأغلبية التي تملكها ، والوصول بالنتيجة إلى الحكم مدة أطول ، وبعبارة أخرى تجديد المجلس في أنسب الأوقات 0 ب – أو أن يقع بينها وبين المعارضة خلاف حاد حول مشكلة خطيرة ، وينقسم الرأي العام ، فتلجأ الحكومة ، عن طريق حل المجلس ، إلى الشعب لتحكيمه واستطلاع إرادته ، فهذا الحل في حقيقته نوع من الاستفتاء الاختياري 0 ويتبين من ذلك أن النظام السياسي الانجليزي أبعد ما يكون عن نظام تتوازن فيه السلطات ، فنظام الحزبين ، مع توافر أغلبية لأحدهما في البرلمان ، يمنح الحزب الفائز ، وبالتالي الحكومة المنبثقة عنه ، سلطات غير محدودة 0 445- اندماج السلطات : يقوم النظام السياسي الانجليزي في الواقع على ثلاثة أسس ، نظام الحزبين ، والشعور الليبرالي للشعب الانجليزي ، واستقلال القضاء 0 فنظام الحزبين يفضي بالضرورة إلى وجود حزب واحد يكون الأغلبية البرلمانية ، وعنها تنبثق الحكومة 0 أما المشروعات التي تعرضها الحكومة على المجلس فتدرسها وتعدها مكاتب الحزب الحاكم 0 ويلتزم النواب بالتصويت حسب توجيهات حزبهم ، وفي كل حزب مراقبون تقتصر مهمتهم على التثبت من التزام الأعضاء بهذه القاعدة 0 أما برنامج الحكومة فتحدده مؤتمرات الحزب الحاكم 0 أما حزب المعارضة فيتحصن في البرلمان بقوة ، حيث يمتلك أن يعبر عن آرائه في حرية تامة 0 غير أنه لا يستطيع أن يشل قرارات الحزب الحاكم ما دام أقلية 0 ولا يمكنه أن يسقط الحكومة أو يرفض مشاريعها إلا إذا وقع انقسام في حزب الأغلبية ، وهو أمر نادر الحدوث 0 ولا يخشى حزب المعارضة اضطهاد الحزب الحاكم فهو يعلم أن صوته يمكن أن يرتفع بحرية داخل المجلس ، وأنه لايمكن أن ملاحقة أعضائه بسبب آرائهم أو خطبهم أو تصويتهم 0 ويمكن اعتبار النيابة في انجلترة ضرباً من التعليمات الملزمة للأحزاب 0 فكل حزب يعلن في برنامجه الانتخابي الحلول العملية للمشاكل التي يواجهها الشعب كما يعتزم تنفيذها إذا تسلم مقاليد الحكم 0 وكل حزب يعلم مسبقاَ أنه مسؤول عن تنفيذ وعوده ‘ لهذا تستبعد الوعود الغوغائية 0 إذ لا مجال أمام الحزب الحاكم للتملص من مسؤولية الوعود التي التزم بتنفيذها وإلقاء تبعة الفشل على غيره ، كما يحصل في الحكومات الائتلافية 0 فالشعب يختار مباشرة عن طريق نظام الحزبين رئيس الحكومة (زعيم الأغلبية) وينصرف همّ هذا إلى النجاح 0 وطوال مدة تسلمه الحكم يحسب حساباً دقيقاً لآراء هيئة الناخبين كما تنعكس في تطور الرأي العام 0 فإذا نشب خلاف بين الوزارة وأغلبيتها البرلمانية يحل الخلاف في ضوء اتجاهات الرأي العام ، لأن إسقاط الحكومة أو قيام أزمة وزارية لا يعتبر حلاً ، لأن العبرة بموقف الشعب 0 ولذلك يسعى الحزب ونوابه إلى إكراه الوزارة على تكييف سياستها بما يتلاءم مع اتجاهات الرأي العام 0 وقد يتم ذلك عن طريق الالتزام بالوعود المقطوعة في البرنامج الانتخابي ،أو الانحراف عنها 0 اما المؤشرات التي تقيس هذا الانحراف فهي الأغلبية البرلمانية (الحزب الحاكم ) والمعارضة 0 فنواب الأغلبية أقدر من الحكومة على تعرف آراء ناخبيهم وتتبع تطور الرأي العام 0 كما أن المعارضة يهمها أن تستغل أسباب التذمر بين الشعب لتنتقد الحكومة فتضطر هذه إلى تصحيح موقفها إذا اعتبرت أن الانحراف المسجل يشكل خطراً على مستقبل الحزب في الانتخابات القادمة 0 وهكذا نجد نوعاً من الديموقراطية الفعلية 0 فالرأي العام الذي اختار رئيس حكومة بذاته يمارس على الدوام أثره القوي في توجيه سياسة الحكم 0 ولذلك يطلق البعض على النظام الانجليزي اسم ((حكومة الرأي العام ))0 446 – والحقيقة أن الضمانة العظمى لهذا النظام لا تكمن في النظام النيابي ، بل في الشعور العميق بالحرية الذي يسود الشعب الانجليزي ، ويدفعه إلى أن يقف صفاً واحداً ضد انتهاك حقوق الأقلية 0 ولهذا السبب بالذات لا يمكن للأمم الأخرى التي لا يتوفر فيها هذا الشرط أن تتبنى النظام الانجليزي دون تقييده بالكوابح والضوابط ، وهي عناصر لا وجود لها في هذا النظام 0 ويلعب استقلال القضاء دوراً هاماً في النظام الانجليزي 0 فالقضاة يحاطون بالإجلال ، وحالتهم المادية مؤمنة ، وهم متحررون من همّ التفكير بالترفيع الرتبوي المعقد ، يتملكهم شعور عميق بالاستقلال وهم فخورون بعملهم ، فيلعب القاضي دوراً أساسياً في حماية الحريات العامة ضد السلطات العامة ، ويملك سلطة منع أي توقيف تعسفي أياً كان سببه ، وهو لا يتردد في استعمال هذا الحق 0 المبحث الثالث النظم السياسية متعددة لأحزاب 447- تمهيد : كل النظم السياسية في العالم الغربي ، باستثناء سويسرة والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية ، تتبنى النظم النيابي وقد استعرضنا في المبحث السابق النظام الانجليزي ، وسنعرض في هذا المبحث النظم السياسية النيابية التي تقوم على أحزاب عديدة 0 وتتميز هذه النظم بأن تعدد الأحزاب فيها يجعل من الصعب تكوين أغلبية برلمانية لحزب واحد ، إلا في حالات نادرة استثنائية 0 وعلى هذا فإن الحكومات تتخذ شكل محالفات حزبية (حكومات ائتلافية) تقوم على تجانس يتفاوت قوة وضعفاً ، ويحرم الحكومات من الاستمرار 0 وتعدد الأحزاب يحول دون إمكان الناخبين اننتخاب رئيس الحكومة عبر الانتخابات العامة ، وبذلك يتم اختيار رئيس الحكومة من قبل قيادات الأحزاب ، التي تملك حرية واسعة في هذا المجال ، وبالتالي تكون الديموقراطية غير مباشرة ، خلافاً للنظام الانجليزي ، وتلك التي تسير على منواله 0 448 – ويمكن التمييز بين فئتين من هذه النظم ، ففي فرنسا وإيطاليا واليابان يتعذر تطبيق هذا النظام بسبب تعدد الأحزاب وعدم انضباطها ، أما في الفئة الثانية كدول أوربا الشمالية فإن الأحزاب ، رغم تعددها ، أكثر انضباطاً ، والمشاكل التي تواجهها البلاد أقل حدة بسبب ضيق رقعتها ، لذلك يعمل النظام بصورة مرضية ، وسنقتصر على دراسة النظام السياسي الفرنسي 0 النظام السياسي الفرنسي 449 – توالت على فرنسا أنظمة كثيرة بعد الثورة الفرنسية (فمن الملكية المقيدة (1791- 1792) إلى الجمهورية الأولى(1792-1799) إلى الإمبراطورية الأولى (1799-1814) ثم شهدت البلاد عودة الملكية (1814-1851)و (1830-1848) ، فالجمهورية الثانية( 1848- 1851)فالإمبراطورية الثانية (1851-1870)، وبعد هزيمة (1870 قامت الجمهورية الثالثة (1875-1940) وبعد انهيار فرنسا في الحرب العالمية الثانية قامت الجمهورية الرابعة (1946-1958) وفي عام 1958 قامت الجمهورية الخامسة 0 وهو النظام السياسي المعاصر 0 ويعتبر نظام الجمهورية الثالثة ، وكذلك الرابعة ، نموذج النظام السياسي النيابي المتعدد الأحزاب 0 450- أ – نظام الجمهورية الثالثة :مع هذا النظام ولدت أول جمهورية برلمانية في العالم 0 تنظيم السلطات :تتألف السلطات العامة من البرلمان والسلطة التنفيذية 0 - البرلمان : ويتألف من مجلسين ، مجلس النواب ومجلس الشيوخ 0 ويتمتع المجلسان مبدئياً باختصاصات متساوية في مجال التشريع وإن كان من حق مجلس النواب أن يعرض عليه مشروع الميزانية السنوية ولا أأولاً ، وكان مجلس الشيوخ ينقلب إلى محكمة للنظر في القضايا التي تمس سلامة الدولة والجرائم التي يرتكبها رئيس الجمهورية 0 451- : الحكومة أما السلطة التنفيذية فمنوطة برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء يملك اختصاصات واسعة ، غير أن العرف الدستوري (بعد أن اضطر المارشال إلى الاستقالة بعد حل مجلس النواب عام 1877 ) جرى على عدم استعمال رئيس الجمهورية حق الحل 0 ولم ينص الدستور على منصب رئيس الوزراء ، غير أن العرف استقر على تحديد امتيازات المنصب وصلاحياته 0 وكان رئيس الجمهورية يتمتع بحق حل مجلس النواب ، والمجلس بحق سحب الثقة من الوزارة وإسقاطها ، ورئيس الجمهورية غير مسؤول ، ولا بد من توقيع أحد الوزراء المسؤولين إلى جانبه 0 452- وبالرغم من أن الدستور الفرنسي لم تدخل عليه حتى سقوطه إلا تعديلات جزئية لا تمس جوهره فإن النظام الفرنسي شهد اتجاهين متناقضين 0 إذ تميزت الفترة الواقعة بين 1875 و1933 بسيطرة المجالس بسبب سقوط حق الحل عملياً وتعدد الأحزاب ، مما ترتب عليه عدم استقرار الوزارات في الحكم ، فتقلب على السلطة حوالي 100 وزارة أي بمعدل وسطي لكل منها يقل عن سبعة أشهر ، ولم تستمر أية وزارة في الحكم لمدة ثلاثة سنوات متواصلة 0 أما الفترة الثانية (1933-1940) فتميزت باتجاه معاكس بتأثير عوامل مختلفة 0 منها الحرب العالمية الأولى وما اقتضته من تعزيز السلطة التنفيذية لتأمين سرية القرارات الحكومية وسرعتها وتمكينها من مجابهة متطلبات الحرب الشاملة ، والتطور الاقتصادي والاجتماعي العميق الذي شهده العالم في القرن العشرين بظهور الرأسمالية الكبيرة وتعقد الحياة ومتطلباتها ، وتوالي الأزمات الاقتصادية وما فرضته على الدولة من تدخل متزايد في جميع المجالات 0 وكان البرلمان الفرنسي يقاوم بعنف أية محاولة لتعديل الدستور باتجاه تعديل السلطة التنفيذية غير أن الواقع فرض نفسه عن طريق المراسيم التشريعية التي تصدرها الحكومة بتفويض من البرلمان بدون سند من الدستور مستفيداً من ثغرة أساسية هي عدم وجود رقابة قضائية تكفل دستورية القوانين 0 453- ب – الجمهورية الرابعة : لم يتغير النظام السياسي كثيراً في دستور 1946 عما كان عليه في عهد الجمهورية الثالثة ، باستثناء تضييق الاختصاصات الممنوحة لرئيس الجمهورية (مجلس الشيوخ ) ، والأخذ برقابة ضعيفة لدستورية القوانين 0 وقد حرم الدستور بنص صريح لجوء السلطة التنفيذية إلى إصدار المراسيم التشريعية ولو بتفويض من البرلمان 0 وبالرغم من هذا النص الصريح فإن تعدد الأحزاب وعدم انضباطها جعل من المتعذر على المجالس النهوض بمهمتها التشريعية لعدم توفر أغلبية قادرة على السير في الإصلاحات التي تحتاجها البلاد ، ومن هنا اتجاه المجالس من جديد إلى التخلي عن امتيازها في التشريع إلى الحكومة ، وبعث المراسيم التشريعية 0 454- جـ - الجمهورية الخامسة : انهارت الجمهورية الرابعة نتيجة التمرد العسكري الذي وقع في الجزائر في 13 أيار 1958 ، وقررت الجمعية الوطنية تحت ضغط الجيش تعيين الجنرال ديغول رئيساً للجمهورية ، وفوضته بإعداد دستور جديد يعرض على الشعب لاستفتائه فيه ، وقد وافق الشعب على الدستور الجديد وتم نشره في 4 تشرين الأول 1958 ، وبسجل ذلك ميلاد الجمهورية الفرنسية الخامسة 0 ويقوم الدستور الجديد على الإبقاء مبدئياً على النظام البرلماني ، ولا سيما من حيث مسؤولية الحكومة أمام البرلمان ، غير أنه حاول التصدي للأسباب التي تفضي إلى عدم استقرار الحكومات في فرنسا وما يستتبعه ذلك من زعزعة أسس الحكم ، فاتجه جزئياً نحو النظام الرئاسي 0 455- 1- رئيس الجمهورية : حرص الدستور على توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية ودعم مركزه : مما دفع ببعض الفقهاء الفرنسيين إلى القول أن الدستور إنما قصد في الواقع شخص الجنرال ديغول بهذا المركز ، وهذه الصلاحيات تخل بطبيعة الحال بالتوازن الذي يفترض أن يقوم نظرياً في النظام النيابي بين رئيس الدولة غير المسؤول والوزارة المسؤولة أمام البرلمان 0 أ- من حيث الانتخاب كان انتخاب رئيس الجمهورية يتم عن طريق مجلسين منعقدين في هيئة مؤتمر وطني لمدة سبع سنوات 0 وقد احتفظ الدستور الجديد بمدة السبع سنوات ،إلا أنه (وفق تعديل 1962) أصبح ينتخب من الشعب مباشرة وبالاقتراع العام 0 ب- اختصاصات رئيس الجمهورية : يختار رئيس الجمهورية الوزير الأول (أي رئيس مجلس الوزراء ) ، ويعين سائر الوزراء ويقيلهم بناء على اقتراح الوزير الأول ، ويرأس مجلس الوزراء ويتولى إصدار الأنظمة والمراسيم بالاشتراك مع الوزير الأول بعد إقرارها في مجلس الوزراء0 ويملك تجاه البرلمان ، بالإضافة إلى الاختصاصات التالية من إصدار القوانين وحق طلب إعادة النظر فيها ودعوة المجالس التشريعية إلى الانعقاد ، اختصاصات جديدة ، منها حق الاتصال مباشرة ،( بدون وساطة مجلس الوزراء) ، وحق اللجوء بدون التقيد برأي مجلس الوزراء ، وحق اللجوء إلى الاستفتاء في الشؤون التشريعية في حالات معينة 0 وأهم من ذلك كله ما نصت عليه المادة 16 من الدستور المتعلقة بحالة الضرورة 0 ففي الظروف الاستثنائية لرئيس الجمهورية أن يحل محل الحكومة والبرلمان وسائر السلطات العامة ، ويتخذ كل التدابير ويصدر كل القوانين والتنظيمات التي يرى ضرورة لها 0 وعليه أن يستشير بشأن هذه التدابير المجلس الدستوري (دون أن يكون ملزماً بإتباع فحوى المشورة )ولا يجوز له حل البرلمان في هذه الأثناء ، وبذلك تتجسد في شخص رئيس الجمهورية سيادة الشعب وتتمركز فيه السلطة ليتولى قيادة الأمة بإرادته المطلقة ، وغفاً لما يراه مناسباً للمصلحة العامة 0 وقد أبقى الدستور على قاعدة عدم مسؤولية رئيس الجمهورية إلا في حال الخيانة العظمى ، أي أن المسؤولية السياسية تقع على الحكومة ، وتبعاً لذلك يتعين توقيع الوزير المسؤول على ما يصدر عنه من أعمال 0 غير أن الدستور استثنى من هذا التوقيع الإضافي الاختصاصات الجديدة والاستثنائية التي منحت لرئيس الجمهورية بما فيها حالة الضرورة ، وبذلك يختص رئيس الجمهورية وينفرد بممارستها خلافاً للقواعد المألوفة في النظام النيابي 0 456- 2- الحكومة : ويختلف التنظيم الدستوري الجديد عن القواعد المألوفة في النظام النيابي من حيث مركز الوزارة 0 فهذه عادة تتولى السلطة باعتبارها المسؤولة أمام البرلمان 0 أما في النظام الفرنسي فقد أصبح رئيس الجمهورية في مركز متفوق واضح ، والوزراء أقرب إلى السكرتيرين كما هو الأمر في النظام الرئاسي 0 وتتألف الحكومة من الوزير الأول ( بعد أن كان اسمه رئيس الوزراء) والوزراء وسكرتيري الدولة ( نواب وزراء )0 ومنع الدستور الجديد 0(خلافاً لقواعد النظام النيابي )الجمع بين الوزارة وعضوية البرلمان 0 ويعين رئيس الجمهورية الوزير الأول ، ويقترح هذا أسماء وزارته فيصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتعيينهم ومن ثم تتقدم الوزارة إلى الجمعية الوطنية (مجلس النواب ) بطلب الثقة على أساس بيان وزاري يلقيه الوزير الأول 0 وأصبح من حق رئيس الجمهورية ، بناء على اقتراح الوزير الأول ، إقالة الوزراء 0 وطبق هذا فعلاً 0 457- اختصاصات الحكومة : ويمكن التمييز بين الوزارة كهيئة جماعية واختصاصات الوزير الأول: أ – الاختصاصات الجماعية : تتولى الحكومة ( تتولى الحكومة ((تحديد سياسة الأمة وتنفيذها وتنصرف في الإدارة والقوة المسلحة )) 0 أي أن مفهوم الحكومة يتجاوز بكثير المفهوم التقليدي للسلطة التنفيذية ، وتملك الحكومة سلطة المبادرة والقوة الدافعة وقيادة الأمة ، كما تملك حق اقتراح القوانين 0 وتملك الحكومة إلى جانب ذلك السلطة التنظيمية وإصدار المراسيم التشريعية ، وقد استعملت المراسيم التشريعية على نطاق واسع في ظل دستور 1875 الذي لم يتضمن نصوصاً تجيزها ، واستخدمت في ظل دستور 1946 خلافاً لأحكامه الصريحة بتحريم اللجوء إليها 0 والأمر الذي سكت عنه دستور 1875 وحرمه دستور 1946 أجازه دستور 1958 بنص صريح ، واعترف دستورياً بالمراسيم التشريعية تحت اسم أنظمة 0 وإصدار هذه الأنظمة مقيد بالحصول على (إجازة ) لمدة محدودة من البرلمان تطلبها الحكومة لتنفيذ (برنامجها) 0 أي أن الدستور لا ينظر إلى الأخذ بهذا الأسلوب على أنه ((استثنائي )) 0 بل يمكن اللجوء إليه باعتباره من الأمور العادية 0 ويلاحظ أن هذه الأنظمة خاضعة لتوقيه رئيس الجمهورية 0 ولمشيئته في النهاية القول الفصل في مصيرها 0 458- ب – اختصاصات الوزير الأول : يختص الوزير الأول بتوجيه نشاط الحكومة ، كما أنه يملك تعيين كبار الموظفين الذين لا يعينهم رئيس الجمهورية في رئاسة بعض المجالس ( كالمجلس الدستوري ومجلس القضاء الأعلى )) وحق إبداء الرأي لرئيس الجمهورية والتقدم باقتراحات 0 وهو وحده الذي يطرح الثقة باسم الوزارة أمام مجلس النواب ، ويملك( بالاشتراك مع رئيس الجمهورية ورئيسي المجلسين ) إحالة أي قانون أو معاهدة إلى المجلس الدستوري للبت في مطابقتها للدستور 0 ويرى ديفرجيه أن التنظيم الدستوري الجديد يعبر أجلى تعبير ، بعد دستور الاتحاد الاتحاد السوفييتي ، عن تقسيم الوظائف الحكومية إلى وظيفة سياسية ، وينهض بها رئيس الجمهورية والجمعية الوطنية ، ووظيفة إدارية يتولاها الوزير الأول والوزراء 0 459-3- البرلمان : ويتكون من مجلسين ، الجمعية الوطنية (مجلس النواب) ومجلس الشيوخ 0 وينتخب مجلس النواب بالاقتراع العام والمباشر لكل من بلغ الثامنة عشر من العمر ، للذكور والإناث على حد سواء وفق نظام الانتخاب القائم على الأغلبية بجولتين 0 ومدة ولاية الجمعية الوطنية الفرنسية خمس سنوات ، أما مجلس الشيوخ فتسع سنوات يتجدد ثلث أعضائه كل ثلاث سنوات 0 أما مجلس الشيوخ فينتخب على درجتين ، ويمثل الجماعات الإقليمية في الجمهورية 0 وهو تمثيل يجعل الغلبة في مجلس الشيوخ للمناطق الريفية بينما الغلبة في مجلس النواب للمدن الصناعية0 والحكومة مسؤولة أمام مجلس النواب دون مجلس الشيوخ 0 وقد أحيطت هذه المسؤولية ببعض القيود لتفادي سقوط الوزارات بتصويت مفاجئ بحجب الثقة ، ويشترط من جهة المجلس لطرح موضوع الثقة على التصويت أن يتقدم عشر أعضاء المجلس باقتراح يلوم الحكومة ، على أن لا يتم التصويت إلا بعد انقضاء ثمان وأربعين ساعة على إيداع الاقتراع0 460 - والجديد في دستور 1958 أنه خرج عن المفهوم التقليدي لوظيفة الهيئة التشريعية ، وهي إصدار القواعد العامة غير الشخصية ، فعمد إلى توزيع الاختصاص بإصدار هذه القواعد بين البرلمان والحكومة ، وحدد المحالات التي يشترط فيها صدور القواعد بين البرلمان والحكومة ، وهي تتعلق على وجه الإجمال بما يؤلف الإطار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للديموقراطية الفرنسية ، وترك ما عداها مجالاً خاصاً للسلطة التنظيمية 0 ومنع النواب من اقتراح نفقات عامة جديدة أو تخفيض الإيرادات العامة ، ومنح الحكومة حق نشر الميزانية بمرسوم تنظيمي إذا تأخر البرلمان عن إقرارها 0 ويملك البرلمان أخيراً تعديل أحكام الدستور ، واختصاصات المجلسين متساوية في هذا الشأن ، على أن يعرض مشروع التعديل للاستفتاء الشعبي 461- 4- المجلس الدستوري : يتولى المجلس الدستوري دور ((حامي الدستور ))ويمارس وظائف ثلاث : أ – الرقابة على دستورية القوانين والمعاهدات بناء على طلب رئيس الجمهورية أو الوزير الأول أو رئيس كل من المجلسين ، أي دون الأفراد 0 ب- الرقابة على صحة انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس البرلمان وإجراءات الاستفتاء الشعبي 0 جـ - الرقابة على ممارسة الحكومة لسلطتها التنظيمية والتثبت من عدم خروجها على الحدود التي رسمها الدستور لكل من القانون والنظام 0 462- ويتألف المجلس الدستوري من أعضاء حكميين وأعضاء معينين 0 أما الأعضاء الحكميون فهم رؤساء الجمهورية السابقون ، أما المعينون فيعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد ، وتسقط العضوية بنسبة الثلث كل ثلاث سنوات ، ويعين كل من رئيس الجمهورية ورئيسي المجلسين ثلاثة منهم ومن بينهم يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس 0 ويشك الفقهاء الفرنسيون في أن يقدر لهذا الدستور البقاء بعد غياب الرئيس ديغول ، ويرى بعضهم أن الجمهورية السادسة ستأخذ صراحة بالنظام الرئاسي 0 463- القوى السياسية :تتمثل القوى السياسية في فرنسا بأحزابها العديدة من جهة وجماعات الضغط من جهة ثانية 0 وابتداء من عام 1958 انضمت إلى ميزان القوى قوتان جديدتان : شخصية الجنرال ديغول والجيش الفرنسي 0 -464 الأحزاب السياسية : في عام 1959 كان مجلس النواب الفرنسي يضم تسع منظمات سياسية 0 أما مجلس عام 1956 فكان فيه خمسة عشرة ، ولكن الأحزاب السياسية المنظمة في البلاد وعلى شيء من الأهمية لا يتجاوز عددها ستة 0 وأهم العوامل التي تقرر هذا التعدد في الأحزاب نظام الانتخابات من جهة ، الذي يقوم على الأغلبية في جولتين ، وانقسام اليمين من جهة أخرى 0 وأحزاب اليمين على ما بينها من اختلافات تجمعها ثلاث خصائص ، العداء للبرلمانية ، والارتباط بالكاثوليكية ، والتبعية للمصالح الاقتصادية 0 فهذه الأحزاب معادية للبرلمان 0 وكانت تهدف في الأصل إلى القضاء على النظام الجمهوري وإعادة الملكية 0 وقد تبخر حلمها هذا بعد الحرب العالمية الأولى فتبنت فكرة إقامة جمهورية تقوم على سلطة قوية ، تتخذ شكلاً رئاسياً أو ديكتاتورياً 0 وقد أيدت في عام 1940 المارشال بيتان ، كما أيدت عام 1958 الانقلاب العسكري الذي أطاح بالجمهورية الرابعة ، وأيد بعض أجنحتها محاولات الانقلابات العسكرية ضد نظام الجنرال ديغول والجمهورية الخامسة 0 ولعبت المسألة الدينية دورها في تكوين أحزاب اليمين الفرنسية 0 فقد اعتبرت الكنيسة في البداية النظام الجمهوري خطراً عليها يجب مقاومته ، وانعكس ذلك في تنظيم التعليم وفصله عن الكنائس فكان اليمين يريد الإبقاء على المدارس الكاثوليكية لأنها تخرج ناخبين محافظين ومعادين للجمهورية ، أما اليسار فيطالب بتعليم علماني لتنشئة الجيل الجديد على التمسك بالنظام الجمهوري ويلاحظ منذ فترة وجود اتجاه في الكنيسة إلى اتخاذ موقف أكثر تحرراً 0 وترتبط أحزاب اليمين ارتباطاً وثيقاً بالمصالح الاقتصادية الكبرى ، من زراعية وتجارية وصناعية 0 وهي لا تقوم على تنظيم جماهيري دقيق ومتين 0 وقد لعب الراديكاليون دوراً هاماً في ظل الجمهوريتين الثالثة والرابعة 0 غير أن قيام الجمهورية الخامسة وجه ضربة قاضية قد تودي به ، وهو يتراوح عادة بين الأحزاب الاشتراكية ( التي يرتبط بها فكرياً) وأحزاب اليمين ( التي يرتبط بها أيضاً لتمسكه بالملكية الفردية وحرية الاقتصاد )0 465- ومع الأحزاب الاشتراكية يظهر مفهوم الأحزاب الجماهيرية بدلاً من الأحزاب القيادية التي قام عليها اليمينيون والراديكاليون 0 وقد استطاع الاشتراكيون الوصول إلى الحكم في فرنسا عام 1936 بزعامة ليون بلوم مع الجبهة الشعبية التي كانوا يكونون أكبر حزب فيها ، وحققوا إصلاحات اقتصادية من جهة وارتكبوا بعض الأخطاء الفنية من جهة أخرى أطاحت بهم عام 1938 0 وشاركوا في الحكم مرة أخرى في عام 1944-1956و1956-1958 مع الشيوعيين والتجمع الشعبي ، وقد اتخذوا هذه المر مواقف تشبه أقصى اليمين فاشتركوا في العدوان الثلاثي على قناة السويس ، وكانوا من أنصار سياسة البطش والقمع بشدة في الجزائر 0 أما الحزب الشيوعي وهو يضم فروعاً عديدة فأقوى الأحزاب على الإطلاق من حيث التنظيم الداخلي ، وقد أسس عام 1920 ، وابتعد في البداية عن المشاركة في الحكم ، وفي عام 1936 وإن كان يؤيدها بأصواته 0 وقد لعب الشيوعيون دوراً رئيسياً في لمقاومة السرية ( اعتباراً من عام 1941) ضد الجيوش الأجنبية المحتلة 0 وشاركوا في الحكم مع الجنرال ديغول بعد تحرير فرنسا ، والحكومات التي تلتها ، غير أنهم أبعدوا عن الحكم منذ عام 1947 بعد انقسام الحلفاء إلى كتلتين متصارعتين ، الكتلة الشرقية والكتلة الغربية ، ويعاني الحزب أزمة داخلية نتيجة تخلي المثقفين وانسحابهم منه 0 واعتبارً من عام 1962 أخذ يعقد محالفات انتخابية مع الأحزاب الاشتراكية ( وفي عامي 1967 و1968 و1978)0 466 – وقد ولدت الحركة الجمهورية الشعبية أثناء المقاومة السرية ، وتستوحي مبادءها جزئياً من الديموقراطية المسيحية ، وهي تبتعد عن اليمين من حيث تمسكها بالشكل المهوري والنظام النيابي ، ومن الناحية الاجتماعية تعترف بصراع الطبقات والاستغلال الرأسمالي وتعنى بمصالح العمال وتأمل بإيجاد الحل عن طريق العدالة الاجتماعية بتطوير النظام الرأسمالي لا بهدمه كما يقول الاشتراكيون والشيوعيون 0 فهي إذن حزب وسط اتجه نحو اليسار بعد عام 1945و،بين 1954 و1956 اتجه إلى اليمين ، وظهرت بوادر عود إلى اليسار اعتباراً من عام 1957 0 ويلاحظ في فرنسا اتجاه إلى قيام كتلتين : كتلة يمينية يتزعمها ((اتحاد الديموقراطيين من أجل الجمهورية ))الذي حصل على أغلبية المقاعد في الجمعية الوطنية عام 1968 ، إذ نجح في استقطاب الجزء الأكبر من الاتجاهات اليمينية والوسط ، بل وجزءاً من اليسار ، تعارضها كتلة يسارية بقوة مكافئة 0 467 – جماعات الضغط : وهي كثيرة منها ما يمثل مصالح أرباب العمل ، ويجمعهم المجلس الوطني لأرباب العمل الفرنسيين c.n.p.f. ويعتبر اتحاداً أعلى يجمع الاتحادات الخاصة ، وأهمها اتحادات صناعة الصلب والصناعة الكيماوية 0 وثمة تنظيم ذاتي في المجلس للمصالح التجارية ويمثلها المجلس الوطني للتجارة ، وهناك الاتحاد الوطني للمستثمرين الزراعيين واتحاد منتجي القمح والشوندر والخمور 0 وفي مواجهة هؤلاء تقف المنظمات العمالية وتشمل ثلاثة منظمات رئيسية 0 وهناك الغرف الزراعية والجمعيات التعاونية واتحادات المحاربين القدماء ومنظمات خاصة يتبع معظمها الكنيسة الكاثوليكية كالحركات النسائية والعائلية والاتحاد البرلماني لحرية التعليم 0 وحتى عام 1947 كانت الأحزاب تمثل القوى السياسية الرئيسية إلا أن دورها أخذ يتقلص لحساب جماعات الضغط منذ ذلك الحين 0 وتم هذا التطور بتأثير عوامل مختلفة أهمها إبعاد الشيوعيين عن الحكم وحلول الراديكاليين والمعتدلين محلهم ، فهؤلاء يتأثرون بصورة تقليدية بجماعات اضغط 0 وكلما اتجهت الأغلبيات البرلمانية إلى اليمين كلما ضعف دور الأحزاب وقوي دور نفوذ جماعات الضغط هذه 0 وبين جماعات الضغط كان تأثير المنظمات ذات الأصوات الانتخابية ، ويرتبط معظمها بالطبقة الوسطى ، بارزاً عندما كانت السيطرة للمجالس في الجمهورية الرابعة ، أما مع سيطرة الحكومة في الجمهورية الخامسة فقد ضعف تأثير هذه وازداد بالمقابل نفوذ المصالح الصناعية والمالية الضخمة 0 ويعزز هذا الاتجاه ضغط الجيش 0 وكان أثره بارزاً أثناء تطورات الثورة الجزائرية ، وفشلت محاولتان للانقلاب الواحدة في عام 1960 والأخرى في العام التالي 0 وشخصية الجنرال ديغول هي التي تقف سداً مانعاً دون توسع أثر هذا الضغط 0 وقد استقال الجنرال ديغول أثر إعلان نتائج الاستفتاء الشعبي الذي طالب بإجرائه في 27 نيسان 1969 بشأن إصلاح التنظيم الإداري وتعديل وضع مجلس الشيوخ ، إذ صوت 53% من الناخبين ضد مشروعاته في الإصلاح 0 بحث منقول من كتاب الدكتور كمال الغالي عن شرح القانون الدستوري طبعة 1987 نقله من الحيز الورقي للالكتروني ونشره بالمنتدى أغيد شرف الدين آخر تعديل المحامي ناهل المصري يوم 06-06-2012 في 01:53 PM.
|
|||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
السياسي , النظام , النظم , سياسي , سياسية , نظام , نظم |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
أسس التنظيم السياسي في القانون الدستوري (للدكتور كمال الغالي) | الدكتور كمال الغالي | أبحاث في القانون الدستوري | 0 | 30-11-2011 12:56 PM |
أدوات الرقابة البرلمانية في النظم السياسية | د.محمد الحسين | مقالات قانونية منوعة | 8 | 05-07-2011 01:00 AM |
الحق بالمشاركة السياسية والضمانات القانونية لحماية هذا الحق | المحامية سحر الياسري | أبحاث في حقوق الإنسان | 1 | 13-10-2007 03:31 PM |
علم السياسة | د. هايل نصر | مقالات قانونية منوعة | 0 | 03-09-2007 06:45 AM |
مستقبل الأحزاب السياسية فى مصر | الشحات مرزوق المحامي | حوار مفتوح | 0 | 04-02-2007 10:11 PM |
![]() |