لا سببيل لإرجاع رونق سوريا القديم إلا بإصلاح قضائها لأن الناس إذا اطمأنوا إلى عدالة المحاكم تباروا في ميدان العمل وانتجوا الخيرات الكثيرة.
إن سوريا عندما كانت تمر بعصورها الذهبية عبر التاريخ كانت تمر بها عندما كان يتجلى القضاء السوري بأبهى حلله، وحين كانت العدالة صحيحة في تلك الربوع.
كما أن سوريا مهد الحضارات والأديان فهي أيضاْ وبلا شك مهد القوانين والشرائع، فالفينيقيين هم الذين أذاعوا أول شرائع الشرق. فما كان لليونان والرومان سوى التوسع بها.
وإن ما يعرف اليوم بالقانون الروماني لهو أولى بأن يدعى قانون البحر المتوسط لأنه صنع شعوب البحر المتوسط. فإن الشعوب الشرقية هي التي وضعت الطرق الأساسية لهذا القانون. والفينيقيون هم الذين أخرجوا من معابد الكلدان والمصريين أقدم القوانين الشرقية التي كانت تخفيها كهنة تلك المعابد وأذاعوها في بلاد اليونان وأخذها عنهم الرومان تلامذتهم. فما القوانين اليونانية والرومانية سوى تقليد تلك القوانين.
وعلى عهد قياصرة روما السوريين من عائلة سفير اصلح المشرعون الفينيقيون كبنيانس وبول وأولبيانوس القانون الروماني وأدخلوا عليه عادات الشرق وعدالته.
إن الرومانيين عند إدخال القانون الروماني إلى سوريا احترموا العادات والقوانين التي كانت موجودة سابقاً لدى السوريين وأبقوا عليها. ونتج عن اختلاط القانون الروماني بالقانون السوري قانون جديد هو القانون السوري الروماني.
وفي عهد العرب تأسس في دمشق (دار العدل) على عهد نور الدين حيث كان اختصاصها النظر في التظلمات من الموظفين. وقد أبقى سلاطين بني عثمان على هذه الدار وسموها (الديوان) وكان على عهدهم يرأس جلساتها رئيس الوزراء بالنيابة عنهم وكانوا (أي السلاطين) يحضرون تلك الجلسات من وراء الستار.
لا تقوم العدالة عند شعب إلا بمقدرة قضاته وعلمهم وفقهم وأخلاقهم.