عندما كنا نروي هذه القصة في المجالس الخاصة, كانت ردود الفعل مذهلة, وكان السؤال:
هل من محاسبة, ألا يوجد مسؤولون في هذه الدولة بإمكانهم إعادة الحق لأصحابه؟
ردود الفعل طبيعية, فلا يمكن لأحد ان يصدق ما يتعرض إليه مواطنون ابرياء قاموا بشراء سيارات مستعملة بوثائق رسمية صادرة من مديرية نقل دمشق تؤكد أن السيارات نظامية ولا غبار عليها, وبعد الشراء وتسديد كامل ثمنها, تمت مصادرة هذه السيارات من قبل عناصر من الشرطة (عددها حوالى ثمانين سيارة) على أساس أن هذه السيارات غير نظامية وأوراقها مزيفة.
وبعد التدقيق, تبين أن أحد المشترين اكتشف حصول تزوير في أوراق السيارة التي قام بشرائها وقام بإعلام مديرية نقل دمشق وإدارة الجمارك العامة, وبعد التحقيق تم التأكد من أن البيانات الجمركية لهذه السيارات مزيفة, وكذلك الأوراق الصادرة عن مديرية النقل, وتم الايعاز لوزارة الداخلية لمصادرة هذه السيارات, وتم فتح تحقيق لمعرفة هوية المزورين والموظفين المتواطئين في التزوير, وتم توقيف 17 شخصا .
باختصار هذا ما حصل, وسبق للاقتصادية« ان نشرت عدة تحقيقات حول هذا الموضوع مطالبة رئاسة مجلس الوزراء بالتحرك الفوري لإعادة السيارات لأصحابها واستكمال التحقيق لمعاقبة المزورين, فالمشتري حصل على كل الوثائق الرسمية والنظامية من مديرية نقل دمشق, وهو ليس معنيا إن كانت هذه الوثائق مزورة أم لا, فهو حصل عليها من أيدي موظفين في الحكومة بخاتم رسمي وسدد ثمن السيارة ومن المفترض في حال وجود تزوير ان يعاقب المزور وليس الضحية, لكن لا جدوى في مخاطبة رئاسة الوزراء, فالموضوع أحيل إلى الهيئة العامة للرقابة والتفتيش, وعلى ضحايا التزوير الانتظار!!ا
الأمور لم تنته هنا, فبعد مصادرة السيارات, تم حجزها في مرآب عدرا التابع للجمارك العامة, ولأسباب لن نذكرها تم نهب السيارات وتحولت إلى هياكل, وعند سؤال الجمارك عن السرقات التي حصلت ولا تزال تحصل, يأتي الجواب: هناك لصوص يدخلون الحرم الجمركي ويسرقون السيارات!! وهنا نطرح السؤال الثاني: أليست هذه السيارات أمانة لديكم؟ نعم انها كذلك, لكن نحن لا سيطرة لنا على الحرم الجمركي, فال-؛سور« الذي يحيط بهذا الحرم تابع للمناطق الحرة, وهم يرفضون تحصينه بشكل يمنع اللصوص من التسلل!! فنسأل: من إذا المسؤول عن السرقات؟ فيأتي الجواب: السور طبعا !!
الحجز على أموال أصحاب السيارات ومنعهم من المغادرة
أجمل ما في هذه القصة, أن مدير عام الجمارك العامة وبناء على اقتراح من أمانة جمارك دمشق في القضية الجزائية رقم 869/2005 طلب من وزارة المالية الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة ومنع مغادرة كل من اشترى واحدة من هذه السيارات, واعتبرت الجمارك العامة أن السيارات مهربة وان على من قام بشراء واحدة من هذه السيارات ان يسدد مخالفة جمركية لكونه قام بتهريب بضائع!! وبناء عليه أصدرت وزارة المالية قرار الحجز في 8/1/2006 دون إعلام المشترين أو إبلاغهم, فتحولوا إلى مجرمين غير قادرين على تحريك أي ليرة سورية من حساباتهم ومنعوا جميعا من المغادرة!!
والمفارقة المضحكة المبيكية في هذه القصة ان مصادر في الهيئة العامة للرقابة والتفتيش تقول: إن الهيئة اصدرت قرارا طالبت فيه بإعادة السيارات لأصحابها إلى حين الانتهاء من التحقيق, وارسل هذا الكتاب إلى الجهات المختصة, إلا أن أحدا لم ينفذه!!
ثم ماذا ستسلم الجمارك العامة؟ هل تسلم الناس هيكل السيارة التي قاموا بشرائها؟
وفي العودة إلى رئاسة مجلس الوزراء, وبعد نشر أكثر من موضوع في ؛الاقتصادية«, علمنا أن كتابا آخر صدر عن رئاسة الوزراء يطالب الهيئة بالاسراع في البت بالتحقيق!!
السيد رئيس مجلس الوزراء: بالله عليكم, هل هكذا تعالج قضايا المواطنين؟
هل يمكن ان يتحول المواطن إلى مجرم في حين ان المجرم الحقيقي طليق؟
كيف يمكن ان تتحول قضية جزائية إلى الهيئة العامة للرقابة والتفتيش؟ وما علاقة القضاء الجمركي ليصدر توصية بالحجز على أموال ابرياء ومنعهم من المغادرة؟
رجاء, اوقفوا هذه المهزلة.. حان الوقت لمحاسبة المجرمين الحقيقيين وفتح تحقيق لمعرفة من سرق السيارات في أمانة الجمارك العامة في عدرا, ومن قام بتزوير الوثائق الرسمية, وكيف يتم تسليم وثائق من قبل ادارة رسمية يتبين فيما بعد انها قائمة على التزوير؟..