النفاق الغربي والأمريكي وحقوق الإنسان في البلدان العربية
ا
أكدت ثورة تونس ومن بعدها ثورة الشباب المصري بما لا يدع مجالاً للشك مدى النفاق الغربي والأمريكي تحديداً تجاه حقوق الإنسان في البلدان العربية.. ففي الوقت الذي دعمت دول الاتحاد الأوربي وأمريكا إلى أبعد الحدود معارضي النظام في كل من أوكرانيا وجورجيا وإيران تحت يافظة احترام حقوق الإنسان، تقف مترددة في دعم الثورة الشعبية في تونس ومصر.
ومازلنا نذكر كيف أن الإعلام الأمريكي والأوربي وضع كافة إمكاناته في خدمة المعارضين في أوكرانيا وجند كل طاقاته لتصوير ما يجري في أوكرانيا على أنها ثورة ضد النظام البوليسي والقمعي ، وأخذ يطلق أسماء مختلفة على تلك الثورة من ثورة شعبية إلى برتقالية إلى مخملية ، وفعل نفس الشيء في دعم حركة الاحتجاجات على النظام القائم في جورجيا والتي تلقفتها أجهزة الإعلام في أوربا وأمريكا وراحت تطلق عليها ثورة الورود تارة والثورة الوردية تارة أخرى، والهدف واحد هو إسقاط الأنظمة الموالية لروسيا في كلا البلدين وإقامة أنظمة موالية للغرب.. كما جند الغرب كل الطاقات الإعلامية لنقل ما جرى في إيران من احتجاجات بعد فوز أحمدي نجاد برئاسة إيران في محاولة لدعم المعارضين للنظام الإيراني ليس حباً بالمعارضة الإيرانية بل طمعاً في إزاحة هذا النظام المعادي لمصالحها في منطقة الخليج العربي.. ومؤخراً فرض وزراء خارجية الإتحادالأوروبي عقوبات مؤلمة على دكتاتور روسياالبيضاء ألكسندر لوكاشينكو، رداً على انقضاضه الشرس على المعارضة في كانونالأول ديسمبر الماضي. وحُظر عليه وعلى 150من رموز نظامه دخول أراضي الإتحاد الأوربي.
وفي المقابل ظهرت الدول الأوربية ومعها أمريكا في موقف حذر ومتردد تجاه الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في تونس على نظام بن علي والجزائر واليمن والأردن ومصر والسودان، ولم تتخذ تلك الدول موقفاً واضحاً في دعم الثورة الشعبية في تونس إلا بعد هروب زين العابدين بن علي وسقوط نظامه، حيث كانت تكتفي بالدعوة إلى "إجراء إصلاحات وانتخابات حرة وعادلة ونزيهة" ، ولم يتحرك الإتحاد الأوربي لتجميد أرصدة زين العابدين بن علي وأفراد أسرته،خاصة عقيلته ليلي طرابلسي، إلا يوم الاثنين الماضي، بعد قرابة ثلاثةأسابيع على سقوط النظام التونسي، ولم تمنع ديكتاتورية النظام في أوزبكستان رئيس اللجنة الأوربية خوزيه مانويل باروسو من استقبال إسلام كريموف الأسبوع الماضي ، فالأمر هنا يتعلق بالمصالح الأوربية والغاز الأوزبكي وليس بانتهاكات حقوق الإنسان فيها.
ويمكن قول الشيء نفسه فيما يتعلق بنظام مبارك الذي لم يتورع عن الإلقاء بمعارضيه فيغياهب السجون وتعذيبهم، فعلى الرغم من تزويره الانتخابات المصرية الأخيرة، فقد أرسل له الاتحاد الأوربي مبلغ 150 مليون يورو. ولم نسمع كلمة واحدة لا من أمريكا ولا من دول الاتحاد الأوربي انتقاداً لنظام مبارك لتزويره الانتخابات الأخيرة،فقط لأنه خير نظام يحافظ على أمن إسرائيل ومصالح الغرب في المنطقة، كمالم تجد الدول الأوربية وأمريكا حرجاً في السكوت عن ممارسات نظام الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، لا بل وتقديم الدعم له، وكذلك الأمر في السكوت عن ممارسات الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب للعدالة الدولية وفتح صفحة جديدة معه إذا وافق على انفصال الجنوب السوداني ...
هكذا يبدو لنا النفاق الأمريكي والغربي واضحاً وجلياً عندما يتعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان في البلدان العربية، هذه الحقوق سواء انتهكت أو غيبت، وسواء غصت السجون العربية بمعتقلي الرأي والضمير، وسواء ارتفعت الأسعار وزاد معدل الفقر، أو انتشر الفساد في هذا البلد العربي أو ذاك، فهي أمور لاتهم كثيراً أمريكا خصوصا والغرب عموماً إلا بالقدر الذي يشكل ذلك خطراً على مصالحهم ،فلو كانت أمريكا ومعها الدول الغربية ترغب صادقة بتحسين أوضاع حقوق الإنسان وبمكافحة الفساد في دولنا العربية، لما كانت سمحت للفاسدين في دولنا الذين سرقوا أموال الشعب والدولة بأن يودعوا تلك الأموال المسروقة في بنوك غربية وأمريكية، لا بل هي من تشجع الفساد في دولنا لأن هذا الفساد في النهاية هو الذي يسهل أمامها مهمة العبور بسهولة ويسر إلى داخل دولنا لتحقق أهدافها التي عجزت عن تحقيقها بواسطة القوة والضغط من الخارج.