السلطة القضائية في دستور الجمهورية العربية السورية :
صدر الدستور السوري الحالي في عام 1973 ومازال مطبقاً حتى الآن نتناول منه الجزء المختص بالسلطة القضائية والمواد الناظمة لها والتي أتت بين المواد من ( 131 إلى 148 ) فأتى على قواعد عامة تنظم السلطة القضائية في سوريا وبداية قبل الخوض في ذلك ننوه إلى المادة الثالثة منه والتي نصت على :
المادة 3
1- دين رئيس الجمهورية الإسلام
2-الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع
فنؤكد على أن الفقه الإسلامي هو مصدر رئيسي للتشريع في سوريا فهل تطابقت نصوص المواد المتعلقة بالسلطة القضائية مع ذلك ؟ لنرى
تعلقت أول مادة من فصل السلطة القضائية بالنص على استقلالية السلطة القضائية حيث ورد في المادة 131 :
المادة 131
السلطة القضائية مستقلة ويضمن رئيس الجمهورية هذا الاستقلال يعاونه في ذلك مجلس القضاء الأعلى
ثم أتت المواد التي تليها بخصوص وصف متولي هذه المهمة المقدسة وهو القاضي فنصت على :
المادة 133
1- القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون
2- شرف القضاة وضميرهم وتجردهم ضمان لحقوق الناس وحرياتهم
وتلتها المادة 134 حول صدور الأحكام باسم الشعب العربي في سوريا حيث نصت على :
المادة 134
تصدر الأحكام باسم الشعب العربي في سورية
وكل يحكم يصدر بدون ذلك يعتبر حكماً معدوماً لا قيمة له
بينما نرى أغلب نصوص الدستور فيما يتعلق بالسلطة القضائية قد أحالت للقوانين الكثير من التفصيلات في كثير من الأمور
في هذه النصوص المختصرة أوجزت الكثير فلم يتم التفصيل والإيضاح كما سنرى من الدستور الإيراني
السلطة القضائية في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية :
صدر دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالي بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني وذلك بتاريخ 15 /11 / 1979 ثم أعيد النظر فيه بعد مرور عقد من الزمن ونتيجة للتطورات فعدل وتمت المصادقة في 8 /7 / 1989
جاء الدستور الإيراني مفصلاً بشكل أكبر فنصت المادة الأولى منه على أن نظام الحكم هو الجمهورية الإسلامية
وفي المادة الثانية أوضحت ما هو نظام الجمهورية الإسلامية وأسسه الستة من إيمان بالله الأحد وتفرده بالحاكمية والتشريع والإيمان بالوحي وبالمعاد والإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع وإلإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة والإيمان بكرامة الإنسان
هذا الطابع في مقدمة مواد الدستور أضفى أثره على المواد المتعلقة بالسلطة القضائية والتي وردت في الفصل الحادي عشر منه ضمن المواد ( 156 ولغاية 174 )
نصت المادة 156 على استقلال السلطة القضائية ومهمتها في الدفاع عن الحقوق الفردية والاجتماعية ومسؤوليتها بإحقاق العدالة ووظائفها التي عددتها بما يلي :
1 ـ التحقيق وإصدار الحكم بخصوص التظلمات والاعتداءات والشكاوى والفصل في الدعاوى والخصومات واتخذا القرارات والتدابير اللازمة في ذلك القسم من الأمور الحسبية الذي يعينه القانون
2 ـ صيانة الحقوق العامة وبسط العدالة والحريات الفردية
3 ـ الإشراف على حسن تنفيذ القوانين
4 ـ كشف الجريمة ومطاردة المجرمين ومعاقبتهم وتعزيرهم وتنفيذ الأحكام الجزائية الإسلامية المدونة
5 ـ اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع الجريمة ولإصلاح المجرمين
أما المادة 157 فقد حددت الآلية لتنفيذ ذلك بتعيين رئيس للسلطة القضائية من قبل القائد الأعلى للبلاد ومدة ولاية رئيس السلطة القضائية خمس سنوات حسب هذه المادة وهو أعلى مسؤول في السلطة القضائية
وحددت المادة 158 واجبات رئيس السلطة القضائية بما يلي :
1 ـ إيجاد الدوائر اللازمة في وزارة العدل بشكل يتناسب مع المسؤوليات المذكورة في المادة السادسة والخمسين بعد المئة
2 ـ إعداد اللوائح القضائية المتناسبة مع نظام الجمهورية الإسلامية
3 ـ توظيف القضاة العدول واللائقين والبت في عزلهم وتنصيبهم ونقلهم وتحديد وظائفهم وترفيع درجاتهم وما شابهها من الأمور الإدارية وفقاً للقانون
أما المادة 159 فقد جعلت وزارة العدل المرجع الرسمي للتظلمات والشكاوى ونصت على أن يتم تشكيل المحاكم وتعيين صلاحياتها وفقاً للقانون
المادة 160 حملت وزير العدل مسؤولية كافة الأمور المرتبطة بالعلاقات بين السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية ويتم انتخابه من بين من يقترحهم رئيس السلطة القضائية على رئيس الجمهورية ويحق لرئيس السلطة القضائية أن يفوض إليه أمر الصلاحيات المالية والإدارية وكذلك الصلاحيات التي تخص تعيين غير القضاة وفي هذه الحالة تكون لوزير العدل تلك الصلاحيات التي تمنحها القوانين للوزراء باعتبارهم أعلى المسؤولين التنفيذيين
المادة 161 نصت على أن تشكيل المحكمة العليا للبلاد يتم حسب القواعد التي يضعها رئيس السلطة القضائية وتتولى الإشراف على صحة تنفي القوانين في المحاكم وتوحيد المسيرة القضائية وأدائها لمسؤولياتها القانونية
المادة 162 حددت شروط وصفات رئيس المحكمة العليا والمدعي العام بان يكونا مجتهدين عادلين وعارفين بشؤون القضاء ويعينهما رئيس السلطة القضائية بالتشاور مع قضاة المحكمة العليا ولمدة خمس سنوات
أما المادة 163 فقد تركت للقانون تحديد صفات القاضي والشروط اللازم توافرها فيه طبقاً للقواعد الفقهية
المادة 164 أكدت حقوق القاضي بما يلي :
لا يمكن عزل القاضي من منصبه دون محاكمته وثبوت الجريمة أو المخالفة التي تستدعي فصله مؤقتاً أو نهائياً ولا يمكن نقله أو تغيير منصبه دون رضاه إلا إذا اقتضت المصلحة العامة وبقرار من رئيس السلطة القضائية بعد تشاوره مع رئيس المحكمة العليا والمدعي العام . التنقلات الدورية للقضاة يتم تنظيمها طبقاً للقواعد العامة التي يعينها القانون
المادة 165 نصت على علنية جلسات المحاكمة وحضور الأفراد ما لم تكن العلانية فيها تناقض النظام العام والآداب العامة أو طلب السرية بموافقة طرفي الدعوى وذلك في الدعاوى التي لا يكون الحق العام طرفاً فيها
المادة 166 أوضحت أسس استناد أحكام المحاكم وذلك بأنها يحب ان تكون مستندة لمواد القانون وعلى المعايير التي يعتمد عليها الحكم
في المادة 167 نص قيم وهام للمجتمع يمنع على القاضي الامتناع عن الفصل في الدعوى بحجة نقص القوانين إذ وردت المادة بما يلي :
على القاضي أن يسعى لاستخراج حكم كل دعوى من القوانين المدونة فإن لم يجد فعليه أن يصدر حكم القضية اعتماداً على المصادر الإسلامية المعتمدة أو الفتاوى المعتبرة ولا يجوز للقاضي أن يتذرع بسكوت أو نقص أو إجمال أو تعارض القوانين المدونة فيمتنع عن الفصل في الدعوى وإصدار الحكم فيها .
نص آخر ملفت للنظر أتت عليه المادة 168 بخصوص الجرائم السياسية والجرائم المتعلقة بالمطبوعات فنصت على أن يتم التحقق في محاكم وزارة العدل بصورة علنية وبحضور هيئة المحلفين ولكن تركت للقانون طريقة انتخاب هيئة المحلفين وفقاً للمعايير الإسلامية والشروط اللازم توافرها في هذه الهيئة وصلاحياتها وكذلك تركت للقانون تعريف الجريمة السياسية
المادة 169 نصت على عدم رجعية القوانين حيث أقرت :
كل فعل أو امتناع عن فعل لا يعد جريمة بالاستناد إلى قانون يسن بعد وقوعه
المادة 170 أوجبت على قضاة المحاكم الامتناع عن تنفيذ القرارات واللوائح الحكومية المخالفة للقوانين والأحكام الإسلامية أو الخارجة عن نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية والملفت للنظر هو تتمة المادة حيث أعطت الحق لأي فرد ( وليس حصراً على من تمسهم ) الطلب من ديوان العدالة الإدارية إبطال مثل هذه القرارات واللوائح
المادة 171 تشكل مفصلاً بحق المواطن تجاه خطأ القاضي فأتى عليه الدستور ونص :
إذا أصيب أحد بضرر مادي أو معنوي جراء اشتباه القاضي أو تقصيره في تحديد الموضوع أو الحكم في تطبيق الحكم في الحالة التي تخصه فإن كان ذلك عن تقصير فإن المقصر يضمن ذلك حسب الأحكام الإسلامية و إلا فالحكومة مسئولة عن التعويض وفي كل الأحوال يعاد الاعتبار إلى المتهم
المادة 172 :
أرجعت تشكيل المحاكم العسكرية للقانون و أوكلت إليها التحقي قفي الجرائم المتعلقة بالواجبات العسكرية الخاصة أو الأمنية التي يتهم بها أفراد الجيش أو الدرك أو الشرطة أو قوات حرس الثورة الإسلامية ولكن يتم التحقيق في جرائمهم العادية أو تلك الجرائم التي تقع ضمن إجراءات وزارة العدل في المحاكم العادية
ونصت المادة على أن الادعاء العام العسكري والمحاكم العسكرية جزء من السلطة القضائية في البلاد وتشملها الأحكام المتعلقة بهذه السلطة
المادة 173 :
وردت بخصوص ديوان العدالة الذي سبق ذكره إذ نصت على الغاية من إنشائه وهي : التحقيق في شكاوى الناس واعتراضاتهم وتظلماتهم من الموظفين أو الدوائر أو اللوائح الحكومية وفي سبيل إحقاق حقوقهم فيتم تشكيل هذا الديوان تحت إشراف رئيس السلطة القضائية وأوكلت المادة للقانون تحديد نطاق صلاحية هذا الديوان وكيفية عمله
نأتي للمادة الأخيرة في باب السلطة القضائية في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي المادة 174 التي نصت على :
انطلاقاً من حق السلطة القضائية في الإشراف على حسن سير الأمور والتنفيذ الصحيح للقوانين في المؤسسات الإدارية يتم تشكيل دائرة باسم ( دائرة التفتيش العام ) تحت إشراف رئيس السلطة القضائية يحدد القانون نطاق صلاحية ومسؤولية هذه الدائرة
هذه موجز عن المواد المتعلقة بالسلطة القضائية في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقبلها أوردت ما تعلق من مواد بالسلطة القضائية في دستور الجمهورية العربية السورية مما تقدم أخلص للملاحظات التالية والتعليق :
1 ـ في الدستور السوري أتت المواد موجزة قليلة تاركة التفصيل والإسهاب لمواد القانون المختلفة كقانون السلطة القضائية وقانون أصول المحاكمات المدنية الذي ورد فيه الأحكام المتعلقة برد القضاة ومخاصمتهم وطلب التعويض عن خطأهم بينما أكدت المادة 171 هذا الحق في نص الدستور الإيراني فالدستور أعلى مرتبة من القانون وأدوم بقاءاً
2 ـ نلاحظ استقلال واضح للسلطة القضائية
3 ـ الحق للقاضي بالامتناع عن تطبيق اللوائح المخالفة للقوانين والأحكام الإسلامية بشكل مباشر
4 ـ من خلال المادة 163 التي تنص على أن صفات القاضي وشروطه هي وفقاً للقواعد الفقهية و لا نعلم وفقاً لذلك فيما إذا كانت المرأة قد تولت القضاء أم لا لاشتراط الذكورة لدى بعض الفقهاء
5 ـ المادة التي لفتت نظري في هذا الدستور وكما قلنا فالدستور سيد القوانين هي المادة 164 التي لا تجيز عزل القاضي بدون محاكمته وثبوت الجريمة وكذلك نقله من منصبه بدون رضاه إلا في حالة المصلحة العامة ولا بد أن هذا الاستثناء سيكون السبيل للقضاء على شرط موافقته تحت سبب المصلحة العامة .
من هذا نرى أن الدستور الإيراني كان أكثر توضيحاً وتفصيلاً لقواعد السلطة القضائية من الدستور السوري الذي أحال معظم قواعدها للقوانين المتعددة والقانون لا يرقى لدرجة قوة الدستور بل من الممكن الطعن به في حال مخالفة الدستور وبالتالي نسف مواده .
هذه مقارنة بسيطة وإطلاع على مواد السلطة القضائية في كل من دستوري الجمهورية العربية السورية والجمهورية الإسلامية الإيرانية