[align=justify]يؤكد قادة القمة الإسلامية في وثيقة «بلاغ مكة» التي ستصدر اليوم التزامهم بالتعامل مع التحديات والتهديدات الداخلية والخارجية، التي تتعرض لها الأمة الإسلامية، من خلال رؤية استراتيجية، تخطط لمستقبل الأمة وتواكب المتغيرات الدولية وتطوراتها، استناداً إلى إرادة جماعية وعمل إسلامي مشترك، ويلتزمون «بالتصدي بكل حزم لدعاة الفتنة والانحراف والضلالة، الذي يستهدفون تحريف مبادئ الإسلام السامية» إلى أفكار تقوم على الجهل والانحلال والكراهية وسفك الدماء».وفي ما يأتي نص وثيقة «بلاغ مكة» الذي حصلت عليه «الحياة».
بلاغ مكة المكرمة
نحن ملوك ورؤساء وأمراء الدول والحكومات الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، إذ نجتمع في الدورة الاستثنائية الثالثة للمؤتمر الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة بين 5-6 ذي القعدة 1926هـ الموافق 7-8 كانون الاول (ديسمبر) 2005.
نرفع آيات الحمد لله - عز وجل - إذ من علينا بأن نجتمع في رحاب هذا البلد الحرام، على ثرى مهد الرسالة الإسلامية، قبلة المسلمين، التي انطلق منها نور الإسلام ليهدي البشرية إلى سبل الخير والسلام، ويرسي دعائم حضارة إسلامية شكلت رافداً مهماً من روافد الحضارة الإنسانية.
وإذا ما كان ظهور الرسالة الإسلامية بمضامينها السامية استهدف إخراج العالم من غياهب الجهل والظلام والاستبداد إلى نور الحق والعدالة وطريق العلم والمعرفة ومبادئ التعايش السلمي، فإننا نجد أنفسنا اليوم في عهد اختلفت فيه المفاهيم، واختلطت القيم وعم الجهل واستشرت الأمراض والأوبئة، وتفشي الظلم، وتدهورت فيه بيئة الإنسان، وأضحينا أحوج ما نكون فيه إلى منظور جديد للخروج بالأمة- كما شاءت إرادة الله – لكي تكون مصدر للإشراق والعلم والمعرفة والأخلاق ومناراً للإنسانية.
ان الحفاظ على هويتنا الإسلامية وقيمنا الأساسية ومصالح الأمة العليا لن يأتي إلا من خلال انتماء المسلمين الصادق إلى الإسلام الحقيقي، والتزامهم الحق بمبادئه وقيمه الأصيلة منهجاً لحياتهم، لكي تنهض الأمة، وتمارس دورها الفعال في خدمة البشرية والحضارة الإنسانية.
اننا نستشعر ضمير الأمة الذي عبر عنه علماؤها ومفكروها – جزاهم الله عنا خير الجزاء – في لقائهم الذي سبق اجتماع القمة، مدركين للتحديات التي اشاروا إليها على الصعد السياسية والتنموية والاجتماعية والثقافية والعلمية كافة، وما تتعرض له الأمة من تهديدات داخلية وخارجية، أسهمت في تعميق المأزق الحالي الذي تعيشه وتنعكس على مستقبلها، بل ومستقبل البشرية والحضارة الإنسانية.
ولابد من التعامل مع هذه التحديات من خلال رؤية استراتيجية، تخطط لمستقبل الأمة، وتواكب المتغيرات الدولية وتطوراتها، من أجل بلورة رؤية تستشرق آفاق المستقبل، بما يمكن العالم الإسلامي من التعامل مع تحديات القرن الـ 21 بالاستناد إلى إرادة جماعية وعمل إسلامي مشترك.
وفي هذا الإطار فإنه ينبغي علينا الوقوف وقفة صادقة حازمة مع النفس، حول إصلاح شأن الأمة، الذي يبدأ من إصلاح الذات، بالاتفاق على كلمة سواء، ركيزتها كتاب الله - عز وجل - وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - والتصدي بكل حزم لدعاة الفتنة والانحراف والضلالة التي تستهدف تحريف مبادئ الإسلام السامية الداعية إلى المحبة والسلام والوئام والحضارة إلى أفكار منحرفة تقوم على الجهل والانغلاق والكراهية وسفك الدماء.
ان امتنا الإسلامية مطالبة اليوم بالاجتماع على الخير، مصداقاً لقوله عز وجل: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» الأمر الذي يستوجب من علمائنا وفقهائنا توحيد كلمتهم في فضح انحراف هذه الفئة الضالة، وبطلان مزاعمها واتخاذ موقف حازم ضدها.
وإذ نؤكد في هذا الصدد على أن الإرهاب ظاهرة عالمية لا تقتصر على أي دين أو جنس أو لون أو بلد، وعلى عدم وجود أي مبرر أو مسوغ للإرهاب بجميع أشكاله وأنواعه ومصادره فإننا عازمون – بحول الله تعالى – على تطوير أنظمتنا وقوانينا الوطنية، لتجريم كل ممارسات الإرهاب وتمويلها والتحريض عليها، مطالبين في الوقت نفسه بمضاعفة الجهود الدولية وتنسيقها لمواجهة الإرهاب، بما في ذلك إنشاء المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، الذي اقره مؤتمر الرياض لمكافحة الإرهاب.
إن أولوية الإصلاح والتطوير تشكل قناعة تجمع عليها الأمة حكومات وشعوباً، في إطار نابع من داخل مجتمعاتنا الإسلامية، ومتوائم مع مكتسبات الحضارة الإنسانية، ومستلهم لمبادئ الشورى والعدل والمساواة في تحقيق الحكم الرشيد، وتوسيع المشاركة السياسية، وتكريس سيادة القانون وصيانة حقوق الإنسان، وبسط العدالة الاجتماعية والشفافية والمساءلة ومحاربة الفساد وبناء مؤسسات المجتمع.
والحضارة الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من الحضارة الإنسانية، تقوم على قيم الحوار والوسطية والعدل والبر والتسامح، باعتبارها قيماً إنسانية راقية، في مقابل التعصب والانغلاق والاستبداد والاقصاء، لذلك فانه من المهم تعميق هذه القيم السامية في خطابنا الإسلامي داخل مجتمعاتنا وخارجها.
وإذ نؤكد نبذنا للتطرف والغلو والعنف فإننا نبدي استياءنا وقلقنا من تنامي ظاهرة كراهية ومعاداة الإسلام في العالم باعتبارها شكلاً من أشكال العنصرية والتميز، وكما نؤكد العزم على العمل الجاد للتصدي لها بالوسائل المتاحة كافة.
ولما يشكله التعاون الاقتصادي والتكافل الاجتماعي بين الدول الإسلامية من أهمية في تعزيز تضامنها وتعظيم استفادتنا من مزايا العولمة وتفادي سلبياتها، فإننا نعتبر أهداف محو الأمية واستئصال الأمراض والأوبئة ومكافحة الفقر في الدول الإسلامية اهدافاً إستراتيجية ملحة، تتطلب حشد الموارد اللازمة كافة لتحقيقها.
إن تحقيق الأهداف المتواخاة لن يتأتى إلا من خلال الالتزام بالجدية والصدقية في العمل الإسلامي المشترك، وللانطلاق من رؤية جديدة للعالم الإسلامي، تتعامل مع التحديات الدولية ومتغيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بما يحفظ الأمة ومصالحها، فقد تم اعتماد وإقرار خطة العمل العشرية لمواجهة تحديات الأمة الإسلامية في القرن الـ21.
وإننا لندعو ربنا أن يهيئ لنا من أمرنا رشداً وفي مسعانا توفيقاً وفي حياتنا خيراً.
يقول تعالى: «وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً، يعبدونني لا يشركون ني شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون». صدق الله العظيم.[/align]
المصدر : الحياة