الإصلاح الإداري.. يحارب الإفساد والفساد..
والمطلوب إيجاد " أداته " الدائمة..
أولاً ـ تمهيد
أكد السيد رئيس الجمهورية على أولوية الإصلاح الإداري، وأنه المدخل للإصلاح في المجالات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، وجعله المهمة الأولى للحكومة الحالية، عند تشكيلها عام 2003، ولدى تعديلها عام 2004 وترؤسه اجتماعها الأول..
والإجماع منعقد على ضرورة الإصلاح الإداري، وعلى ضرورة مكافحة الفساد..
وتعقد ندوات من وقت لآخر حولهما، ونطالع في وسائل الإعلام كثيراً من الآراء والمقترحات لتحقيقهما..
ولاعتقادنا بالتأثير الكبير للإصلاح الإداري على مقاومة الإفساد والفساد، نكرس هذه المقالة لعرض رأينا هذا.. ولنكرر التمني على الحكومة سرعة إحداث قاعدة انطلاق دائمة للتنمية الإدارية، خاصة وأن توجيهات رئاسة مجلس الوزراء في جلسته بتاريخ 19/10/2004 أكدت على إعطاء عملية التطوير الإداري الاهتمام اللازم في جهات القطاع العام..
ثانياً ـ مضمون الإصلاح الإداري
لنتعرف بداية على الإصلاح الإداري، بحيث نتطرق بعده إلى آثاره في محاربة الإفساد والفساد.. فهو يتضمن المحاور الآتية:
1- رفع مستوى المرتكزات الأساسية للإدارة:
أ ـ الإنسان.. من حيث العناية: * بوضعه المعيشي مع أسرته أثناء الخدمة وبعدها؛ * وبوضعه المعنوي ككيان ذي كرامة؛ * وبتأهيله وتدريبه بشكل عام وباختصاصه ومجال عمله؛ * وبسلوكه وانضباطه..
ب ـ الهياكل التنظيمية، وما يتبعها من ملاكات، وأنظمة وآلية عمل بين الوحدات الفرعية للمؤسسة..
ج ـ القوانين والأنظمة، العامة والخاصة.. بتطويرها لتلائم أداء المؤسسات المختلفة وتناسب المستجدات المحلية والعربية والدولية..
د ـ الأدوات الإدارية وتطويرها.. بما يجعل الإدارة شفافة، ورشيدة في تصرفاتها، ورشيقة في أدائها..
2- رفع مستوى ممارسة الوظائف العامة للإدارة.. كوظيفة التنظيم، والتخطيط، والتوجيه، واتخاذ القرارات، والتدريب والتأهيل، والإحصاء، وتبادل المعلومات، والمتابعة، والتفتيش.. بتأهيل العاملين وتوفير مستلزماتها..
3- رفع مستوى المهام التقليدية للإدارة، كما الوظائف العامة.. كالشؤون الديوانية، والبريدية، والذاتية الشخصية، والقانونية، والاتصالات، والتنقلات، والأبحاث، والدراسات، والتوثيق والأرشفة..
ثالثاً ـ آثار الإصلاح الإداري على محاربة الفساد
ونأتي هنا على أهم هذه الآثار الإيجابية..
1 ) ونبدأ بالإنسان..
آ ـ فإن تحسين وضعه المادي، من شأنه أن يحصنه ضد الإغراءات والضغوط المادية التي يتعرض لها العاملون، وقد تضعف إرادة البعض منهم.. فيبدؤون الانحدار نحو الهاوية، بنسب تكبر ككرة الثلج في هبوطها من القمة..
وهذا ما يحض عليه السيد رئيس الجمهورية، كما أوردت نشرة " كلنا شركاء في الوطن " بتاريخ 27/10/2004 ( بدا واضحاً أن موضوع الرواتب والأجور، أهم ما يشغل فكر السيد الرئيس، وأن لديه الرغبة عند تأمين الموارد أو المبالغ المبرر استخدامها أن يتم رفع الرواتب والأجور ...).. وذلك خلال الاجتماع الذي رأسه " للفريق الوزاري الاقتصادي " وعرضت فيه قضايا الاقتصاد الوطني المهمة..
ب ـ وإن إزالة " سقوف " الفعلية للعاملين وإعطاءهم إياها بحسب الجهد المبذول في الإنتاج أو المبيعات أو الخدمات.. ومنحهم التعويضات والمزايا المالية والعينية القانونية التي هي من حقهم أصلاً، دون نظرة ضيقة!. سوف يحصّنهم ضد المغريات والضغوط من ناحية.. ولا يضطرهم للعمل خارج الدوام، فيتحسن أداؤهم، ويقوى ولاءهم للجهة التي يعملون لديها، ويزيد بالتالي من إنتاجيتهم من ناحية ثانية.. ولا يؤثر من ناحية ثالثة، على معدل التضخم لأنه سيكون لقاء نشاط فعلي.. وسيحرك، من ناحية رابعة، السوق الداخلية، ويزيد الطلب فيها مما يشجع بدوره القطاع الصناعي والزراعي والخدمي، والاقتصاد عامة..
ج ـ وتدريب العاملين، وخاصة في المستويات العليا، وجعله شرطاً لإشغال المناصب والوظائف العليا، سيُرشد أداء الإدارة، فالإنسان عدو ما يجهل، والجاهل عدو نفسه بتصرفات طائشة وقد ينحرف دون قصد، بينما المؤهل العاقل يصعب زلقه وإغواءه..
د ـ وتطبيق مبدأ: وضع الرجل المناسب في مكانه، بتحقيق شروطه الموضوعية التي تبعده عن النظرة الشخصية، والتي تضع حداً لوصول الانتهازيين وأطماعهم!، بل تتيح الفرصة للأكفياء لإشغالها… وبذلك يستطيع المديرون والرؤساء الراشدون الجدد مكافحة الفساد بجرأة وإقدام.. لأن الإصلاح الإداري سوف يحقق، وعلاوة على التدريب والتأهيل، الشرطين الآتيين:
* تنظيم سجل مسلكي للعاملين أو " كشف العاملين ".. يشمل أوصافهم والمعلومات والوقوعات الكاملة عنهم..
* وضع توصيف علمي ومنطقي للوظائف، وشروط إشغال كل منها..
هـ ـ وتزداد آثار تأمين ظروف وضع الرجل المناسب في مكانه، حين يتعلق الأمر بالمناصب والوظائف والمستويات العليا، باعتبارهم " القدوة ".. لأن سلوكيات شاغليها، ستنعكس، إيجاباً أم سلباً، على العاملين معهم ومرؤوسيهم والمتعاملين مع مؤسساتهم، بل وعلى المواطنين والمجتمع عموماً..
و ـ ولما كانت سلوكيات المديرين والعاملين وتصرفاتههم، هي الأساس في تصرفات الإدارة ذاتها وسلوكها.. فإن تحسينها، من شأنه تحقيق استقامة إدارتهم وصلاحها، أو انحرافها وفسادها.. وتحسين سمعتها محلياً وخارجياً..
2 ) وبالنسبة للهياكل التنظيمية، وما يتلوها من ملاكات وأنظمة وآليات عمل..
آ ـ فإن تحسين رسمها ووضعها، وخاصة بعد إصلاح التنظيم الهيكلي للإدارة الحكومية وأجهزتها المختلفة والقطاع العام.. وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات، لكل منصب أو وظيفة عليا، وحدودها بكل وضوح ودقة وبساطة.. من شأنه تخفيف خطر الإفساد والفساد، الذي يستفيد مريدوه كثيراً من الغموض والضبابية!.
ب ـ كما أنه يدرأ التنازع الإيجابي أو السلبي بين مختلف المستويات والأجهزة، ويمنع بعثرة مراكز التخطيط والقرارات الاستراتيجية.. ويساهم في التوجه نحو اللامركزية.. ويساعد على نجاح سلطات الإدارة المحلية، وتحرير القطاع العام ليسترد عافيته ويلعب دوره بكفاءة.. ويخفف أيضاً من خطر الإفساد والفساد، لأن المركزية الشديدة التي تطيل الإجراءات وتعقدها وتحيلها نحو المستويات الأعلى للإقرار، لتغطية مظاهرهما!.
ج ـ ولنتذكر بأن ممارسة وظيفة التنظيم، التي تنبثق عنها الهياكل التنظيمية وما يتلوها، تعتبر بمثابة زرع "بذرة " النجاح أو الإخفاق، في مستقبل أي مؤسسة أو منظمة، على أي مستوى كانت..
3 ) وبالنسبة للقوانين والأنظمة، العامة والخاصة..
آ ـ فإن تطويرها المستمر في إطار الإصلاح الإداري.. سيخلصها تدريجياً من القيود والاشتراطات والغموض.. التي تشكل سبباً للخطأ غير المقصود أو المقصود، ومناخاً ملائماً لنمو بؤرة الإفساد والوساطة والفساد وتزايد حدتها.. والتي تُكثر بالتالي المفسدين والوسطاء، الذين يلجأون للصيد في الماء العكر وإلى أساليب ملتوية، لتحقيق مصالحهم.. فيدفعون بالبعض نحو الفساد بالتدرج الخطر!. فمن يسرق بيضة يسرق جملا..
ب ـ كما أن تطوير التعليمات والبلاغات والتعاميم، التي تنبثق عن القوانين والأنظمة، وتصدر عن المستويات العليا، وتبسيطها ووضوحها، لتكون " شفافة " مسهّلة لآلية عمل الأجهزة والمنظمات، وللعلاقات مع المتعاملين المحليين والأجانب وسائر المواطنين.. سيحد من الآثار المرضية للمركزية والبيروقراطية والروتين، وما يتولد عنها من تشابكات وتعقيدات، تساعد على تغطية المنحرفين، وتتيح مناخاً ضبابياً ملائماً لانتشار جرثومة الفساد!. لأن المركزية الشديدة والتعقيدات تدفع أصحاب العلاقة والمصلحة ووسطاءهم نحو الإفساد للتملص منها، وللصيد في الماء العكر!.
ج ـ وننوه بأننا في أمس الحاجة، وفي إطار التطوير والإصلاح الشامل، بما فيه الإصلاح الإداري، إلى ترتيب البيت الداخلي، وإعادة النظر في كثير من القوانين والأنظمة والتعليمات.. لاستكمال خطوات تشجيع الاستثمار، وللنجاح في تحقيق مصالحنا من خلال اتفاقية الشراكة الأوروبية وغيرها من العلاقات الخارجية، في ظروف العولمة ومستجداتها المستمرة، دون إعاقة من قبل المفسدين والوسطاء والفاسدين..
4 ) ويعتبر إدخال الأدوات الإدارية الحديثة وبرمجياتها المتطورة، واستعمالها على نطاق واسع في جميع الجهات والمستويات، ضمن خطوات الإصلاح الإداري.. سوف يحقق " رشاقة " الإدارة وشفافيتها، ويُرشد أداءها في جميع المستويات.. لأنه سيساعد على تشكيل قواعد معلومات واتصالات مركزية وقطاعية، محلية وخارجية، مرتبة ودقيقة وسريعة، وواضحة وفي متناول الجميع.. بما ينهي تأخير وضع الخطط واتخاذ القرارات ويضع حداً لفوضى الحسابات والتراكمات وما تجره وراءها من أخطار، تزيد المناخ تعكراً، وتساهم في تنامي الإفساد والفساد.. كما يساهم في تحسين علاقاتنا الخارجية وحماية مصالحنا وحقوقنا خلالها..
5 ) ولن نستطرد في الحديث عن آثار رفع مستوى ممارسة الوظائف العامة للإدارة، والمهام التقليدية لها، على محاربة الفساد.. فقد ورد بعضها بشكل غير مباشر لدى الحديث آنفاً عن المرتكزات الأساسية الإدارة..
ونكتفي هنا بالتذكير: إن رفع مستوى ممارستها، يشكل محورين هامين من محاور الإصلاح الإداري الثلاثة، وهو مدخل للإصلاح الشامل في سائر مجالات الإصلاح الشامل الذي ننشده.. وإن ترشيد أداء الوظائف والمهام الإدارية سيساهم إيجاباً في مسيرتنا التطويرية عامة، بما فيها محاربة الإفساد والفساد..
على أننا نورد نقطة تتعلق بوظيفتي المتابعة والتفتيش.. حيث يجري التركيز عليهما لمكافحة الإفساد والفساد، فنحن نعتبر اختيار العاملين الذين يشغلونها، من القضاة والمفتشين والمراقبين، وفق مبدأ وضع الرجل المناسب في مكانه، من أهم أشكال تعزيز أجهزتهما.. لأن ضعف هذه الأجهزة وبطء إجراءتها، والتراخي في المساءلة وكشف المنحرفين!، يؤدي إلى التأقلم مع المناخ الفاسد وتبلّد الإحساس بخطره!. وإلى تقليد بعض العاملين تدريجياً للمنحرفين، بسبب مظاهر الرخاء المعيشي والنتائج المادية التي تبدو عليهم!. دون مساءلتهم وكشفهم لمدد طويلة!.
رابعاً ـ الحاجة إلى " أداة " الإصلاح الإداري
نعتقد أن ما عرضناه، عن الإصلاح الإداري وآثاره الإيجابية على محاربة الإفساد والفساد.. يطرح التساؤل: من سيقوم بهذه الواجبات، ومتى؟. ولن نستطرد في الإجابة.. وإنما نحيل القارئ العزيز، على ما اقترحناه المقالتين في نشرة " كلنا شركاء في الوطن" بتاريخي 16/10 و 1/11/2004.. تحت عنواني: توجيهات إدارية " رئاسية " للحكومة، تتطلب خطة لتحقيقها.. وحوار مع الدردري حول تعزيز دور هيئة التخطيط.. حيث تمنينا على الحكومة بإلحاح: أن تضع في أولويات أعمالها، سرعة إحداث وزارة دائمة للتنمية الإدارية.. وبذلك توجد قاعدة وطيدة تساعدها على تحقيق توجيهات رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 19/10/2004..
منقول عن أحمد عبد السلام دباس : ( كلنا شركاء) 6/11/2004
نقله للمنتدى عمر الفاروق