كثر هي المرات التي طلب إليّ فيها أن أكتب في هذا الموضوع .كنت أقف و أفكر مليا .....هل لي الحق أن أد لو بد لو غيري ؟....! على اعتبار أن المتخصصين في هذا المجال هم أصحاب الشأن المعنيين ...........
و على مدار ما يقارب ثلاث سنوات كنت أراقب عن كثب الساحة الإعلامية المتخصصة في الشؤون الاقتصادية وتحد يدا أسواق المال ...رغم غرابة هذا المصطلح عن ثقافتنا المحلية .... كما يقال : لابد ممن ليس منه بد ..فعلينا أن نألف هذه التعابير ونتعايش معها ...تحديدا أسواق الأوراق المالية .....
بورصات الأوراق المالية.....
بالإضافة إلى مراقبتي للساحة الإعلامية الاقتصادية ...كنت أداوم على زيارة مكتبة الأسد الوطنية لأتمكن من الحصول على المراجع لإنجاز بحثي العلمي القانوني حول أسواق الأوراق المالية.........
وما أثار دهشتي واستنكاري أنني لم أكن أعثر على كتاب محلي وطني في هذه المكتبة الوطنية ...!!!!....
يتحد ث عن أسواق الأوراق المالية .... يلقي الضوء على هذا الموضوع الهام...المترامي الأطراف.........للأمانة العلمية باستثناء رسالة أو اثنتين لدرجة الماجستير وكتاب أو اثنين تضمنا ترجمة لأخبار ومقالات لا ترقى للمستوى الأكاديمي .......
عندها فقط أدركت أنني ما كنت سأدلو بد لو غيري .....بل من واجبي أن أشارك ليس بالتنظير واستعراض الوصفات الجاهزة ,بل بالتذكير بتجارب بعض الأسواق العريقة وبأساليب حكوماتها بتنظيمها وحمايتها من الأزمات ...
فبالرغم من حضور مفهوم البورصات في معظم أسواق العالم على مخنلف مشاربها ...لازالت غائبة عن أسواقنا المحلية ،بالرغم من وضوحها في كل الثقافات وحتى العربية لازالت غامضة في ثقافتنا ا المحلية..........
فنحن لا نعرف من هذا المفهوم سوى بعض المصطلحات الوافدة إلينا من ذلك البعيد بين الشرق والغرب...........
تجتاحنا فيزداد جهلنا بها..... .ارتفع مؤشر DAOWJONES ....وانخفض مؤشر NASDAQ............
و بارتفاع هذا وانخفاض ذاك يموج العالم بين مد وجزر .......ونحن أين نحن من كل هذه المتغيرات....؟ هل لا زالت خطانا خجولة نحو العالم الجديد....؟ أم أننا بد أنا من الأبواب العريضة ...؟!
بدأنا من أبواب المؤتمرات المخملية والوفود المتأنقة ...بربطات عنق .......تلك الوفود التي لا تمر على أحلام البسطاء من العوام ........من أودعوا بسذاجة آمال المستقبل على الوسائد........ظنا أنهم بثمن حلي أو عقار أو حتى ما ادخروه للزمان ,قد شاركوا أصحاب بعض الشركات بملكيتها. تلك الشركات التي ظهرت فجأة وروجت لها وسائل الإعلام المختلفة ,تلك الشركات التي توجهت بوعودها لكل من عقدوا الآمال عليها..
كيف صرح لهذه الشركات بطرح أسهمها للاكتتاب دون مراقبة فعلية ..!!؟ أم حصل ذلك بغفلة من أولي الأمر....؟!! من قام بتقييم رؤوس أموالها؟من قدر ميزانياتها السنوية الرابحة ؟
من قد ر قيمة إصدار السهم فيها ؟على أي أساس اعتمد ت هذه الشركات بتقييم نفسها ......؟
هل خضعت لرقابة هيئة حكومية ؟!.....والتزمت بنشرة الاكتتاب مدروسة ومعلنة ؟وهل تقدمت ببيانات شفافة؟
من قام بتدقيق هذه البيانات ...؟لم نسمع عن شركات في الأسواق الخارجية في هذا العصر, قامت بتدقيق بياناتها بنفسها ,أو عن طريق جهة اعتمدتها بنفسها ودون العودة لجهات حكومية ........! بل سمعنا عن أزمات مرت بها الأسواق المالية بسبب غياب الرقابة الحكومية ...وهذا بداية تنظيم البورصات ..أوائل القرن الماضي وعلى سبيل المثال لا الحصر تدهور السوق المصري و إفلاس الشركات عام 1907 بعد وقوع أزمة عنيفة بسبب قيام السوق بنشاطه بمنأى عن كل رقابة أو إشراف حكومي...حيث كانت تدير السوق نقابة السماسرة زهاء7—سنوات.
ولا يغيب عن الذهن أزمة الكساد الكبير التي تعرضت لها الأسواق الأمريكية عام 1929تشرين الأول بسبب قيام الكثير من الشركات المساهمة بالتلاعب بالأرقام المحاسبية المنشورة لقيم أصولها وممتلكاتها بغية اجتذاب رؤوس أموال المستثمرين مما أدى إلى امتصاص معظم المدخرات وتوجيهها إلى مشاريع غير ناجحة بل وبعضها وهمية. ما زاد الأمر سوءا ضعف د ور مد قق الحسابات الخارجي"المحاسب القانوني "وعدم وجود معايير دقيقة للمراقبة آنذاك .......فترتب عليه هبوط قيم أسهم هذه الشركات هبوطا مريعا مما أدى إلى إفلاس أعداد كبيرة من المستثمرين حتى أن البنوك أيضا فقد ت مبالغ هائلة في هذا الانهيار مما ألحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الأمريكي ووصلت نسبة البطالة إلى مستويات خيالية . وكان من آثار هذه الأزمة إنشاء هيئة تداول الأوراق المالية الأمريكية SEC .US SECURITIES &EXCHANG COMMISSION التي نظمت السوق وأعادت توازنه فأصدرت القانون SECURITIES ACT OF 1933 المتعلق بتنظيم السوق الأوليHMARKET PRIMARY و إصدار الأسهم ثم تبعه إصدار القانونSECURITIES EXCHANG ACTOF1934
المتعلق بتنظيم السوق الثانوي SECONDARY MARKETو الإشراف على تداول الأسهم...............ومن الأزمات التي شهدتها أسواق المال العربية أزمة المناخ عام 1983 التي هزت سوق الأوراق المالية الكويتي حيث كان يتم تداول أسهم غير مدرجة في البورصة بالإضافة إلى أسهم من المفترض أن تصدرها شركات خليجية مؤسسة في الخارج وتم إقبال أعداد كبيرة من المساهمين ...وفي ما بعد تبين أن هذه الشركات وهمية ...مما تسبب بخسارة أموال ضخمة وإفلاس معظم المستثمرين وانهيار السوق.
طبعا لازال حاضرا في الذاكرة مسلسل انهيار كبريات الشركات الأمريكية عام 2002 فقد توالى تساقط الشركات بدءاً من شركة ENRON, التي تعمل في مجال الطاقة ثم,TYCO وGLOBALCROSSINGو ADELPHIAوWORLDCOMالتي تعمل في مجال التكنولوجيا والاتصالات فلم يكن سبب ذلك هو ما جرت عليه العادة في العقد الماضي من القرن المنصرم بانهيار نظام سعر الصرف وخلل في ميزان رأس المال بميزان المدفوعات وإعلان دولي عن الموراتاريوم"الامتناع عن دفع الالتزامات الدولية " مثل روسيا أو الإفلاس مثل الأرجنتين .......................بل في أزمة الشركات الأمريكية تحديدا نجد المسؤولية تترتب على عاتق مديري الشركات والمحاسبين والمراجعين أو المد ققين لها ..فهي أزمة ثقة من قبل المستثمرين والمتعاملين في الأسواق المالية الأمريكية تجاه هذه الشركات الكبرى ورؤسائها وإداراتها وقد أطلق آلان غرينسبان محافظ البنك الاحتياطي الفيدرالي على هذه الأزمة بأنها أزمة فشل رئيس الشركة AFAILD.CEO وانتشار عدوى الطمع "INFECTIOUS.GREED" في الكلمة التي ألقاها أمام الكونغرس الأمريكي 16.7.2002
وما يؤكد مسؤولية مديري الشركات ومكاتب المحاسبة والمراجعة عن هذه الأزمة هو تعاون هذه المكاتب مع مديري أو رؤساء الشركات للقيام بتنفيذ عمليات واستخدام آليات مالية معقدة مستغلين الثغرات في المعايير المحاسبية والقواعد المالية لأسواق المال بأمريكا "REGULATORY ARBITRAGE "لتعظيم الأرباح بصورة مبالغ فيها و إخفاء الالتزامات المستقبلية للشركة وجعل تقييم عناصر المخاطرة المصاحبة للاستثمار في تلك الشركة غير ممكنة. ولضبط هذه الظاهرة صدر قانون جديد3763 وقد عرف باسم-THA SARBANES- OXLEY2002 وأهم ما ورد في هذا القانون هو تنظيم العلاقة بين بين شركات المحاسبة وعملائها كما وافقت اللجنة المصرفية في مجلس الشيوخ على مشروع قانون لإصلاح النظم المحاسبية حيث يسعى لزيادة استقلال المدققين من خلال تقييد الخدمات الاستشارية التي يمكن لشركات المحاسبة تقديمها لعملائها كما نص مشروع القانون الجديد على إنشاء لجنة لتحديد المعايير و إجراء عمليات تدقيق ومعاقبة شركات المحاسبة التي تنتهك القواعد...........كما تقدم الرئيس الأمريكي بمشروع قانون إلى الكونغرس يطلب فيه رفع العقوبات المطبق ة على الاختلاسات في بورصات الأوراق المالية إلى عشر سنوات وتم رصد"100 "مليون دولار لبورصة الأوراق المالية الأمريكية لشراء مكاتب وتجهيزها لغرض القيام بعمليات المحاسبة بنزاهة و لإعادة الثقة بنزاهة قادة التجارة والأعمال كما تم المطالبة باستصدار قوانين تحمي المستثمرين وتدعم الاقتصاد......ربما استفضت بل ربما قائل يقول ما أتيت بجد يد.....لكن من حق أولي الأمر علينا تذكيرهم " ذكر فإنما تنفع الذكرى" ومن حق من لا يفقهون بسياسة أسواق المال من المستثمرين"ليس بتقصير منهم " تثقيفهم وحمايتهم قبل فوات الأوان, من حقهم الترويج لثقافتهم وتوفير المعلومات الأساسية اللازمة ومصادر الحصول عليها ففي الدول التي يعتبر المستثمر جزءا هاما من سياستها تراه لا يجد صعوبة في الحصول على هذه المعلومات من مصادر مختلفة بالمجان أو بتكلفة زهيدة فيمكنه ذلك من اتخاذ القرار الاستثماري السليم حتى إذا ما فكر باقتنائها فانه يحظى بتشجيع الحكومة حتى اعتبرت تكلفة تلك المصادر من بين المصروفات التي تخصم من الإيرادات قبل حساب الضريبة .........فهل نأخذ ذلك بعين الاعتبار .......
هل ما يجري هذه الأيام يعيد إلى الذاكرة ما جرى في ثمانينيات القرن الماضي هل ستعاد تجربة جامعي الأموال ولكن بطريقة حضارية.....؟! أسئلة كثيرة بحاجة إلى إجابة ....ومهام كبيرة بحاجة إلى جهود مضاعفة على جميع المستويات وبمشاركة الفعاليات الاقتصادية كافة وتجاوز مرحلة الشعارات والبدء بالخطوات العملية لتطوير السوق المالي السوري و إرساء دعائم سوق الأوراق المالية المنتظر و العمل على نشر التوعية الاستثمارية كي لا يكون التعامل بالأوراق المالية مشكلة تضر بصغار المدخرين والمستثمرين ويتحول السوق إلى بؤرة للمستغلين وتعاد بذلك تجربة جامعي الأموال التي استجرت ما يقارب 45 مليار ل. س- مصدر آخر60 مليار ل. س بطرق غير مشروعة وهذا يؤدي إلى الإضرار بالمجتمع و بالاقتصاد الوطني .
جديد الشركات المساهمة..
صحيفة النور : 3/11/2004
الإجراء الجاد الذي قامت به الحكومة، وطلبت فيه من الشركات التي طرحت أسهماً جديدة للبيع، مثل نماء، وسيريتل، أن تتفادى الملاحظات الجوهرية، التي اكتشفها المختصون الماليون في قيودهم وميزانياتهم، وأن تتكيف أوضاعهم مع القانون، خاصة في شركة نماء.. هذا الإجراء أشاع نوعاً من الثقة والطمأنينة في نفوس المواطنين المكتتبين، وألقى الكرة في ملعب الشركات، التي عليها الآن أن تتقيد كلياً بما طُلب منها، وإلا فلن تحصل على الموافقات القانونية الضرورية لزيادة رأسمالها عن طريق الاكتتابات الجديدة، وستلحق أضراراً فادحة بسمعة الشركة المخالفة، وبفكرة الشركات المساهمة التي نحرص جميعاً على تنميتها وتطويرها باعتبارها إحدى الروافع الأساسية للاستثمار وتشغيل مدخرات المواطنين.
إن أوضاع البلاد والناس لا تحتمل حادثاً آخر مثل قضية جامعي الأموال في حلب التي لم يتم إزالة آثارها الموحشة حتى الآن.
ويأمل المواطنون استمرار الاهتمام بهذه القضية، ومتابعة أجوبة الشركات والتدقيق بها، وعدم التساهل تجاه أي مخالفة قانونية من قبل أي جهة كانت، حفاظاً على سمعة بلدنا واقتصاده وعلى أموال الناس.
منقول عن المحامية منيرة مسعود : ( كلنا شركاء) 6/11/2004
نقله للمنتدى عمر الفاروق