تقرير من إعداد سوريا للقضاء والمحاماة
المحكمة العمالية في طرطوس برئاسة القاضي الأستاذ صالح غانم (الذي استلم رئاسة هذه المحكمة مع المحكمة الشرعية عقب تعيينه منذ عدة سنوات ودون تجربة سابقة على قوس المحكمة) أصبحت خصماً حقيقياً لمصالح وحقوق العمال في محافظة طرطوس .
وقبل الدخول في تفاصيل الموضوع ، نذكر أن المحكمة العمالية توالى عليها قضاة أكفاء وعلى وعي كامل بمدى حساسية القضايا العمالية وخصوصيتها ومن أمثال هؤلاء القاضي الكبير الأستاذ فاروق الحامد الذي كان له الفضل في تعزيز ثقة العمال بهذه المحكمة وقبولهم بالقرارات الصادرة عنها نتيجة حكمته ولباقته ودماثة خلقه ونظافة كفه ، ويمكن القول أن فترة رئاسته لهذه المحكمة تمثل العصر الذهبي سواء من حيث حسن تطبيق القانون وصحة تفسيره وتأويله أو من حيث وضع مسافة فاصلة بين المحكمة ومؤسسة التأمينات الاجتماعية أومن حيث حماية حقوق العمال كونهم الطرف الأضعف في هذه القضايا.
لكن بعد استلام القاضي الأستاذ صالح غانم لرئاسة هذه المحكمة ، طرأ تغيير كبير يلامس الانقلاب في نهج هذه المحكمة وعلى جميع الأصعدة وفي كافة المجالات . ومن مظاهر هذا الانقلاب – إن صحت التسمية – تلاشي الحدود الفاصلة بين المحكمة وبين مؤسسة التأمينات الاجتماعية بحيث غدا الباحث يظن أن هذه المحكمة جهاز تابع للمؤسسة المذكورة .
فقد أصبح القاضي الأستاذ صالح غانم يلزم محكمته بالقرارات والتعاميم الصادرة عن مؤسسة التأمينات الاجتماعية دون البحث في مدى توافقها مع نص القانون أو مع خصوصية القضايا العمالية ودون التنبه إلى حقيقة أن مؤسسة التأمينات هي خصم في الدعوى وأنه يجب معاملتها على قدم المساواة مع الخصم الآخر الذي هو العامل وأنه لا يجوز إعطاءها امتيازات أو تسهيلات على حساب العمال وحقوقهم .
كما أصبحت المحكمة تتشدد كثيراً في الإجراءات على نحو يصعب مهمة العامل في الدفاع عن نفسه وحقوقه أمامها ، فعلى سبيل المثال فإن العامل الذي يتقدم بمعاملة إصابة عمل إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية قبل إقامة الدعوى ، يرفق مع المعاملة جميع الأوراق التي تثبت إصابته وتصبح هذه الأوراق في عهدة المؤسسة . فإذا قرر العامل إقامة دعوى للمطالبة بحقه لعدم قناعته بقرار التأمينات الاجتماعية حول إصابته ، فإن المنطق والقانون يوجبان على مؤسسة التأمينات الاجتماعية إبراز الأوراق الثبوتية الموجودة في عهدتها والعائدة للعامل أمام المحكمة من تلقاء ذاتها وإذا لم تفعل فإن على القاضي أن يكلفها هي وليس العامل بضرورة إبراز هذه الأوراق تحت طائلة اعتبار كلام العامل صحيحاً لأن الخصم ملزم بإبراز الأدلة الموجودة لديه والتي يعتمد عليها خصمه . ومن جهة أخرى لأن العامل هو الطرف الضعيف ولا يجوز تحميله تكاليف إضافية لإبراز هذه الأوراق . ولكن الواقع غير ذلك ، إذ يقوم سيادة القاضي صالح غانم بإصدار قرار إعدادي يكلف بموجبه العامل بإبراز الأوراق الموجودة في مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، ومن الغرائب أن تنفيذ هذا القرار وهو قرار قضائي يوجب على العامل الاستحصال على إحالة من محامي قضايا الدولة أي خصمه في الدعوى ، وبعد كل ذلك فإن الأوراق لا تسلم إلى العامل وإنما ترسل بالبريد إلى محامي الدولة لإبرازها في الملف القضائي .
كما أصبح النص القضائي الذي يعتبر قضايا العمال من القضايا التي يجب النظر بها على وجه السرعة ، من منسيات المحكمة العمالية . فقد أصبحت الدعوى تستغرق وقتاً طويلاً يقارب السنتين وهذه مدة طويلة جداً بالنسبة للعامل الذي ربما يكون التعويض المنتظر نتيجة الحكم هو مصدر رزقه الوحيد . وإطالة أمد الدعوى يعود في قسم رئيسي منه إلى سوء إدارة الدعوى من قبل القاضي المختص وتعقيدها بإجراءات كثيرة لا طائل منها والمراعاة المبالغ فيها لمطالب محامي الدولة بالاستمهال بسبب أو بدون سبب ولمرات عديدة متكررة .
كما أصبح طبيب مؤسسة التأمينات الاجتماعية ، خبيراً فوق العادة في القضايا العمالية . فقد جرى العرف على تسمية طبيب المؤسسة كخبير في جميع الخبرات التي تجريها المحكمة لتحديد مدى عجز العامل المصاب مع خبيرين آخرين أحدهما تسميه المحكمة والثالث يسميه العامل . ولن ندخل هنا في صحة تعيين طبيب المؤسسة خبيراً في القضايا العمالية لعدم حياده تجاه الخصوم ولشبهة انحيازه إلى مؤسسته التي يعمل فيها ، لكننا سنتوقف عند الامتيازات والصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها خبير المؤسسة على حساب بقية الخبراء . فعلى الرغم من أن جميع أو معظم أطباء المؤسسة غير مختصين فإن قرارهم يلزم المحكمة ولو خالف هذا القرار الخبيرين الآخرين والمختصين في المجالات التي يتطلبها تحديد نسبة العجز لدى العامل. وهذا يخالف مبدأ أن الخبرة تقدم بالأكثرية وليس بالإجماع ، فلم يعد كافياً لدى القاضي العمالي أن يتفق اثنان من الخبراء على نسبة العجز وتحديدها مع مخالفة طبيب التأمينات ، بل لا بد أن يوافق طبيب التأمينات على النسبة المحددة ، وإن مجرد تحفظه عليها قد يؤدي إلى خسارة العامل لدعواه . وهنا تجدر الإشارة إلى أن جميع القضاة والمحامين يعلمون بوجود تعميم صادر عن المدير العام لمؤسسة التأمينات الاجتماعية يحظر فيه على أطباء المؤسسة تصديق الخبرات التي تتجاوز نسبة 25% تحت طائلة فسخ عقودهم مع المؤسسة ، وقد حاولنا الحصول على نسخة من هذا التعميم لكننا لم نتمكن .
وقد ابتدع القاضي الأستاذ صالح غانم أسلوباً جديداً لإطالة أمد الدعوى وللضغط على العامل المدعي للتنازل عن حقه أو قسم كبير منه ، هذا الأسلوب هو طلب استيضاح الخبراء عن تقرير خبرتهم . إذ يقوم القاضي بإصدار قرار إعدادي عقب كل خبرة يتحفظ عليها طبيب التأمينات يكلف فيه الخبراء بتوضيح خبرتهم ، وغاية القاضي أن يقوم الأطباء بتعديل التقرير على نحو يطابق تحفظات طبيب المؤسسة . ودون إحداث هذه التعديلات على تقرير الخبرة فإن القاضي سيطلب الاستيضاح مرة بعد أخرى وهناك دعاوى جرى فيها أربع أو خمس استيضاحات حتى أن الأطباء غدوا يتأففون من هذا الأسلوب خاصة وأنه يشكك في قدراتهم العلمية مقابل تضخيم إمكانيات طبيب المؤسسة وهو الطبيب غير المختص مقارنة بهم .
إن هذا النهج المتبع من قبل القاضي الأستاذ صالح غانم في إدارة الدعاوى العمالية ، أدى إلى كسر الجدار الأخير الذي يعتمد عليه العامل من أجل تحصيل حقوقه وأكثر من ذلك صار العامل يتأفف من مجرد اضطراره اللجوء إلى المحكمة للمطالبة بحقه لعلمه بصعوبة الإجراءات المتخذة وتشددها حياله وتكلفتها العالية وعدم ضمانه نتيجة الدعوى لتدخل اعتبارات كثيرة تؤثر في تحديد هذه النتيجة . وقد شمل هذا التأفف حتى المحامين الذين يصرحون بعدم رغبتهم في التوكل بقضايا عمالية بسبب العقبات الناتجة عن نهج رئيس المحكمة في إدارة الدعوى العمالية ، هذا إن كان هو الذي يديرها حقاً .