وجهة نظر أخرى للـ" مصيبة" !!!
" مصيبة " هكذا تسمى بعض العقبات التي تعيق تقدم الناس وسيرهم نحو ما يطمحون إليه، أو تؤذي مشاعرهم وتبعدهم عن من هم أقرب الناس إليهم، وكل ما يسير على عكس ما تشتهيه السفن، ولكن تبقى للمصيبة أوجه مختلفة فالبعض يراها مصيبة حقيقية في حين أن البعض ينظر إليها من جهة أخرى فيراها من وجهة النظر القائلة " رب ضارة نافعة " في حين أن المفهوم بأكمله يختلف عند البعض فلا يرى المسألة الواقعة مصيبة أصلاً.
والقصة الصغيرة التي سنوردها والقصيرة في تفاصيلها، كبيرة في مضمونها وما قيل في جنباتها، والقصة المأساوية هذه في كل أوجهها تتلخص في موت رجل ترك من خلفه تسع بنات أكبرهن في الثامنة عشرة من عمرها دون صبي، والقصة ربما هي قصة مأساوية إلى أبعد الحدود ولكن كيف ننظر إلى مأساوية القصة؟
إن النظر إليها من وجهة النظر القائلة إن موت إنسان يحتاجه أطفاله أمر مختلف عن وجهة النظر القائلة بمأساة هذه القصة فقط لأن من تبقى من أولاد هذا المتوفي كلهن من الإناث، لأن المأساة تتضاعف هنا عند البعض فكما يقولون لو كان لديه صبي يحمي ويرعى الفتيات لكان الأمر أهون، ولكن المسألة من حيث وجهة نظرنا لا تكمن مأساتها فيما يفكر به الناس فهي حقيقة أن هذه القصة تحمل في طياتها كل ما للمأساة من عمق ودلالة ولكنها تتضاعف مأساوية في وجهة نظرنا حين نسمع من يتحدث عن مأساة القدر لعدم وجود الصبي " المنقذ".
لقد اعتاد الناس على التحسر في أمثال هذه الحالات وعلى التحدث بهذه الطريقة التي يندى لها الجبين، وهم يضعفون الموقف المتحسر على أصحاب المصيبة فكيف نرى وجود الفتيات أمراً فيه مصيبة أو عدم وجود الصبي معهن مصيبة فكيف ننظر إلى المرأة، ولماذا الاستمرار في التحدث عن ضعف المرأة ووجوب مرافقتها للرجل وجعلها ظلاً له وإلا فهي الكائن الضعيف وهنا المأساة الحقيقية التي ترفع من شأن حي على حساب حي آخر أو تسقط الحي في الحضيض لصالح من هو غير موجود فلو وجد الصبي لكان كل شيء على ما يرام أما حالة وجود الفتيات فقط فهي المصيبة فبأي منطق نؤمن وبأي طريقة نفكر.
أليست المرأة كائناً حياً يجب أن يساوي في قيمته الإنسانية الرجل أم أن وجود المرأة لوحدها لا يعني شيئا فالكائن الأولى وجوده هو الرجل ولماذا نربط مصير تسع فتيات بوجود صبي قد يكون سيئاً إلى أبعد الحدود في حين أن تلك الفتيات قد تكون من بينهن أفضل الفتيات اللواتي يمكن الافتخار بهن، متعلمات وقادرات على إدارة المنزل أكثر من أي صبي.
وبدلاً من مواساة هذه العائلة كما هو واجب وكما تواسى أي عائلة في أمثال هذه المصائب، نرى الناصحين ومن يجعلون من أنفسهم الآمر الناهي يكثرون وكل يعتبر نفسه ولي أمر ومسئولاً عن تسيير أمور هذه العائلة وأحياناً دون العودة إلى رأي المرأة التي يمكن أن تهمل تماماً في هذه الحالات، أليس من الأولى أن تتم مواساة العائلة على الوجه المقبول ومن ثم عدم إحساس المتبقيات من الفتيات بالدونية لأنهن بالفعل غير مستحقات منا إلا للاحترام لأنهن لديهن الكثير مما يستطعن تقديمه ولا يعني كونهن نساء أنهن ضعيفات وغير قادرات على إدارة أمورهن، حسب تلك النظرة التي تعودنا عليها، فلماذا نجعل من مصيبة هؤلاء الفتيات مصيبتين أولاها فقد الوالد والثانية إشعارهن بأنهن أصبحن حكراً لمن يستطيع أن يبين للآخرين بأنه قادر على رعايتهن فهن الآن الفريسة التي يبحث عنها الكثيرون وخاصة إذا ترك الوالد من خلفه شيئاً من المال.
ألا يجب الوقوف أمام هذه العائلة للاستماع إلى ما يقلنه من رأي يخصهن بالدرجة الأولى فهن المعنيات أولاً وأخيراً بما يقررنه من مصير وما يعلن من قرارات تهم مستقبلهن، هل يجب دوماً التدخل بشؤونهن وعدم الثقة بهن واعتبارهن كائنات من الدرجة الثانية وتوابع لنا نحن الرجال، ألم تكفنا حالة الإهمال لنصف طاقات المجتمع وتهميش هذه الإمكانات التي من شأنها أن تنفتح على الكثير من التقدم لو فتحنا لهن الأبواب دون أن نكون نحن دائماً الأوصياء عليهن، هل لنا أن نتعلم أن نجعل من أنفسنا الأسياد على الجميع والعالمين بكل شيء مقابل جعل الآخرين جهلة والهدف في النهاية هو تفضيل جنسنا الذكوري على جنس النساء اللواتي لم ندع لهن الفرصة بعد لإثبات ذواتهن على مساحة من الحرية المطلقة غير المشروطة من قبلنا بألف شرط وألف تهديد بالعقاب في حال الفشل في إحدى المراحل.
فلنفتح الطريق أمام التحسر على أنفسنا نحن الرجال واحتلالنا للعقيدة المؤمنة بضعف المرأة والبحث عن الحلول وإغلاق كل الأبواب أمام التحسر على حالة الفتيات اللواتي بقين دون صبي لأننا نعلم علم اليقين بأنهن قادرات على تسيير أمورهن على أكمل وجه في حال ترك لهن المجال دون تدخلنا، ونعلم علم اليقين أن تدخلنا في غالب الأحيان ليس الهدف والنية من وراءه إلا البحث عن تفوقنا وأنانيتنا ونرجسياتنا.
نقله للمنتدى
البتول