إن القوانين إنما شرعت لتطبق ويخضع لها الحاكم والمحكوم على السواء. ووجدت لتلبية حاجات الناس.
يجب التعامل مع القانون على أنه وسيلة للاستمرار كنظام تسير عليه الدولة لصالح الشعب.
عند سن القوانين يجب أن يكون لدينا خطة وهدف. فلكل قانون فلسفة وهدف ويجب أن يكون لكل قانون جديد يصدر سواء أكان قانون أساسي أو تعديل لقانون موجود أن يكون له فلسفة وهدف مبني على دراسة مستفيضة ومتأنية. فلا يجوز بحال من الأحوال أن يتولى القانونيين من غير المحامين (مدراء الشؤون القانونية في الوزارات مثلاً) صياغة القوانين وإعدادها. فهؤلاء مهما بلغوا من الخبرة النظرية إلا أنها لا تساوي الخبرة العملية التي يكتسبها المحامي في عمله اليومي في تطبيق القانون. وخبرتهم قاصرة عن إدراك النتائج المترتبة على تفسير القانون وتطبيقه.
نحن في سوريا نعد لتنمية شاملة على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وهذه التنمية تتطلب تشريعات سريعة مجدية، فلا وجود للتنمية بدون تعديل القاعدة الأساسية التي هي القانون. وهناك عشرات القوانين التي تعرقل عملية التنمية.
إن سن القوانين وتنفيذها أمر واجب لا فضل فيه لأحد ولا منة. والسلطة التنفيذية أو القضائية أو التشريعية عندما تسن أو تطبق القانون يفترض أنها جميعاً تؤدي واجبها،فلا ينبغي لها أن تمن على أحد ولا أن تثمن فعلها إن هي سعت لاصدار تشريع جديد يتناسب مع ما هو مستحدث وجديد في هذا العصر.
من المسائل المهمة وغير المعمول بها في بلادنا والتي بدأ بها مجلس الوزراء مؤخراً وبخطوات خجولة عبر موقعه موقع سورية التشاركية مبدأ الاعلان والدعاية للقانون وطرحه للمناقشة العامة قبل إقراره وطرحه على مجلس الشعب. وهذه المسألة في غاية الأهمية ويجب على الدولة ومجلس الوزراء والوزارات أن تأخذه مأخذ الجد لأن الإعلان عن القانون يضمن الشفافية في الإصدار والشفافية في التطبيق.
وهذا المسلك أمر معمول به في دول عدة ويكفي للتدليل على ذلك الاستفتاء الذي أجري في بعض دول الاتحاد الأوروبي وما طبع من كميات هائلة ودعايات عن الدستور الأوروبي أدت إلى أن يقبل البعض ويرفض البعض بعد أن قرأ وتفهم أو لم يتفهم الدستور المقترح.
والإعلان والمناقشة يجب أن يتجه باتجاهين الأول للعامة ولكل أفراد الشعب ، والثاني للمعنيين وللمختصين ورجال القانون ولا سيما المحامون ونقابتهم.
من المهم جداً أن لا يصدر أي قانون إلا عبر مروره بنقابة المحامين، فالمحامون هم المعنيون الأولون بتطبيق وتفسير القوانين، وهم أول شريحة تفهم القانون وسياسته في المجتمع، وهم أداة تطبيقه والأقدر على فهمه الفهم الصحيح، وهم أعلم الناس بعيوبه وثغراته التي تظهر من خلال التطبيق. فلماذا لا يكون المحامون عبر نقابتهم هم الذين يتولون أمر وضع القوانين واقتراح مشاريعها أو دراسة المشاريع المقترحة كما هو معمول به في انكلترا مثلاً.
رغم الجهود الواضحة لتحديث وتطوير القوانين في سوريا إلا أن من الملاحظ وجود تعجل واستعجال وعدم روية بإصدار التشريعات والقوانين. فتصدر القوانين دون دراسة أو مناقشة ودون الرجوع للجهات المعنية بتطبيقها، ودون الاستفادة من التجارب السابقة المستندة للتطبيق.
وتكون النتيجة إصدار قوانين معدلة لبعض القوانين وقوانين معدلة للقوانين المعدلة ...!!! حتى قبل صدور التعليمات التنفيذية لها.
إن العمل التشريعي من أصعب الأعمال القانونية لذلك فإنه ينبغي وجود تعاون وحوار بين كل أجهزة الدولة ووزارتها ومؤسساتها ووزارة العدل ونقابة المحامين.
لقد تم تهميش المحامين ونقابتهم في العملية التشريعية على مدى سنوات، وقد اعتاد واضعو القانون في بلدنا على عدم أخذ رأي نقابة المحامين في أي مشروع قانون جديد. وإذا أرادت نقابة المحامين أن تستعيد دورها المفقود فعليها أن تنتزعه انتزاعاً. فالدور يؤخذ ولا يعطى، وعندما يمارس المحامون ونقابتهم دورهم وواجبهم المفروض عليهم ويقومون بإعداد الدراسات والأبحاث ومشاريع القوانين وتقديم مقترحات قانونية سليمة يمكن الاعتماد عليها والركون إليها فعندها سيعرف واضعو القانون أهمية دور المحامين، وبذلك نكون قد انتزعنا دورنا المغيًّب انتزاعاً من خلال جهدنا الذي نبذله بدل أن ننتظر الآخرين ليأخذوا رأينا ولن يفعلوا من تلقاء أنفسهم.
هناك عقلية لدى بعض الأفراد بدوائر الدولة وأهمها وزارة العدل بعدم الاعتراف بالمحامين وبنقابة المحامين والنظر إليهم نظرة غير لائقة وغير مناسبة وغير صحيحة. وإن العمل للقضاء على هذه العقلية وهذه النظرة يتطلب منا جهوداً كبيرة والنتيجة التي نرجوها تستحق هذه الجهود.
ولتحقيق ذلك لا بد بداية من الحوار الفعال لإقناع الجميع من خلال جهودنا ودراساتنا وأبحاثنا القيمة التي نقدمها أننا شركاء مهمون وفعالون في صنع وصياغة القانون.
لقد آن الأوان لأن نبادر وأن لا ننتظر موظف ما في وزارة ما ليقوم بتعديل القوانين وتطويرها وتحديثها مع الاحترام والتقدير لكل موظفي الدولة ووزاراتها.
إننا معنيون جميعاً في هذا البلد بتطوير التشريع والاجتهاد القضائي حتى لو كانت الإمكانيات بسيطة ومتواضعة في بداية الأمر. وحتى لو لم يكن بالإمكان أن يكون لعملنا قيمة، وحتى لو لم يستجب إلينا أحد في البداية، ولكن لكل عمل ثمرة ولا بد أن يؤتي العمل الطيب ثماره ولو بعد حين وهذه سنة الله في الكون.
عند إعداد أي قانون لا مانع من الاستفادة من التجارب السابقة للدول الأخرى والاستعانة بقوانينها. ولكن يجب تجنب نقل القوانين بحرفيتها ونصوصها، بايجابياتها وسلبياتها، من بيئات ودول قد لا تتوافق مع الظروف الاقتصادية أو الاجتماعية القائمة في سوريا. ويجب إذا أردنا أن ننقل قانون من دولة من الدولة أن ندرس نتائج تطبيقه وإيجابياته وسلبياته فيها، وأن نبدأ من حيث انتهوا.
مع الإقرار بالحاجة لتطوير القوانين إلا أن هناك مشكلة دائماً بالتطبيق يجب حلها وتجاوزها فيظن أي موظف بالدولة مهما كان شأنه أنه هو من يصنع القانون فيفسر ويؤول ويطبق على هواه. فنخرج عن القانون وفلسفته ونظن العيب في القانون، رغم أن القانون بريء ولا يحتاج للتعديل، وإنما يحتاج للتعديل هي العقلية التي تطبق القانون.
لقد أقر السيد رئيس مجلس الوزراء والسيد وزير العدل بوجود فساد ومشاكل بالقضاء يجب العمل لحلها، وإننا نبين أن من ضمن مشاكل القضاء تدني مستوى الاجتهاد القضائي عن مستواه المعهود منذ سنوات. والحل لهذه المشكلة إضافة لتفعيل دور التفتيش والمحاسبة يكون بقيامنا نحن المحامين بتسليط الضوء على الاجتهادات والقرارات القضائية المشينة والمعيبة والشاذة المخالفة لنص القانون بشكل فاضح وسافر، وذلك لإيجاد نوع من الضغط المعنوي على القضاة لردعهم عن إصدار مثل هذه القرارات والاجتهادات المعيبة بحق القضاء السوري والتي تشكل إساءة لمجمل القضاء ولمجمل العاملين بالحقل القانوني في سوريا. ويكون ذلك بمتابعة اجتهادات المحاكم ونشرها عبر المجلات التي تصدرها النقابة وعبر موقع الفرع على شبكة الإنترنت، ونشر القرار مع القرارات المؤيدة والمخالفة والتعليق القانوني عليها.
هناك نقص بعدد القضاة كما ذكر السيد وزير العدل. ويجب العمل على ملء هذا النقص عن طريق المحامين الأكفاء المشهود لهم بالعلم والنزاهة.
من يريد الإصلاح يجب أن يبدأ بنفسه.
يجب أن نهيكل أنفسنا ونضع خطة عمل لإصلاح المحاماة قبل التحدث عن إصلاح القضاء.
ليس المطلوب تحقيق كافة النتائج والآمال والطموحات دفعة واحدة، ولكن بالتدريج خطوة خطوة.
دعونا نلم شملنا ونتوكل على الله ونتجاوز العقبات.
وإلى اللقاء في خواطر أخرى