معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
آخر
مواضيعي |
|
|
مسافات ضوئية ..!
مفارقة كبيرة ولافتة ــ دون شك ــ تلك التي شكلها قيام الرئيس المجري " بال سميث" بتقديم استقالته على خلفية حصول شبهة في سرقة بعض مواد شهادة الدكتوراه التي يحملها , مما حدا برئيس المجر إلى تقديم استقالته للشعب مشفوعة باعتذار وأسف ,, ليس لأن هذه الشهادة هي من مستلزمات وشروط ممارسة الحكم , بل , ربما , لأن شبهة السرقة العلمية تخدش معاني النزاهة التي يفترض أن تتوفر فيمن يتربع على رأس السلطة , فكان هذا الانسحاب المشرف من سدة الحكم بشكل طوعي وحضاري ينطوي على أعلى مستويات الإيثار الشخصي حرصاً على المصلحة العامة , دون أن يكلف الرئيس شعبه قطرة دم واحدة , بل , ربما , بعضاً من دموع محبيه ومريديه وأصدقائه , ذرفوها مع أسف عميق لا يعوضه إلا ما صدر من رجولة وشهامة عن رئيس تشفع له في التمتع الدائم بتقدير واحترام شعبه , بأكثر مما لو بقي في السلطة محاطاً بأدواتها وبريقها .
نعم أيها الرئيس .. فقد استحوذتْ عليك وقفة جريئة مع الذات , بعد أن امتدت يدك , ربما بحسن نية وبدافع طموح مشروع لرفع مستوى كفاءتك العلمية , لـ"تسرق" بعضاً من نتاج عقلي يعود لغيرك , لا يترك إلا ضرراً معنوياً تحميه متطلبات حفظ حقوق الملكية الفكرية , فلم تمتد يدك إلى خبز الفقراء , ولم تعبث بثروة شعبك الوطنية , لم تفتح أبواب الإثراء للزبانية والمتعيشين , لم تقتل وتنكل وتعتقل للحفاظ على كرسي أو منصب , أو أن تضرب عرض الحائط بإرادة شعب , أو دماء ضحايا .
ويمكن القول : يستحق الشعب المجري هذا الاحترام الذي حرص الرئيس على إسدائه لشعبه , لأن الرئيس يجب أن يكون فوق الشبهات , وأن يحظى باحترام طوعي تلقائي وليس بقوة القمع والاستبداد .
قلائل في هذا العالم الذين يؤثرون مغادرة المشهد السياسي من أعلى درجاته وبشكل تلقائي , فيتوارون بكرامة ورجولة دون أثمان وعقابيل مميتة .. بينما لا تكفي البعض الآخر تلال من الأحذية وكثير من الشتائم ويصرون على البقاء ولو تم تجريدهم من ثيابهم قبل صلاحياتهم ..!
يستطيع رئيس المجر بالطبع , أن يحكم دون هذه " الدكتوراه" , فهي على كل حال ليست من متطلبات الحكم وقيادة الدولة في أي بلد في العالم .. فزعماء كثر لا يحملون من المؤهلات سوى شهادة الميلاد , ويعتقد بعضهم أن الديك الرومي وديك الجن يتحدران من قبيلة واحدة , ومع ذلك يجثمون عقوداً في السلطة بعد أن توارثوها كابراً عن كابر , ويقتلون في سبيلها ويذبحون , ولديهم من الزنازين والمعتقلات أضعاف ما لديهم من المدارس والجامعات .
هنيئاً لشعب المجر الذي تعافى منذ وقت ليس ببعيد من أعراض الاستبداد والشموليات .. فقد تولاهم رئيس استوطن الخجل في نفسه , وتسربت الحكمة إلى عقله وآثر الانكفاء عن المسؤولية بشرف .
هنيئاً له أيضاً على برلمان قرر تجريد الرئيس من شهادته على مجرد الشبهة و دون حكم محكمة أو قرار مؤسسة علمية , في حين أن برلماناتنا لا تجرؤ على تجريد الرئيس من أنشوطة حذائه حتى لو سالت أنهر من الدماء على أكفه أو تجمدت , ولا يجرؤن على الاقتراب من حذائه المبجَّل إلاّّ بوضعية الركوع والتقبيل ..!
لقد انسحبت أيها الرئيس من سدة الحكم دون أن تكلف شعبك قطرة دم واحدة .. بينما يدفع عالمنا العربي آلاف الضحايا حتى من الأطفال الذين تناثرت أشلاؤهم على قارعات الطرق ومثلهم من المشردين واللاجئين , ولم يسجل أحد من أولي الأمر أي إشارة للانسحاب الطوعي , فهذا ليس سهلاً في شرقنا إلاّ أمام الأعداء .
ليت قليلاً منك أيها الرئيس " بال" لتبلبل عقول وقلوب أولي الأمر منا وفينا ..
وليت شيئاً من شجاعة برلمان المجر .. كي " نمجرَ" برلمانيينا ولو " مجراً " خفيفاً لعلهم يصحون ..
عرمان / 10 / 6 / 2012
|