![]() |
|
قصة القصص القصيرة والوجدانيات والخواطر العابرة التي تعبر عن ألوان الفصول الانسانية المتنوعة. |
![]()
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | |||
|
![]() ألف سنة ! " زكريا تامر " في ليلة من الليالي، رأى أحد الحكام القدماء في أثناء نومه أنه يمشي في بستان كثير الشجر، وبوغت بشجرة ضخمة تهوي عليه وتقتله، فاستيقظ من نومه مرعوباً، واستدعى ثلاثة من كبار منجميه، وروى لهم حلمه، وطالبهم بتفسيره التفسير الصحيح. قال المنجم الأول: ستتكاثر غاباتك، وتزداد أرباح بلادك من بيع الخشب للدول الأجنبية . وقال المنجم الثاني: لا بد من أن أحد أعدائك استخدم سحراً ضدك، ودفنه تحت شجرة، ولا بد من البحث عنه والعثور عليه وإتلافه . وقال المنجم الثالث: هذا حلم ليس صعب التفسير، فهو رسالة تحذير وتنبيه يقول فيها ما يريده بوضوح تام وبلا أي غموض . فقال الحاكم للمنجم الثالث متسائلاً بصوت غاضب: وما الذي يقوله ؟ . قال المنجم: يقول إن وفاة سيدنا الحاكم سيكون سببها شجرة من الأشجار . فصمت الحاكم مفكراً وقد بدا عليه كأنه صدق تفسير المنجم الثالث، وعندما تكلم أمر بقطع كلّ الأشجار في بلاده، فنُفذ أمره فوراً، وقُطعت الأشجار كافة، ولم يعد في كل البلاد التي يحكمها أية شجرة، وفقدت الطيور أعشاشها، واضطرت إلى الهجرة والبحث عن وطن آخر. وفي ليلة أخرى، رأي الحاكم في أثناء نومه أنه في بستان بغير شجر، ويمشي على ضفة نهر، فزلت قدمه، وسقط في النهر، وتجمع الناس على ضفتي النهر يتفرجون على الحاكم وهو يغرق، ولم يحاول أي واحد منهم إنقاذه، فأفاق الحاكم من نومه متعكر المزاج غاضباً، وطلب المنجم الذي يثق به ويصدق تفسيراته، و حكى له عن حلمه، فشحب وجه المنجم، وقال للحاكم بصوت مذعور آسف: سيتعرض سيدنا الحاكم في يوم آتٍ للغرق في نهر . فقال الحاكم بصوت واثق: ولكني لن أغرق في أي نهر إذا صارت بلادي بغير أنهار . وأمر الحاكم بإلغاء كلّ الأنهار في بلاده وبناء المزيد من السجون لمعاقبة مواطنيه العاقّين، وجلس على كرسي الحكم مطمئناً غير مبال ببلاده التي صارت بعد سنوات أشبه بصحراء جرداء، وعاش ألف سنة. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 2 | ||||||||||||||
|
![]() لد فارس المواز بغير رأس، فبكت أمّه، وشهق الطبيب مذعورًا، والتصق أبوه بالحائط خجلاً، وتشتَّتت الممرضات في أروقة المستشفى.
|
||||||||||||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||||
|
![]() الحقيقة أن الحكمة التي استنجتها من تلك القصة :
|
|||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() تزفيت الوطن والمواطن! أذيع البلاغ رقم واحد الذي زّف إلى المواطنين العرب البشرى بوقوع أول انقلاب عسكري، سيحرر الأرض من الاحتلال والاستغلال، وينقل الجنة من السماء إلى الأرض، ويهب قصورها مجاناً للمواطنين قاطبة،فبادرت المرأة الغريبة الأطوار والمسماة بالحرية إلى الخروج من بيتها في الوطن العربي، ولم تعد إليه،واختفت كأنها لم تكن يوماً موجودة، فتساءل عنها الناس بقلق، وظنوا أن سيارة مسرعة أو دبابة قد دهستها، ولكنهم لم يجدوا اسمها في سجل أي مستشفى أو مخفر شرطة، وتذكروا أنها كانت تدعي امتلاك قدرات ستتيح لهم أن يتكلموا متى شاؤوا معبرين عن كل آرائهم من دون خشية من أحد، وأن يختاروا نوابهم في البرلمانات وحكامهم ودساتيرهم وقوانينهم ونوع الحياة القادر على إسعادهم. وقد رجح الناس أن اختفاءها غير المسوغ ربما كان سببه أنها قد فقدت ذاكرتها فجأة، ولم تعد تتذكر أنها تملك بيتاً في الوطن العربي أو أنها آثرت الهجرة إلى بلاد قصية وطابت لها الإقامة بها إلى حد أنها نسيت وطنها الأصلي أو أنها اعتقلت لكونها لا تملك بطاقة هوية، ولكن كل السجناء المطلق سراحهم نفوا بثقة أنها مسجونة، ولما تعاقبت الأحداث التي برهنت للناس أن حاكمهم هو الحر الأوحد، ولم يخلقوا إلا خدمته وإطاعته و تمجيده، تأكدوا من أن الحرية قد قتلت ودفنت في مكان مجهول، ولكنهم لم يقنطوا، وظلوا يطمحون إلى الاهتداء يوماً إلى قبرها حتى يزوروه طالبين منها أن تقهر موتها وتعود إليهم، ولو عادت إليهم لما عرفتهم، فالذين كانوا يؤمنون بأنهم قادرون على تغيير العالم لم يعودوا قادرين على تغيير جواربهم ، والذين كانوا يحلمون بهدم كل السجون بنوا السجون في أفواههم ورؤوسهم، والذين كانوا يحملون المعاول والرفوش لحفر القبور لكل الأوثان تحولوا عبيداً لها، والذين كانوا يضحكون بغير سبب باتوا لا يضحكون إلا في الأعياد الرسمية، والذين كانوا رعوداً منذرة بأشرس العواصف أصبحوا أحذية مهترئة، والذين كانوا جياداً غير مروضة صاروا دجاجاً يقوقىء ويبيض، ولكن الحرية لن تستغرب ما جرى لهم، فما إن تختفي الحرية من حياة الناس حتى يسود الانهيار. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() النمور في اليوم العاشر رحلت الغابات بعيداً عن النمر السجين في قفص، ولكنه لم يستطع نسيانه، وحدق غاضباً إلى رجال يتحلقون حول قفصه وأعينهم تتأمله بفضول ودونما خوف وكان أحدهم يتكلم بصوت هادئ ذي نبرة آمرة: إذا أردتم حقاً أن تتعلموا مهنتي، مهنة الترويض، عليكم ألا تنسوا في أي لحظة أن معدة خصمكم هدفكم الأول، وسترون أنها مهمة صعبة وسهلة في آن واحد. انظروا الآن إلى هذا النمر: إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه، ولكنه سيتغير ويصبح وديعاً ومطيعاً كطفل صغير.. فراقبوا ما سيجري بين من يملك الطعام وبين من لا يملكه، وتعلموا. فبادر الرجال إلى القول إنهم سيكونون التلاميذ المخلصين لمهنة الترويض. فابتسم المروض مبتهجا، ثم خاطب النمر متسائلا بلهجة ساخرة: كيف حال ضيفنا العزيز؟ قال النمر: أحضر لي ما آكله، فقد حان وقت طعامي. فقال المروض بدهشة مصطنعة: أتأمرني وأنت سجيني؟ يالك من نمر مضحك!! عليك أن تدرك أني الوحيد الذي يحق له هنا إصدار الأوامر. قال النمر: لا أحد يأمر النمور. قال المروض: ولكنك الآن لست نمراً. أنت في الغابات نمر. وقد صرت في القفص، فأنت الآن مجرد عبد تمتثل للأوامر وتفعل ما أشاء. قال النمر بنزق: لن أكون عبداً لأحد. قال المروض: أنت مرغم على إطاعتي؛ لأني أنا الذي أملك الطعام. قال النمر: لا أريد طعامك. قال المروض: إذن جع كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه. وأضاف مخاطباً تلاميذه: سترون كيف سيتبدل؛ فالرأس المرفوع لا يشبع معدة جائعة. وجاع النمر، وتذكر بأسى أيامًا كان فيها ينطلق كريح دون قيود مطارداً فرائسه. وفي اليوم الثاني أحاط المروض وتلاميذه بقفص النمر، وقال المروض: ألست جائعاً؟ أنت بالتأكيد جائع جوعاً يعذب ويؤلم.. قل إنك جائع فتحصل على ما تبغي من اللحم. ظل النمر ساكتاً، فقال المروض له: افعل ما أقول ولا تكن أحمق. اعترف بأنك جائع فتشبع فوراً. قال النمر: أنا جائع. فضحك المروض وقال لتلاميذه :ها هو ذا قد سقط في فخ لن ينجو منه. وأصدر أوامره، فظفر النمر بلحم كثير. وفي اليوم الثالث قال المروض للنمر: إذا أردت اليوم أن تنال طعاماً، فنفذ ما سأطلب منك. قال النمر: لن أطيعك. قال المروض: لا تكن متسرعاً، فطلبي بسيط جداً . أنت الآن تحوم في قفصك، وحين أقول لك: قف، فعليك أن تقف. قال النمر لنفسه: إنه فعلاً طلب تافه، ولا يستحق أن أكون عنيداً وأجوع. وصاح المروض بلهجة قاسية آمرة: قف. فتجمد النمر تواً، وقال المروض بصوت مرح: أحسنت. فسر النمر، وأكل بنهم، بينما كان المروض يقول لتلاميذه: سيصبح بعد أيام نمراً من ورق. وفي اليوم الرابع، قال النمر للمروض: أنا جائع فاطلب مني أن أقف. فقال المروض لتلاميذه: ها هو ذا قد بدأ يحب أوامري. ثم تابع موجهاً كلامه إلى النمر: لن تأكل اليوم إلا إذا قلدت مواء القطط. وقلد مواء القطط، فعبس المروض، وقال باستنكار: تقليدك فاشل. هل تعد الزمجرة مواء. فقلد النمر ثانية مواء القطط، ولكن المروض ظل متهجم الوجه، وقال بازدراء: اسكت.. اسكت.. تقليدك ما زال فاشلاً. سأتركك اليوم تتدرب على مواء القطط، وغداً سأمتحنك. فإذا نجحت أكلت أما إذا لم تنجح فلن تأكل. وابتعد المروض عن قفص النمر وهو يمشي بخطى متباطئة، وتبعه تلاميذه وهم يتهامسون متضاحكين. ونادى النمر الغابات بضراعة، ولكنها كانت نائية. وفي اليوم الخامس، قال المروض للنمر: هيا، إذا قلدت مواء القطط بنجاح نلت قطعة كبيرة من اللحم الطازج. قلد النمر مواء القطط، فصفق المروض، وقال بغبطة: عظيم! أنت تموء كقط في شباط. ورمى إليه بقطعة كبيرة من اللحم. وفي اليوم السادس، وما إن اقترب المروض من النمر حتى سارع النمر إلى تقليد مواء القطط، ولكن المروض ظل واجمًا مقطب الجبين، فقال النمر: ها أنا قد قلدت مواء القطط. قال المروض: قلد نهيق الحمار. قال النمر باستياء: أنا النمر الذي تخشاه حيوانات الغابات، أُقلد الحمار؟ سأموت ولن أنفذ طلبك! فابتعد المروض عن قفص النمر دون أن يتفوه بكلمة. وفي اليوم السابع، أقبل المروض نحو قفص النمر باسم الوجه وديعا، وقال للنمر: ألا تريد أن تأكل؟ قال النمر: أُريد أن آكل. قال المروض: اللحم الذي ستأكله له ثمن، انهق كالحمار تحصل على الطعام. فحاول النمر أن يتذكر الغابات، فأخفق، واندفع ينهق مغمض العينين، فقال المروض: نهيقك ليس ناجحاً، ولكني سأعطيك قطعة من اللحم إشفاقاً عليك. وفي اليوم الثامن، قال المروض: سألقي مطلع خطبة، وحين سأنتهي صفق إعجاباً. قال النمر: سأصفق. فابتدأ المروض إلقاء خطبته، فقال: "أيها المواطنون.. سبق لنا في مناسبات عديدة أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية، وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل مهما تآمرت القوى المعادية، وبالإيمان سننتصر" . قال النمر: لم أفهم ما قلت. قال المروض: عليك أن تعجب بكل ما أقول، وأن تصفق إعجاباً به. قال النمر: سامحني أنا جاهل أُميٌّ وكلامك رائع وسأصفق كما تبغي. وصفق النمر فقال المروض: أنا لا أحب النفاق والمنافقين ستحرم اليوم من الطعام عقاباً لك. وفي اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال: كل، قال النمر: ما هذا؟ أنا من آكلي اللحوم. قال المروض: منذ اليوم لن تأكل سوى الحشائش. ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً، ولكنه عاد إليها ثانية، وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً. وفي اليوم العاشر اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة. |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() ليست بلادنا ثمة بلاد كل شيء فيها متهم بالتقصير.. الغربان مقصرة لأنها تنعب صائحة: قاق قاق ، ولا تنعب صارخة: عاش عاش ، تقديراً لفئة مفترسة من الناس تؤمن بأنها يحق لها وحدها أن تعيش، ولا يحق لغيرها إلا الهلاك. المحطات التلفزيونية والإذاعية مقصرة، فهي تبذل جهدها لإقناع المواطنين بالتخلي عن عقولهم وآذانهم وعيونهم، ولكن المواطنين ظلوا مالكي بقايا عقول تفكر وبقايا آذان تنصت وتسمع وبقايا عيون ترى وتحملق. العصافير مقصرة، ولم تتعلم الزحف، وأثار طيرانها حسد المخترعين لها، وكانت السبب في اختراع الطائرات الحربية. الجوع مقصر، ولم ينجح في دفع ضحاياه إلي أن تصير وحوشاً يفترس أحدها الآخر. الخراف مقصرة، فالمواطن يأكل لحمها بينما ينبغي لها أن تأكل المواطن ما دام البقاء للأقوى. المعلمون مقصرون إذ يكتفون بتحويل المدارس إلى مخافر شرطة، ولا يحولونها إلى أماكن لها صفات السجون والملاهي. الأدباء مقصرون، فهم يصورون الفيل ذيل فأر بينما الأديب المبدع يصور ذيل الفأر نمراً شرساً سفاكاً للدماء. رغيف الخبز مقصر، فهو يذلّ ويروض فقط، ولا يزهق الأرواح. المهندسون مقصرون، فهم يشيدون أبنية تتداعى وتنهار بعد سنة، ولا تنهار بعد أسبوع. أزهار الحقول والحدائق مقصرة، وينبغي لها الاختفاء لتحل محلها الأزهار الصناعية، وعندئذ تتضاءل البطالة، ويجد رأس مال ما الفرصة المناسبة كي ينمو ويشب ويترعرع. رجال المعارضة مقصرون لأن وجودهم يتطلب بناء السجون، وبناء السجون يحول دون بناء القصور،وبناء القصور هو الأهم لأسباب وطنية وقومية. الصحافة مقصرة، ولو كانت تؤدي واجبها الإعلامي المسؤول لكان المواطن يأبى مسها، وينظر إليها نظرة الشجرة الخضراء إلى الجراد. الآباء مقصرون، فهم يربون أطفالهم تربية تمنحهم القدرة على أن يصيروا في المستقبل خدماً مطيعين لقاء أجر بينما التربية المثالية المنشودة تقضي بأن يكونوا خدماً بلا أجر. لون السماء الأزرق مقصر، و لن ينجو من تهمة التقصير إلا إذا ارتدي الثياب السود تعاطفاً مع شعوب لا نصير لها. المواطنون مقصرون لأنهم مصممون على الاستمرار في الحياة، ولا شيء في حياتهم إلا الهباء. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() يحّق لكم.. يحق لنا أن نسير في المظاهرات الغاضبة، ونصرخ بحماسة حتى تبح أصواتنا آملين أن تلمحنا الكاميرات التلفزيونية لتؤرخ مواقفنا الوطنية والقومية والإنسانية، فهذا كل ما نستطيع تقديمه للذين يموتون مقتولين مظلومين، فمن يقدم لضيوفه كل ما في بيته من طعام قليل قد يتهم بالفقر ولا يتهم بالبخل.. ويحق لنا أن نتباهى بسواعدنا القوية، فلا وجود لصديق لنا لم نتحداه ونتغلب عليه ونطرحه أرضاً ونجعله أضحوكة.. ويحق لنا أن نتدرب ليل نهار على الركض أسرع من الصوت، فالحياة عقيدة وجهاد و وقفة عز، والحرب خدعة، والحرب كر و فر.. ويحق لنا التفاخر ببسالتنا وشجاعتنا وصمودنا و بطولاتنا، فالعدو احتل بعض بلادنا فقط ، ولم يحتلها بأكملها.. و يحق لنا أن نمجد أجدادنا لعلهم يكفون عن إنكار وجود أية صلة لهم بأحفادهم.. و يحق لنا أن نضرب أطفالنا الضرب الموجع بغية تعريفهم إلى بعض ما سيحلّ بهم حين يكبرون، ونحن نهرف بما نعرف.. ويحق لنا أن نضحك، فقاتلنا لن يؤجل عمله إذا رأى وجوهنا عابسة.. ويحق لنا أن نتكلم من غير توقف، ففي القبر الموحش سنحرم الكلام، وقد لا نجد من نكلمه ويكلمنا.. ويحق لنا أن نأكل الأخضر واليابس، فحتى أشجار الفاكهة لا تزهر ولا تثمر إذا لم تحصل على السماد الكافي.. ويحق لنا أن نبتعد بنفور وعداء عن كل ما هو مصنوع من ورق مطبوع، فقد خرجنا من بطون أمهاتنا متخمين بأشمل ثقافة.. ويحق لنا أن نتذمر من زوجاتنا وأولادنا وجيراننا وأطبائنا وجرائدنا وأدبائنا وأفلامنا حتى لا نتذمر من حكام أشباح هم الماء المالح والسمك الفاسد والهواء الملوث، والتذمر الأول مؤدب حكيم مستساغ مشوق، والتذمر الثاني مجلب للمهالك.. ويحق لنا الإيمان بأن حياتنا هي جهنم، ولن يحكم علينا بعد مماتنا بجهنم أخرى حتى لو كانت ذنوبنا جبالاً.. ويحق لنا أن ننتحب مبتهلين إلى الله أن يغيثنا بجنود من عنده غير مرئيين لإنقاذنا من جنودنا البسلاء.. ويحق لنا أن ننام نوماً عميقاً طويلاً لا نهاية له، فليس لدينا ما نفعله إذا ما استيقظنا. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() الجنرال يمتحن جيشه 1 ـ سأل الجنرال جنوده: ماذا تفعلون حين تغزون قرى ليس فيها إلا الأطفال والنساء؟ . فأجاب الجنود: نذبح الأطفال والنساء القبيحات ونبيع النساء الجميلات للملاهي بعد اغتصابهن، ونقطع الشجر، ونردم الآبار، ونسمم الأنهار . سأل الجنرال جنوده: وماذا ستفعلون بمدائن عزلاء استسلمت بغير قتال؟ . فأجاب الجنود: نشنق رجالها ونحرق بيوتها ومتاجرها ومعابدها . سأل الجنرال جنوده: وماذا تفعلون بالجرحى؟ . فأجاب الجنود: نصغي إلى أنينهم الشبيه بالغناء ونحن ندخن السجائر . سأل الجنرال جنوده: ماذا تفعلون بالجرحى؟ . فأجاب الجنود: نستخدمهم مصيدة لقتل أطبائهم الهارعين لاسعافهم . سأل الجنرال جنوده: وماذا تفعلون بكلّ أرض تحتلونها؟ . فأجاب الجنود: ستصبح الأرض أرضنا وأرض من يرثنا ويأتي من بعدنا . سأل الجنرال جنوده: ومن هم أعداؤكم؟ . فأجاب الجنود: كلّ الناس ما عدا أولادنا وأحفادنا . فسر الجنرال بأجوبة جنوده، وأهداهم أسلحة حديثة غير معروفة قائلاً لهم: هذه الأسلحة كفيلة وحدها بإبادة أعدائكم بغير تعب . فشكر الجنود لجنرالهم هداياه الكريمة، ولكّنهم لم يستخدموها لأّنها تسلب مهنة القتل قدراتها على الإمتاع والتسلية. 2 ـ سأل الجنرال جنديه الجديد: ماذا ترى حين تنام؟ . فأجاب الجندي: أرى أّني طفل يلعب مع أطفال يتقاذفون بأقدامهم رأساً مقطوعاً بدلاً من الكرة . سأل الجنرال جنديه الجديد: متى تضحك؟ . فأجاب الجندي: أضحك فقط حين أؤمر . سأل الجنرال جنديه الجديد: ومتى تحزن؟ . فأجاب الجندي: أحزن إلى حد الجنون حين أرى أحياء تمنعني الأوامر من قتلهم . سأل الجنرال جنديه الجديد: بماذا تفكر وأنت تقتل خصماً؟ . فأجاب الجندي: أفكر باحثاً عن أسلوب مختلف أقتل به الخصم الثاني حّتى لا أقّلد ما فعلته في المرة الأولى. فابتسم الجنرال معجباً بمن لا يزال محتاجاً إلى مزيد من الإعداد والتدريب. 3 ـ أمر الجنرال جنوده بالنوم، فناموا فوراً، ورأوا في أثناء نومهم أنهم أطفال صغار يسبحون في بحر ذي ماء أحمر اللون مطلقين الصيحات المرحة. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() لم يسكتوا دهراً قال مستشارو الرئيس للرئيس إن الناس يتذمرون من حرية زائدة ترهقهم، ولا يحتاجون إليها، ومن المستحسن المبادرة إلى فعل ما يزيل تذمرهم.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن الصحافة في تطور لا يتوقف، ولكنها لا تلبي رغبات الناس الذين يريدون أن يروا صور المسؤولين وأبنائهم وسياراتهم وقصورهم كبيرة ملونة في كل صفحة من صفحات الجرائد.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن الحذر واليقظة مطلوبان، وينبغي له أن ينام مفتوح العينين لأن ثمة اثنين من مواطنيه مجهولي الهوية لم يصوتا لصالحه في الانتخابات.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن المواطنين أجمعين يتمتعون برفاه مادي يجعلهم محتارين بين شراء سيارة لامبرغيني وبين شراء سيارة بورش.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن أكوام القمامة الرابضة في كل شارع هي دليل علي أن الشعب يأكل بكثرة وبشهية.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن الناس أنهكهم التفكير، ويطالبون الحكومة بأن تفكر بدلاً منهم في كل القضايا ما عدا قضايا الزواج والطلاق.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن سجون البلد الكثيرة باتت منافسة لأرقى الفنادق، ومن يدخلها يأبى الخروج منها، وتضطر السلطات إلى مسايرته والخضوع لإرادته.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن التعليم يتقدم بسرعة مذهلة، ولا يوجد في البلد أستاذ جامعي لا يجيد كتابة اسمه.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن القدرات القتالية للجيش تؤهله للتشاجر مع أقوى جيش في العالم والتغلب عليه.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن الثقافة بخير ولا تشكو من أية علة خاصة وأن وزير الثقافة هو طبيب، ومن أحسن الأطباء في العالم.. وقال مستشارو الرئيس إن المتحدثين عن انتشار الفساد هم مجرد أناس يحسدون الذين رزقهم الله بلا حساب متناسين أن من جدّ وجد.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن النظام في البلد سائد ويحظى بالاحترام حتى أن القطط لا تستطيع المواء إلا بعد استئذان وموافقة مسبقة.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إنه يحكم شعباً تغار منه كل شعوب الدنيا، وتحلم أن يحكمها حاكم مثله، ولا تظفر بما تحلم به.. وقال مستشارو الرئيس للرئيس إن الناس يعارضون استيراد الديمقراطية الأجنبية، ويفضلون تصدير ديمقراطيتهم المحلية حتى تنعم شعوب الأرض ببعض ما ينعمون به.. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() بضاعتنا المحلية هل نضحك هازئين مما يحلّ بنا أم نلطم وجوهنا خوفاً من أيام أخرى آتية تحصد الزهر وتبقي الشوك ؟ هل نستمر في بناء قصور لا يحق لنا الاقتراب من أسوار حدائقها ؟ هل نتخلى عن عيوننا أم نتخلى عن آذاننا وألسنتنا ؟ هل نتكلم ليل نهار أم نقفل أفواهنا مؤمنين أن الكلام الساخط وحده ليس سوى غبار صيف ؟ هل نرشد أبناءنا إلى الطرق الموصلة إلى جنات الحياة الدنيا أم أن المتخبط في الجحيم اليومي ليس إلا أعمى يتصدى لقيادة مبصرين ؟ هل ندرب سكاكيننا على تقشير البصل أم ندربها على تقطيع البطاطا استعداداً لخوض المعارك المصيرية ؟ هل نتابع احتساء الماء زاعمين أنه ليس سوى تدريب على احتساء دماء الأعداء ؟ هل نغضب من الركوع للأوثان أم نطالب بزيادتها ؟ هل نتعلم كيف نصبح أميين بغير معلم حتى يُستغنى عن ميزانيات التعليم لتضاف إلى ميزانيات التسليح ؟ هل نغني الميجانا والعتابا لإسقاط مروحيات الأباتشي أم نغني المواويل الطويلة التي تعجز الرادارات الحديثة عن اكتشافها؟ هل نقلد جدنا عباس بن فرناس أم نقلد جدنا يوسف العظمة ؟ هل نتسلح حتى لا نقنط بكتاب في بيتنا رجل لمؤلفه إحسان عبد القدوس الآتي من بلاد قد تعادي من تصادق إذا مُنحت مائة مليار دولار حتى يشتري كل جندي قبراً فخماً وسيارة بورش و جزمه شارل جوردان أم نتسلح بكتاب ذاكرة الجسد لمؤلفته أحلام مستغانمي الآتية من بلد المليون شهيد الطامح إلى أن يصير بلد المليون قارئ شهيد ؟ هل نرحب بالليل وكوابيسه مدعين أنه أكثر رأفة من النهار؟ هل نسير حفاة حتى لا تبلى أحذيتنا التي لا نملك غيرها أم نسير على رؤوسنا حتى يتاح لنا أن نرى ما حولنا بغير تجميل ؟ هل نشتري خياماً ونودع بيوتنا و أوطاننا بعد صدور الحكم عليها بالإعدام أم نغتال القضاة المزورين ؟ هل نستطيع أن نخدع الموت إذا ظللنا متظاهرين بالموت ؟ هل نؤيد من يقتلنا ببطء مبتسماً برقة أم نؤيد من يقتلنا بفظاظة بحجة أن الموت السريع أطيب ؟ زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() الرُغام يُهمل المعلم تدريس تلاميذه، فيُوبخ، و يُعاقب بحجة أن ما فعله مسيء إلى مستقبل الأجيال الصاعدة. و يٌهمل الطبيب علاج مريض من مرضاه، و يكون إهماله سبباً في وفاته، فيعتقل، و يحقق معه، و يحاكم و يسجن. و يهمل الأديب في الكتابة، و ينشر ما هو رديء، فيبتعد عنه القراء، و يشهر النقاد عليه هراواتهم وسيوفهم، و ينهالون عليه حتى يوشك أن يعلن التوبة عن الكتابة. و يهمل الطيار في قيادة طائرته معرضاً أرواح ركابها للخطر، فلا ينجو من حساب عسير وعار يلاحقه إلى القبر. و يهمل المهندس المعماري، و تنهار بناية من تصميمه و تنفيذه، فيصبح تواً مواطناً في جمهورية الأقفاص. و يهمل مذيع قواعد اللغة وهو ينطق جملة ما، فيطوق فوراً بالسخرية المُرة، ويُنصح بالعودة إلى مدارس مكافحة الأمية. و تهمل الزوجة قليلاً تدليل زوجها الراغب في أن يكون الرجل الوحيد على سطح الكرة الأرضية، فيزمجرالزوج و يزأر، و يهرع حافياً إلى المحاكم الشرعية. كل الناس في البلاد العربية يحاسبون و يعاقبون حين يُهملون ما عدا الحكومات، فكلما أهمَلت أحيطت بشهقات الإعجاب والتقدير، وكلما أخطأت انهمر عليها الدعم من كل حدب وصوب، وكلما أثبتت أنها لا تصلح لرعاية بقرة جُدد تكليفها برعاية حياة الملايين من الناس، فما هو مهم بالنسبة إليها هو أن تخدم مصالح الحاكم فقط الذي عينها لا أن تخدم مصالح الناس، ومصالح الناس ومصالح الحاكم كالنار والثلج لا يمكن الجمع بينهما، و خدمة مصالح الناس هي المسوغ الأول لوجود أي حاكم، ولكن لكل زمان حكامه، والزمان الحالي يزخر بحكام لا يسعدون مواطناً، و لا يخيفون عدواً، و يعاملون الوطن كأنه مجرد قطعة أرض هم مالكوها الوحيدون، و يتصرفون يومياً كأن كرمَهم وطيبة قلوبهم هما المسؤولان عن السماح للناس بالاستمرار في العيش في أملاكهم، وليس من المستغرب أن يذاع قريباً عن حاكم زعل من شعبه غيرالمهذب و طرده شر طردة، و ليس من المستغرب أيضاً أن يسأم أحد الحكام من انتقادات الإعلام الغربي له واتهامه بمعاداة الديمقراطية، و يقرر إتباع النظام الديمقراطي، و يجري انتخابات حرة نزيهة، ويشارك فيها بوصفه المرشح الوحيد والناخب الوحيد، وسيحق له فيما بعد التفاخر بكونه حظي بثقة نفسه. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() ولسوف يعطيك ربك في أيام الشدائد والمحن، تختفي كل الحواجز، وتتواري كل الفوارق، ويسود التواضع، ويصبح الناس أجمعون إخوة متآلفين، ولا مكان وقتئذ للشكليات الجوفاء، فلم نهتم بإيجاد من يعّرفهم بنا أو يعّرفنا بهم، وسألنا هؤلاء المجهولين المعروفين الأموات الأحياء: هل تنبهتم وأنتم تناهضون الردى لخطورة قراراتنا وبراعة صياغتها وجمال ألفاظها وبلاغة معانيها؟ وهل تعرفون كم اجتماعاً عقدنا لمناصرتكم وكم ساعة استغرق كل اجتماع؟ وهل ضحكتم بتشف وزهو بعد أن ثأرنا ممن سفك دماءكم وصرنا نصافحه بفتور كلما التقيناه؟ وهل رأيتم أحزاننا كيف تحولت طيوراً سوداً تحلق في سماء زرقاء ملطخة بالدخان؟ وهل بلغت مسامعكم أصواتنا المؤيدة لكم والملأى بالسخط المتزن المدروس أم أنها ضاعت وسط دوي القنابل المتساقطة؟ وهل نميت إليكم أنباء تأهبنا لنجدتكم و أوامرنا السرية إلى حراسنا بأن يستيقظوا من نومهم، فأطاعوا حالاً، وها هم قد بدأوا بفرك عيونهم والتثاؤب وانتظار القهوة السوداء؟ وهل تريدون منا الأسلحة سكاكين مرهفة النصال أم عصياً تصدع الرؤوس؟ وهل تسلمتم الأكفان الغالية السعر التي تبرعنا بها، حريرها طبيعي وألوانها منتقاة بدقة حتى تلائم كل الأذواق؟ وهل خمنتم كم دفعنا للسحب لإغرائها بألا تمطر فوقكم وتلوث أحذيتكم بالطين؟ وهل اطلعتم على بيوت من شعرٍ نُظم على عجل بدلاً من بيوتكم التي تهدمت؟ وهل لا تزال أجهزة تلفزيوناتكم صالحة للسهر المسلي أم أنها تحطمت وباتت محتاجة إلى تجديد كلي؟ وهل سر أطفالكم الأعزاء بما بعثنا به من ألعاب مرحة مشوقة لتدفن معهم في قبورهم الصغيرة؟ وهل سررتم بهدايانا من أدوية السعال مستساغة لذيذة ذات نكهة معطرة ومستوردة من باريس ومعبأة في علب ملونة لا تضارع في أناقتها؟ وهل كانت الأحذية الرياضية المرسلة إليكم من قبلنا لممارسة رياضة المشي إثر كل وجبة طعام كافيةً أم أنكم تحتاجون إلى المزيد منها؟ وهل وصل إليكم ما أرسلناه من صابون مصنوع من زيت الزيتون النقي لغسل أيديكم قبل الطعام وبعده؟ . وسألنا هؤلاء الأموات الأحياء بأصوات توشك أن تغضب من ناكري الجميل: لماذا لا تجيبون؟ هل شُّلت ألسنتكم فرحاً باكتشافها أن لكم إخوة لم تلدهم أمهاتكم؟ . زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() شعب يُباد! دُعي أدباء و فنانون و مثقفون إلى اجتماع لنصرة شعب يُباد على مهل وعلى عجل و بتشف. لم يحضر القصاص الاجتماع لأنه حشا معدته و أمعاءه بطعام دسم أفقده قدراته على الكلام، وجعله كتلة من اللحم المتهدل.. و لم يحضر الروائي الاجتماع لأنه منهمك في كتابة رواية من سبعمائة صفحة من القطع الكبير، وخصص سبعة أيام للانتهاء من كتابتها.. و لم يحضر الشاعر التقليدي الاجتماع لأنه غسل ثيابه، وهي منشورة على حبال الغسيل، و لم تستطع الشمس تجفيفها في الوقت المناسب.. ولم يحضر الشاعر الحديث الاجتماع لأنه كان يساعد زوجته في تكنيس البيت ومطاردة العناكب وبيوتها.. ولم يحضر المخرج السينمائي الاجتماع لأنه كان يشاهد فيلماً أجنبياً للمرة الألف بغية السطو عليه بإبداع و دونما تحريف.. ولم يحضر الناقد الأدبي الاجتماع لأنه ملتزم بريجيم صحي قاس، وكل اجتماع يغريه بأن يأكل بغير توقف، ولكنه وعد بالوقوف دقيقة حداداً على أرواح الشهداء.. ولم يحضر المذيع التلفزيوني الاجتماع لأنه لا يستطيع مغادرة بيته بعد أن أضاع مشطه، ويخشي أن تراه المعجبات مشعث الشعر.. ولم يحضر الفنان التشكيلي الاجتماع لأنه يكرس قواه لطلاء حيطان بيته، وتحسين أحوال البيت هو خطوة أولى في الطريق الموصل إلى تحسين أحوال الكون.. ولم تحضر المممثلة السينمائية الاجتماع لأنها مسافرة إلى الخارج لإجراء سلسلة من العمليات التجميلية الإصلاحية.. ولم يحضر الأستاذ الجامعي الاجتماع لأنه كان يطوف على أصدقائه باحثاً عمن يوافق على إقراضه ما يكفل له ألا يطرد من البيت الذي يسكنه.. ولم يحضر الكاتب المسرحي الاجتماع لأنه كان غارقاً في مناقشة ممثلة مسرحية حول دور الفن والفنانات في النهار والليل.. ولم يحضر المؤلف الموسيقي الاجتماع لأنه أقسم ألا ينهض عن سجادة الصلاة إلا بعد أن يعلم أن فلسطين تحررت. ولم تحضر الراقصة الاجتماع لأنها تتدرب على رقصة جديدة ستكون المساهمة العربية في الحضارة الإنسانية المعاصرة.. ولم يحضر المغني الاجتماع لأنه مصاب بزكام حَول صوته حشرجة ونعيقاً.. وتمكن المصور الصحافي من حضور الاجتماع، فلم تصور كاميرته سوىِ قاعة خاوية ومقاعد فارغة. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() الساحر أُوثقت يدا طفل في الخامسة من عمره خلف ظهره، وعُصبت عيناه الخضراوان بقطعة قماش قاتم، ووقف قبالته خمسة جنود وقفة استعداد متنكبين بنادقهم متأهبين لتنفيذ الجديد من أوامر ضابطهم المتوقعة. وتعالى صوت ضابطهم آمرًا، فسددوا بحركات سريعة فوهات بنادقهم نحو قلب الطفل، وأمرهم ضابطهم بإطلاق النار، واختلط صوت الضابط الصارم الآمر بضحكة ندت عن الطفل، وبلغت مسامع الجنود الخمسة، فتذكر الأول زوجته الجميلة حين تضحك، وتذكر الثاني سريره قرب نافذة مطلة على نهر، و تذكر الثالث شارعًا مشجرًا يمشي فيه مثرثرًا مع صديق، وتذكر الرابع يوم كان صغير السن يعلمه أبوه صيد السمك على شاطئ بحر، وتذكر الخامس أمه تكبر في السن فجأة يوم مرض. وبادر الجنود الخمسة إلى إطاعة الأمر العسكري، وأطلقوا نيران بنادقهم على صدر ضابطهم الذي تهاوى أرضًا مثقوبًا خمسة ثقوب دامية، وانتظروا غير آسفين أن تُطلق النار عليهم، ولكنهم ظلوا أحياء ومات كل آمر بإطلاق النار .. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() صراخ بغير صوت وقف أحد الحجاج العرب على جبل الرحمة بعرفة، ورنا إلى السماء متضرعاً إلى الله بصوت خاشع متهدج نابع من قلب يئن تحت جبال من الحزن.. تضرع إلى الله أن يطيل أعمار الحكام العرب، فهم زينة الحياة الدنيا والربيع والخريف والصيف والشتاء، واختفاؤهم من الحياة يعني اختفاء العدل والحرية والزهد والتواضع الجم واحتقار المال.. تضرع إلى الله أن يلهم الجيش الأمريكي فيرسل طائراته وصواريخه إلى سماء الأرض العربية لتخلص المدن والقرى من فوضى طرقها وقبح أبنيتها، ولتخلص الناس من حياة دكناء ليس فيها ما يسر ويغري بالبقاء.. وتضرع إلى الله أن تكف الشمس عن الشروق كل صباح، فالظلمة تستر والنور يفضح.. وتضرع إلى الله أن يزداد عدد السجون حتى يتاح لكل معوز الحصول على قوته اليومي من غير جهد يحول الصخور غباراً.. وتضرع إلى الله مطالباً بأن تستمر الصحافة العربية في عدائها المر للنفاق والكذب.. وتضرع إلى الله أن تصبح صفحات الكتب بيضاء من غير سوء منكر يسمى بالكلمات.. وتضرع إلى الله أن تختفي الفواكه واللحوم من الأسواق حتى لا ترى العيون ما يجلب الهم والغم والحسرة.. وتضرع إلى الله أن يتزايد الحر في الفصول الأربعة حتى لا يضطر أي واحد إلى ارتداء الثياب وشرائها، وتتحقق المساواة في الشكل الخارجي بين الشحاذ والمليونير.. وتضرع إلى الله أن تسير الأنهار إلى الوراء مقلدة بعض الناس، فلا مسوغ للاختلاف بينهما ما داما يعيشان على أرض واحدة.. وتضرع إلى الله أن يتخلى التجار في الميادين السياسية عن مقتهم للمال، ويوافقون على بيع أوطانهم بأبخس الأسعار، ويصبح مالكها هو المسؤول الوحيد عن العناية بعقاراته البشرية والحجرية.. وتضرع إلى الله أن تتابع الحرية انتصاراتها، وتنتقل من حرية التثاؤب إلى حرية التمطي إلى حرية التشاجر مع الزوجات.. وتضرع إلى الله أن يرحم عباده، فتختطف أرواحهم وهم يشاهدون المسلسلات التلفزيونية المسلية. وكان الحاج العربي شديد الإيمان بأن تضرعاته ستحظى بمنصت لها لا يمهل ولا يهمل .. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 16 | |||
|
![]() الكراسي المجنحة الكراسي ليست متشابهة، فالكرسي الذي يجلس عليه الزوج التعبان مساء قبالة جهاز التلفزيون يختلف عن الكرسي الذي يجلس عليه ضابط الشرطة الماثل أمامه متهم يابس الرأس يأبى الاعتراف بما هو مطلوب منه على الرغم من أنه تعرض لشتى أنواع التعذيب، والكرسي الذي يجلس عليه مواطن في مقهى ليس كالكرسي الذي يجلس عليه أستاذ جامعي منهمك في التحدث إلى طلابه وهو يشعر أنهم صلصال يتكون بين أصابع يديه مثلما يريد، والكرسي الذي يجلس عليه الموظف الصغير لا علاقة له بالكرسي الذي يجلس عليه الوزير محاطاً بمن هم مستعدون لإطاعة الأوامر قبل أن تصدر، والكرسي الذي تجلس عليه امرأة في عيادة طبيب محتضنة طفلها المريض ليس كالكرسي الذي يجلس عليه صحافي يكتب كل يوم موزعاً نصائحه على رؤساء دول العالم، وما يكتبه هو أوامر صارمة تنكرت في هيئة نصائح أخوية، والكرسي الذي يجلس عليه التلميذ يوم الامتحان ليس كالكرسي الذي يجلس عليه المليونير المتذمر من عجزه عن إحصاء الملايين التي يملكها، والكرسي التي تجلس عليه طفلة في حديقة عامة ليس كالكرسي الذي يجلس عليه الراغب في بيع بلاده شققاً مفروشة وبأسعار مخفضة غير قابلة للمزاحمة. الكراسي ليست متشابهة، فولاة الأمر لهم كراسيهم الوثيرة التي يتقنون الحفاظ عليها، ولكنهم في الآونة الأخيرة تبدلت أحوالهم، وتحولوا قطعاً من اللحم المقدد ترتجف فزعة من مستقبل غامض مجهول، وشعروا أول مرة في حياتهم أن كراسيهم تبدلت أيضاً، وتمتلك أجنحة غير مرئية، وتتأهب للطيران بعيداً عنهم، فسارعوا قبل أن يفوت الأوان إلى فعل كل ما يسعد حاكم العالم، الخافض، الرافع، وصانع الكراسي ومختلق القاعدين عليها بغية إقناعه بأنه لن يجد خدماً أخلص وألطف، ولكن كل ما فعلوه كان بغير جدوى، ولم يحظ إلا بمزيد من الغضب والإزدراء، وتابع حاكم العالم القادر على الخفض والرفع تفحص جحافل المرتزقة لاختيار من يراه مناسباً للجلوس على تلك الكراسي، فحمد المواطنون الله الذي لم يجعلهم من الجالسين على كرسي من تلك الكراسي، وهم لا يبالون بها سواء أبقيت أم تلاشت، ويفضلون القعود على أرض سيدفنون يوماً تحت ترابه . زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 17 | |||
|
![]() درس غير مكتمل نظرت المعلمة الشابة إلى ساعة معصمها، وقالت لتلميذاتها : ما تبقى من وقت قليل سنقضيه في التكلم عن الحرية. وطلبت المعلمة من كل تلميذة من تلميذاتها أن تتحدث عن الحرية وما تعرفه عنها وعن الناس الأحرار. قالت التلميذة الأولى : أمي هي الحرية تمشي على قدمين، تفعل كل ما تشاء، وتوهم أبي أنه حر يفعل كل ما يشاء. وقالت التلميذة الثانية : معلوماتي عن الحرية مستمدة مما أسمعه عنها من أبي الذي يقسم أن الناس سيموتون وتصبح عظامهم غباراً من دون أن تزورهم الحرية يوماً. وقالت التلميذة الثالثة : الغراب في رأيي هو خير من يمارس الحرية الحقيقية، فهو ينعب ساعة يشاء نعيباً يخلو من أي مديح أو رياء أو دعاية. وقالت التلميذة الرابعة : أنا ولله الحمد لست بالمغرورة، ولكني مضطرة إلى الزعم أني حرة، ففي البيت آكل طعامي مستخدمة يديّ أو آكله مستخدمة الملعقة والشوكة والسكين. وقالت التلميذة الخامسة : من يطمح إلى معرفة الحرية والأحرار ينبغي له مراقبة البحر. وقالت التلميذة السادسة : الحرية ليس لها وجود إلا في عالم الحيوان، ومن المؤكد أنها غير موجودة في عالم البشر، وقد اخترعها بعض الفلاسفة الخياليين، وهي في الحقيقة ليست أكثر من كلمة تتألف من أربعة أحرف. فتثاءبت المعلمة، وقالت لتلميذاتها : من المؤسف أن الوقت المحدد للدرس قد انتهى الآن، وسنتابع غداً الحديث عن الحرية، وسيأتي دوري لأقول رأيي في الحرية وفي كل ما سمعته منكن. ولم تبرّ المعلمة بوعدها إذ لم تأت إلى المدرسة في اليوم التالي ولا في أي يوم آخر، وعُثر عليها بعد أيام في حقل قريب من المدينة مذبوحة ومغتصبة. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 18 | |||
|
![]() الملاذ الآمن أصيب أحد المواطنين بالجنون من دون سابق إنذار، فسجد بخشوع شاكراً لرب العباد صنيعه، وتضاعف إحساسه بالشكر لحظة نُقل إلى مستشفى المجانين الأغر، وهناك جرى له الآتي في الشهر الأول، لم يتح له أن يقرأ أية جريدة سورية أو عربية في الشهر الثاني، حرم الإنصات لنشرات الأخبار الإذاعية في الشهر الثالث، لم تشاهد عيناه ما تقدمه المحطات التلفزيونية في الشهر الرابع، حاول أن يقرأ كتاباً، فوجد أن كل الكتب مجرد ورق أبيض في الشهر الخامس، اكتشف أنه نسي القراءة والكتابة عندما حاول أن يكتب إلى مالك بيته رسالة يتوسل فيها إليه ألا يرفع ضده دعوى إخلاء بسبب تأخره في دفع الإيجار في الشهر السادس، لم يعد يذكر أسماء زعماء العالم، ولو ذُكرت له لظن أنها أسماء أنواع من الجبن تصنع في هولندا في الشهر السابع، بذل جهداً خارقاً كي يتذكر ما مرّ به من أحداث إبان حياته، فلم ينجح، ووجد أن رأسه كرةٌ فارغةٌ في الشهر الثامن، تأكد أن الطعام والنوم في المستشفى مجانيان، فطغى عليه الفرح نفسه الذي ستشعر به إيطاليا يوم توفق في إبادة عصابات المافيا إبادة تامة وفي الشهر التاسع، فحصه الأطباء فحصاً دقيقاً، وتشاوروا مطولاً، وأجمعوا على أن مريضهم شفي شفاءً كاملاً، وأصدروا قراراً يقضي بأن يغادر المستشفى ليحلّ محله آخرون ينتظرون نافدي الصبر، فخرج ذلك المواطن من المستشفى، ولكنه لم يكن حزيناً البتة لأنه كان واثقاً بأنه لا بد عائد إليه في وقت قريب، فالبلاد لم تتبدل، ولا تزال قادرة على إنتاج المجانين، بعضهم يُطوح به بازدراء إلى المستشفيات المختصة، وبعضهم الآخر يُحمل باحترام إلى القصور لقيادة الوطن. زكريا تامر |
|||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : 19 | |||
|
![]() أخبار الخراف كان أحد الخراف لا يملّ من المباهاة بكونه يعيش في بلد ديمقراطي يكفل حرية التعبير لكل مواطنيه من دون تمييز، ولم يكن بالمخطئ إذ لم يتجرأ أحد على منعه من هجاء السكين المثلومة الحدّ التي ذبح بها. وكان أحد الخراف يحلم بأن يصير كاتباً ذائع الصيت، وقد نال ما يحلم به بعد أن ألّف كتاباً طبياً حول تسمين الخراف بأقصر وقت، فقوبل كتابه بالثناء والرواج، واشتراه كل خروف يستحي من هزاله، واشتراه مالكو الخراف. وكان أحد الخراف مناهضاً للعنف مناصراً للسلم طوال حياته، وما آمن به كان ذا تأثير إيجابي في تكوينه الجسدي والروحي، وأرغم آكليه على الاعتراف بأن لحمه عندما شويّ على نار هادئة كان مختلفاً : لذيذاً مثيراً للشهية طرياً لا يتعب أسنان ماضغيه، ويستحق أن يؤكل نيئاً . وكان أحد الخراف مصاباً باكتئاب لا سبب له، فنصحه الأطباء بتغيير حياته، فاقتنع بنصيحتهم، وحاول أن يغيّر حياته، فتحيّر، ولم يدر كيف يظفر بالتغيير المنشود، ولكن سكين الجزار أنقذته فجأة من حيرته واكتئابه، فعتب على الأطباء الجاهلين. وكان أحد الخراف دائم التكلم عن ماض غابر مجيد كانت الخراف فيه متحدة وقوة عظمى ذات مهابة، فلا تأبه الخراف لكلامه، وتهرع من مكان إلى مكان باحثة عما يخلصها من جوعها. وكان أحد الخراف تواقاً إلى تحسين أحوال أمة الخراف، فرشح نفسه في الانتخابات النيابية واثقاً بأن الخراف الكثيرة العدد ستضمن له نجاحاً ساحقاً، ولكن نتائج الانتخابات أسفرت عن إخفاقه، وتبين له أن الخراف آثرت أن تنتخب آكليها. |
|||
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
الموسوعة الشاملة | المحامي نوار الغنوم | حوار مفتوح | 41 | 06-10-2011 05:43 PM |
الحبس الاحتياطي | الدكتور عبدالرؤف مهدى | أبحاث في القانون المقارن | 0 | 28-02-2011 06:34 AM |
ولادة خير الورى | المحامية أميمة ادريس | ركن التعارف والتهاني والمباركات | 20 | 04-03-2010 09:27 PM |
حق الشفعة في القانون المصري | المحامي ناهل المصري | أبحاث في القانون المقارن | 2 | 01-10-2009 07:06 PM |
الرياضيات الإسلامية والفلك / د. محمود السيد الدغيم - جرجناز | الدغيم | حوار مفتوح | 0 | 22-01-2005 07:27 AM |
![]() |