تشتهر حمــــاة بصفتين ، الأولى منهما قديمة قدم التاريخ ، أما الثانية الجديدة نسبياً ، فقد بدأت خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين ... اشتهرت بهما مدينتنا واصبغطت ، قياساً لباقي مراكز المحافظات الأخرى في سوريا ... ألا وهما النواعير والطراطير .
كلمتان تحملان إيقاعاً لفظياً متقارباً ، لكنهما بعيدتان كل البعد في مدلولهما ونتائجهما ، وتأثيرهما على الإنسان والبيئة ...... نعلم جميعاً مدى صداقة النواعير للإنسان ، من النواحي الخدمية والاقتصادية والاجتماعية والجمالية والسياحة ، وحتى الشاعرية ( بالمعنيين النفسي والأدبي ) ..... أما الطراطير ، فإن العكس بالنسبة لها صحيح تماماً ، وبالمناسبة لم أسمع شعراً يتغنى بالطراطير .
فبالرغم من جميع الشكاوى والاعتراضات المقدمة من المواطنين ، وبالرغم من جميع القرارات الصادرة عن مجلس المدينة بمنع دخول وتجوال الطراطيروما يماثلها ضمن الشوارع والأحياء ، وبالرغم من جميع الفوضى المرورية التي تسببها ، وبالرغم من جميع الحوادث الخطرة والإعاقات وحوادث القتل الناجمة عنها ، وبالرغم من هروب مسببيها ، وبالرغم من استخدامها لرمي الأوساخ والأنقاض ضمن المدينة ، ووسيلة أساس لنابشي القمامة ... وبالرغم من الضجيج القاتل الذي تصدره ، وبالرغم من التلوث الذي تحدثه ، وبالرغم من وجود البدائل ، وبالرغم من كونها مخالفة للقوانين باعتبار أنه لا يمكن تسجيلها في مديريات النقل ، وبالرغم من اللقاءات والطلبات المتكررة من أعضاء مجلس المدينة للمسؤولين بتطبيق القوانين والتشديد في منعها ضمن المدينة ..... بالرغم من كل ما تم ذكره ، لا تزال الطرطيرات والعزاقات سيدتا الموقف .
كانت الحجج أن الأجهزة المعنية تحجز أسبوعيا العشرات منها !!!!!؟ وأن الطرطيرة تعيل وتساهم في إعالة العشرات من الأسر" الدرويشة " و"المسكينة" و " المتعيشة " والتي "لا مورد لها غيرها " ، وإيقاف مورد رزقها "حرام" لا يجوز...............عظيمة هذه النظرة الإنسانية لحاجات المواطن ، لكن ...... هل أن النظرة الإنسانية تقتضي ترك الحبل على الغارب أم مساعدة أولئك " المتعيشين " و " المساكين " و" الدراويش " لتحسين واقعهم كحصولهم على قروض ميسرة (مثلاً) لتحسين الوسائل التي "يتعيشون" منها ، كما هي متطلبات النظرة الإنسانية .....؟! هل أنه لا "درويش" ولا "مسكين" ولا "متعيش" ولا "أسر فقيرة لا مورد لها" إلا في حماه......؟! هل أن شكاوى واعتراضات وطلبات المواطنين لا إنسانية........؟!
منعاً للظلم عن أحد ، فقد يكون هناك احتمال بأن البعض ممن يهمه تطوير الحركة السياحية في حماه ، قد اعتبر أن الطرطيرة فولكلور حموي أصيل من تراث الأجداد ..... أو أن البعض ممن يهمه تحقيق النهضة العلمية قد اعتبر الهند مثالاً ويشجع المواطنين عل الإبداع والاختراع بدءاً بالطراطير ...... إن كان هذا أو ذاك أقترح تنظيم كرنفال "طرطيراتي" في المدينة ضمن فعاليات مهرجان الربيع بعد تزيينها بالبالونات والشرائط والأعلام الملونة ، واقترح تنظيم سباق "طرطيراتي" ضمن مضمار محدد بعد تقسيمها إلى فئات حسب قوة محركاتها ..... على أن يتم تسليط الأضواء الإعلامية على ذلك إثباتاً للعالم كله عن الحضارة والتقدم العلمي في حماه ... وبلا تعب دماغ ....
إني أستطيع الجزم والتأكيد ، بأن أحداً من مواطني حماه يقبل بأن يطلق على مدينتنا اسم "مدينة النواعير والطراطير" ... هذا ما صرنا نسمعه للأسف من بعض الزائرين من باب الدعابة ، التي قد تكون جارحة بالنسبة لنا ...... أما عن النواعير ، فإنها إن نطقت لصاحت : أغيثوني من الطراطير ........
(2)
عظيمة هي النظرة الإنسانية من المسؤولين نحو المواطنين ، ومذهلة هي الاعتبارات الإنسانية التي يضعونها نصب أعينهم حين البحث في مشاكل المواطنين ، ومنها ما يتعلق ( بالدراجات النارية ) الموتورات .........
فبالرغم من جميع الشكاوى والاعتراضات وطلبات المواطنين ، وبالرغم من الفوضى المرورية التي تحدثها ، وبالرغم من حوادث السرقة والنشل التي تستخدم لإنجازها ( لا تلك الإنجازات منعاً للالتباس ) ،وبالرغم من الحوادث الكثيرة التي تتسبب بها ، وبالرغم من الأذى الجسدي الكبير والإعاقات وحوادث الموت والقتل الناجمة عنها ، وبالرغم من التلوث والضوضاء الهائلة التي تحدثها ، وبالرغم من اعتمادها وسيلة للترهيب والتشفيط في الأسواق وأمام مدارس البنات وفي الأحياء ، وبالرغم من أنها " مهربة " بأغلبها ، وبالرغم من مطالبات بعض أعضاء مجلس المدينة بتنظيمها وتنظيم مرورها ............ بالرغم من كل ذلك ...... لا تزال الفوضى سيدة الموقف .
كانت الحجج أيضاً ، بأن الأجهزة المعنية تحجز أسبوعياً العشرات منها ، وأنها ضرورة اجتماعية إنسانية للمواطن .... نظرة إنسانية مجدداً ........ألا تتطلب مثل هكذا نظرة وضع شروط تنظيمية تتعلق بأوجه الاستعمال وحركة الموتورات ضمن المدينة..........؟! ماذا عن الالتزام بقوانين السير ...؟ ماذا عن اتجاهات السير .... ؟ ماذا عن حدود معينة للسرعة.....؟ ماذا عن عدد الراكبين على الموتور الواحد ....؟ ماذا عن واقية الرأس ....؟ ماذا عن الضجيج ...؟ ماذا عن الترهيب والتشفيط ...؟ ماذا عن الإلزام بتسجيلها بعد صدور القوانين الناظمة.....؟ ثم ، لِـــمَ وجود ما يسمى " موتورات السباق " و " الموتورات الجبلية " ضمن المدينة ........؟
المفارقة عند صدور " توجيهات " تتعلق بالموتورات ، فيتم عندها مصادرة وحجز من يوقفها بشكل نظامي عند إشارات المرور .....فقط...... ويهمل من يخالف ...... والسبب هو الاعتبار الإنساني (!) تخوفاً من وقوع حوادث في حال ملاحقتها .....
الحل واضح أيضاً ، دعوة المواطنين لتسجيلها ، ومنح تراخيص بقيادتها بعد تحديد الحد الأدنى للسن ، ووضع شروط وقواعد لاستعمالها ، والتشديد في تطبيقها ......وذلك مستطاع ويساهم بشكل كبير في الحد من مشاكلها وفي معاقبة من يسيء .
أختم بالقول المعروف : إن كنت لا تدري فتلك مصيبة ، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم .........وإن كان البعض لا يزال يحاول العمل بمقولة " الزمن كفيل بحل كل شيء " فإن الزمن نفسه ، أيها السادة ، قد أثبت عدم صحة هذه المقولة ....
منقول عن نزار صباغ : ( كلنا شركاء) 28/4/2005